قراءة استراتيجة لتصريحات السيد أردوغان


عبدالرحمن عثمان عبدالعزيز
اربيل كردستان العراق 24\2\2007

فاجأت الأوساط الرسمية في كثير من الدول المهتمة تلك التصريحات التي أدلى بها السيد طيب رجب اردوغان رئيس الوزراء التركي بشان التعامل مع الإدارة الكردية في إقليم كردستان العراق والتي أدت إلى ارتياح عام في الأوساط الرسمية والشعبية في الإقليم وكذالك إلى خلق أجواء ايجابية بين الأقلية التركمانية وإخوانهم الكرد في كردستان بغض النظر عن ما أعقبتها تصريحات مخالفة أو ناسخة من السلطة العسكرية في تلك الجمهورية التي يقطنها المواطنون الكرد بنسبة أكثر من 22 مليون كردى وان هناك جهة كردية مسلحة تتبنى الدفاع عنها بل وتتخطى إلى ابعد من ذالك في ظروف إقليمية ودولية ملائمة لهذا النمط من التفكير .
إنني هنا لست في معرض الدفاع عن إستراتيجية حزب العدالة والتنمية وخطواتها المستقبلية لإعادة أمجاد الماضي على إطلال ذكريات اسطنبول وطرح انسب البدائل العصرية الممكنة لاكتساح الساحة وجلب قلوب الجماهير , لكن هناك جملة من الحقائق ينبغي على المهتمين في العالم الإسلامي الوقوف إمامها بتدبر وإمعان وان يولوا عناية كاملة بدراستها وشرح إبعادها وفهم معالمها ومن ثم الجرأة في الإقدام بما يتطلبه الوضع الراهن إحقاقا للحق وللحفاظ على ماتبقى وكذالك لدرء المخاطر المحدقة بالعالم الإسلامي .
لقد شهد العالم في عصر الخلفاء الراشدين وبعد ذالك في العصرين الاموى والعباسي اكبر عملية اندماج عرقي وحضاري بصورة طوعية وطبيعية وعلى أسس سليمة في التعايش الواقعي والحضاري لما استقرت عليها قناعة الناس بتحكيم شرع الله الذي ألف بين المسلمين فيما بينهم وكذالك بين من يعيش في ديار الإسلام من غير المسلمين في أروع صورة شهدتها البشرية على مر العصور حيث كان المعيار هو التقوى والعمل الصالح من دون إن يكون فضلا لعربي على أعجمي ولا لأحد على آخر إلا بالتقوى , وان هذه القناعة قدتكونت في سياق التعاليم الربانية لما ورد في القران الكريم ( وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ) وان سلف هذه الأمة قد فهموا تلك المعاني العظيمة في القران على أحسن وجه , فقد كان للقبائل شان في الحضارةالاسلامية فكيف بالشعوب ؟ وان من لا كيان له ولا وجود لايمكنه إن يتعارف ويفسر آخر تلك الآية الكريمة التي وضعت الموازين الدقيقة في التعايش والمشاركة الاختيارية في الكيان الواحد .كما وان إسلافنا الأمجاد قد فسروا الآية الكريمة ( ومن آياته اختلاف ألسنتكم وألوانكم ) بان المحاولات العقيمة لمحو لغة أو لون ماهي إلا تحركات يائسة لمحو أية من آيات الله سبحانه .
هكذا كان فهم الأمم والشعوب التي دخلت في دين الإسلام طواعية دون أكراه وتلك كانت تعاليم الإسلام التي حكمت أكثر من ثلث المعمورة بعدالة ورخاء, بخلاف الإمبراطوريات والسلطات الوضعية الظالمة التي أحكمت قبضتها على البلدان والشعوب بالحديد والنار وقضت على كياناتها ومعالمها وحضاراتها بل وحتى على عاداتها وتقاليدها , وخير دليل على ذالك هو حال الشعوب والمناطق التي استولى عليها الساسانيون الفرس قبل مطلع الإسلام . وكان الشعب الكردي من ضمن تلك الشعوب التي سعت الأكاسرة المجوس إن يحولوهم إلى عبدة لأصنام العرش الساساني من دون إن يذكر لهم تاريخ ولا امجاد . إلى إن من الله على هذا الشعب الأصيل بنور الهداية والفتح الإسلامي , فحرروا أنفسهم واخلصوا لدينهم وتخرج منهم العلماء والقادة وساهموا بشكل فعال في تنمية الحضارة الإسلامية وترسيخ قواعد ها حتى وصلوا بإخلاصهم إلى الطليعة وسدة الحكم وتمكنوا بفضل الله من تحرير الآخرين .
وبيت القصد هنا ليس الخوض في صفحات التاريخ وإنما الإشارة إلى إن هذه التركيبة اللائقة للمكونات العرقية في المجتمع الإسلامي جاءت بفضل الإسلام وكما أمر الله سبحانه بقوله ( إنما المؤمنون إخوة ) وكما تَعَلم الجيل الأول للصحابة والتابعين ( رضي الله عنهم ) من معلم البشرية ونبي الرحمة والهداية محمد ( صلى الله عليه وسلم ) .وبقيت على هذه الحالة إلى إن حمل الراية من ليسوا أهلا لها ودعوا إلى نزعات عرقية وقبلية وطائفية بل وفي بعض الأحيان إلى عائلية . فاختلف المسلمون فيما بينهم وتنازعوا وحينئذ تحقق في شانهم قول الله سبحانه ففشلوا وتفرقوا وذهب ريحهم وذابت هيبتهم وتلاشت سلطانهم .
ومنذ إن سقطت آخر المعاقل تفككت تلك المكونات العرقية لان أحفاد الرعيل الأول قاموا بشق الصف ودعوا إلى نعرات جاهلية و كانت السبب الرئيسي وراء هزائمهم المتلاحقة , وبالتالي فان النتائج الحاصلة عن انتصار الحلفاء على الألمان ومن معها في تلك الحرب تعد من الأسباب الأخرى وراء سرعة تفكك تلك الكيان الواحد وظهور دعوات عرقية وطائفية في المنطقة .
ففي معاهدة سيفر المنعقدة في باريس سنة (1920) بين دول التحالف المنتصرة في الحرب والمتمثلة ب(بريطانيا و فرنسا و ايطاليا واليابان وروسيا ) لتقسيم الغنائم و تسوية المصالح والامتيازات الخاصة بهم وعلى الأخص لتوزيع تركة الدولة العثمانية المحسوبة تحالفها مع ألمانيا بذريعة تحديد مستقبل الوضع السياسي للقوميات والشعوب التي كانت تعيش تحت لواء الإمبراطورية العثمانية ومنحهم حق تقرير المصير وفق مبادئ بنود إعلان (ولسون) لحق الشعوب في تقرير مصيرها ضمن كيانات جديدة وخاصة بهم .
وبما إن الشعب الكوردى كان يشكل إحدى القوميات الكبيرة من التركيبة القومية \ العرقية للدولة العثمانية ,وبالتالي فان موطنه كان يشكل مساحة شاسعة من أراضي التركة العثمانية فلابد إذن من اتخاذ قرار خاص به من قبل دول التحالف ضمن الترتيبات الجديدة لأوضاع الأقاليم العثمانية ,لذالك فقد اتخذت دول الحلفاء سلسلة من القرارات في هذا الشأن خلال مؤتمرات الصلح والسلام وبالذات في معاهدة (سيفر) ضمن بنودها (62- 63- 64 )والتي تنص فيها بشكل صريح إلى إنشاء كيان سياسي كوردى .
ألا إن هذه البنود والقرارات الخاصة بالشعب الكوردى صارت حبرا على ورق وما توقف عند هذا الحد بل انقلبت بشكل سلبي على الشعب الكوردى بذريعة التغييرات الحاصلة على أوضاع المنطقة وعدم صلاحية البيت الكردي لتطبيق هذه الفكرة وانجاز تلك الوعود والمواثيق الصادرة بحقهم حتى إنهم حرموا من تلك الإمارات التي كانت يمتازون بها في العهد العثماني .
لكن وباعتقادي وكما تبين لاحقا فان عدم تطبيق هذه البنود من القرارات يرجع إلى أسباب أخرى تتعلق بانعدام حسن النوايا لقادة دول الحلفاء تجاه الشعب الكوردي , ومن جهة أخرى فان لبروز شخص مثل أتاتورك بقناعه الوطني والقومي الأثر الفعال في إهمال القضية الكوردية والتضحية بها من اجل إرضاء ذالك المتعطش إلى حرمات الإسلام ودماء المسلمين بعكس القيادات الكوردية آنذاك والمعروفين بتمسكهم وولائهم لدينهم وكونهم من أصول علمية وفكرية واجتماعية عريقة .
وهكذا قسمت ديار الكورد على دول عديدة من دون أدنى مراعاة لحقوقهم القومية بل وحتى الإنسانية وان الاستعمار البريطاني يتحمل العبئ الأكبر من المسؤولية التاريخية تجاه معانات هذا الشعب وحرمانها من حقوقها .
وفي التاريخ الحديث فان الدول المتعاقبة على حكمهم قد اساؤا إليهم وحاربوهم بأشد معاني العداوة واستعملوا بحقهم أنكى وسائل العداوة وجربوا عليهم افتك الأسلحة أمام أعين وأسماع العالم ومنظماتها ومؤسساتها الإنسانية !! وظلت الأنظمة الرسمية بين مساندة ومؤيدة للأنظمة المستبدة وبين متفرجة لما يجرى من دون اهتمام . إلى إن من الله علي أبناء هذا الشعب في البقعة المنسوبة إلى العراق بانفراج محدود وتنفس الناس الصعداء لتضميد بعض الجراحات بأنفسهم وبناء مساكن بدائية على أنقاض ما هدمها النظام البعثي في كردستان لكي تعود قوافل البؤساء من ديار الغربة إلي مناطقهم المكلوبة . ومع إن هذه الديار ما كانت صالحة للحياة في ذالك الوقت إلا إن عزائم الكورد كانت تفوق العوائق حتى تمكنوا من إجراء الانتخابات لاختيار أعضاء البرلمان ومن ثم تشكيل إدارة محلية لإدارة هذا الإقليم برغم كل الصعوبات والمشاكل التي كانت تعترض طريقهم ومعاداة الجيران خوفا من تسرب هذه الحالة إلي مناطقهم الكردية والاقتداء بهم في إدارة مناطقهم بأنفسهم .
وبعد فترة وجيزة تمكنت هذه التجربة الوليدة من جذب أنظار العديد من الدول المهتمة بقضايا الشرق الأوسط وتوافدوا عليها للاستثمار بنوايا مختلفة وطرق متعددة وكعادتها بقيت الدول القريبة متفرجة على هذه الحالة من دون اهتمام تذكر ماعدا بعض النشاطات والفعاليات ألأغاثية والخدمات الإنسانية لبعض الهيئات والمؤسسات في دول الخليج والتي أثبتت تواجدها مشكورة لكنها ما كانت ترتقي إلى حد مد جسور الروابط والعلاقات السياسية .
من هنا لا أريد الابتعاد عن بيت القصد وان كان الموضوع يتطلب المزيد من عرض لبعض المشاهد والتذكير بالمواقف , واستخلص النتيجة أولا/ بان الشعب الكوردى فيه جميع الخصال المطلوبة لتكوين كيانها المستقل أسوة بسائر الشوب لتوافر أهم العناصر التقليدية اللازمة لتحقيق ذالك من / الأرض وهي رقعة جغرافية تعود لهذا الشعب طبقا للوثائق التاريخية دون نزاع وان هذه البقعة اكبر بكثير من دول معترفة بها إقليميا ودوليا , وكذالك من الشعب وهم ( مجموعة من الناس تربطهم روابط مشتركة متنوعة يسكنون في بقعة جغرافية معينة بشكل مستقر ودائم ) . وان الكثافة السكانية في المحافظات الكوردية أكثر من السكان الأصليين لبعض الدول . والشرط الآخر لتكوين الكيان المستقل هو التنظيم السياسي (أي السلطة الآمرة ذات السيادة , و المنتخبة والمقبولة من ذالك الشعب الساكن على هذا الأرض , والذي له حق استعمال الإكراه الشرعي والقانوني لتنظيم الحياة وتنسيق المصالح الفردية والجماعية بينهم ) فبرغم توافر كل هذه الخصال في إقليم كردستان إلا إن القيادة السياسية لإقليم كردستان وباستحسان من الحلفاء قد اختارت الاندماج الاختياري مع العراق ومشاركة إخوانهم العرب والأقليات الأخرى في هذا البلد .
ثانيا إن هذه الحالة ليست تجزئة من العراق وحتى لو كانت كذالك فما كانت تجزئة من الخلافة الإسلامية ولا اغتصابا لأراضيها , فحينما كان المعيار هو الإسلام والإطار هو الأخوة في الله كان الكورد في مقدمة المدافعين والمضحين وقد صدق من قال ولا فخر بأنه حينما كان الكورد في طليعة الأمة كانت الأمة في طلائع الأمم عجيب أمر هؤلاء المتعصبين للقومية , أترضى بان يكون الشعب الكردي جزئا من البعث العربي الاشتراكي أو غيرهم ولا ترضى بان يكونون جزئا من أنفسهم ؟ أي إنصاف وأية أخوة تدعونها . إن الكثيرين من الدول العربية والإسلامية تربطهم علاقات سياسية وتجارية و.. مع إسرائيل مع يقينهم بأن إسرائيل قد احتلت ألأراضي الإسلامية أو العربية ولا يتحرك ساكن أما وان الكورد – مع الفارق الكبير - يتمتعون بسلطة محلية محدودة في موطنهم وموطن أجدادهم فهذا يشكل خطرا على مستقبل الأمة !! أما آن الأوان لكي تتوجهوا بتمثيلياتكم الدبلوماسية وتفتحوها في موطن صلاح الدين أسوة بقناصل الدول الغربية ؟! إلى متى تتأخرون في توجيه الشركات التجارية للاستثمار في كردستان الغنية بالنفط والموارد الطبيعية الأخرى وبالمواد الأولية لكثير من المنتوجات ؟
من هنا أتوجه بخطابي إلى السادة المعنيين في الدول الإسلامية وبالذات في الدول العربية وأخص بالذكر إلى رئاسة منظمة المؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية بأنكم مدعوون إلى دراسة معمقة وشاملة لأحوال الشعوب والأقليات المتعايشة معكم و سائرا لمكونات العرقية للأمة الإسلامية لدراسة أوضاعهم وحل مشاكلهم ورفع معاناتهم وجبران ما اقترفتها الأنظمة الظالمة بحقهم تلك الأنظمة التي كانت ولا تزال تشكل عبئا ثقيلا على كاهل الأمة العربية والإسلامية وتسببت في إهدار وإضاعة مقدرات الأمة واقتصادها وفي بث العداوة والبغضاء بين أبناء البلدان والشعوب وحتى البيت الواحد .
ثالثا مازال هناك فرصة لتدارك الوضع وجبران بعض ما ضيعت في الماضي من اجل تجديد الأخوة بين أبناء الأمة الإسلامية والحيلولة دون وقوع الفواصل والغربة بين أجيال المكونات العرقية لهذه الأمة وذالك بإعادة النظر في المواقف السابقة والتخلص من القيود النفسية والروتينية اللامبررة لكي نكون جميعا على مستوى المسؤولية أمام التحديات والتفاعل الشرعي مع المستجدات والتغيرات .
إننا نسمع عن بعض الشخصيات الإسلامية تصريحات شجاعة ومشجعة لكن تلك التصريحات وان كانت مبدئية ومشكورة إلا أنها تتطلب المتابعة والإعلان على الملأ من دون خوف ولا وجل خاصة وإننا في مطلع الشهر الثالث الميلادي والذي سجل فيه صفحات مؤلمة من تاريخ معانات هذا الشعب المسلم والمسالم وبالذات يوم 16\3\ الذكرى السنوية لمجزرة حلبجة , فلتكن هذه الذكرى وقفة تضامن مع الشعب الكوردى في مستهل إعادة كتابة تاريخه الحافل بالأحداث .
وأخيرا أعود إلى مابدأت بها وأقول أن هذه التصريحات المهمة للسيد أردوغان تفتح أفاقا مهمة بين شعوب ودول المنطقة أن كانت هناك تفاعلات ايجابية بين الدول المعنية بالشأن العراقي وكلنا أمل بأن تتبعها خطوات أخرى من الدولة التركية وكذالك من دول الجوار العراقي وفي اجتماعاتها المرتقبة .
 

كلبهار

مراقبة عامة
هور يانعه في بساتين المنتدى نجني ثمارها من خلال الطرح الرائع لمواضيع اروع
وجمالية لا يضاهيها سوى هذا النثر البهي
فمع نشيد الطيور
وتباشير فجر كل يوم
وتغريد كل عصفور
وتفتح الزهور
اشكرك من عميق القلب على هذا الطرح الجميل
بانتظار المزيد من الجمال والمواضيع الرائعه
 
أعلى