البحث عن الهوية الكردية

خالد يونس خالد

76.jpg



"الخير هو البحث المنَزّه".
إذا حللنا هذه المقولة التي قالها الفيلسوف اليوناني القديم بالمعنى الكبير لفهم حالة الانسان الكردي الذي يبحث عن كرامته الوطنية بين الهويات القومية المتواجدة في الساحة الدولية، نجد أن كردستان وطن ضائع في وحل الاحتلال، تحكمه العلاقات الاستعمارية من قبل كيانات مختلفة تمثل استعمار الجار للجار وهو أقسى أنواع الاستعمار وأشدها تخلفا وظلما واستغلالا. وهنا تتجلّى الحقيقة التي مفادها أن القومية الكردية قد أصبحت فكرة يتيمة وأحيانا هزيلة بدون أن تحميها دولة يشعر فيها الكردي بمواطنته لصياغة شخصيته الإنسانية وكرامته القومية. فحين يجد الكردي الأعلام التي ترفرف على بنايات الأمم المتحدة، يشعر بنوع من الضياع حيث لا يجد العلم الكردستاني بينها، فلا يعرف أين يُرفَع رمز شخصيته الوطنية المفقودة، فيتردد بين البحث عن العَلَم المفقود في الواقع الدولي وبين الهوية القومية اليتيمة بين دول عديدة تحكم كردستان، وهو ينظر إلى العلم الكردستاني فوق طاولة مسجونة في بيته، تمثل شخصيته في تلك الزنزانة التي يعيش فيها. وقد يجد ذلك العلم المقهور الذي لا يُرفع إلاّ على سطوح بعض المباني في أقليم كردستان دون أن يعترف بها المجتمع الدولي، فلا يتمتع بالحصانة ولا يمثل السيادة المفقودة بين ألوان منقوشة على قطعة قماش تهب عليها الرياح.
طبعا لا يمكن للألوان فقط أن تعبر عن الهوية الكردية، ومن غير الممكن للكردي أن يدعي أنه حُر وهو ينتمي لوطن محتل أسمه كردستان. وكم يشعر الكردي بالإهانة حين يكون بين أفراد آخرين في المدارس والكليات الأوربية، فيقدم كل فرد نفسه ويقول بفخر واعتزاز أن أسمه فلان بن فلان، وأنه من الدولة الفلانية. وعندما يأتي دور الكردي يشعر بالأهانة الحقيقية حين يتفوه باسمه ويتردد بين أن يقول أنه من كردستان أو من (العراق، ايران، تركيا أو سورية). فإذا قال أنه من كردستان، يسأله الأستاذ من أي كردستان، فيقول من كردستان العراق أو كردستان إيران، أو كردستان تركيا أو كردستان سورية، وهو يشعر في داخله بصراع نفسي مرير يتمنى أن يتمرد على ذاته وهو يقول بخجل أنه من كردستان دولة معينة، وكردستان محتلة بين هذه الدول.
هذه الحالة المرثية التي عبر عنها الشاعر الكردي (هلمت) على لسان طفل كردي يرجو أستاذه أن يعلمه كيف يكتب أسم كردستان. وهذه الحالة التي تشعر الأم التي تقيد طفلها الرضيع في المهد وهي في الصراع الذي يُمزق جدران قلبها. وقد عبر الشاعر الكردي (هه زار) هذا الشعور في قصيدته الرائعة:
إصفح عنّي يا صغيري
لقد أحكمتُ وثاقكَ لأنك طفل كردي
يوما ما سيمسك بك أعداؤك
من الفرس والترك والعرب
ويوثقونك
عليكَ أن تتعلّمَ احتمال الأذى

أين الكردي في كل هذه الصراعات النفسية وهو يعيش بين التفاهات التي يتفوه بها الآخرون من الذين يحكمونه بالقوة. فإذا قال الكردي أنه يريد دولة كردستانية، إتهمه المحتلون بالرجعية والانفصالية والتمرد والتشدد والتعصب، وأنه عاصي على القوانين، وقد يُقال أنه مجنون لأنه يريد أن يتحرر، فيصبح خطرا على أمن الدولة التي تحتل أرضه، وتحكم فكره، وتُقيِّدُ عقله. وإذا هرب لاجئا إلى دولة أجنبية، يقول المحتل، ذهب إلى الغربة، لتُضعف روحه الوطنية، فينسى وطنه، وليذهب إلى غير رجعة.
وهذا الكردي يفكر فيما إذا كان حقا انفصاليا، وكأن كردستان قد ضاعت في التاريخ أو بين أنياب القطط السمينة التي جزأت أوصال وطنه، فأصبحت جزءا من وطن الآخرين، وأصبح الكردي غريبا أو لاجئا أو منفيا في وطنه أو خارج وطنه، لأنه لا يملك الوطن، وليس له وطن، وقد ضاعت هويته أو ليست له هوية.
وهذا الكردي يفكر إذا كان رجعيا حقا. فالكردي رجعي إذا قال أنه يملك وطنا، ولكن العربي والفارسي والتركي رجعي إذا تفرط بوطنه ولم يدافع عنه، بل أنه خائن إذا اعترف باحتلاله لوطن الكرد.
وهذا الكردي متمرد إذا رفض الاهانة وقال أن العلاقات الاستعمارية تحكمه.
وهذا الكردي متشدد لأنه يدعو إلى الثورة والتجزءة.
وهذا الكردي متعصب لايؤمن بالأخوة التي تحكمنا جميعا.
وهذا الكردي متخلف لأنه لايعترف بأن الحكم للقومية الكبيرة التي تقبض على السلطة.
وهذا الكردي عاصي لا يلتزم بالقوانين لأن القوانين التي أقرها المحتلون تريد أن يخضع الكردي لتلك العلاقات الاستعمارية التي تحكمه.
وفي كل الأحوال فالكردي مُدان حتى يثبت براءته لأنه لا يتمتع بهوية مستقلة باعتباره يفتقد لدولة كردستانية مستقلة.
الكردي مُدان لأنه ليس عربيا، وهو مدان لأنه ليس فارسيا، وهو مدان لأنه ليس تركيا. والكردي المسلم ناقص الدين لأنه يفكر بدولة كردستانية تؤدي إلى إضعاف العرب والفرس والترك، فإسلامه ناقص في منظور القومجيين الآخرين لأنه، ببساطة متناهية وساذجة، كردي.
وهنا يتساءل الكردي مَن هو؟ وما هي هويته؟ يبحث عن هذه الهوية فلا يجدها. وهذا الكردي يتباهى أحيانا، حين يُقاال له أن القائد الكردي حسني الزعيم كان رئيسا لسورية في يوم من الأيام. ويتباهى حين يسمع أن بكر صدقي كان يوما رئيسا للعراق، وأن توركوت أوزال كان رئيسا للجمهورية التركية، وأن جلال الطالباني رئيسا للعراق الفدرالي. ولكن لم يستطع أي من هؤلاء أن يحقق الهوية الكردية في وطن مستقل اسمه كردستان لأنهم أنفسهم يفتقدون لهذه الهوية.

حين يسأل الكردي زميله العربي، مَن هو العربي؟ يجاوبه للتو معتزا بقوميته وعروبته، وقبل كل هذه وتلك، معتزا بإسلامه، أنه عربي وأنه ينتمي للوطن العربي الذي جزءه الإستعمار، وأن العروبة هي الإسلام بعينه. وقد طرح المفكر العربي (الدكتور محمد عابد الجابري) هذا السؤال (مَن هو العربي)، وهو يقول بصدد فكرة العرب والعروبة في المرجعية التراثية، (مسألة الهوية): "إن البنية المعرفية الخاصة بالمرجعية التراثية بجعلها (العرب) مفهوما ينتمي إلى الماضي أكثر من انتمائه لحاضر الإسلام، في أي عصر من عصوره، تقدم الأمور بصورة توحي بأن مفهوم (المسلمين) قد حلَّ محل مفهوم العرب: قد تجاوزه واحتواه ليصبح وحده الحقيقة الحاضرة حضورا أبديا".
وتساءل (الدكتور محمد عمارة) في كتابه (التيار القومي الاسلامي) في تحليله لأفكار هذا التيار العروبي في موضوع: "أيهما أولاً .. العروبة؟ أم الإسلام؟" فقال: "أن الرجل كان يرى في العقود التي سبقت عقد السبعينات انفراد القومية وحدها كمحرك للأمة العربية نحو الثورة والنهوض. والإسلام الحضاري هنا هو مجرد مكون من مكونات القومية يغذيها بتراثه الروحي، وهو متضمن فيها. أما منذ عقد السبعينات وبعد إتساع مساحة الحديث عن الإسلام في مشروعه الحضاري، فلقد أصبح الإسلام أكبر مكون من مكونات القومية العربية. أصبح أباها الذي ولدت منه ولادة جديدية". ويقول الأستاذ (عمارة) ما يمثل فكر (ميشيل عفلق) في سنين عمره الأخيرة: "ومن أجل قوميتنا، ولكي تكون صحيحة وصادقة ومكتملة الجوانب والأبعاد الروحية والأخلاقية والحضارية، نظرنا إلى أعماق هذه القومية وإلى جذورها والينابيع التي تنهل منها، فوجدنا الإسلام أهم وأعمق حقيقة في تكوينها وأنه روحها وأفقها الأخلاقي والإنساني".
إذن التطور الجديد الذي حدث بالنسبة للقومجيين العروبيين العرب، هو "أن العروبة هو الأسلام" ، بل أن (عفلق) يشدد كما نقله الدكتور (عمارة) : "العروبة وجدت قبل الإسلام". وينقل بصراحة متناهية العبارة التالية: "فالوطنية هي العروبة بعينها، والعروبة – هي الإسلام في جوهره". (عمارة، التيار القومي الاسلامي).
ولكن عندما نحلل أسطورة (عفلق) نجد أن العروبة رابطة عرق ودم أما الإسلام فعقيدة ونظام حياة، لأن الإسلام ليس دينا قوميا محصورا للعرب وحدهم. ويجيد (فتحي يكن) في كتابه (حركات ومذاهب في ميزان الإسلام) في قوله: "أما العرب فلم يكن لهم أسم جامع أو تعبير قومي يعرفون به قبل الإسلام ... يتأكد لنا من استعراض التاريخ الجاهلي انعدام الشعور لدى سكان الجزيرة بأنهم أبناء قومية واحدة، وأن العروبة قاسمهم المشترك على صعيد الجنس واللغة والمصالح المشتركة".

ماذا يهم الكرد فيما أسردتُه أعلاه؟
العرب والفرس والترك جعلوا كل الأقوام الأخرى في خدمة الإسلام، وجعلوا الإسلام في خدمة العروبة التي يتصورونها هي الإسلام في جوهره. وجعلوا الإسلام في خدمة التفريس باعتبار أن القومية الفارسية تمثل آل البيت والشيعة الذين يشيعون الإمام علي عليه الإسلام. وجعلوا الإسلام في خدمة التتريك باعتبار أنهم يمثلون التراث الإسلامي العثماني، وكانت الأمبرواطورية العثمانية نموذج وحدة الإسلام.
ولكن لماذا جعلت القوميات العربية والفارسية والتركية من الإسلام مطية لاستغلال القوميات والشعوب الأخرى في جوارهم في السنين الثلاثين الأخيرة؟
الجواب بسيط وهو أنه عندما انفصلت العروبة عن الإسلام بأسم القومية فقدت عناصر بقائها وعوامل قوتها فرجعت إلى الإسلام لتحمي نفسها، وجعلت الأقوام الأخرى في خدمتها. وهكذا بالنسبة للفرس والترك. ولكن الإسلام المعاملة، والإسلام الممارسة في كل ميادين الحياة بعيدا عن التحكم والاستعباد والظلم والاضطهاد، وهذا ما لانجده عند الذين يحتلون كردستان، ويحكمون الشعب الكردي بالعلاقات الاستعمارية.

أين مكان الكرد في احتلال هذه الأنظمة لكردستان؟
يقولون أن الإسلام لا يؤمن بالقومية، وعليه فعلى الكرد والقوميات الأخرى أن يخدموا الإسلام، ويخدم الإسلام هؤلاء القومجيين. ولعل من المفيد أن نقول أن هناك اليوم بعض الأحزاب الإسلامية الكردستانية، ولا أقول كل الأحزاب الإسلامية الكردستانية، تمثل هذا التيار في خدمة هذا التوجه باعتبارها فرعا من فروع الاحزاب الإسلامية العربية أو التركية أو الفارسية أو ما شابهها. فهي لا تنوي إثبات الهوية الكردية ولا تفكر في دولة كردستانية تكون مرجعية للكرامة الوطنية الكردية، إنما تعمل طبقا للمشروع الذي وضعته الأحزاب الإسلامية الأخرى.
وإذا حللنا الواقع الكردستاني من منطلق مساهمة الأنظمة العربية والتركية والفارسية في إضعاف المرجعية التراثية الكردية والقضاء عليها إلى درجة أصبح الكردي يفتقد للهوية الكردستانية، لأنه ينتمي للعراق أو تركيا أو إيران أو سورية، حيث استخدمت هذه الدول الإسلام مطية لاستعباد الكرد. فالكردي اليوم ينتمي للتراث العربي أو التركي أو الفارسي أكثر من انتمائه للتراث الكردي. وأنه ينتمي للاسلام بشكل مجرد عن الاعتزاز الوطني، وبدأ الكردي من العراق يشعر أنه يتقبل التراث العراقي مثلا بسهولة أكثر باعتباره قد تأقلم نسبيا مع تلك الثقافة من التراث الكردي من سورية حيث تأقلم مع التراث العربي السوري، فما بالك بالتراث الايراني والتركي؟
السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: أين موقع الكرد من هذا التراث أو ذاك؟ بل أين موقع الكرد في التراث الاسلامي، ليس من زاوية اخلاص الكرد للاسلام وخدماتهم الجليلة لهذا الدين الحنيف في المحك العملي، إنما من زاوية نظرة القومجيين الاسلامويين الذين يحتلون كردستان، بتحديد موقعهم في الاسلام؟
لقد تحدث كردي أنه كان "مجاهدا" بين صفوف الأفغان لمحاربة الأتحاد السوفيتي، وبعد انسحاب القوات السوفيتية (آنذاك) من أفغانستان، قال لزملائه أنه يرجع إلى وطنه. فسألوه أين وطنه؟ فأجاب كردستان. فقالوا له إن جهادك غير مقبول لأنك لستَ مسلما. واستغرب الكردي الذي بدأ يفكر في داخله عن هويته لماذا؟ فقالوا له: أنت كردي، وتدعي أن كردستان وطنك. إنك تريد أن تستقطع أوصال وطننا الإسلامي بإدعائك بوجود وطن لك أسمه كردستان. وعندما قال أن غالبية الكرد مسلمون ويؤمنون بالإسلام. قالوا له: القومية تعصب قبلي، والإسلام جاء للقضاء على هذا التعصب.
إذا كان الكردي مسلما ملتزما يُقالُ له إياك أن تتحدث عن القومية الكردية فالأسلام ينبذ القومية لأنها من تعصب الجاهلية، "كلنا أخوة مسلمون ومتساوون، لافرق لعربي على عجمي إلاّ بالتقوى". وإذا كان الكردي شيوعيا، يُقال له، "إننا أمميون لا نقبل القومية، دع عنك البحث عن الهوية، فالأمميون لا وطن ولا حدود لهم". وإذا كان الكردي قوميا، تلتقي كل المتناقضات في الساحة الشرق أوسطية لمحاربته بأسم الدين والأممية والوطنية والقومية.
أين يمكن للكردي إذن أن يُصَنفَ هويته في دائرة هذه الصراعات والتناقضات المخيفة بين القومية والدين والأممية، وهو لا يملك السلطة في الواقع العملي لأنه يفتقد لدولة كردستانية مستقلة؟ وتتجلى المأساة الكردية في فقدان الكرد لإستراتيجية بعيدة المدى، وإتخاذ مواقف عفوية على المستويات الكردستانية والأقليمية والدولية. وتبدو جوانب هذه المأساة الكردستانية في عشرات الأحزاب والمنظمات والجمعيات والمؤسسات المتصارعة التي تفتقد إلى الخطاب الفكري الموحد، والتوجه السياسي الاستراتيجي المبرمج لتحديد الهوية الكردية. بل أن الأنكى من كل ذلك، التناقضات التي تحكم الكرد.
أما على الصعيد الأقليمي فإن الكرد يرتكبون أكبر الأخطاء إذا جعلوا الإسلام عدوا لهم لإرضاء الغرب، لأن الإسلام في حالة عداء الكرد له، سيصبح أعظم قوة توحد العرب والفرس والترك والمسلمين لعداء الكرد ومحاربتهم، ومن الخطأ الجسيم أن يتصور الكرد أن الغرب يضحي بمصالحه من أجل الكرد. وليس من مهمة الحركة التحررية الكردستانية محاربة الإسلام والمسلمين، لاسيما أن غالبية الكرد مسلمون. لابد من التمييز بين الإسلام الحنيف الذي أرضاه الله تعالى للمسلمين ((اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)) وبين الظلم والعدوان والاضطهاد والاستغلال الذي يمارسه بعض الأنظمة المسلمة، ولاسيما الإرهاب الذي يمارسه بعض الإسلامويين بأسم الإسلام. فالأكراد مطالبون أن يقللوا من أعدائهم في الداخل والخارج دون التفريط بالثوابت والأساسيات الكردستانية، وهي كلها لا تتعارض مع العقائد السماوية، نظرا لأحقية القضية الكردية، وحق الكرد في تقرير مصيره بنفسه وتشكيل دولته المستقلة على أرض وطنه كردستان. فتحقيق الاستقلال لا يعني أبدا استقطاع أراضي الآخرين، إنما تحرير تلك الأراضي التي يحتلها الآخرون، وإعادتها إلى أصحابها.
أما القوى الأممية فهي في الأساس من مؤيدي الحق الكردي في الحرية والكرامة الوطنية من منطلق الأمميين بحق كل شعب في تقرير مصيره بنفسه. وقد يكون هناك مَن يدعي بالأممية ولا يؤمن بهذا الحق، لكنه لم يفهم قضيته الأساسية، ولا يمكن أن يكون معيارا للموقف العام. وعليه لابد للكرد من دراسة الواقع الفكري والعقائدي والأنثروبولوجي للمنطقة في التعامل مع الاحداث على أساس جوهر القضية، وهو إثبات الهوية الكردية والعمل على تحرير الأرض والوطن الكردستانيين، بفتح آلاف الأبواب على كافة المستويات، ولا سيما على المستوى الدولي.
أجاد المفكر (علي حرب) في كتابه (نقد الحقيقة) حين بحث فكرة (الوجود والحقيقة والذات)، فقال: "طبعا لا حاجة إلى القول بأن (الوجود) و (الحقيقة) هما مقولتان قديمتان قِدَم الفلسفة نفسها، إذ التفلسف كان، منذ البداية الأغريقية، عبارة عن بحث في حقيقة الكائن عينه أو في كينونة الحق ذاتها. بل إن /هيدغر/ ذهب إلى أن الوجود هو مسألة قد تم تناسيها في الفكر الحديث. أما مقولة الذات، فلا مراء بأنها مقولة حديثة، مع أن ملفوظة الذات قد جرى فعلا تداولها فلسفيا قبل ديكارت، وبالتحديد عند /ابن سينا/ الذي بيّن في برهان الرجل الطائر أن تَحقُق الإنسان من وجوده يتم بتمثله ذاته بذاته بلا توسط، أي هو عبارة عن علاقة مباشرة للذات المدركة بذاتها هي مصدر تيقّننا من حقيقتنا الذاتية".
هذه هي الإشكالية حين يقول التيار البعثي العراقي أن الأكراد أصلهم عرب. ويقول التيار البعثي السوري أن الكرد مهاجرون على "الأرض العربية". ويقول الترك عن الكرد أنهم أتراك الجبال. ويقول الفرس أنهم من العائلة الإيرانية.
هل نترك هذا الموضوع لكل كردي يبحث عن هويته، أو ينبغي، لا بل يجب، على الكرد أن يبحثوا عن هذه الهوية بالعمل والتنظيم والممارسة الفعالة، بضرورة توحيد الصفوف ونبذ الأحقاد والابتعاد عن القبلية، والتحلي بالحكمة وطلب المعرفة، والنضال المشترك لنيل الحرية على أرض الوطن، فالحرية لا تُكتَسب إلاّ بالعلم والمعرفة والنضال. ولا يمكن لهذه الحرية أن تدوم بدون أن تكون على أرض كردستان، دولة حرة مستقلة.
ليفكر كل كردي بضرورة إيجاد دولة كردستانية لإثبات هويتة القومية وكرامته الوطنية. فالنقطة الجوهرية في علم الانتروبولوجيا هي أن الجماعات الأثنية المتخلفة التي تفتقد لكيان سياسي لا تمثل مجتمعا مدنيا، لأنه لا يوجد مجتمع معاصر في النظام العالمي اليوم بدون دولة، وهذا يعني أن الكردي يفتقد إلى مثل هذا المجتمع بالمفهوم المعاصر. فأين أنت أيها الكردي في الكوكب الأرضي السيّار؟ أين تجد نفسك في ذاتك وأنت في الغربة أو في الضياع بين الهوية المفقودة والوطن المحتل؟
إذن أبحث عن الهوية، فالهوية لا تبحث عنك. ولتكن رئيسا أو مرؤوسا، غنيا أو فقيرا، مالكا أو مملوكا. أعقْد مؤتمرا نفسيا مع ذاتك، وأسأل نفسك، مَن أنا وما هي هويتي وأين وطني؟ ثم غني بكل جوارحك أوتار الأشعار التي عزفها الشاعر الهندي طاغور:
"حيث العقل لا يخاف، والرأس مرفوع عال
وحيث المعرفة حرة
وحيث العالم لم يمزق التعصب جدرانه
وحيث تخرج الكلمات من أعماق الحقيقة
وحيث الكفاح المستمر يمد ذراعيه نحو الكمال
وحيث لايفقد جدول العقل مجراه في صحراء التقاليد الميتة
وحيث يقود العقل نحو ساحات أفسح من الفكر والعمل
تحت سماء الحرية تلك .. يا إلهي.. أيقظ وطني".
 
أين الكردي في كل هذه الصراعات النفسية وهو يعيش بين التفاهات التي يتفوه بها الآخرون من الذين يحكمونه بالقوة. فإذا قال الكردي أنه يريد دولة كردستانية، إتهمه المحتلون بالرجعية والانفصالية والتمرد والتشدد والتعصب، وأنه عاصي على القوانين، وقد يُقال أنه مجنون لأنه يريد أن يتحرر، فيصبح خطرا على أمن الدولة التي تحتل أرضه، وتحكم فكره، وتُقيِّدُ عقله. وإذا هرب لاجئا إلى دولة أجنبية، يقول المحتل، ذهب إلى الغربة، لتُضعف روحه الوطنية، فينسى وطنه، وليذهب إلى غير رجعة.



[align=center]ما بقول غير الله يصبرنا و يحمي قائدنا مسعود بارزاني و ينصرو

دست ساغ براي من عاشق على الموضوع و المجهود الرائع

هار باجي
[/align]
 
أين الكردي في كل هذه الصراعات النفسية وهو يعيش بين التفاهات التي يتفوه بها الآخرون من الذين يحكمونه بالقوة. فإذا قال الكردي أنه يريد دولة كردستانية، إتهمه المحتلون بالرجعية والانفصالية والتمرد والتشدد والتعصب، وأنه عاصي على القوانين، وقد يُقال أنه مجنون لأنه يريد أن يتحرر، فيصبح خطرا على أمن الدولة التي تحتل أرضه، وتحكم فكره، وتُقيِّدُ عقله. وإذا هرب لاجئا إلى دولة أجنبية، يقول المحتل، ذهب إلى الغربة، لتُضعف روحه الوطنية، فينسى وطنه، وليذهب إلى غير رجعة.



[align=center]ما بقول غير الله يصبرنا و يحمي قائدنا مسعود بارزاني و ينصرو

دست ساغ براي من عاشق على الموضوع و المجهود الرائع
 
رد: البحث عن الهوية الكردية

الشعور في قصيدته الرائعة:
إصفح عنّي يا صغيري
لقد أحكمتُ وثاقكَ لأنك طفل كردي
يوما ما سيمسك بك أعداؤك
من الفرس والترك والعرب
ويوثقونك
عليكَ أن تتعلّمَ احتمال الأذى

مشكوور والله يعطيك الف عافيه كل الشكر وتقدير لك
 
أعلى