قصة قصيرة ...غدر الذئاب الغبراء ...؟. . بقلم : ماهين شيخاني

G.M.K Team

G.M.K Team
قصة قصيرة ...غدر الذئاب الغبراء ...؟. . بقلم : ماهين شيخاني

clear.gif


[FONT=times new roman,times] [/FONT]
[FONT=times new roman,times][/FONT]
[FONT=times new roman,times]ذات صباح استيقظ أهالي البلدة المجاورة على الحدود , وجلين , مرعوبين , هارعين إلى مصدر النواح والصراخ , أوصالهم ترتعد خوفا من المجهول وكأن القيامة قد قامت ,وجوه كئيبة و عيون دامعة . بينهم من لا يتمالك نفسه فيصرخ باكيا رافعا يديه نحو السماء , سائلا ....لماذا ؟. لماذا ....ياربي ؟. والنساء لا تنقطع ولولاتهن , متجهون جميعا صوب الحدود التي تفصلها سكة القطار والأسلاك الشائكة , أما الطرف الثاني فمزروعة بأشد أنواع الفتك والتدمير من الألغام والمتاريس والثكنات .[/FONT]
[FONT=times new roman,times] في الهزيع الأخير من الليل سمعت البلدة دوي إطلاق العيارات النارية من النوع الثقيل وكأن الحرب بدأت رحاها , ثم انتقل الى مسامع الناس بان بعض العتالين قد استشهدوا في الطرف الثاني من الحدود , ولكن من هم , وما أسماءهم , لم يعلم بعد , سوى أنهم سبع أشخاص قاموا بنقل صناديق الشاي . وكالعادة على علم وتنسيق مع بعض المخافر للطرفين عن طريق تاجر .وبما ان البلدة صغيرة و تربطهم علاقات اجتماعية وعشائرية تسربت إليهم بعد حين . بان الوضع أصبح في غاية من الحساسية وهناك توتر ملحوظ لكلا الدولتين والسلطات المحلية تحاول ان تتصل عبر الدبلوماسية مع الدولة الثانية وتطلب تسليم جثثهم والمصابين الآخرين , وتبين بعد ذلك من هم القتلى الثلاث .[/FONT]
[FONT=times new roman,times] كنا صغارا وقتها وأعمارنا تتراوح بين ثلاثة عشر وستة عشر عام , ولا يخلو بيننا بعض كبار السن ممن لا يستطيعون العمل سوى الحراسة , أغلبنا من طلاب المرحلة الإعدادية وأبناء المعدومين والفقراء باستثناء بعض أولاد الموظفين ذوي النفوذ والقوة . والذين لا يناوبون ولا نرى وجوههم إلا أثناء توزيع النقود , كان والد احدهم ضخم الهيئة وذو كرش كبير يتسع لشوال من القمح , فحين يلمحه أبو البر , زميلنا في الحراسة , يكبرنا قليلا ويعلم ما لم نعلمه نحن , يهمس في أذن زميله ويقول :[/FONT]
[FONT=times new roman,times]- يا ترى , أباه كيف يضاجع زوجته , أظن وحسب ما قرأت في كتاب حياتنا الجنسية يناسبه وضع الحصان . يرد عليه زميله بقهقهة ناشزة بين كلمة وأخرى : [/FONT]
[FONT=times new roman,times]- لا ....لا ..هههههههه , هذا العملاق هههههه , يناسبه وضع الفيل هههههه, تصور فيل ينكح حمامة ...آآآه , ثم يواصل هههههه ؟.[/FONT]
[FONT=times new roman,times] كان عملنا هو حراسة أكياس القمح من السرقة أو طرد الحمير من بين ( الاستوكات والجملونات ) لدى مؤسسة زراعية تسمى ( الميرا ) والميرا عبارة عن ( هنكارات ) مستودعات ضخمة بنتها آنذاك الدولة الفرنسية لجمع المحاصيل الزراعية ومازالت موجودة حتى الآن .[/FONT]
[FONT=times new roman,times] كنا نعرف جميع العتالين , القوي منهم والذي يتباهى بحمل أكثر من كيس على كتفيه , والوسط الذي يكاد يحمل كيسا على ظهره وأرجله ترتجف , فيستهزئ البقية به ويمازحونه ويقولون له : أنت ( خربو ) لا تصلح شيال , خرجك مع الضعفاء , تشتغل ( عكام ) فقط . يتحجج بانه البارحة كان ساهرا مع زوجته وانه هدر طاقته , فيضحكون ويمزحون والعرق بتصبب من أجسادهم .[/FONT]
[FONT=times new roman,times] أتذكر ذاك القبضاي الذي كان يحمل كيسين على كتفيه ويدون ان نلاحظ عليه أي إجهاد وهو يتسلق السلم أو ما يسمى ب ( الرنية ) ويضعها في شاحنة صغيرة تسمى ب (كميون ) أما الطرف الثاني من الحدود فكانت تسميها ( قميون ) .[/FONT]
[FONT=times new roman,times] في تلك الليلة المشئومة اتفق التاجر مع عتالين كان يتعامل معهم على ما يبدو سابقا بهكذا مهمات والتي لاتخلو من المخاطرة بل تضع الروح على الكف وتحملهم الأكفان سلفا . ابلغهم بساعة الصفر لنقل البضاعة , كانت تجارة الشاي ذو ربح وفير لايصدق , فهي أضعاف أضعاف ما تربح عندنا ومكسبها في بضع ساعات قليلة , طمأنهم بان الأمور ميسرة ولا خوف من أي سوء طالما الثكنة بكاملها في قبضة يده , وقد اتفق معهم بالمرور كالعادة تحت الجسر القريب , حيث لن يشكك احد بذلك ولن يتعرض احد الى الأذى أو الخوف من الألغام المزروعة , والحمولة لسبع صناديق , علينا تأمين أشخاص موثوق بهم وقريبون منكم حرصا للسرية في عملنا وعدم تسريب معلومات عن التهريب لبعض الجهات التي لم ادفع لها واستطرد:[/FONT]
[FONT=times new roman,times] نحن بغنى عن المشاكل يا أخوتي ؟.[/FONT]
[FONT=times new roman,times] هز الحاضرون رؤوسهم بالتأييد [/FONT]
[FONT=times new roman,times]اجتمع العتالون السبعة في المكان المحدد ولدى الحضور تبين أن الصناديق فقط ستة ؟!. فاضطروا إلى الاستغناء عن احد العتالين , ذو الحظ العاثر والذي سيعود إلى البيت خال الوفاض يجر أذيال الخيبة.[/FONT]
[FONT=times new roman,times]وثب الباقون وأسنانهم تصطك بعضها, حيث أحزم كل واحد منهم صندوقه على ظهره بإحكام , فلهذه اللعبة قواعدها من تسقط عنه الصندوق أو لم يستطع تسليمها للنقطة الثانية لا ينال الأجرة وسيحرم من العتالة بالتأكيد , كونه سيصبح علكة بفم الآخرين من أقرانه بأنه ضعيف وجبان والى آخر صفة من هذه الصفات الدونية .[/FONT]
[FONT=times new roman,times] استعد الأول بالخطوة نحو الشمال باتجاه الجسر وتلاه البقية بصمت بحيث يكاد لايسمع جفْجَفَة لباسهم أو مشيتهم , حاملين معهم أحلامهم والعودة إلى البيوت وفي أيديهم مال تعيلهم في ضائقتهم والالتزامات المتربة عليهم من مصاريف وديون , كان الأول يفكر بوضع ابنه الكبير الذي انهي الخدمة ولم يتزوج فتاته بعد . فيحدث نفسه :[/FONT]
[FONT=times new roman,times] عدة سفرات كهذه سأجمع مالا , أخطبها له وأفرحه بها وأريح كاهلي .[/FONT]
[FONT=times new roman,times]أما الثاني - فيحدث ذاته :[/FONT]
[FONT=times new roman,times] صباحا إنشاء الله , سأتوجه إلى صاحب الدار وأعطيه أجرته , لقد تأخرت عن الدفع كثيرا, صرت أراه في الشارع أغير مساري , والله عيب ؟.[/FONT]
[FONT=times new roman,times]الثالث – يقول :[/FONT]
[FONT=times new roman,times]- سأشتري دواء لزوجتي , يبدو أن دواء المستوصف لم تنفع معها وتحسن صحتها , إنهم يعطونها مسكنات فقط .؟. كيف لها أن تعالج ..؟. لابد من أدوية معالجة .[/FONT]
[FONT=times new roman,times]الرابع – يقول :[/FONT]
[FONT=times new roman,times] سأشتري زوجين من الحمام المجري ذو الأعناق الطويلة وسأضع خلاخل في أرجلهم ,كما وعدت ولدي وليتباهى أمام أولاد الحارة , سألبي طلباته كلها , انه وحيدي وغدا عندما يتهي دراسته سيعوضنا كل شيء وارتاح على الأقل أواخر عمري .[/FONT]
[FONT=times new roman,times]الخامس – يحدث نفسه :[/FONT]
[FONT=times new roman,times] غدا إنشاء الله , سأشتري ذاك المذياع الذي أعجبني وسأستمع إلى مذياعي الخاص , أصبحت اخجل من وضعي , بسهري الدائم عند بيت عمي والاستماع إلى أخبار تخص ( كالو ) . وفي سره بدأ بأغنية ( هر بزي بافي لقمان ) .[/FONT]
[FONT=times new roman,times] السادس : حلم بوليمة كبيرة مشرفة يعزم أقرباءه وبالأخص أولاد أخيه ويقول : الجمعة طيبة يا زلمة ..؟.[/FONT]
[FONT=times new roman,times]- المسكين السابع وهو في طريق العودة يحدث ذاته :[/FONT]
[FONT=times new roman,times] آخ ...آخ . .. شو هالحظ ؟. صدق من قال : اللي مالوا حظ لا يتعب ولا يشقى .!. يا زلمى اللقمة وصلت للتم .....- ضرب راحة كفه على جبينه - وقال : حظ ؟؟!!. وتذكر زوجته وتمتم , كيف أبرر القصة لزوجتي , إنها لا تفهم , ستجثم على صدري و تقول : هات , وهذه فرصة بان تصب جام غضبها وتنعتني بالضعيف والمسكين اللي القط يأكل عشاه . [/FONT]
[FONT=times new roman,times] كان بريق سكة القطار يلمع بسبب انعكاس ضوء القمر , وتتضح شيئا فشيئا, كلما اقتربت المسافة بينها وبين حاملي صناديق الشاي , وما أن وطئت أقدامهم الطرف الثاني من الحدود , حتى بدأ وابل من الرصاص تخرج من فوهات أسلحة الحراس المستذئبة , لتخترق أجساد العتالين الرطبة .[/FONT]
[FONT=times new roman,times] كبرنا , ومن عاداتنا زيارة المقبرة في صبيحة أول أيام العيد , وباعتباري من الناس العائدين إلى البلدة بعد فراق طويل بسبب العمل خارجها , توجهت مع أسرتي إلى المقبرة القريبة من (الميرا ) ومن الحدود , وأنا اقرأ الفاتحة على أرواح الأموات , تذكرت ذاك الحدث الأليم منذ سنين , فأخذتني قدماي إلى قبر اؤلئك الشهداء في سبيل لقمة العيش , حينها انتبهت إلى شاب مفعم بالحيوية والشياكة , رافعا يديه نحو السماء وهو يقرأ الفاتحة على أرواحهم , فاقتربت منه حتى كدت ألامسه وسألته بفضول :[/FONT]
[FONT=times new roman,times] هل تنتمي إلى أسرة احدهم ..؟ هل هم أقرباءك ؟.[/FONT][FONT=times new roman,times] نظر إلي باستغراب , ورد علي بلطف : وحضرتك من تكون ؟.[/FONT]
[FONT=times new roman,times]فركت راحتي يداي ببعضهما وقلت :[/FONT]
[FONT=times new roman,times]أنا....؟ اعرفهم واعرف جميع العتالين في البلد - وبحركة إيمائية من يدي -كنت احرس هذه المنطقة .[/FONT]
[FONT=times new roman,times] إذا تعلم بقصتهم – هز رأسه – واستأنف قائلا [/FONT]
[FONT=times new roman,times]أنا يا أخي , ابن ذاك العتال الذي لم يظفر بحصته ولم ينله الصندوق ورجع إلى البيت خائبا ؟.. لقد بعدنا عن البلد ولكن كلما سنحت لنا الظروف وخاصة المناسبات نأتي إليها , وازور المقبرة لأقرأ الفاتحة على أرواح رفاق والدي , واحمد الله على عدم نيله الصندوق , فلولاهم لما عاش بيننا . [/FONT]
[FONT=times new roman,times]- انتهت -[/FONT]​
[FONT=times new roman,times] [/FONT]
[FONT=times new roman,times]* شيال وعكام : مصطلحات العتالين , شيال : يحمل الكيس على طهره , أما عكام : فهما اثنان يساعدان الشيال لوضعها على ظهره .[/FONT]
[FONT=times new roman,times] ماهين شيخاني .[/FONT]
[FONT=times new roman,times]14-9-2008[/FONT]
 
شكرا اخي عبدو على القصة استمتعت بقرائتها حقا قصه مفيده وجميله

تحياتي وتقديري لك
 

كلبهار

مراقبة عامة
هور يانعه في بساتين المنتدى نجني ثمارها من خلال الطرح الرائع لمواضيع اروع
وجمالية لا يضاهيها سوى هذا النثر البهي
فمع نشيد الطيور
وتباشير فجر كل يوم
وتغريد كل عصفور
وتفتح الزهور
اشكرك من عميق القلب على هذا الطرح الجميل
بانتظار المزيد من الجمال والمواضيع الرائعه
 
أعلى