كي لا ننسى حلبجة

قبل عشرين عاماً، وتحديداً في16 آذار(مارس)1988، حصل ما لم يكن مسبوقاً في منطقتنا. صحيح أن المنطقة هذه عرفت صنوفاً متعدّدة من القهر والقمع والاضطهاد، وتعاقب عليها، وما يزال، قساة وجلاّدون لا يُحصى لهم عدد. إلاّ أن الأسلحة الكيماويّة لم تكن قد استُخدمت، لا سيّما داخل دولة واحدة ووطن واحد.


هذا تحديداً ما شهدته بلدة حلبجة العراقيّة الكرديّة، الواقعة على بُعد150 ميلاً شمال شرق بغداد وحوالي عشرة أميال من الحدود مع إيران.وبهذا كان لها قصب السبق والتأسيس في ما لا يُحسَد المتفوّق على تفوّقه فيه. وقد جاءت الضربة، كما هو معروف، تتويجاً لحملة "الأنفال" العسكريّة التي شنّها صدّام حسين في نهايات حربه على إيران، والتي كانت كلّها قاسية ودمويّة، تثأر من توالي الانتفاضات الكرديّة ومن سعي الأكراد الى تحصيل بعض حقوقهم عبر الإفادة من مناخ التنازع العراقيّ – الإيرانيّ في حرب الخليج الأولى. غير أن حلبجة، التي تنتمي الى محيط مدينة السليمانيّة، كانت الأقسى والأشرس في الأنفال. فمن سكّان تلك البلدة البالغين سبعين ألف نسمة، ممن يمتهنون الفلاحة وتربية الماشية، قضى خمسة آلاف جميعهم مدنيّون وثلاثة أرباعهم نساء وأطفال.

مذّاك صارت كلمة "كيماويّ" مألوفة ومتداولة عربيّاً، بحيث لُقّب منفّذ عمليّات الأنفال وابن عمّ صدّام، علي حسن المجيد، بـ"علي الكيماوي". وهي، بطبيعة الحال، ليست إشارة لامعة الى دخولنا الحداثة التقنيّة وزمنها!

هذه التجربة كانت الأوج في قمع الأكراد، وفي القمع عموماً.

وقد يقول قائل، بعد كلّ ما عرفه العراق من مآسٍ، إن علينا أن ننسى حلبجة. فالآلام التي تعاش راهناً تجبّ ما قبلها وينبغي أن تحجبها وتهمّشها. لكنْ لا. فنسيان حلبجة، تبعاً لخصوصيّة محنتها "الكيماويّة"، نوع من التنصّل الخطير الذي ينمّ عن مرض جماعيّ وثقافيّ مستحكم.

وهي، والحقّ يقال، لا تستمدّ تلك الخصوصيّة من عدد الضحايا، ولا حتّى من استخدام السلاح الكيماويّ على ما ينطوي عليه ذلك من دلالات مرعبة. ذاك أن مصادر الخصوصيّة تكمن في اجتماع عوامل أربعة أخرى:

أوّلاً، أن يمارس الحاكم ضرب جزء من شعبه(حسناً، شعبه الافتراضيّ والنظريّ) بسلاح كيماويّ. وواقعة كبرى كهذه تشي بمفهوم للحكم والسلطة يقدّمهما خارجين عن مجتمعهما مستوليين بالقسر والقهر عليه. ولئن جسّد صدّام حسين الذروة الصارخة للفهم هذا، إلاّ أن تعابيرها تتجمّع وتتمدّد في سائر منطقتنا، طارحة علينا الأسئلة الكبيرة: كيف فهمنا "الدولة" و"السلطة" و"الوطن" و"الشعب" منذ تعلّمنا هذه المفاهيم على يد الكولونياليّة الأوروبيّة؟

ثانياً، كون ضحايا حلبجة ينتمون الى أقليّة إثنيّة(الأكراد)، وإن لم يكونوا أقليّة دينيّة، فهذا ما يسلّط الضوء الكثير، أقلّه نظريّاً، على طريقة في التعامل مع الأقليّات، الإثنيّ منها والدينيّ، المذهبيّ والطائفيّ، واستطراداً على أشكال استيعابنا لمسائل المواطنيّة والمساواة فيها، وبناء نسيج مجتمعيّ واحد تالياً. ففي مكان أكراد العراق، يمكن أن نكتب أسماء أقليّات مسلمة أو غير مسلمة، عربيّة أو غير عربيّة، خضعت وتخضع لـ"القانون" نفسه.

ثالثاً، وفي ما خصّ الثقافة ودورها النقديّ والضميريّ، تمارس حلبجة نوعاً من التنقيب والنبش في التراكم الثقافيّ الذي تستند النُخب العربيّة، أو جلّها، إليه. وهو، لسوء الحظّ، مايزال رصيداً سالباً يتحكّم به هُجاس مقارعة الأجنبيّ(الإمبرياليّ، الأميركيّ، الصهيونيّ الخ...) والتضامن الفعليّ مع أبناء جلدتنا. في المقابل، ليس عديم الدلالة أن صدّام حسين هو الذي استخدم لحربه غطاء ثقافيّاً أتى به من بطون التراث "الوطنيّ والقوميّ والإسلاميّ" حين استقى من إحدى سور القرآن تعبير "أنفال" وطبّقه على النحو الذي فعل.

رابعاً، المسؤوليّة العربيّة عمّا حلّ بالأكراد لمجرّد أنهم أكراد. وهي مسؤوليّة أخلاقيّة لا يظهر أيّ من القرائن على ارتفاع سويّة وعينا الشائع الى مستواها.

وأبشع من كلّ ما عداه أن يتحوّل الضلوع الراهن لبعض القيادات الكرديّة الأساسيّة في الفساد، أو في القمع، وهو ضلوع مؤكّد، حجّة تبرّر لنا نسيان حلبجة والعمل على إنسائها.

إن الدم الكرديّ الذي على أيدينا هو ما ينبغي أن نراه ونُريه قبل أن نبادر، كمن يخفي فعلته، الى غسله.
 

G.M.K Team

G.M.K Team
شكرا اخي ئلان على هذا نقلة الرائع

عدلت على الفيديو

الفيديو يجب ان يكون في صفحة واحده

اكرر شكري وتقديري لك

تحياتي
 
ده ست خوش كاك ئالان على الموضوع واكيد ما فى حد بينسى حلبجة الله يرحم الشهداء ويلعن صدام المجحوم ومن اتبعه ليوم الدين
سوبااس
 
ما دى جه وا ئه و روز هيته ز بير كرن يا 5000 مروف تيدا هاتبنه شه هيد كرن؟!!!!!

كيف ننسى يوم الذي ماتت 5000 شهداء من النساء والشيوخ والابرياء؟؟!!!!!!!!!!!!!!

سوباس بو بابه تى ته

شكرا لل الموضوع الرائع
 
أعلى