كورد إيران: تاريخ حافل وقدر منسي

لم تأخذ القضية الكوردية في إيران نصيبها الكامل من الإعلام، سواءً كان هذا الإعلام كوردياً أو عربياً، أو حتى دولياً. بالرغم من أنها تعتبر من أهم القضايا المحورية في الشرق الأوسط، إلى جانب شقيقاتها في كل من سوريا وتركيا والعراق.

ظهرت القضية الكوردية في إيران أثناء الصراع بين الإمبراطوريتين الفارسية والعثمانية. في تلك الفترة، كانت كوردستان الكبرى عبارة عن إمارات مستقلة تتبع اسمياً الإمبراطورية العثمانية، كون هذه الأخيرة كانت حاكمة الشرق في فترة من الفترات.

بعد اشتداد الاحتدام بين القوتين الفارسية والعثمانية في ذلك الحين، وصلت الأمور إلى مرحلة معقدة، وكان ذلك النزاع هو من أجل سيطرة إحداهن على المنطقة على حساب الأخرى. انتهى هذا الصراع ولو بشكل جزئي بين الإمبراطوريتين في معركة جالديران عام 1514م، فانقسمت كوردستان للمرة الأولى إلى قسمين، قسم غربي يتبع الدولة العثمانية، وقسم شرقي تسيطر عليه الدولة الفارسية.

بعدها تتالت الأحداث وتبلورت القضية الكوردية في إيران بشكل عميق، إلى أن انهارت الإمبراطورية العثمانية بعد خروج الأخيرة من الحرب العالمية الأولى منهكة متعبة، لا تستطيع السيطرة على حكمها الممتد من الشرق إلى الغرب. ومن ثم أتت اتفاقية سايكس بيكو الشهيرة، التي جاءت بعد مخطط فرنسي بريطاني، لتقسيم وترسيم المنطقة من جديد على شكل دول عدة، دون الأخذ بعين الاعتبار وجود قوميات عديدة في المنطقة، فانقسمت كوردستان للمرة الثانية إلى أربعة أقسام، توزعت بين تركيا، سوريا، العراق وإيران، واستمر الانقسام على هذه الشاكلة إلى يومنا هذا!!

بالعودة إلى الجزء الملحق بإيران، أي "كوردستان إيران"، أو كما يحلو لبعض الكورد المتحمسين "شرق كوردستان"، نرى أنها تشكل ثقلاً هاماً في تلك الدولة، حيث يشكل الكورد هناك حوالي 10 % من نسبة سكان إيران، البالغ عددهم 69 مليون نسمة. وهناك بعض المصادر الكوردية تؤكد أن هذه النسبة تصل إلى 11,5 % .

مساحة كوردستان إيران تبلغ 124900 كم2، تمتد على أربع محافظات هي: "أورمية – كوردستان – كرمانشاه – إيلام"، مع العلم أن الدولة الإيرانية لا تعترف بشيء اسمه كوردستان إيران.

جغرافية هذا الجزء الكوردستاني، جغرافية غنية ومتعددة، فبحيرة أورمية تعتبر من أهم الموارد المائية هناك، بالإضافة إلى وجود مجموعة واسعة من الأنهار، أشهرها نهر "سيروان". أما بالنسبة إلى إلى التضاريس، فغالبية مساحة كوردستان إيران هي جبلية بوجود سلسلة جبال زاغروس الشهيرة، التي تُعرف على مستوى العالم بارتفاعها وطول امتدادها. أما أهم الموارد الطبيعية التي تتوفر فيها فهي النفط والفحم الحجري، إضافة إلى مجموعة من مناجم الذهب. أما أهم المناطق التي تنتشر فيها آبار النفط هي: شاه أباد وقصر شيرين.

ونؤكد من جديد، أن إيران لم تعترف على مر التاريخ بكوردها، بل جعلت اللغة الكوردية محظورة، وكذلك الأدب والثقافة الكورديتين، رغم وجود البند 15 من الفصل الثاني في الدستور الإيراني، الذي ينص على حق الأقليات في استخدام لغاتها في المجالات الثقافية والتعليمية. كذلك المادة 19 من الفصل الثالث من الدستور، التي تنص على عدم التميير بين الإيرانيين على أساس عرقي، إلاّ أننا نرى تمييزاً واضحاً من قبل الحكومات الإيرانية تجاه الكورد، من حيث فرص العمل، القبول في الجامعات، شغل المناصب الحكومية العليا، التمثيل البرلماني، وغيرها من الحقوق التي يجب أن يتساوى فيها جميع المواطنين. وقد يعود تفسير هذا التمييز إلى عاملين: أولهما وهو الرئيسي، مسألة الاختلاف العرقي، والثاني مسألة الاختلاف المذهبي، كون غالبية كورد إيران هم من المسلمين السنة، الذين يشكلون أقلية مذهبية بالنسبة إلى المذهب الشيعي، وهو المذهب الذي تعتمده الدولة الإيرانية في دستورها.

أول منظمة كوردية تأسست في إيران، كانت جمعية "جيهان زاني"، وذلك في عام 1912م، لتتوالى بعدها المراكز والجمعيات الثقافية، كالجمعية الثقافية التي أسسها مثقف مشهور يدعى عبد الرزاق بدرخان في مدينة خوي عام 1913م، لتعليم اللغة الكوردية والاهتمام بالثقافة الكوردية.

وبهذا ظهرت مجموعة مثقفة من الشباب الكوردي، أبدت استعدادها للمحافظة على التراث الكوردي من الضياع ومحاولات التفريس التي كانت تمارس من قبل الحكومات الإيرانية المتعاقبة.

في عام 1920م، دخلت القضية الكوردية في إيران مرحلة جديدة بعد انتفاضة أورمية، التي قادها الثائر المعروف سمكو آغا، والتي استمرت حتى عام 1925م ضد طغاة الكورد. ومن بعدها توالت مجموعة من الانتفاضات والثورات هنا وهناك، التي كانت تعبّر عن الوجود القومي للكورد في أرضهم التاريخية، حمل لواءها وقتها خيرة الشرفاء والوطنيين.

في فترة الأربعينيات من القرن الماضي، باتت القضية الكوردية في إيران محورية أكثر من أي وقت مضى، وخصوصاً فترة الصراع بين الاتحاد السوفييتي وإيران. ففي 22 كانون الثاني عام 1946م، أعلِنَت جمهورية مهاباد الكوردية بتأييد ودعم قوي من الاتحاد السوفييتي السابق، إلا أنها أخذت 30 % فقط من مساحة كوردستان إيران.

كانت رئاسة أول جمهورية في التاريخ الكوردي من نصيب المناضل قاضي محمد، مؤسس الحزب الديمقراطي الكوردستاني في إيران، وتوزعت الحقائب الوزارية بين مجموعة من رفاقه الذين شاركوه في النضال. ومن الجدير ذكره أن القائد الكوردي المعروف "ملا مصطفى البارزاني" كان يشغل منصب رئيس الأركان في جمهورية مهاباد!!

وقتها تقدمت الحكومة الإيرانية بشكوى لدى هيئة الأمم ضد الاتحاد السوفييتي لدعمه قيام جمهورية مهاباد. وبعد مجموعة من الصفقات والتنازلات من قبل السوفييت، قُضيَ على أول تجربة ديمقراطية كوردية في التاريخ، بعد أن دامت قرابة أحد عشر شهراً، ثم أعدِم رئيس الجمهورية القاضي محمد ومجموعة مع رفاقه في ساحة جارجرا التي شهدت إعلان الجمهورية.

لا ننسى بكل تأكيد الشخصية الكوردية الإيرانية البارزة، الدكتور عبدالرحمن قاسملو، الذي دخل التاريخ الكوردي من أوسع الأبواب، عندما اغتيل في فيينا عاصمة النمسا بتاريخ 13 تموز عام 1989م من قبل المخابرات الإيرانية، وكان حينها زعيماً للحزب الديمقراطي الكوردستاني في إيران.

كان قاسملو يدرس في أوروبا، وقد حاز على شهادة الدكتوراة من تشيكسلوفاكيا، وفي عام 1973م، وبينما كان يعمل كمحاضر في جامعة براغ، اُنتخب سكرتيراً للحزب. وبعدها انتقل إلى فرنسا ليعمل في جامعة السوربون أستاذاً في اللغة والتاريخ الكوردي. في عام 1978م عاد إلى كوردستان ليؤسس فروعاً لحزبه. ومنذ فترة، قالت الحكومة النمساوية إنها تملك وثائق ودلائل، تثبت تورط الرئيس الحالي لإيران أحمدي نجاد في العملية الإرهابية تلك.

وما زالت القضية الكوردية في إيران إلى يومنا هذا تقمع بشدة، ولم يتم حلها على أسس من الديمقراطية والعدالة، بل باستطاعتنا القول إنها تزداد تظلماً مع كثرة الاعتقالات التعسفية، وصدور العديد من أحكام الإعدام بحق النشطاء والصحفيين والمدافعين عن القضية الكوردية .
 

كلبهار

مراقبة عامة
هور يانعه في بساتين المنتدى نجني ثمارها من خلال الطرح الرائع لمواضيع اروع
وجمالية لا يضاهيها سوى هذا النثر البهي
فمع نشيد الطيور
وتباشير فجر كل يوم
وتغريد كل عصفور
وتفتح الزهور
اشكرك من عميق القلب على هذا الطرح الجميل
بانتظار المزيد من الجمال والمواضيع الرائعه
 
أعلى