الحكم والامثال الشعبية والكوردية

كول نار

G.M.K Team

إن البحث في سيرة حياة أي شعب لمعرفة مجموعة النظم والقوانين الأخلاقية والضابطة القانونية والحالة النفسية له ونمط تفكيره في الحياة وكذلك طريقة معيشته والبيئة التي يعيش فيها لا بد للباحث أن يتعرج في بحثه على معرفة آدابه بكل أنواعها وحياته الروحية والثقافية بالإضافة إلى تاريخه المكتوب حتى تكتمل لديه صورة واضحة وجلية عنه بالإضافة إلى ما تم ذكره يمكن إضافة عدد من العوامل الأخرى مثل العادات والتقاليد القومية والوطنية والموروث الشعبي للأسلاف . كما يمكن للباحث أن يعرف التفاصيل الدقيقة التي يبدو للشخص العادي لا قيمة لها عن هذا الشعب وذلك من خلال سبر أغوار ذاكرتهاالشعبيـة التاريخية وما تختزنها من تراث والذي يعتبره علم الفلسفة والاجتماع بمثابة الفلسفةالشعبيـة وكان معظم فلاسفتها إن جاز القول من الناس العاديين وربما السفهاء والمجانين ومن الحكماء وذوي المعرفة والخبرة في الحياة أيضاً .إن تراكم هذا الموروث لدى الناس عبر الأجيال والزمان شكل نوعاً من الثقافة والرأي والوعظ وقد عبروا عنه من خلال الحكمة والامثال الشعبيـة والأحاجي والألغاز والأسطورة والخرافة أحياناً وقد تم جمع كل هذا النتاج الإبداعي والنشاط الفكري من قبل المؤرخين والباحثين لدى الشعوب وأطلق عليه اسم التراث القومي والوطني (الفلكلور) .

لا يمكن تحديد هوية متحد بسهولة وفهمها إلا إذا ما تم البحث في الذاكرةالشعبيــة وذلك من خلال الأدب والثقافة الروحية والآثار والأوابد كما أن اكتشاف العالم أو الباحث هذا النشاط الفعلي للشعوب منذ الأزمان السحيقة لا تتم إلا من خلال فحص ذاكرتها حيث تتضمن محتوى تلك الذاكرة الحكاية والرواية الشعبيــةوالقصة القصيرة والأسطورة والخرافة التاريخية من قصص أبطال تلك الشعوب وكذلك ميتولوجيا الدين والأغاني والرقصات الشعبيـة والأزياء وطريقة المعيشة والأحاجي والألغاز والحكم والامثال الشعبيـة والتقاليد القومية والعادات الاجتماعية التي كانت كلها مجتمعة بمثابة الدستور والضابطة الحقوقية والقانونية والعرفية للحفاظ على هيكلية الجماعة من التفكك والتبعثر وقد تجلى هذا النشاط وعبقرية الجماعة وحكمة الشارع والفطنة والفلسفةالشعبيـة من خلال الفنون الأدبية ومن هذه الفنون الحكم والامثال الشعبية التي تعتبر لدى معظم الشعوب المعاصرة كنزاً ذهبياً لا تقدر بثمن باعتبارها عصارة فكر الأجداد وإبداع الأسلاف والذاكرة التقليدية للقومية في الحفاظ على كيان الأمة .

إن التراث الكردي مثله مثل تراث سائر شعوب العالم مليء بهذا النوع من النتاج الفكري والوجداني والثقافي كما أن حركة وتفاعل الشعب الكردي مع البيئة سكنها ولدت لديه بالضرورة ثقافة ومعرفة إنسانية فتحت له طريقاً صحيحاً في التعامل بين أفراد الجماعة وفق ضوابط حافظت على الوحدة القومية والتماسك الاجتماعي ومن أبرز هذه الأشكال الأدبية هو الأدب الشفاهي الغني بكل مفردات الحياة الذي لا تقل كماً ونوعاً من حيث التعبير والتأثير والتصوير والتفسير والحكمة عن آداب سائر الشعوب المحيطة به بل ربما كان أكثر عمقاً وفلسفة وإنسانية ويرى أغلب المستشرقين والباحثين في حقل تراث الشعوب بأن التراث الشعبي الكردي من أغنى الآداب الشعبيـة المحافظة على طابعها الأصيل التي تعكس حقيقة هذا الشعب وطبيعة بلاده بالرغم من تعرضه إلى الغزوات المتكررة والتقسيم ثقافياً و سياسياً والتي سعت مجملها إلى محو طابع الكردايتي عنه ولكن استمراره بنفس الوتيرة والإحساس والإرادة دليل على الأصالة والتماسك .
كل ما كتب عن الأدب الكردي وفولكلوره يعتبر قليلاً ولا يعبر عن سعة وتنوع هذا الأدب وتطور الفنون والشعر الغنائي الملحمي لديه الذي يمكن اعتباره بمفرده بمثابة تاريخ وسيرة شعب دون في صدور الناس وعقولهم منذ الأزمان الغابرة يحكي قصص وحكايات الشعب الكردي بأسلوب بديع ورائع يعكس مدى عمق الأصالة والتاريخ لديه وكأن المرء أمام شريط سينمائي وقد اتفق معظم الباحثين والمختصين في الدراسات الكردولوجية على أن التراث الكردي وخاصة القديم منه جديراً بالاحترام والتقدير وعلى جانب عظيم من الثراء وقوة التعبير وجدانياً وعاطفياً وفكرياً وهو الذي قام بدور كبير في الحفاظ على نموذج الشخصية الكرديه من الاغتراب والضياع وأعطتها الهوية والسمة الخاصة بها وتمايزت عن غيرها بالرغم من المحاولات الجادة في طمس معالمها والاستبداد والاضطهاد التي لحقت بها على مر القرون الماضية وبقي هذا الشعب يمثل الأمة الكرديه بكل مقوماته الأساسية وما يجري عليه الآن بحقه من المؤامرات و المؤثرات وسياسات الإقصاء والإنكار ليست قادرة على فعل شيء وتشويه تلك الأصالة حيث يرجع الفضل الأول والأخير إل تلك الثقافةالشعبيـة المتأصلة والمتجذرة في وجدانه وضميره وكذلك إلى دور العادات والتقاليد الاجتماعية المركونة في ثنايا المجتمع والتي تناقلتها الأجيال إلى بعضها البعض بفخر واعتزاز ربما يكون البعض من هذه التقاليد والعادات بالية بالمقارنة مع التطور الحضاري الحديث ولكن وظيفتها تبقى أكبر وأهم من الكثير من السياسات الكرديه العاملة في الساحة الكردستانية في الحفاظ على كيان الأمة .

كانت لطبيعة كردستان الجبلية الجميلة ووفرة المياه و الخيرات والمراعي الكثيرة في كل مكان أن جعلت من الراعي والحلابة والفلاح والبستاني والطحان والصياد والحصاد شعراء وفنانين بالفطرة واندمجوا مع شاعرية الطبيعة وأبدعوا في كل الفنون بشكل رائع ولم يكن هم الكردي من هذه الدنيا سوى العيش ببساطة واطمئنان 0 لم يعش الكرد عقدة النقص والانطواء والحرمان أبداً عبر كل المراحل الماضية من تاريخه إلا في العصر الحديث حيث مجمل الظروف والعوامل التي كانت تحيط به ايجابية ومساعدة للحياة في كردستان ما عدا السياسية منها حيث الأراضي الخصبة والمناخ المتنوع والمياه الوفيرة والرزق الكثير الذي كان الإنتاج فائضاً عن احتياجاته لذلك عاش الاكتفاء الذاتي ولم يتولد لديه عقدة الحسد وبالتالي روح العدوان والغزو كما الشعوب المجاورة له فلم يفكر يوماً من الأيام بمسألة تأمين مستلزمات العيش وصعوبة العيش . ففي دراستنا لأكثر 4000 مثل وحكمة كردية لم نجد سوى عدة أمثال لا تتجاوز أصابع اليد الواحد تشير إلى هذا الروح والنفسية العدوانية ومحاربة الغير من أجل تأمين لقمة العيش لذا كان ينصب جلّ اهتمامه على التمتع بالحياة الطبيعية وما زال يفكر هكذا وبالتالي ولدت لديه مشاعر وأحاسيس شاعرية وفنية لطيفة ولهذا بقي الشعب الكردي محافظاً على عوامل إنسانيته وحبه للأغيار بالرغم من عدم احترام الآخرين له ولم يمتلك يوماً من الأيام ثقافة الغزو والتوسع ولم يفكر بأن الشعوب المجاورة طامعين في أرضه وخيرات بلاده انطلاقاً من نفسيته المرهفة وحبه للحياة وزيادة الخيرات لديه على عكس الشعوب المجاورة له حيث الشخصية الفظة والقاسية المتصارعة مع الحياة من أجل البقاء بسبب مناخه القاسي والبخيل في كل شيء مما انعكس كل هذه الانفعالات في تراثهم الأدبي والفني حيث لا يوجد فنون تراثية حقيقية لأغلبهم وهذا هو أحد أسباب التخلف لدى هذه الشعوب حيث الإبداع وثقافة الغزو أمران متناقضان ولا تلتقي مداراتهما .

إن البحث في هذا النوع من الفنون والآداب يفتح قريحة وشهية الباحث إلى ما لا نهاية وخاصة إذا خاض غمار البحث فيها وسبر أغوار وجدان ونفسية الإنسان الكردي وخاصة الريفي منه سوف يجد أن كل تفكيره وأسلوب معيشته ينصب في عدة مسائل بسيطة هي تأمين رزقه والتمتع بالحياة والطبيعة التي حوله والعيش بسلام لذا اقتصر جل نتاجه الفكري في هذا النوع من الفنون الراقية التي عكست مشاعره الإنسانية حتى بات الراعي في كردستان فناناً مبدعاً فأي راع من الشعوب الأخرى هو فنان كما هو الراعي الكردي وقس على ذلك باقي فئات المجتمع لقد كان كل شيء من الطبيعة يبدو لناظره في كردستان لوحة فنية متكاملة وحقيقية يعجز أكبر موسيقار وفنان تشكيلي أن يقلد و يأتي بمثله . في هذه الأجواء والظروف الطبيعية المثالية نشأ الإنسان الكردي ونشأت لديه الفنون والآداب الإنسانية التي تناشد الوجدان والمشاعر لذلك أصبح عاشقاً للحياة وحافظ على أسلوب ونمط وإيقاع الحياة لديه لا أن يصبح مقاتلاً وقاتلاً للحياة وربما يكون هذا النوع من التفكير سبباً في بقائه تحت نير الاستبداد والظلم الحالي. إن قصص الحب والعشق والتغني بالحياة عند الكردي لا تعد ولا تحصى فخلال الصيرورة التاريخية من التطور الثقافي والوجداني ظهرت أشعار وأغاني الملاحم والبطولات الفردية المحلية من وحي الناس خلقت بدورها شكلاً من أشكال التفكير الفني المجتمعي مما جعل الناس على علاقة حميمة ولصيقة بالفنون الكرديه وفي كل المناسبات ربما يخجل الكردي من الوضع الذي هو فيه ما عدا فنونه وآدابه الذي يعتز بها وفولكلوره القومي المميز من بين الشعوب المجاورة له .

يمكن القول أن الحكم والامثال الكرديه أيضاً مثل كل الفنون الأخرى هي نتاج خبرة طويلة من بين الفنون الراقية التي امتلكها الكرد ومن النظرة الحكيمة والفاحصة عما حوله في كل المستويات من جوانب الحياة الروحية والاقتصادية والأخلاقية 0 لقد قام هذا النمط الأدبي بدور فعال ومؤثر في تصحيح مسار وسلوك والناس لكونه قريباً إلى النفس ولإيجازه ولطفه وما يتضمن في معانيه التعبير عن الحياة العامة بأسلوب فكاهي وساخر أحياناً وتربوي وحكيم أحياناً أخرى حتى بات يشكل قدراً عظيماً وجزء من ثقافة الإنسان المتعلم والعالم إلى جانب الثقافة الاجتماعية 0 قديماً كانت الحكمة تأخذ المكانة الرفيعة في الكتب المقدسة إلى جانب التشريعات الأخرى في تقويم وإهداء الناس إلى الخير فقد أعطى التوراة والإنجيل هذه المكانة للحكمة مثل أي سفر آخر ومن هذا المنطلق كانت الحكم والامثال الشعبية ومضة مشرقة وعذبة في تاريخ حياة الشعب الكردي حملها الجيل بعد جيل بالعبرة المفيدة الزاخرة بمعانيها والحكمة العميقة والصورة المفرحة وكانت وقع تلك المثال على القلوب والوجدان تثير البهجة فور سماعها وتقبلها الآذان بشكل مريح ومرد ذلك يرجع إلى بداهتها وعفويتها وبساطتها وإيجازها في اللفظ وغزارة في المعنى واللحن عند القول .

لقد كانت ينابيع ومصادر تلك الأمثال متنوعة ومتعددة الأهداف والتعبير حول مجمل جوانب الحياة وطرح كل هذه الينابيع أفكارها وأحكامها في ذلك الإطار التعبيري الأدبي بشكل مبدع وذكي في مناسبة وكما أن صنع الأمثال وصياغتها وغزلها وإسقاطها على الجماعة بشكل لطيف تحتاج إلى نفس حساسة وبارعة وخاصة في صياغة اللفظ المطابق للشعور والفكرة في موقف ما فإذا لم تتوفر هذه الشروط في الشخص المبدع والحكيم وشروط ولادة المثل يموت المثل عند الولادة وكانت من شروط الحكمة والمثل الناجح هو أن تخرج من فم إنسان ظريف وحكيم وذكي ليصيح مثلاً شعبياً بعد أن يقرها الذوق العام عندما يتم روايتها وترديدها .

إن الحكم والامثال الشعبية الكرديه على مختلف نماذجها ذات سمات فنية وأدبية راقية وشاعرية موجزة لها طابع موسيقي ونغمة مريحة ومحببة على مسامع الناس وذات صفة لفظية جزلة وتصويرية مجسدة للمعنى إن ما يضفي على الأمثال الكرديه جمالها واستساغتها وتذوق الناس لها هو قربها إلى القلب وإيجازها ولحنها بلغة أدبية وفنية جميلة منها ما جاءت بأسلوب تصويري وساخر وطريف و منها ما جاءت على لسان الحيوانات وأخرى على لسان عناصر أخرى من الطبيعة ومنها ما جاءت على شكل مواعظ وحوارات ونقد لاذع وإرشادات 0كل هذه الأمثال خرجت من بيئة وطبيعة وجغرافية كردستان.

لقد غطت الحكم والامثال الشعبية جميع اتجاهات ومناحي الحياة وسلوك الأفراد ونمط الشخصية ونوازع الناس في المجتمع الكردي وقد تضمن الأمثال الأنانية والغيرة والخسة والأعمال السيئة والشهامة والبطولة والكرم والأخلاق وعن المرأة وفصول السنة والحيوانات والطبيعة وطبيعة وسلوك الفئات المتعددة من المجتمع وكل ما يخطر على بال الإنسان يجدها في هذه الأمثال 0 كما أن هذه الأمثال والحكم ليست نظريات أو آيات في الحياة وصائبة في كليتها ولكنها نوع من الأدب الرفيع والتاريخي والموروث الثقافي للأسلاف يمكننا أن نتذوقها والعمل به عند الحديث وفي تقييم سلوك ومسار بعض الشواذ مثلها مثل تأثير أي قطعة أدبية أو نثرية كانت أو شاعرية على الرأي العام ومواقف الناس وتعتبر في كليتها بمثابة فيتامينات تؤخذ مع الوصفة للمريض الاجتماعي في بناء وتقويم الشخصية ذات التقاليد والأعراف الكرديه وستبقى هذه الأمثال خالدة في وجدان وتاريخ الأدب والتراث كونها مادة تاريخية وفنية وفكرية وتربوية وأخلاقية هادفة جاءت عبر تراكم من الزمن الماضي من تاريخ الأجداد وأن الكثير منها جديرة بأن تكون في متحف التراث الإنساني ولا تقتصر قيمتها على إنها صورة لثقافة الماضي فقط بل أن الصورة الأخلاقية والقيم الجمالية والتربوية لها في الخير والحق والمحبة والعدل والتواضع والكرم كلها مشاعر دافئة وانفتاح على الضمير الإنساني وهو دليل عظمة الشعب الكردي الذي عاش منذ فجر التاريخ كعظمة جباله الشماء وكريماً مسالماً مثل نهري الدجلة والفرات وذو خيال خصب مثل خصوبة أرضه المعطاءة .

لقد عالجت الحكم والامثال الشعبية والكرديه الكثير من القضايا وتحدثت عنها من حياة الكرد وأمراضه الاجتماعية في محاولة لإصلاحها والإشارة إلى الشواذ فيها لنبذها وكانت دورها لا تقل عن العادات والتقاليد والشرائع والقوانين وقد تناولت تلك الأمثال والحكم الجوانب التالية : في تصوير نفسية الإنسان ومكارم الأخلاق و المرأة والأهل والناس والجسد والهيئة وتناقضات الحياة والأزمنة والبلاد وأمثال لاذعة والساخرة......الخ


 
رد: الحكم والامثال الشعبية والكوردية

تقرير رائع عن فرع مهم بالحضارة والثقافة الكردية
كول نار دمتي بروعة
 

كلبهار

مراقبة عامة
هور يانعه في بساتين المنتدى نجني ثمارها من خلال الطرح الرائع لمواضيع اروع
وجمالية لا يضاهيها سوى هذا النثر البهي
فمع نشيد الطيور
وتباشير فجر كل يوم
وتغريد كل عصفور
وتفتح الزهور
اشكرك من عميق القلب على هذا الطرح الجميل
بانتظار المزيد من الجمال والمواضيع الرائعه
 
أعلى