الشْعر .. وقصة ثوب السلطان

G.M.K Team

G.M.K Team
الشْعر .. وقصة ثوب السلطان

يحكى أن أحد السلاطين في قديم الزمان كان مولعاً بعجائب الأشياء وغرائب الأمور ، ارسل بطلب اشهر الخياطين في مملكته ، وأمره بأن يحوك ويخيط له ثوبا سحريا يغير ألوانه من ذاته ، لم يلبس مثله ملك أو سلطان قبله ، وأمهله مدة قصيرة وألا فالسياف بأنتظاره .

عاد الخياط الى داره محملاً بهمّ عظيم ، كيف له أن يلبي أمر وطلب السلطان وينقذ رقبته .

كان للخياط زوجة تتصف بالدهاء وبالذكاء ، اشارت عليه بفكرة ، لم تكن لتخطر على باله .

وفي الصباح ذهب يطلب مقابلة السلطان ،

وبين يديه :

سيدي ومولاي السلطان الأعظم .. سأحوك قماشا من خيوط سحرية وأخيط منه لجلالتكم ثوبا من صفاته العجيبة بأنه لا يراه ولا يحس به من كان خائنا ولا يحب السلطان و مملكته وشعبه ، فرح السلطان بهذا الكلام ، وتخيل كيف أنه سيكشف كل خائن له ولمملكته .

وهيأ للخياط مكانا خاصا لحياكة وخياطة هذا الثوب السحري العجيب .

وبدأ الخياط يعمل على آلته ، واصبح يحرك يديه ورجليه وكأنه يعمل في صناعة هذا الثوب الوهمي ، حيث لم تكن هناك لا خيوط ولا قماش ، لم يجرؤ أحد ممن كانوا ينظرون الى عمل الخياط وقماشه بأن يقولوا لا يوجد شئ ، فيعتبرون من الخونة ، وبين آونة واخرى يرسل السلطان أحد حاشيته ليرى عمل الخياط ، فيعود ليقول ..

سيدي ومولاي أنه يحوك قماشا جميلا لم أرَ مثله في حياتي ،

مع العلم أنه لم يرَ غير حركات أيدي الخياط في الهواء .

وهكذا فكل فرد يقول مع نفسه ربما أنه وحده الذي لا يرى القماش لذا يضطر الى الكذب ولا يقول الحقيقة .

وفي يوم من الأيام ذهب السلطان بشخصه ليرى الثوب الذي قارب على الأنتهاء ...

ياالهي !! لا أرى شيئا ! تمتم السلطان بداخله ، كيف هذا ؟

أيعني بأني لا أحب مملكتي وشعبي ؟

ولكنه كتم ذلك في صدره ، وأخذ يثني على الخياط وعمله ، ويظهر اعجابه وسعادته بثوبه ، واصفا أياه بالرائع .

وكان يوم أرتداء الثوب ، الخياط يدور حول السلطان ويتظاهر بألباسه الثوب المزعوم ، تحت أبداء عبارات الاعجاب والمديح من حاشيته .

أكمل الخياط عمله متمنيا للسلطان دوام ملكه والموت لأعدائه والحاقدين عليه والكارهين لسلطانه .

أخذ السلطان يدور في مماشي قصره بين حراسه وحاشيته مختالا بثوبه السحري ، والحقيقة لم يكن مرتديا غير ملابسه الداخلية ، ولكن من يجرؤ على قول ذلك ، حتى هو نفسه .

ونوديَ بأن السلطان سيظهر على رعيته ، بعد ان نشر عيونه وحراسه بينهم ، وكان يوم مسير موكبه ،

الجميع يهتفون بحياة السلطان وجمال ثوبه الذي هو من عجائب الدنيا ، وكان أحد الاطفال برفقة أبيه ينظر مع الحشود الهاتفة المتملقة ، ولأن الطفل على سجيته وبراءته لا يعرف للرياء وللنفاق سبيلا ، أخذ يردد ، أين ثوب السلطان ؟ أنه بملابسه الداخلية !

صعق الأب من كلمات طفله وشدَّ على فمه بيديه ، ولكن الهمسات تسربت وانتشرت بين الحشود بأن السلطان لا يلبس شيئا ، وارتفعت الهمسات الى كلام مسموع ، وتعالت أصوات الجموع ،

السلطان لا يلبس شيئا ، لا يلبس غير ملابسه الداخلية .

لقد كانت الكلمة الصادقة التي قيلت عن حقيقة ما رأت ، وكانت كفيلة بأن تنبّه البقية الى خطأ ادعائهم وغرقهم في مجرى خاطئ ، ومن ثم العدول عنه وعدم الانجراف فيه .

ذكرتني هذه القصة بما أراه الآن من كتابات لبعض كتابنا والتي يعتبرونها شعرا حرا ولا أراها سوى قطعة نثرية أو كتابة أعتيادية فرقت عموديا على الاسطر معتبرين أياها قصيدة حديثة من صنف الشعر الحر .

وما يؤثر في النفس هو تسارع البعض ممن أتخذوا من اسلوب الثناء والمديح منهجا لهم لتمجيد هذه الكتابات والثناء على كاتبها وكأنه المتنبي او جبران خليل جبران وقد طلَّ بقصيدة جديدة تهتز لها الآفاق ، وعندما يظهر من ينتقد هذه القصيدة أو ينبه كاتبها الى ملاحظة رآها خاطئة ، يتبعه في النقد والملاحظة الآخرون ، فكأنما منحوا شرارة جرأة كانوا يفتقدونها ، أو معرفة بأصول الشعر والكتابة كانوا يجهلونها .

أقول لهؤلاء فليكن لكم كلمة حق تقال ، وقيّموا الاعمال بما تستحقها من تقييم ، لتريحوا ضمائركم وتقدموا خدمة لكتابها ليراجعوا كتاباتهم ويصححوا نتاجهم الذي اصبح يتجه الى شكل الشعر المترجم ، أي ان بعض القصائد بلغاتها الاصلية عندما تترجم الى لغة اخرى لا يمكن أبدا ان تظهر بصورتها الشعرية الجميلة التي نعرفها ، ومع ذلك فربما ظن البعض بأن القصيدة الشعرية هي هكذا فسلكوا هذا المنهج وأصروا عليه وتفاخروا بها ، ويقينا لدى هؤلاء بعض الضعف في كتابة القصيدة الجميلة الملتزمة بالموسيقى اللفظية والقافية المتنوعة فسلكوا هذا الطريق السهل المفروش لهم ببعض عبارات المادحين .



***



حسين بلاني

11\8\2008
 
قصة جميلة جدا ولكن الاروع هي الحكمة الكامنة ورائها ...
سباس عزيزي بافي كدار
 
أعلى