انتفاضة يزدان شير البوتاني

G.M.K Team

G.M.K Team
انتفاضة يزدان شير البوتاني
١٨٠٣ ـ ١٨٦٨ بقلم :كونى ره ش


مدخل : تكشف لنا كتب التاريخ ووثائقه التي تتناول أحداث منطقة كوردستان الشمالية إن الكورد عانوا من بطش الأتراك وقسوتهم وتعاملهم أللإنساني وظلمهم الوحشي رغم اتخاذهم مواقف إيجابية من المنعطفات الهامة في تاريخ الأتراك فقد ساندوا السلطان العثماني ( سليم الأول ) في معركة جالديران / ١٥١٤ / ضد الفرس, وأيدوا مؤتمر أرزروم / ١٩١٩ / , وكان موقفهم إيجابياً من الحركة التحررية التركية التي نادى بها كمال مصطفى باشا .


ولم تكن ثمرة المواقف ـ وما زالت ـ سوى العداء وتوجيه الجيوش الجرارة والمدافع الهدامة على منطقة كوردستان لكم ّ أفواه الداعية على الحرية وحق تقرير المصير والهوية القومية والعدالة والمساواة وتهجيرها قسراً إلى مناطق أناضل الغربية بغية تبديل ديموغرافية المنطقة الكوردية وإخلائها من سكانها الأكراد الذين تمتد جذورهم فيها إلى آلاف من السنين الغابرة تلك هي خلاصة تجربة الكورد التاريخية مع الأتراك وتتمثل في نكران الجميل واستغلال الروح الدينية المسلمة لديهم وقمع مآربهم التحررية والحرص على إبقاء ارض كوردستان بقرة حلوب تمد بلاد الأناضول بالثروات لا الثورات .


وقد أدى ذلك كله إلى ظهور انتفاضات كوردية تحررية عدة ضد السلطات العثمانية وتعد انتفاضة الأمير (( يزدان شير البوتي )) الذي يمكن وصفه بحق (( الأمير المخدوع )) لتي اندلعت في مناطق بوتان وهكاري خلال عامي / ١٨٠٤ ـ ١٨٥٥ / واحدة من أهم الانتفاضات الكوردية في تاريخهم الحديث.


الظروف العامة قبل الانتفاضة


مع بداية ربيع / ١٨٤٧ / , فقدت القيادة العامة التركية الأمل في إحراز نصر سريع على قوات الأمير ( بدرخان الأريزي ) أمير جزيرة بوتان الكردية المستقلة , لذا لجأت إلى أسلوب المخادعة وبذر الشقاق بين أمراء الأكراد وشراء ضمائرهم المتخاذلين منهم آملة من ذلك شق صفوف الكورد كوسيلة ناجحة وسهلة لغرض سيطرتها على كوردستان والقضاء على امارة بوتان الكوردية .


وهكذا استغلت الخصومات والخلافات التي كانت موجودة بي الأمير بدرخان ويزدان شير قائد الجناح الأيمن للقوات الكوردية والذي كان يطمع في تولي حكم حكم بوتان وخلال ربيع / ١٨٤٧ / تمكن عثمان باشا قائد القوات التركية من فتح ثغرة في جبهة الجيش الكوردي بمؤازرة من يزدان شير ومعه / ١٥ / ألف مقاتل كوردي » {A ¹ } بعد أن تمكن من شراء ولائه مقابل ان يتولى حكم إمارة بوتان بعد القضاء على الأمير بدرخان , وسنعود إلى أسباب انحياز الأمير يزدان شير إلى جانب العثمانيين خلال الحديث عن شخصية يزدان شير في نهاية هذه الدراسة .


وفي تموز / ١٨٤٧ / استسلم الأمير بدرخان قلعة في ( أروخ ) بعد أن قاوم مدة ثمانية أشهر وتم نفيه مع أخويه ( مير سعد ومير صالح ) , وهيأة أركانه إلى استانبول .


بعد القضاء على انتفاضة الأمير بدرخان وتفاديا لمنع قيام انتفاضات أخرى في كوردستان مستقبلاً قامت السلطات التركية بنشر الفصائل التركية في جميع المناطق الكوردية و وأحدث تغييرات جديدة في المؤسسات الإدارية و جمعت الجزيرة وهكاري وبرواري في ولاية واحدة تحت سلطة الأمير ( يزدان شير ) وحرمت الورثة من الأمراء والحكام الكورد من امتيازاتهم الوراثية , واستمرت في ملاحقة المتبقين من حلفاء الأمير بدرخان الأقوياء , فقد لاحقوا ( خان محمود ) إلى القوا القبض عليه في أيلول / ١٨٤٧ / واستمروا في ملاحقة الحليف الآخر ( نور الله بك ) حتى أضطر للفرار إلى إيران عام / ١٨٤٩ / » {B1 ¹ } وحينها فر العديد من المشتركين في الثورة إلى إيران وما وراء القفقاس » {C ¹ } . واستمرت القوات التركية في إخلاء المناطق الكوردية من الكورد غير الراضين عن سياستها , وبعد ان أستق الوضع في كوردستان نسبيا قامت السلطات التركية بنفي أمير بدليس الكوردي ( شريف بك ) إلى استانبول , وعينت على حكم بدليس بدلاً عنه حاكماً تركياَ . وهكذا أنهى الباب العالي حكم كل الأمارات الكوردية . وفي عام / ١٨٥٠ / قامت القوات التركية بمذبحة مريعة في منطقة اومريان العائدة لحكم ( يزدان شير) بحجة عدم وفائها للضرائب المترتبة عليها , وبقيت المصادمات والمناوشات اليومية مستمرة بين السكان الكورد والقوات التركية نتيجة الاستياء العام بين الكورد من وصول القوات التركية بكثافة إلى كوردستان وإرغامها السكان على التنجيد الإجباري وجمع الضرائب وتموينات الحرب بصورة قسرية لذا غالباً ما كان الرجال يلجئون على رؤوس الجبال النائية هرباً من التجنيد الإجباري وتهرباً من دفع الضرائب الباهظة وتقديم المؤن لجيش محتل .


مع بداية النصف الأول من القرن التاسع عشر و قيام حرب القرم ١٨٥٣ _ ١٨٥٦ بين الروس و الأتراك _ و قد اشتركت فيها بريطانيا إلى جانب تركيا _ تطورت العلاقات أكثر من ذي بدء بين الكورد و الروس , و كان النضال المعادي للترك في الوقت نفسه يزداد في مناطق مختلفة من كوردستان _ كما مر بنا _ و قام قسم كبير من الحكام و الإقطاعيين الكورد بالاتصال مع ممثلي الحكومة القيصرية , و اشترك قسم منه في المعارك إلى جانبهم . و مع الانتصار الساحق الذي سجلته القوات الروسية على القوات التركية في تموز و آب ١٨٥٤ , و احتلال ( بايزيد ) ترك قسم كبير من الكورد صفوف الجيش التركي . و في نهاية ١٨٥٤ ترك قسم آخر من الكورد الجيش التركي و عادوا إلى بيوتهم بعد ان هزم الروس فرقة من الجيش التركي بالقرب من ( وان ) . في هذه الأثناء ظهر تيار من الزعماء الكورد و الأرمن و الآثوريين دعا إلى توثيق علاقاتهم مع الروس و معاداة الأتراك , و كان من أبرز و جوه هذا التيار الزعيمان الكورديان ( قاسم خان ) و ( جعفر آغا ) » {D ¹ } .


كان يزدان شير آنذاك على اتصال مع المتذمرين من الكورد و الآثوريين و الأرمن و العرب و غيرهم من الأقليات في شرقي تركيا ( كوردستان ) , و كان يتابع سير تطور العمليات الحربية على جبهة القفقاس منتظراً اليوم المناسب للقيام بالثورة ضد الإمبراطورية العثمانية و إعلان استقلاله . في هذه الأثناء قام الباب العالي بتنحيته عن إدارة حكم كوردستان ( بوتان , هكاري و برواري ) و تعيين باشا تركي في مكانه و ذلك بسبب سعيه إلى توحيد القوى الكوردية و معاداته العلنية للأتراك ؛ و بالتالي خوف الباب العالي من ظهور بدرخان آخر في كوردستان و كانت تنحيته السبب المباشر لاندلاع واحدة من أكبر الانتفاضات الكوردية بقيادة يزدان شير الآزيزي في منطقة بوتان و هكاري بعيداً عن ساحة العمليات الحربية في القفقاس ضد النير التركي و سميت ( بانتفاضة يزدان شير )تيمناً باسم قائدها .


الانتفاضة :


مع بدء الانتفاضة دعا يزدان شير أنصاره إلى العلنية في الثورة و رفع السلاح في وجه السلطات التركية و لاسيما بعد ان تأكد من الاستياء العام بين الشعب الكوردي و شعوب المنطقة من ممارسات الأتراك الوحشية . و قد لقي الشعار الذي رفعه و هو وجوب تصفية السيطرة التركية _ المساندة الواسعة لدى كورد بوتان و هكاري و برواري و موتكان و غيرها من الأقاليم الكوردية , و وقف بجانبه الآثوريون و الأرمن و العرب , و قد دعم النضال المشترك المعادي للسلطات التركية انتفاضته بشكل كبير و حققت نتائجها خلال فترة زمنية قصيرة . مع بداية الثورة زحف يزدان شير على رأس ألفين من المسلحين الكورد إلى بدليس و احتلها بسهولة بفضل و دعم سكان المنطقة له , و قضى فيها على الإدارة التركية , و في طريقه إلى الجنوب حيث مدينة الموصل هزم قوة تركية مؤلفة من ثلاثة آلاف جندي , و دخل مدينة الموصل التي وجد فيها معملاً للأسلحة و مخزناً كبيراً من القنابل و المدافع بالإضافة إلى خزينة المدينة , و باستيلائه على الموصل استطاع يزدان شير تقوية قوته القتالية . كما و شملت الانتفاضة مناطق جديدة , و انضم إليها سكان المناطق الجنوبية مثل وان و مكس بقيادة الزعيم ( تيلي بك ) و بعض أولاد الأمير بدرخان الذين كانوا قد أرسلوا إلى كوردستان من قبل الباب العالي مخولين بصلاحيات مطلقة وبكميات مالية كبيرة بهدف جمع القوت لصالح الباب العالي , إلا إنهم استغلوا تلك الأموال والصلاحيات المطلقة في تشكيل جيش كوردي ثم انضموا إلى الانتفاضة


وهكذا وصل عدد المنتفضين إلى ( ٣٠ ) ألف مقاتل , و اتسعت حددها , و اتخذت طابعاً شعبياً , و لم تتمكن السلطات التركية من توحيد الزعماء الكورد المعادين ليزدان شير للقيام ضده رغم محاولاتها .


في كانون الأول ١٨٥٥ , وقعت حرب طاحنة حول مدينة سيرت بين قوات الأمير يزدان شير و القوات التركية المدعومة بقوات والي بغداد كنعان باشا و بقيادته غير ان القوات الكوردية حطمت القوات التركية في هذه المعركة , و احتلت مدينة سيرت وباحتلالها لمدينة سيرت انضمت إلى الانتفاضة قبائل و طوائف جديدة ؛ ففي الجنوب الشرقي من الأناضول انضم إلى الانتفاضة أكثر من ( ٢٠٠٠ ) عربي و عدد كبير من اليونانيين , و في الشمال الشرقي أبدى الأرمن تعاطفهم مع الانتفاضة . و هكذا شملت الانتفاضة منطق واسعة من الموصل إلى وان , و ازداد عدد المنتفضين في شباط ١٨٥٥ إلى ( ٦٠ ) ألف مقاتل , و حسب بعض المصادر ( ١٠٠ ) ألف مقاتل » {B1 ² } .


حينها حاولت السلطات الروسية ان تبقي ( يزدان شير ) في موقف الحياد , و دعته إلى الصداقة مع الإمبراطورية الروسية , فقد ورد في رسالة من قائد فرقة ( يريفان ) إلى يزدان شير ما يلي : سرح فرسانك ليعودوا إلى أعمالهم السلمية » {D ² } و في بطرسبورغ كان الروس يرغبون في حياد الكورد بل و في مساندتهم الفعالة للقوات الروسية و بالتالي يمكن القول ان القيادة الروسية لم تستطع استغلال الانتفاضة الكوردية لصالحها و لصالح الكورد بالشكل المناسب رغم قدرتها على ذلك . بالرغم من أن يزدان شير سعى إلى التنسيق مع القوات الروسية كما يظهر في رسائله الخمس إلى قائد القوات الروسية بعد احتلاله ( بايزيد ) حيث طلب منه تنظيم هجوم مشترك على ( تبليس و أرزروم ) .إلا ان تحرك القوات الروسية خارج حدود الإمبراطورية العثمانية و توزعها في أماكنها الشتوية سبب اختلال موازين القوى و أدى إلى عدم وصول رسائله تلك » {B1 ³ } .


مع اتساع نطاق الانتفاضة في شباط و آذار ١٨٥٥ , و لاسيما باتجاه ( أرزروم ) و ( بايزيد ) صارت إمكانية الاتصال مع القوات الروسية أمراً سهلاً , لذا اضطرت القيادة التركية إلى سحب قسم من قواتها من جبهة القرم و زجها في مواجهة الانتفاضة خاصة بعد انسحاب القوات الروسية إلى خارج حدود الإمبراطورية التركية , و كما ركزت من هجماتها ضد المنتفضين , و لعبت الدبلوماسية البريطانية في الموصل دورها في القضاء على الانتفاضة و حاربت المنتفضين بعد أن تسلمتا لتوجيهات اللازمة من الدوائر الحاكمة البريطانية و خصصت المال اللازم لهذا الغرض , و بدأ ( نمرود رسام ) » {E ¹ } عميل القنصلية البريطانية في الموصل تحركاته لأجل إخماد نار الثورة , و تمكن بالوعود و الرشاوى من إقناع عدد من الزعماء الكورد المنتفضين بالصلح مع الأتراك , و قد أدى ذلك إلى وقف عمليات الثوار بشكل مؤقت .


حينها حاول يزدان شير الاتصال ثانية مع قائد القوات الروسية في يريفان بواسطة رسوله ( أصلو ) مقترحاً عليهم ان يتقدموا ثانية نحو موش , إلا ان ( أصلو ) لم يتمكن من الاتصال مع قائد القوات الروسية إلا بعد فوات الأوان و بالتالي فقد يزدان شير الأمل من وصول المساعدات الروسية و بالتالي من الانتصار على القوات التركية الكثيفة و لاسيما بعد ان امتنع عدد من رؤساء القبائل الكورد من المشاركة في النضال . أما الإنكليز فقد قدموا المساعدات المباشرة للقوات التركية , و قاد الضابط الإنكليزي ( ماكون ) المدفعية التركية ضد تحصينات المنتفضين , و ازدادت كثافة القوات في كوردستان مستخدمة أسلحة جديدة تلقتها من الترسانة الإنكليزية و قامت بالخراب و الدمار في أرض كوردستان , و احتلت المدن الصغيرة و الكبيرة و نقاط تقاطع الطرق الجبلية لمطاردة الثوار .


تحصن يزدان شير في معقله ( قصرا كلي ) في منطقة بوتان الجبلية جنوبي وان و اضطر إلى دخول المفاوضات مع السلطات التركية تحت تأثير العميل البريطاني ( نمرود رسام ) لحل القضايا المختلف عليها . و ما ان خرج من معقله ( قصرا كلي ) حتى ألقي القبض عليه غيلة , و أرسل من هناك إلى استانبول لزجه في غياهب السجون و في استانبول عاملوه كما عاملوا قبله ( الأمير بدرخان ) إذ منحوه لقب ( باشا ) و أرسلوه إلى مدينة ( بانيا ) في اليونان , و بقي فيها حتى وفاته في عام ١٨٦٨ م .


ثم توسط ( نمرود رسام ) بين الباب العالي و بطريرك الآشوريين ( أبراهام ) الحليف القوي للأمير يزدان شير راغباً في إقامة علاقات طيبة بينهم ؛ و بالتالي لمنع قيام اتحاد آخر بين الكورد و الآشوريين مستقبلاً خوفاً من تجدد حدوث انتفاضة مماثلة متعددة الأعراق و المذاهب .


و هكذا تدهورت أمور زعماء الانتفاضة شيئاً فشيئاً بعد أسر يزدان شير و لم يستفيدوا من نجاحاتهم التي أحرزوها , و تشتتوا بين الجبال إلا ان (عمر آغا ) أخ يزدان شير » {D ³ } واصل الصراع ضد الأتراك من مناطق بوتان الحصينة , و كان تحت إمرته بضع عشرات الألوف من الفرسان الكورد , و لكنه لم يتمكن من الصمود أمام التفوق العددي المنظم للأتراك و الدعم الإنكليزي لهم بالخبرة العسكرية و بالتالي اضطر إلى الانسحاب , و تشتت قواته في أرجاء كوردستان . هكذا أخمدت الانتفاضة نهائياً في تشرين الثاني ١٨٥٥ م , و عاد قسم من كوردستان ثانية تحت الإدارة التركية .


نظراً لخطورة هذه الانتفاضة على الدولة العثمانية فإن السلطات التركية أصدرت في أعقاب انتصارها على الثائرين ميدالية خاصة » {B2 ¹ } و أعادت قواتها في كوردستان ثانية إلى الجبهة الروسية ( القرم ) .


لقد لاحظنا ان الأتراك اعتمدوا في قضائهم على الأمير يزدان شير بالمكر و الخداع و زرع الشقاق , كما فعلوا عند محاربة ثورة الأمير بدرخان الآزيزي و هي أساليب اعتاد عليها الشعب الكوردي و كل الشعوب التي ابتليت بمعاداة الأتراك .


لم تخب جذوة النضال في نفوس الشعب الكوردي , بل راح يداوي الجروح النفسية و يشحذ الهمم لتحقيق أمانيه , فتتالت الثورات بعد ذلك كثورة الشيخ عبيد الله النهري ( ١٨٨٠ ) و ثورة الشيخ سعيد بيران ( ١٩٢٥ ) و ثورة ديرسيم ( ١٩٣٧ ) الخ .


- من هو يزدان شير ؟


بداية لا بد من توضيح معنى الاسم ( يزدان شير ) . انه اسم كوردي تركيبي إضافي من كلمتين و يعني ( أسد الله ) . و قد يكون اسمه الحقيقي ( علي ) و لقب بيزدان شير تيمناً بلقب الأمام ( علي ) رضي الله عنه و هذه عادة دارجة بين الكورد , و قد أطلق الاسم على اثنين آخرين من العائلة نفسها ( راجع شجرة العائلة ) في الصفحة التالية ) .


و يخطأ كثير من المؤرخين حين يذكرون في كتاباتهم بصيغة ( عز الدين شير ) بدلاً من اسمه المعروف ( يزدان شير ) . و الأمير يزدان شير هو ابن الأمير سيف الدين الآزيزي الذي تولى حكم الأمارة في بوتان بعد عمه الأمير ( عبدال خان ) والد الأمير الشهير ( بدرخان ) . لقد خلد اسم يزدان شير في أناشيد شعبية كثيرة ما زالت تتردد حتى يومنا هذا ؛ و لعل أغنية ( أز خلفم خلفم ) التي أنشدها ( خلف الشوفي ) * تحسراً على انهيار حكم الأمير بدرخان و تولي يزدان شير سدة الحكم في بوتان خير شاهد على ما ذهبنا إليه :


Ez Xelef im Xelef im



Haware mîr, haware mîr


Ez Xelef im Xelef im


Yezdanşêr begê Botan e


و للمزيد من المعلومات حول صلة القربى بين الأمير بدرخان و الأمير يزدان شير لا بد من الرجوع إلى كتاب ( الأمير بدرخان ) لمؤلفه ( أحمد لطفي ) حيث يذكر :


( عبد الله خان هو والد الأمير بدرخان الذي نكتب عنه في هذه الرسالة و بعد وفاته و تولي الأمارة ابن عمه سيف الدين بك , و كان سليم النية زاهداً في أمور الدنيا لدرجة أغفلته عن القيام بواجبات الإمارة , فاختل نظامها و اخذ رؤساء العشائر يخرجون عن طاعته و لم يستطع بدخان بك السكوت على الأمر و اخذ يتدخل في شؤون الأمارة , و اعترف الأمير سيف الدين بأنه غير كفء في إدارة شؤون حكومته , فأعتزل الحكم , و انصرف إلى العبادة .


و حيث ان نظام حكم الإمارة كان يقوم على تولي الابن الأكبر كرسي الأمارة , فقد جلس عليه الأمير صالح أكبر أبناء عبد الله بك , و كان منذ صباه متصرفاً إلى العبادة و طاعة الرحمن و الابتعاد عن أمور الدنيا , و قد حاول ان يبتعد عن مزاولة الحكم , لكنه اضطر بناءً على إصرار أخيه ان يبقى في الحكم مع الاستمرار في التعبد و قبول الطريقة النقشبندية و قراءة الأوراد و الأذكار و وصل فيها إلى درجة الجذب ثم تخلى عن كرسي الإمارة . و في الوقت نفسه استطاع بدرخان بك بما لديه من الغيرة القومية , ان يكسب محبة الجميع فبايعوه على تولي زمام الإمارة و لا يزال الأكراد إلى يومنا هذا يذكرون بالاعتزاز الماضي السعيد الذي ساد حكمه ... ) » {F ¹ }


أما الكاتب و الصحفي الكوردي محمود لوندي فيذكر في بحث له حول ( أحفاد يزدان شير ) نشر في صحيفة ( أرمانج ) الكوردية ما يأتي :


( يزدان شير هو ابن الأمير سيف الدين الثالث و من أبناء عمومة الأمير بدرخان , كما انه ابن أخت سعيد بك صاحب قلعة " كوركيلي " الواقعة في منطقة شرنخ الجبلية . و قد كان خاله سعيد بك هذا من المنافسين الأقوياء للأمير بدرخان , و في أثناء محاصرته من قبل الأتراك بقيادة حافظ باشا عام ١٨٣٨ م لم يهب الأمير بدرخان لمساعدته , بل وقف منه موقف العداء . و لاحقاً حارب الأمير بدرخان الأتراك فإن ابن أخته يزدان شير وقف منه الموقف نفسه بل و حاربه ... ) » {G ¹ } .


في عام ١٩٩٠ , في أثناء إحدى زياراتي المتكررة إلى منزل الأميرة روشن بدرخان في مدينة بانياس السورية و خلال تبادل الحديث حول حياة الأمير جلادت بدرخان و البدرخانيين أعلمتني حينها الأميرة روشن بدرخان بما يلي :


( نظراً لأن السلاطين كانوا دوماً يعملون على إضعاف دور أمراء بوتان باللجوء إلى الفتن و بذر الشقاق ضمن العائلة الآزيزية فقد كانوا يشدون من أزر طرف ضد طرف , و هذا ما فعلوه مع والدي الأمير بدرخان و الأمير يزدان شير . لقد وقف الأتراك إلى جانب الأمير سيف الدين والد يزدان شير ضد ابن عمه الأمير عبدال خان والد الأمير بدرخان , و لذلك تسلم الأمير سيف الدين حكم الإمارة في بوتان , و قضى على ابن عمه عبدال خان بعد مذبحة مريعة , و قد نجا من هذه المذبحة طفلان صغيران للأمير عبدال خان اختفيا في منطقة شرنخ الجبلية , و كان بدرخان واحداً منهما ... )


بالاستناد إلى هذه المعلومات و ما ورد في مراجع أخرى » {H ¹ } يمكننا رسم شجرة للعائلتين البدرخانية و اليزدانشيرية و بيان صلتهما و ذلك على النحو الآتي :


بعد ان تم القضاء على انتفاضة يزدان شير في عام ١٨٥٥ , منح يزدان شير لقب باشا كما ذكرنا و أرسلوه إلى اليونان و فيها توفي عام ١٨٦٨ , و في العام نفسه توفي الأمير بدرخان في دمشق .


كان الأمير يزدان شير قد خلف ابناً اسمه طاهر , و كان ابنه هذا يعمل في خدمة السلطان في استانبول , و نتيجة إصابته بداء السل نصحه الأطباء بالعيش في إقليم سورية ( الشام ) , فقدم إلى دمشق , و عاش بين أبناء الأمير بدرخان و تحت رعايتهم , و كان بدري باشا أحد أبناء الأمير بدرخان الكبار من المهتمين به , و زوجه من شقيقته نفيسة خانم .


و يذكر عن الأمير بدرخان كان معارضاً شديداً لهذا الزواج خلال حياته , لأنه كان يبغض والده يزدان شير لدرجة ان أحداً لم يكن يجرؤ على ذكر اسمه أمامه » {I ¹ } . خلف طاهر بك أو( طاهر بدرخان ) ابناً اسماه يزدان شير و يزدان شير هذا أنجب عدداً من الأبناء منهم : خالد يعيش في بريطانيا و هادي يعيش في أمريكا و سيف الدين يعيش في أمريكا و هو من المهتمين بالقضية الكوردية و سليم يعيش في الأردن و هو من المهتمين بالقضية الكوردية و عالي يعيش في بلجيكا و طاهر يعيش في الأردن و له ابن اسمه يزدان شير أيضاً .


أسباب انحيازه إلى العثمانيين ضد الأمير بدرخان :


لقد لاحظنا مما سبق ان الأمير يزدان شير انحاز إلى العثمانيين و وقف معهم في مواجهة انتفاضة ابن عمه الأمير بدرخان عام ١٨٤٧ م , ثم بعدها بسنوات قليلة انتفض هو أيضاً في وجه العثمانيين ( ١٨٥٤ _ ١٨٥٥ ) .


ان العودة إلى تاريخ العائلة البدرخانية توضح لنا ظهور خلافات داخلية فيها بين حين و آخر ,


الأمير سيف الدين الثاني
|
الأمير منصور خان
|
الأمير إسماعيل خان
| |
الأمير مصطفى خان
|
الأمير عبدال خان
| |
؟
|
؟
| |||
الأميرأسعد الأميربدرخان الأميرصالح |||
عمر آغا يزدان شير ؟ |
أمين عالي باشا
|
الأمير جلادت
|
د. جمشيد
|
كردو |
طاهر بك ( طاهر بدرخان )
|
يزدان شير بدرخان
|
طاهر بدرخان
|
زدان شير
و إن بعض تلك الخلافات استمر ردحاً من الزمن , وقد كان الأتراك يستغلون ذلك ويحاربون بشتى الوسائل تعميقها خدمة لمصالحهم ومآربهم ولم تكن الأجيال الأولى من العائلة البدرخانية قادرة على التخلص بسهولة من تلك الخلافات خدمة للمصلحة القومية , بل نلاحظ ظهور تنافس بين شقي العائلة وحرص كل منهما على تبوأ مكانة الصدارة في العائلة . لقد كانت الخلافات ذات طبيعة قبلية تتمثل رغبة الاستئثار بالسيادة على العائلة وزعامتها , تضاف إليها عوامل ثانوية أخرى , أما موقف ( يزدان شير ) من ابن عمه الأمير بدرخان فيمكن إعادته إلى الأسباب الآتية :


١ ـ الانتقام من الأمير بدرخان الذي أطاح بوالده الأمير سيف الدين وأبعده عن سدة الحكم في بوتان . لأن ذلك حرم يزدان شير من تسلم حكم الإمارة في بوتان حيث إن نظام حكم الأمارة في بوتان يقضي بتولي الابن الأكبر حكم الأمارة .


٢ ـ الثأر لخاله ( سعيد بك ) صاحب قلعة (( كَوركَيلي )) رداً على موقف الأمير بدرخان السلبي منه في أثناء حروب خاله مع العثمانيين في آذار عام / ١٨٣٨


٣ ـ زواج الأمير بدرخان من الفتاة (( قشمى )) أثيرة يزدان شير . وقد خلدت الأغاني التراثية الكوردية هذا الحدث . وأنا بصدد جمع هذه الأغنية .


٤ ـ طمع يزدان شير في تولي حكم الأمارة لأنه كان يرى في نفسه أكثر جدارة من بدرخان في تولي حكم الأمارة في بوتان ولا سيما إنه نجل الأمير سيف الدين الذي أطاح به بدرخان وأخوته .....


وهكذا نلاحظ إن العوامل الداخلية تضافرت مع الخارجية في زيادة الفرقة والشقاق بين أبناء العائلة الواحدة وأضعفتها بين حين وآخر . ولذلك فأن نيران ثوراتها وانتفاضاتها كانت تتأجج ثم تخبو ثم تتأجج ثانية . ولعل ذلك دليل آخر على صحة ما قاله ابن فضل الله العمري عن حال الكورد , إذ قال :


ولولا إن سيف الفتنة بينهم يستحصد قائمهم وينبه نائمهم لفاضوا عن البلاد , واستضافوا إليهم الطارف والبلاد , ولكنهم رموا بشتات الرأي وتفرق الكلمة ... ) » {J ¹ }


-------------------------------------------
المراجع والهوامش


A ـ الأمير جلادت عالي بدرخان : مذكرات , الحلقة الثانية ( صحيفة خبات ) عدد ( ٧٦٧ )
١ . تاريخ ١١ / ٦ / ١٩٩٥ إقليم كوردستان العراق.
B1 ـ جليلي جليل : من تاريخ الأمارات في الإمبراطورية العثمانية
( في النصف الأول من القرن التاسع عشر ) ترجمة : د. محمد عبدو النجاري , دمشق / ١٩٨٧ /
١ . ص ( ١٣٦ ) .
٢ . ص ( ١٥٣ ) .
٣ . ص ( ١٥٣ – ١٥٤ ) .
B2 ـ ١ . ص ( ١٥٥ ) .
C ـ ١ . في عام / ١٩٩٢ / التقيت بأحد أحفاد أولئك البدرخانيين الفارين إلى ما وراء القفقاس
وكان قد قدم إلى مدينة القامشلي لأجل رؤية ( عين ديوار و جزيرة بوتان )
و كان اسمه ( عزيز إيفج ), و يكنى ب( أبي بدرخان ) .
D ـ ن . أ خالفين : الصراع على كوردستان ( المسألة الدولية خلال القرن التاسع عشر )
ترجمة : د. أحمد عثمان أبو بكر , بغداد ١٩٦٩ ,
١ . ص ( ٧٤ – ٧٥ ) .
٢ . ص ( ٧٦ _ ٧٧ ) .
٣ . ص ( ٨٣ ) .
E ـ ١ . نمرود رسام : عميل القنصلية البريطانية في الموصل , من أصل آشوري , وهو الذي اقترح على
السلطان عن طريق سفير بريطانيا في استانبول التدخل في شؤون كوردستان و معاقبة الأمير بدرخان .
F ـ ١ . لطفي : الأمير بدرخان , ترجمة : علي سيدو كوراني , دمشق ١٩٩٢ , ص ( ١١ - ١٢ ) .
G ـ ١ . محمود لوندي : أحفاد يزدان شير , جريدة " آرمانج " الكوردية ,
العدد ( ١٤٦ ) ستوكهولم / ١٩٩٤ .
H ـ ١ . مالميسانز : جزيرة بوتان و العائلة البدرخانية بالتركية , ستوكهولم / ١٩٩٤ , ص ( ٨٨ ) .
I ـ ١ . صالح بدرخان : مذكراتي , ترجمة الأميرة روشن بدرخان , دمشق ١٩٩١ , ص ( ٤٤ ) .
J ـ ١ . ابن فضل الله العمري : التعويض بالمصطلح الشريف , القاهرة ١٣١٢ ه , ص ( ٤٠ ).


* خلف الشوفي : كان من رجال الأمير بدرخان المقربين , إذ كان ذكياً و شجاعاً والمنطقة المعروفة بـ ( دشتا خلف آغا ) الواقعة جنوب شرقي نصيبين لا تنسب إليه كما يقال إنما إلى خلف أغا,زعيم منطقة السنجق .
 

kobanisat

G.M.K Team
معلومات رائع وموضوع رائع

دئما ماتحفنا بمواضيعك

تحياتي
 

G.M.K Team

G.M.K Team
كولا كردستان

كوباني

اميرة

نورتو الموضوع

سباس لمروركم

تحياتي
 
أعلى