مختارات من الشعر الكوردي في سوريا في كتاب "نوافذ باكرة"

G.M.K Team

G.M.K Team


تسعى الشاعرة خلات أحمد في كتابها "نوافذ باكرة" إلى رصد نبض الشعر لدى عدد من الشعراء الكورد في سوريا، وهي تصغي إلى همس القصيدة عبر مختارات شعرية تدرجها في هذا الكتاب، لتكون الحصيلة ستة وثلاثين شاعرا، نصفهم، بالضبط، آثر أن يهب الحياة للحروف بلغته الأم: الكوردية، والنصف الآخر وجد في التعبير باللغة العربية وسيلة مجدية لصوغ مشاعره وأحاسيسه، وليس هذا نكرانا للغة الأم، بيد أن أحوال السياسة وضروب الثقافة السائدة في المدارس والجامعات قادت هؤلاء إلى ملاذ لغة الضاد بينما اللغة الكوردية، ولئن ظلت خرساء في القصيدة، لكنها بقيت يانعة، أبدا، في الحلم والوجدان.
طبعا، هذا جدال شائك لطالما طغى على نقاشات المثقفين الكورد، وثمة انقسامات حادة تبرز، هنا، بين من يرى ضرورة التمسك باللغة الأم، والكتابة بها كي يؤرشف النتاج الشعري أو الروائي أو القصصي أو المسرحي إرثا للثقافة الكوردية، وبين من يرى بأنه لاغضاضة في الكتابة بلغة أخرى طالما أن هذا النتاج يخدم الكورد وثقافتهم وقضيتهم بلسان الآخر.
الإنصاف، هنا، يقتضي منا القول، وببساطة، أن إبداعات سليم بركات، مثلا، البارع في اقتناص كنوز اللغة العربية، تنتمي إلى روح الثقافة الكوردية، مثلما أن الشاعر الكبير جكر خوين، على سبيل المثال أيضا، والذي خط بأحرف كوردية ضائعة في حسابات السياسة والمصالح، رمز لتلك الثقافة. إذا، القضية إذا ما أردنا اختزالها على نحو عاجل تكمن في السؤال: ماذا يقول الكاتب؟ سواء قاله بلغته الكوردية الأم أم بالعربية أو الفارسية أو التركية، وقد يكون هذا السؤال المراوغ جوابا مختصرا على سؤال لخلات أحمد تطرحه في كتابها: هل اللغة هي التي تحدد هوية أدب ما؟
نعود إلى الكتاب الذي بذلت فيه خلات أحمد جهدا واضحا، فهي تجوب تضاريس الشعر الكوردي الوعرة في جغرافية ضيقة، هي سوريا هنا، فتبحث في أرشيف الذاكرة والصداقة، وتحصي مرارات الشجن والشكوى، وتسجل البوح الشفيف بلسانين شقيقين في الماء والهواء والتراب، مختلفين في الرؤى والتأويلات والرموز، لتعثر على أصوات شعرية أثبتت حضورها، بهذا القدر أو ذاك، ضمن المشهد الشعر الكوردي المعاصر في سوريا. ومع أنها تجتهد وتتقصى وتبحث وتسأل وتدقق لتصل إلى الاختيار الصائب، غير أن ثمة إغفالا لأصوات شعرية لا تقل، إن لم نقل أنها تفوق في ألقها الشعري، بعض الأسماء الواردة هنا. والواقع أن الشاعرة خلات أحمد لا تنفي هذه الثغرة، بل تعي أن طبيعة الانتولوجيا أو المختارات هي عرضة لمثل هذا الإغفال، إذ تقول بوضوح في إضاءة لها حول كتابها "إن هذه المختارات، ككل مختارات أخرى، سيكون هناك شعراء غابوا عنها مع أنهم يستحقون أن يأخذوا مكانهم فيها، على الرغم من إنني حاولت جهدي أن تحتوي على أهم التجارب المتواجدة على الساحة الأدبية"، ومثل هذه الجملة الأخيرة أيضا تثير مشكلة أخرى هامة في المختارات، وهي أنها تعتمد، بصورة أساسية، على الذائقة الشخصية لمعد المختارات، وتلك إشكالية تعاني منها المختارات، دون استثناء، ومهما بدا معد المختارات بارعا في الانتقاء والاختيار والفرز، فإن أسماء قليلة أو كثيرة ستسقط من الحساب، إن كان ذلك عن عمد أو عن إهمال أو ببراءة تامة، أو بسبب الخلافات الشخصية أحيانا، كما حصل لمختارات من الشعر السوري أنجزها أحد الكتاب السوريين وأغفل اسما من مستوى نزيه أبو عفش الذي يصعب إغفال تجربته لدى أي حديث يتناول الشعر السوري المعاصر.
لا تكتفي خلات أحمد باختيار نصوص منتقاة لهذا الشاعر أو ذاك، بل تسعى إلى إشراكهم في إضاءة قضايا نظرية في الأدب، إذ سنقرأ لبعضهم، إلى جانب القصائد، آراء في طبيعة الشعر، وهل الشاعرة الأنثى تقدم نصا أكثر رقة وحميمية من الشاعر الرجل، وما خصائص وسمات وميزات الشعر الكوردي، وما هي الأسباب والدوافع التي تقود الشاعر إلى الكتابة باللغة الكوردية أو العربية، بل الكتابة باللغتين في بعض الحالات...وسواها من المسائل التي تسعى خلات أحمد إلى البحث عن إجابة لها، وهي تستعين، هنا، بآراء نقاد عرب مثل المغربي بن عيسى بو حمالة، والناقد السعودي محمد العباس، والشاعر قاسم حداد.
تعتبر هذه المختارات رصدا سريعا لتجربة عدد من الشعراء السوريين، ومثل هذا الرصد العابر لا يستطيع رسم لوحة متكاملة لفضاءات الشعر الكوردي في سوريا، ذلك أن هذه الفضاءات هي من الرحابة والاتساع والعمق بحيث يصعب الإحاطة بها من خلال كتاب مؤلف من 270 صفحة من القطع الوسط، ناهيك عن أن تجربة كل شاعر على حدة هي في طور التحول الدائم، والتطور المستمر، ومن هنا لا يمكن أن نحكم على تلك التجربة من خلال نماذج نصية لا تتعدى الصفحتين لكل شاعر، رغم أن بعضهم قد اصدر أربعة أو خمسة دواوين شعرية، بل أن شاعرا مثل سليم بركات اصدر ما يقرب من 20 ديوان شعري، فكيف لنص صغير الحجم أن يستوعب رحابة التجربة؟.
ومع كل ما سبق، فإن هذه المختارات تبدو ضرورية لتلمس واقع الشعر الكوردي السوري ومشاغله وهمومه وآفاقه، ويمكن للقارئ أن يحدد بسهولة سمات وصفات وأساليب وطرائق هذا الشعر، فرغم أن القصيدة هي لغة الوجدان والإحساس، وهي تقتات، بصورة رئيسة، من ينابيع الخيال والأحلام والهواجس، لكنها ملتصقة بحرارة الواقع، وتعكس خصوصية الشعب الذي ينتمي إليه الشاعر، بل تعبر عن روح هذا الشعب وتطلعاته وخيباته وانكساراته وأفراحه، وهذا ما يشير إليه الناقد المغربي بن عيسى بو حمالة الذي يقول: إن حدسي القرائي لم يخني قط في تبين النكهة القومية للقصائد الكوردية سواء بشيفراتها المعجمية، أو بانشدادها إلى شمال بكر؛ جاذب ومستحيل، فضلا عن الاستذكار المأسوي لماض تليد، والنوستالجيا العنيفة للأهل والأرض، والاحتفاء شبه الوثني بالملبوسات والعادات والطقوس والقيم الرعوية الطازجة، والسرد الأليم لأمة جريحة، منذورة للتيه والقهر والمعاناة".
ولا بد من الإشارة إلى أن الكتاب، الذي يحوي بعض الأخطاء اللغوية، ويحفل بأخطاء طباعية، صادر عن جمعية البيت للثقافة والفنون (الجزائر ـ 2008)، وذلك ضمن مشروع زهر الآداب، وبدعم من وزارة الثقافة الجزائرية، غير انه لم يحظ بالرواج المطلوب، وقد نبهني إلى الكتاب الصديق فتح الله الحسيني، فلدى زيارة لي إلى الجزائر في شهر أيار/ مايو الماضي طلب مني نسخة من الكتاب، وبالفعل، واستجابة لطلب الصديق الحسيني، قمت بزيارة إلى جمعية البيت للثقافة والفنون في العاصمة الجزائرية، والتقيت بمشرفها بو بكر زمال الذي أبدى اهتماما واضحا بالأدب الكوردي والثقافة الكوردية، وأعرب عن استعداده لنشر كل ما يتصل بالثقافة الكوردية غير أن الكورد يتقاعسون عن كسب مثل هذه الفرص التي تغني ثقافتهم، ولعل عدم الاكتراث بمثل هذا الكتاب يعد مؤشرا على ما نذهب إليه.
وعلى اعتبار أن الأسماء المشاركة في أية مختارات تكتسب أهمية خاصة، ذلك أن المختارات تنهض على تلك الأسماء، فمن المفيد، هنا، أن ندرج أسماء الشعراء الستة والثلاثين الذين ضمهم هذا الكتاب، وهم وفق الترتيب الذي ورد في الكتاب:
هوشنك بروكا، كمال نجم، احمد الحسيني، سليمان آزر، ديا جوان، تنكزار ماريني، مروان عثمان، هيمن كرداغي، دلدار آشتي، نذير ملا، سليم بجوك، آرشف أوسكان، سرحان عيسى، آزر أوسي، مسعود خلف، دليار ديركي، جانا سيدا، رزو خرزي، إبراهيم حسو، عارف حمزة، آسيا خليل، مروان علي، نذير بالو، دلدار فلمز، أفين شكاكي، هوشنك أوسي، لقمان محمود، حسين حبش، محمد نور الحسيني، حنيف يوسف، إبراهيم اليوسف، آخين ولات، طه خليل، خلات أحمد، لقمان ديركي، سليم بركات.
 
أعلى