شخصيات صنعت التاريخ

كول نار

G.M.K Team
في موضوعي هنا سنسلط الضوء على شخصيات كان لها دور كبير في صناعه التاريخ
واي حدا حابب يضيف عن اي شخصية يضيف مع ذكر المصدر طبعا كرمال ما نشوه اي شخصية
 

كول نار

G.M.K Team
رد: شخصيات صنعت التاريخ

علي بن العباس .. الطبيب البارع
كما عرفنا الحضارة الإسلامية عظيمة وثرية بالعلم والعلوم والأعلام، ورائعة بما فيها من قيم أصيلة وإنسانيات خالدة، فإنها اليوم تُبرز لنا واحدًا من علمائها الأعلام الذين ذاع صيتهم في المجال الطبي شرقًا وغربًا، وهو علي بن العباس المجوسي[1]، الذي يُعدُّ رائدًا حقيقيًّا في النواحي التطبيقية والتنظيرية والأخلاقية في المجال الطبي.


فقد اشتهر علي بن العباس المجوسي باعتباره طبيبًا بارعًا في علاج الأمراض المتوطنة والمستعصية على العلاج لفترات طويلة، ولم يكن عليٌّ من أولئك الأطباء المفتقرين للنواحي العلمية النظرية أو التطبيقية، بل إن الذي جعله متفرِّدًا بين علماء عصره وحتى يومنا هذا هو إلمامه بكافَّة النواحي النظرية التي يحتاجها أي طبيب مثله من المعرفة والعلم والدراية بما كتبه الأولون في هذا الفنِّ؛ وبجانب ذلك سيره على ما يُسَمَّى في الواقع العلمي اليوم باسم (المنهج العلمي) القائم على التجربة والاستقصاء والملاحظات ومن ثَمَّ النتائج.





علي بن العباس.. المولد والنشأة




وُلِدَ علي بن العباس في منطقة الأهواز -شرقي إيران حاليًا- ولم يُعرف بالضبط تاريخ ميلاد، وقد ذكر بعضُ مَن ترجموا له ذكروا أنه كان حيًّا قبل عام (384هـ/ 994م)[2]، ومنهم من جزم بوفاته في هذا العام[3]، ومنهم من جعل وفاته في حدود عام (400 هـ/ 1010م)[4].
[HIDE]

وقد ذكره القفطي في (أخبار العلماء) فقال: "علي بن العباس المجوسي، طبيب فاضل كامل، فارسي الأصل، يُعرف بابن المجوسي، قرأ عَلَى شيخ فارسي يُعرف بابن ماهر، وطالع هو واجتهد لنفسه، ووقف على تصانيف المتقدِّمِينَ، وصنف للملك عضد الدولة فناخسرو بن بويه كُنَّاشه[5] المسمَّى بالملَكِي، وهو كتاب جليل، وكُنَّاش نبيل اشتمل على علم الطبِّ وعمله، حسن الترتيب"[6].




علي بن العباس.. وكامل الصناعة الطبية



445.jpg













































اشتهر علي بن العباس بكتابه المسمى (كامل الصناعة الطبية الضرورية) والمشهور باسم (الملكي)، فإنه يُعدُّ من أبرز مصنفاته وأشهرها على الإطلاق، وقد قال عنه ابن أبي أصيبعة: "صنفه للملك عضد الدولة فناخسرو بن ركن الدولة أبي علي حسن بن بويه الديلمي، وهو كتاب جليل مشتمل على أجزاء الصناعة الطبية؛ علمها وعملها"[7].




يقول علي بن العباس في أول كتابه هذا مشيرًا إلى الدافع إلى تأليفه وبيان أهميته: "أحببت أن أُصَنِّف لخزانته كتابًا كاملاً في صناعة الطب". ثم قال: "وما سمعته فهو: (الملكي) كامل الصناعة الطبية، وهو جامع كامل لكل ما يحتاج إليه المتطبِّب"[8].




وما أن ظهر هذا الكتاب حتى قوبل بالاستحسان، ومال الناس إلى دراسته، يوضِّح ذلك القفطي فيقول: "مال الناس إليه في وقته، ولزموا درسه إلى أن ظهر كتاب القانون لابن سينا، فمالوا إليه، وتركوا الملكي بعضَ التَّرْك، والملكي في العمل أبلغ، والقانون فِي العلم أثبت"[9].




ولعل جملة القفطي: "الملكي في العمل أبلغ، والقانون في العلم أثبت"، توضِّح الأهمية الواقعية والتجريبية لكتاب (كامل الصناعة الطبية) بين العامة والخاصة، وأن هذا الكتاب يختلف عن (القانون) لابن سينا؛ لأن مؤلفه اعتمد فيه على مشاهداته العلمية في المستشفيات، لا على مجرَّد الدراسة النظرية، ويظهر ذلك في مقالتي الكتاب الأولى والثانية، والمشتملتين على فصول رائعة في التشريح، فكانت مرجعًا لعلم التشريح في سالرنو بإيطاليا مدة من الزمن[10].




ويتكوَّن كتاب (كامل الصناعة الطبية) من جزأين متكاملين؛ كل منهما يحتوي على عشر مقالات؛ فالمقالة الأولى من الجزء الأول تتناول الأمور العامة وأمزجة الأعضاء، والثانية والثالثة تختصَّان في تشريح وظائف الأعضاء، والرابعة تهتمُّ في ذكر القوى والأفعال والأرواح، والخامسة تشمل الأمور التي ليست طبيعية، والسادسة في الأمراض والأعراض، والسابعة في الدلائل العامة على الأمراض والعلل، والثامنة في الاستدلال على الأمراض الظاهرة للحسِّ وأسبابها وعلاماتها، والتاسعة تحوي ذكر الدلائل وأسبابها وعلاماتها. وأما الجزء الثاني فيشتمل على كلٍّ من:


المقالة الأولى في الصحة العامة، والثانية في الأدوية، والثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة والثامنة: خصَّصها لعلاج الأمراض ومداواتها، والتاسعة للجراحة، وأما العاشرة فهي لصنع المعجَّنات والدهونات والأشربة والأكحال وغيرها[11].
وقد وصفت زيجريد هونكه كتاب علي بن العباس بقولها: "كل ما تمناه الرازي وحال المرض والعمى ثم الموت دون إبرازه إلى حيز الوجود حَقَّقَه علي بن العباس في أكمل صورة، وجاء كتابه تحفة علمية رائعة، جمعت بين عمق كتاب (الحاوي) وتماسك كتاب (المنصوري)... وكان كتابًا ملكيًّا بالفعل كعنوانه: (الكتاب الملكي)، وما يزال يستحق إعجابنا وتقديرنا حتى العصر الذي نعيش فيه"[12].




وقال فليب حتي عن هذا الكتاب أيضًا: "كتاب جليل، وكُنَّاش نبيل، اشتمل على علم الطب وعمله، وكانت أفضل أقسامه القسم الذي يبحث في علم الأغذية الصحية وعلم العقاقير الطبية"[13].




علي بن العباس.. ومنهج نقدي متميز




مما يُدلِّل على مقدرة علي بن العباس العقلية الفاحصة لكل ما قرأه واطَّلع عليه، ومما يُدلل أيضًا على تبحُّره ومكانته الفائقة في المجال الطبي، وكذلك على منهجه الذي اعتمد عليه إزاء الدراسات السابقة عليه، أنه قد انتقد كثيرًا من المؤلفين السابقين عليه، وخاصة ما ألَّفه اليونانيون في هذا المجال، ولم يكن هذا الانتقاد منطلِقًا من التشفِّي لكل ما كتبه القدماء، بل كان انتقادًا بالأدلة العلمية الصحيحة والعقلية المقبولة في كتابه القيِّم (الملكي).




وهذا الأمر تُثبته وتنقله المستشرقة الألمانية زيجريد هونكه في كتابها (شمس العرب تسطع على الغرب) عن علي بن العباس، حيث تنقل عنه أنه قال: "إني لم أجد بين مخطوطات قدامى الأطباء ومحدثيهم كتابًا واحدًا كاملاً يحوي كل ما هو ضروري لتعلُّم فنِّ الطب؛ فأبقراط يكتب باختصار، وأكثر تعابيره غامضة بحاجة إلى تعليق... كما وضع جالينوس عدة كتب لا يحوي كل منها إلاَّ قسمًا من فنِّ الشفاء، ولكن مؤلفاته طويلة النفس، وكثيرة الترديد، ولم أجد كتابًا واحدًا له يصلح كل الصلاح للدراسة... وأما أنا فإني سأعالج في كتابي كل ما يلزم للحفاظ على الصحة وشفاء الأمراض، والمستلزمات التي يجب على كل طبيب قدير مستقيم أن يعرفها"[14].




علي بن العباس.. إنجازات وإسهامات




في صدد إنجازات وإسهامات علي بن العباس ومكانته العلمية الفريدة، كانت تعليقات زيجريد هونكه، والتي ذكرت ما تفرَّد به عن أسلافه من أطباء اليونان والمسلمين؛ فقالت: "وقد قال أبقراط ومن جاء بعده: بأن الطفل في جوف الأم يتحرَّك بنفسه تلقائيًّا، ويخرج بواسطة من هذه الحركة من الرحم، فجاء علي بن العباس ليكون أول من قال بحركة الرحم المولِّدة التي تدفع بالثمرة (الجنين) إلى الخروج بواسطة انقباض عضلاته"[15].




وتقصد هونكه أن علي بن العباس قد أثبت أن الطفل في الولادة لا يخرج من تلقاء نفسه كما كان يُعتقد قبل ذلك، بل يخرج بفعل تقلصات عضلية داخل الرحم.


وإضافةً إلى ذلك كتب علي بن العباس عن الخرَّاج في رحم الأم، وفي حلقه، وعن سرطان الجوف الداخلي، وغيرها من التوصيفات المرضية التي توجد داخل أمعاء الإنسان، أو رحم الأمهات، وقد أشار في كتابه (الملكي) إلى ضرورة العمل في المستشفيات لمن أراد أن يكون طبيبًا ناجحًا[16].




ولعَلَّ علي بن العباس المجوسي -كما يذكر الدكتور عامر النجار- من أوائل من أشاروا إلى وجود صلات بين الشرايين والأوردة؛ وفي ذلك إرهاصة متواضعة إلى وجود الأوعية الشعرية، كما يشتمل كتابه (الملكي) على ملاحظات إكلينيكية قد تكون متواضعة في زماننا هذا، لكنها كانت أكثر قيمة بالنسبة لعصره ووقته[17].
هذا، وقد تناقل مؤرخو العلوم الطبية بكل إعجاب النزعات العلمية والأخلاقية عند علي بن العباس؛ فمنها على سبيل المثال ما يلي:




1- يجب الاعتماد على تقويم صحة المريض؛ إذ (الوقاية خير من العلاج).
2- يلزم أن يُعَالَج العليل بالغذاء قبل اللجوء إلى الأدوية.
3- ينبغي التركيز على الأدوية المفردة وتجنب المركبة قدر الإمكان.
4- عدم تناول الأدوية الغريبة المجهولة.
5- النبض رسول لا يكذب، ومنادٍ أخرس يُخبر عن أشياء خفية بحركاته الظاهرة.
6- القلب والعروق الضوارب تتحرك كلها حركة واحدة، على مثال واحد في زمن واحد.
7- يعتبر علي بن العباس أول من أشار إلى صعوبة شفاء المريض بالسل الرئوي بسبب حركة الرئة.
8- أوصى باستعمال القسطرة[18] لإخراج البول من المثانة.
9- عالج بنجاح الغدد اللمفاوية (الدرني).
10- عالج أم الدم "الأنورسما" جراحيًّا.
11- وصف علاجًا لكل من الخلوع والكسور والتجبير.
12- وصف علاجًا لالتهاب اللوزتين.
13- بحث عن التقيد بتقاليد الصنعة وآدابها.
14- تواتر عنه أنه قال: "الطبيب والمريض والمرض ثلاثة، فمتى كان المريض يقبل من الطبيب ما يصف له ويتوقَّى ما ينهاه عنه، كان الطبيب والمريض محاربين للمرض، واثنان على واحد يغلبانه ويهزمانه، وإن كان المريض لا يقبل من الطبيب ما يصفه له ويتبع شهواته، كان المرض والمريض محاربين للطبيب، وواحد لا يقوى على محاربة اثنين".
15- ينصح الأطباء أن لا يكون هدفهم طلب المال بل الأجر والثواب، وألا يُعطوا دواءً قتالاً ولا يصفوه، ولا يدلُّوا عليه أو ينطقوا به، ولا دواء للنساء لإسقاط الأجنة، وأن يكون الطبيب رقيق الكلام، طاهرًا، بعيدًا عن كل نجس وفجور، وبعيدًا عن اللهو وشرب النبيذ، صافي النية في نظراته للنساء، وأن لا يُفشي سرًّا، وأن يكون رحيمًا وعفيفًا مع الفقراء.
16- يحثُّ الأطباء على تَذَكُّر الأعراض التي تعتري المريض.
17- كما يحثُّ الطبيب على ضرورة مداولة أمور المرضى مع زملائه وأساتذته حذّاق الأطباء[19].




علي بن العباس.. الأثر والتأثير




كغيره من علماء المسلمين في الحضارة الإسلامية، كان لعلي بن العباس صدًى كبير في الأوساط والمحافل العلمية والدولية، وكان له أثر عظيم على سير النهضة والحضارة الأوربية.


وإن كتابه (الملكي) ليُعدُّ من أوائل الكتب المترجمة من العربية إلى اللاتينية؛ فقد ترجمه قسطنطين الإفريقي (1020 - 1087م) عميد مدرسة الطب في سالرنو الإيطالية، والغريب أنه نسبه إلى نفسه. وقد انتشر هذا الكتاب في الغرب انتشارًا مذهلاً، وصار كتابًا منهجيًّا في جميع المدارس الطبية وقتئذٍ، كما تُرجم الكتاب مرَّة أخرى بواسطة باحث معروف هو إتيان الأنطاكي، وذلك في عام (521هـ/ 1127م)، الذي شكَّ في مقدرة قسطنطين الإفريقي على إنتاج مثل هذا العمل، فبحث عن مصدر هذا العمل، ومِن ثَم نسبه إلى صاحبه[20].
وهكذا كان علي بن العباس شعلة وهَّاجة في سماء الحضارة الطبية، وكان له دوره الذي لا يُنْكَر في مسيرة الحضارة الإسلامية الإنسانية
[/HIDE]
.
د. راغب السرجاني
[1]عُرِفَ بهذه النسبة إلى أحد أجداده، الذي كان يدين بالمجوسية.
[2]عمر كحالة: معجم المؤلفين 7/116.
[3]حاجي خليفة: كشف الظنون 2/1380.
[4]الزركلي: الأعلام 4/297.
[5]الكُنَّاش والكُنَّاشة: أوراق تجعل كالدفتر يقيَّد فيها الفوائد والشوارد للضبط.
[6]القفطي: أخبار العلماء ص155، 156.
[7]ابن أبي أصيبعة: طبقات الأطباء 1/223.
[8]انظر: حاجي خليفة: كشف الظنون 2/1380.
[9]القفطي: أخبار العلماء ص156.
[10]انظر: عامر النجار: في تاريخ الطب في الدولة الإسلامية ص117.
[11]انظر: حاجي خليفة: كشف الظنون 2/1380، وعلي عبد الله الدفاع: رواد علم الطب في الحضارة العربية والإسلامية ص246، 247.
[12]زيجريد هونكه: شمس العرب ص285.
[13]فليب حتي وآخرون: تاريخ العرب 2/685.
[14]زيجريد هونكه: شمس العرب ص284، 285.
[15]المصدر السابق ص271.
[16]انظر: عامر النجار: في تاريخ الطب في الدولة الإسلامية ص119.
[17]المصدر السابق ص118.
[18]القسطرة: أنبوبة من المطاط تدخل في مجرى البول لتفرغ المثانة. انظر: المعجم الوسيط ص734.
[19]علي عبد الله الدفاع: رواد علم الطب في الحضارة العربية والإسلامية ص248، 249.
[20] المصدر السابق ص249، 250.


 

كول نار

G.M.K Team
رد: شخصيات صنعت التاريخ

444.jpg





مع بداية انتشار الإسلام في العالم، وانفتاح المسلمين على أمم جديدة، وثقافات مختلفة، وانصهار الحضارات السابقة في بوتقة الإسلام، بدت الحاجة ملحَّة إلى ترجمة ما يفيد الحضارة الإسلامية من هذه الحضارات، فكانت البداية في عصر الخلافة الأموية، وبالتحديد منذ ظهور الأمير الأموي خالد بن يزيد بن معاوية.
[HIDE]لم تبدأ حركة الترجمة قوية منذ بداية الأمر، وإنما ظلَّت تحبو مرَّة تلو أخرى، حتى وصلت إلى مرحلة النضج الحقيقي فيما يُسَمَّى بالعصر الذهبي العباسي؛ إذ فُتح الباب على مصراعيه للثقافات والعلوم المختلفة.


وقد كان لغير المسلمين أثرٌ كبير في نقل هذه العلوم إلى العربية؛ وذلك لمعرفتهم بالتراث الهيليني واللغات المختلفة، وقد لعب السريان دورًا كبيرًا في عملية النقل من السريانية إلى العربية، وقد برزت بعض المناطق التي كان لها أثر فعَّال في تقدم عملية الترجمة، ومنها حران وجنديسابور والإسكندرية، وقد برز في هذه المناطق بعض المترجمين الذين كان لهم أثر فعَّال في حركة الترجمة؛ منهم:




آل بختيشوع:



وهي عائلة كبيرة اتخذت الطب حرفة لها ما يقارب ثلاثة قرون، وقد كان لهذه العائلة مكانة خاصَّة في قلوب خلفاء بني العباس؛ فقد كان منهم الوزراء والأطباء البارزون المحنَّكون، وقد ظلَّت هذه الأسرة محتكرة الطب حتى القرن الخامس الهجري تقريبًا، وقد كان أهمُّ ما يميز هذه العائلة أنه كلما مات منهم طبيب خلفه من هو خير منه، فكانوا يتوارثون العلم عن جدارة وتميُّز؛ لذلك كانت لهم مكانة خاصَّة في نفوس الخلفاء العباسيين.



يأتي في مقدمة هذه العائلة مؤسسها الأكبر جورجيس بن جبرائيل آل بختيشوع، والذي كان يرأس المدرسة الطبية في جنديسابور، وكان عالمًا باللغتين اليونانية والسريانية، ومنذ ذلك الحين بدأ نجم آل بختيشوع يعلو ويرتفع بعدما استقدمه الخليفة المنصور إلى بغداد عندما أصابه مرض في معدته وعجز الأطباء عن علاجها، فلمَّا قَدِمَ شَخَّص مرضه ووصف له ما يناسبه، وقد عرض عليه الخليفة الإسلام إلاَّ أنه رفض، وقال: أنا على دين آبائي أموت.



ثم رحل إلى بلدته وقد أوصى الخليفة له بخير، وقد استطاع أن ينال شهرة عظيمة في بغداد آنذاك.


أما عن كتبه، فله كتاب (الكُنَّاش)، وقد نقله حنين بن إسحاق من السريانية إلى العربية، وله كذلك كتاب الأخلاط، وقد بقي هذان الكتابان ردحًا من الزمن من المراجع الطبية الأساسية لطلاب العلوم الطبية, وقد نال كتاب الكُنَّاش شهرة واسعة بما كان يتناوله من معلومات غاية الأهمية، منها: أمراض المعدة وقروح الأمعاء، وغيرها الكثير.


وعندما ذهب جورجيس إلى بغداد بأمر الخليفة، استخلف ابنه بختيشوع على المدرسة الطبية في جنديسابور، ولما عزم الأب على الرحيل إلى جنديسابور، أمر الخليفة المهدي أن يأتي الابن لبغداد ليحل محل أبيه، وعندما أصبح هارون خليفة أكرمه وقدره وعينه رئيسا للأطباء في بغداد.


بختيشوع الابن:

ما إن مات الأب حتى ورث الابن مجد أبيه في الطب، ونال شهرته في بغداد، وقد كان الابن مثل أبيه، فاضلاً عالمًا بصناعة الطب ويجيد ممارستها، ولا ريب في ذلك؛ فقد استخلفه أبوه على البيمارستان في جنديسابور، ويكفي هذا شهادةً له على تفوُّقه من أبيه، الذي كان ضليعًا في الطب.



نال بختيشوع شهرة أبيه، ليس لكونه ابن جورجيس الشهير، وإنما لما خلفه من موروث علمي كبير جمعه في كتابه الشهير (التذكرة)، وقد أَلَّف هذا الكتاب لابنه جبر ائيل، وهو يُعتبر كُنَّاشًا صغيرًا جمع فيه العديد من الأمراض المنتشرة في عصره؛ مثل: السل، والاستسقاء، وقروح المعدة، وغيرها الكثير.


جبرائيل بن بختيشوع:

أمَّا عن جبرائيل بن بختيشوع، فقد كان خير خلف لخير سلف، وقد نال علم والده وجدِّه؛ لذلك صار نابغة زمانه في الطب، وقد عُرف عنه أنه جيد التصرُّف في المداواة، عالي الهمة، حظيًّا عند الخلفاء، رفيع المنزلة عندهم، وقد حصَّل من جهتهم الأموال ما لم يُحَصِّله غيره من الأطباء .



نال جبرائيل شهرة واسعة، حتى صار طبيبًا لجعفر بن يحيى البرمكي، كما كانت له منزلة كبيرة لدى المأمون، وذلك عقب الرسالة التي بعثها له في المطعم والمشرب، والتي بقيت دليلاً لأطباء عصره في مجال الأغذية.


ولجبرائيل من الكتب:

رسالته إلى المأمون في المطعم والمشرب، وكتاب المدخل إلى صناعة المنطق، وكتاب في الباءة، ورسالة مختصرة في الطب، وله كُنَّاشه أيضًا.

ومن كلامه: أربعة تهدم أربعة؛ إدخال الطعام على الطعام قبل الانهضام، والشراب على الريق، ونكاح العجوز، والتمتع في الحمام .


أمَّا عن الطبيب الرابع في هذه الأسرة الطبية الكبيرة، والذي ما زال يحمل اسمها عاليًا في سماء علوم الطب في الدولة الإسلامية، والذي حمل اسم المؤسس الأول بختيشوع، والذي نال حظوة الخلفاء العباسيين مثل آبائه، فهو:


بختيشوع بن جبرائيل بن بختيشوع:

كان سرياني المذهب، نبيل القدر، عظيم المنزلة والحال، وقد كان قريبًا من المتوكل، وكان المتوكل يُجِلُّه؛ لذا حصل منه على المال الكثير، حتى إنه كان يضاهي المتوكل في لبسه ومظهره، وقد كان مُتَدَيِّنًا، ويُكْثِر التعبُّد إلى الله، كما عُرِف عنه حبُّه الفكاهة وسماع النكت وفعل المزاح، ولا سيما مع يوحنا بن ماسويه، قال ذات يوم: "أنت يا أبا زكريا أخي من أبي. فقال يوحنا للحاضرين: اشهدوا على إقراره فلأُقَاسِمَنَّه ميراثه من أبيه.

فقال بختيشوع على الفور: إن أولاد الزنا لا يرثون".


كان بختيشوع ذا منزلة كبيرة في الطب، وقد اشتهر بممارسة الطب بالقياس لا بالتجربة، كما أنه ركز على الوقاية من المرض.


ومن مؤلفاته في الطب:

نبذة في الطب، وصنائع الرهبان في الأدوية المركبة، وكتاب الحجامة، وهو كتاب على طريق السؤال والجواب.



ومن كلامه: الشرب على الجوع رديء، والأكل على الشبع أردأ منه.
وكانت وفاته سنة (256هـ/870م).


بيد أن صيت العائلة المالكة لأمور الطب في عصرها قد خفت نسبيًّا في عهد عبيد الله بن بختيشوع بن جبرائيل، فلم يكن متمرسًا في الطب كأجداده، وقد عمل كاتبًا في ديوان الخليفة المقتدر بالله.


ولكن سرعان ما عاد نجم العائلة يسطع من جديد؛ إذ أنجب عبيد الله ولدًا نجيبًا سمَّاه جبرائيل.


جبرائيل بن عبيد الله بن بختيشوع:

كان هذا الطبيب عالمًا فاضلاً، متقنًا لفنون الصناعة؛ لذلك علا شأنه، وذاع صيته، يكنى أبا عيسى، وتوفي سنة (396هـ/1006م)، عمل جبرائيل في بلاط عضد الدولة البويهي، وكان له شأن عظيم بين أطباء عصره، وقد اعتكف على التأليف في آخر أيام حياته، وله من التصانيف:





- كُنَّاشه الكبير - الملقب بالكافي - في خمسة مجلدات، أَلَّفه للصاحب بن عبَّاد على طريق السؤال والجواب.
-كُنَّاشه الصغير، وأَلَّفه أيضًا للصاحب بن عباد.
- رسالة في عصب العين.
- مقالة في ألم الدماغ بمشاركة فم المعدة والحجاب الفاصل، "بين آلات الغذاء وآلات التنفس".
- كما له كتاب المطابقة بين قول الأنبياء والفلاسفة.
- مقالة في الرد على اليهود.
- كما له مقالة في: لِمَ جُعِلَ من الخمر قربان محرم؟


بعد أن توفي جبرائيل خلفه ابنه عبيد الله، وقد ذاع صيته في الطب كذلك.


عبيد الله بن جبرائيل:

هو أبو سعيد عبيد الله بن جبرائيل بن عبيد الله بن بختيشوع بن جبرائيل بن بختيشوع بن جورجيس بن جبرائيل، توفي سنة (450هـ/1058م)، كان فاضلاً وعالمًا متمرسًا، مشهورًا بجودة الأعمال، متقنًا أصولها وفروعها.





كان جيد المعرفة بعلم النصارى ومذاهبهم، وله عناية بالغة في صناعة الطب، ولم يكن عبيد الله متميزًا في المداواة فقط، ولكن كان متميزًا في فروع الطب المختلفة.


وقد اختلف مع الأطباء الذين يربطون الطب بالفلسفة، بل إنه يرى الطب من العلوم التطبيقية البحتة وليس له صلة بالفلسفة، إلاَّ بما يتعلَّق بالمنطق والاستقراء والاستنتاج .




ولعبيد الله تصانيف كثيرة؛ منها:




- كتاب الروضة الطيبة، مقالة في الاختلاف بين الألباب، أَلَّفها سنة (440هـ/1048م).
- كتاب التوصل إلى علم التناسل، ألفها سنة (440هـ/1048م).
- كتاب تذكرة الحاضر وزاد المسافر.
- كتاب الخاص في علم الخواص.
- كتاب طبائع الحيوان وخواصها ومنافع أعضائها، أَلَّفه للأمير نصير الدولة.
تلك كانت لمحات من حياة السيرة والمسيرة لهذه الأسرة التي امتلكت زمام المبادرة في مجال العلوم الطبية المختلفة على مدار ما يقارب ثلاثة قرون، لا ينازعها فيه أحد وإلاَّ نافح الخلفاء عنهم من شدَّة تعلقهم بهم.




ولنا أن نوضح بعض اللمحات من هذه السيرة:





1- كان فتح الإسلام لبلاد جنديسابور سببًا جليًّا في بزوغ نجم هؤلاء، فلم يكن أحد يسمع عن علمهم، اللهم إلاَّ أهل البلاد فقط، ولكن لمَّا جاءهم الإسلام أفرد لهم مكانًا في تاريخ الحضارة الإنسانية كلها.
2- يجب ألاَّ ننسى دور آل بختيشوع في مجال الترجمة؛ فقد كان لهم الفضل في نقل كتب اليونان إلى العربية، وخاصة جورجيس الذي نقل معلومات بالغة الأهمية للخليفة العباسي المنصور، ثم تبعه أولاده من بعده.






3- اختلف المؤرخون بأصل هذه العائلة: فمنهم من قال: إنهم من النساطرة السريان الذين نَمَوْا وترعرعوا في مدينة جنديسابور الإيرانية في العصر العباسي الأول. ومنهم من قال: إن أصلهم من سوريا، أو من شمال ما بين النهرين، ولكنهم نزحوا إلى مدينة جنديسابور لشهرتها المعروفة في ميدان العلوم الطبية.






4- كان لآل بختيشوع منزلة كبيرة في قلوب الخلفاء العباسيين، بل في قلوب المسلمين جميعًا، وقد بلغ هذا الحب مبلغه؛ حتى إن الخلفاء كانوا يَدْعُونَ لهم في صلاتهم أن يهديهم الله إلى الإسلام؛ لما كانوا يتمتَّعُون به من خُلق فاضل وعلم غزير، وممَّا يُذْكَر في هذا المجال أن الخليفة الرشيد لمَّا حجَّ قال لجبرائيل بن بختيشوع: "يا جبرائيل، علمت مرتبتك عندي؟ قال: يا سيدي، وكيف لا أعلم؟! قال له: دعوتُ لك - والله - في الموقف دعاءً كثيرًا. ثم التفت إلى بني هاشم، فقال: أذكرتم قولي فيه؟ فقالوا: ياسيدنا، ذِمِّيٌّ. فقال: نعم، ولكن صلاح بدني وقوامه به، وصلاح المسلمين بي، فصلاحهم بصلاحه وبقائه. فقالوا: صدقت يا أمير المؤمنين".






على أن التاريخ الإسلامي قد شهد العديد من هذه النماذج المتوارثة، وخاصة في مجال العلوم الطبية، فهناك آل ثابت بن قرة وآل حنين بن إسحاق، وآل ماسويه أبو يوحنا، وهناك عائلة ابن الأثردي، وكل هؤلاء كان لهم فضل وعلم وشهرة في مجال العلوم الطبية.
[/HIDE]






المصدر: كتاب (قصة العلوم الطبية في الحضارة الإسلامية) للدكتور راغب السرجاني.



 

كول نار

G.M.K Team
رد: شخصيات صنعت التاريخ

clear.gif



الكسندر فلمنج (1881 - 1951) هو مكتشف البنسلين ولد في لوخفيلد باسكتلندا سنة 1881 ، و بعد تخرجه في المدرسة الطبية بلندن انشغل فلمنج في دراسات التعقيم.


و عندما التحق بالجيش في الحرب العالمية الأولى ، كان مهتما بالجروح و العدوى ، و لاحظ ان الكثير من المطهرات تؤذى خلايا الجسم أكثر مما تؤذيها الميكروبات نفسها.



و لذلك ايقن ان الذى تحتاج اليه هو مادة تقضى على البكتيريا ، و في نفس الوقت لا تؤذى خلايا الجسم. و في سنة 1922 بعد نهاية الحرب ذهب إلى معمله يستكمل دراساته و اهتدى إلى مادة اطلق عليها اسم ليسوزيم هذه المادة يفرزها الجسم الانسانى ، وهى خليط من اللعاب و الدموع .




[HIDE]
و هى لا توذى خلايا الجسم ، و هى تقضى على بعض الميكروبات ، ولكن مع الاسف لا تقضى على الميكروبات الضارة بالانسان.


وعلى الرغم من طرافة هذا الاكتشاف فانه لم يكن شيئا عظيما.


اما اكتشافه العظيم فقد حدث في سنة 1928 ، فقد تعرضت احدى مزارع البكتريا للهواء و تسممت .


و لاحظ فلمنج ان البكنتريا تذوب حول الفطريات في المزرعة التى اعدها في المعمل.


و استنتج من ذلك ان البكتريا تفرز مادة حول الفطريات ، و ان هذه المادة قاتلة للبكتريا العنقودية.



هذه المادة اطلق عليها اسم البنسلين اى العقار المستخلص من العفونة و ان هذه المادة ليست سامة للانسان او الحيوان.


ونشرت نتائج ابحاث فلمنج سنة 1929 و لم تلفت النظر أول الامر .



واعلن فلمنج ان هذا الاكتشاف من الممكن ان تكون له فوائد طبية خطيرة .


و لم يستطع ان يبتكر طريقة لاستخلاص هذه المادة او تنقيتها.


و ظل هذا العقار السحرى عشر سنوات دون ان يستفيد منه احد.

واخيرا في سنة 1930 قرأ اثنان من الباحثين البريطانيين هما هوارد فلورى و ارنست تشين ما كتبه فلمنج عن اكتشافه الخطير ، و اعاد الاثنان نفس التجارب و جربا هذه المادة على حيوانات المعمل.



وفي سنة 1941 استخدما البنسلين على المرضى . و اثبتت تجاربهما ان هذا العقار الجديد في غاية الاهمية.

وبمساعدة من حكومتى أمريكا و بريطانيا تسابقت الشركة الطبية على استخلاص مادة البنسلين بكميات ضخمة .



و توصلت هذه الشركات إلى طرق اسهل لاستخلاص المادة السحرية و انتاج كميات هائلة و طرحها في الاسواق.

واستخدم البنسلين أول الامر لعلاج مرضى الحرب ... و في سنة 1944 اصبح في متناول المدنيين في بريطانيا و أمريكا ، و عندما انتهت الحرب في سنة 1945 اصبح البنسلين في خدمة الجميع

تزوج فلمنج و كان سعيدا في حياته .



و كان له ابن وحيد.



في سنة 1945 فاز بجائزة نوبل و شاركه فيها كل من العالمين فلورى و تشين اللذين ساعدا في تيسير الحصول على هذا العقار و توفى فلمنج سنة 1955.

 

كول نار

G.M.K Team
رد: شخصيات صنعت التاريخ

عرَّفه جورج سارتون في كتابه (مقدمة لدراسة تاريخ العلم) بقوله عنه: "كان رحّالة وفيلسوفًا، ورياضيًّا، وفلكيًّا، وجغرافيًّا، وعالمًا موسوعيًّا، ومن أكبر عظماء الإسلام، ومن أكابر علماء العالم". ووصفه المستشرق الألماني سخاو بقوله: "أعظم عقلية عرفها التاريخ"[1].


إنه أبو الريحان أحمد بن محمد البيروني الخوارزمي، الذي وُلِدَ في بلدة بيرون، إحدى ضواحي مدينة (كاث) عاصمة الدولة الخوارزمية سنة 362هـ/ 963م، والذي اطَّلع على فلسفة اليونانيين والهنود، وعَلَتْ شهرته، وارتفعت منزلته عند ملوك عصره[2].



مؤلفات البيروني

[HIDE]كان لمؤلَّفاته اليد الطُّولى في صناعة أمجاد عصر النهضة والثورة الصناعية في العالم الغربي؛ فقد حدَّد بدقة خطوط الطول وخطوط العرض، وناقش مسألة ما إذا كانت الأرض تدور حول محورها أم لا، وسبق في ذلك جاليليو وكوبرنيكوس، إضافةً إلى اكتشافاتٍ أخرى عديدة.




447.jpg
وقد رحل البيروني إلى الهند

وأقام فيها بضع سنين، نتج عنها كتابه (الطائر الصيت)، المعروف بكتاب الهند، والمعروف بـ (كتاب البيروني في تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة) أودع فيه نتيجة دراساته من تاريخ وأخلاق وعادات وعقائد وآداب وعلوم الهند، ومن جملتها ما كان عندهم من المعرفة بصورة الأرض.



ويصف المستشرق (روزن) منذ أكثر من سبعين عامًا هذا الكتاب بأنه "أثر فريد في بابه، لا مثيل له في الأدب العلمي القديم أو الوسيط، سواء في الغرب أم في الشرق"[3].


وغير كتابه السابق كان للبيروني أيضًا كتب أخرى كثيرة ومهمة في ضروب مختلفة من العلم؛ ففي الجغرافيا ألَّف: تصحيح الطول والعرض لمساكن المعمور من الأرض، وتحديد نهايات الأماكن لتصحيح مسافات المساكن، أمَّا في التاريخ؛ فله: تصحيح التواريخ، والآثار الباقية عن القرون الخالية، وفي الفلك كان له مؤلفات عديدة، مثل: الاستشهاد باختلاف الأرصاد، واختصار كتاب البطليموس القلوذي، والزيج المسعودي، والاستيعاب لوجوه الممكنة في صنعة الإسطرلاب، وتعبير الميزان لتقدير الأزمان، وقانون المسعودي في الهيئة، وفي الرياضيات أُثِرَ عن البيروني مؤلَّفات عِدَّة؛ كاستخراج الكعاب والأضلاع وما وراءه من مراتب الحساب، وكتاب الأرقام ورغم اهتمامه بالعلم فإنه كان ذا باعٍ طويل في الأدب؛ لذا كتب شرح ديوان أبي تمام، ومختار الأشعار والآثار، وفوق كل ذلك كان له مؤلَّفات عديدة في الفلسفة، مثل: كتاب المقالات والآراء والديانات، ومفتاح علم الهند، وجوامع الموجود في خواطر الهنود، وغير ذلك العشارت من المؤلَّفات الضخمة[4].


وبهذه المؤلفات يكاد البيروني يكون قد ألَّف في كل فروع المعرفة التي عهدها عصره؛ فقد كتب في الرياضيات والفلك والتنجيم والحكمة والأديان والتاريخ والجغرافيا والجيولوجيا والأحياء والصيدلة.
إنجازات البيروني

أما في مجال الطبيعيات فقد اهتم بالخواص الفيزيائية لكثير من المواد، وتناولت أبحاثه علم ميكانيكا الموائع والهيدروستاتيكا، ولجأ في بحوثه إلى التجربة وجعلها محورًا لاستنتاجاته[5]، كما انضم مع ابن سينا إلى الذين شاركوا ابن الهيثم في رأيه القائل بأن الضوء يأتي من الجسم المرئي إلى العين[6].


ومن أبرز ما قام به البيروني أنه توصل إلى تحديد الثقل النوعي لـ 18 عنصرًا مركبًا بعضها من الأحجار الكريمة مستخدمًا الجهاز المخروطي، وقد استخرج قيم الثقل النوعي لهذه العناصر منسوبة إلى الذهب مرة وإلى الماء مرة أخرى، وله جداول حدَّد فيها قيم الثقل النوعي لبعض الأحجار الكريمة منسوبة إلى الياقوت على أساس الوزن النوعي للياقوت = 100 ثم إلى الماء[7].


وفي ظاهرة الجاذبية كان البيروني، مع ابن الحائك، من الرواد الذين قالوا بأن للأرض خاصية جذب الأجسام نحو مركزها، وقد تناول ذلك في آراء بثَّها في كتب مختلفة، ولكنَّ أشهر آرائه في ذلك ضمَّنها كتابه القانون المسعودي[8].


ومن المسائل الفيزيائية التي تناولها البيروني في كتاباته ظاهرة تأثير الحرارة في المعادن، وضغط السوائل وتوازنها، وتفسير بعض الظواهر المتعلقة بسريان الموائع، وظاهرة المد والجزر وسريان الضوء، فقد لاحظ أن المعادن تتمدَّد عند تسخينها، وتنكمش إذا تعرضت للبرودة[9].


وأولى ملاحظاته في هذا الشأن كانت في تأثير تباين درجة الحرارة في دقة أجهزة الرصد، حيث تطرأ عليها تغيرات في الطول والقصر في قيظ النهار وصقيع آخر الليل، وتعرض في كتابه الآثار الباقية عن القرون الخالية لميكانيكا الموائع؛ فشرح الظواهر التي تقوم على ضغط السوائل واتزانها وتوازنها، وأوضح صعود مياه النافورات والعيون إلى أعلى مستندًا إلى خاصية سلوك السوائل في الأواني المستطرقة

كما شرح تجمع مياه الآبار بالرشح من الجوانب حيث يكون مصدرها من المياه القريبة منها، وتكون سطوح ما يجتمع منها موازية لتلك المياه، وبيَّن كيف تفور العيون وكيف يمكن أن تصعد مياهها إلى القلاع ورؤوس المنارات.

وتحدث عن ظاهرة المد والجزر في البحار والأنهار وعزاهما إلى التغير الدوري لوجه القمر[10].



أما فيما يختص بسريان الضوء فقد فطن إلى أن سرعة الضوء تفوق سرعة الصوت[11]، واتفق مع ابن الهيثم وابن سينا في قولهما بأن الرؤية تحدث بخروج الشعاع الضوئي من الجسم المرئي إلى العين وليس العكس[12]، كما يقرر أن القمر جسم معتم لا يضيء بذاته وإنما يضيء بانعكاس أشعة الشمس عليه، وكان البيروني يشرح كل ذلك بوضوح تام، ودقة متناهية في تعبيرات سهلة لا تعقيد فيها ولا التواء[13].


كما وضع البيروني قاعدة حسابية لتسطيح الكرة، أي نقل الخطوط والخرائط من الكرة إلى سطح مسطح وبالعكس؛ وبهذا سهل رسم الخرائط الجغرافية[14].


ويعتبر البيروني بعدُ أحدَ ألمع الوجوه التي يمكن أن تعتز بها الثقافة العربية من خلال تاريخ الفكر الإسلامي وأكثرها جاذبية.

فعلى الرغم من أن اسم البيروني يحتل مكانته من الأدب العربي في ميدان الجغرافيا والرحلات، إلا أنه يتبين لنا من خلال المصنفات السابقة أنه لم يكن جغرافيًّا فحسب، بل كان رياضيًَّا وفلكيًّا، وفيلسوفًا، وشاعرًا وأديبًا، وعالم اجتماعٍ ومؤرخًا!!



نعم كان كلَّ أولئك، وبرز في كل فروع المعرفة الإنسانية هذه، وبعبارة أخرى: كان مؤلفًا انتظم نشاطه كل دائرة العلوم المعاصرة له، والتي تحتل بينها العلوم الرياضية والفيزيائية مكانة الصدارة عنده[15].


وفاة البيروني

وفي رجب سنة 440هـ/ 1048م توفي البيروني، وكانت وفاته ختام حياة حافلة لرجل حكيم وعظيم، وفي وفاته يحكي أبو الحسن علي بن عيسى فيقول:



دخلت على أبي الريحان وهو يجود بنفسه، فقال لي: كيف قلتَ لي يومًا في حساب الجدّات الفاسدة؟



فقلت له إشفاقًا عليه: أفي هذه الحالة؟ قال: يا هذا، أودِّع الدنيا وأنا عالم بهذه المسألة، أَلاَ يكون خيرًا من أن أخلِّيها وأنا جاهل بها؟


فأعدتُ ذلك عليه وحفظ، وعلّمني ما وعد، وخرجت من عنده، وأنا في الطريق فسمعت الصراخ عليه[16]!!
[/HIDE]




76.gif







[1] راجع: كتاب نوابغ المسلمين 2/53، 64، 65.
[2] انظر: الصفدي: الوافي بالوفيات 1/1070، الزِّركلي: الأعلام 5/314، عبد الرحمن حميدة: أعلام الجغرافيين العرب ص340، موسوعة العرب: أبو الريحان البيروني ص26.
[3] انظر: عبد الرحمن حميدة: أعلام الجغرافيين العرب ص341.
[4] انظر الباباني: هدية العارفين 1/480، الصفدي: الوافي بالوفيات 1/1070، الزركلي: الأعلام 5/314.
[5] محمد الصادق عفيفي: تطور الفكر العلمي عند المسلمين ص115،114.
[6] قدري طوفان: العلماء العرب وما أعطوه للحضارة ص163.
[7] انظر: مصطفى وهبة: نوابغ المسلمين 2/63 بتصرف.
[8] المصدر السابق، الصفحة نفسها.
[9] السابق نفسه، الصفحة نفسها.
[10] قدري طوفان: العلماء العرب وما أعطوه للحضارة ص176 بتصرف.
[11] حسن نافعة، كليفوردبوزورث: تراث الإسلام 2/193.
[12] قدري طوفان: العلماء العرب وما أعطوه للحضارة ص163.
[13] انظر موقع الموسوعة العربية العالمية.
[14] عبد الرحمن حميدة: أعلام الجغرافيين العرب ص459، جلال مظهر: حضارة الإسلام وأثرها في الترقي العالمي ص397.
[15] عبد الرحمن حميدة: السابق نفسه ص341، 342.
[16] الصفدي: الوافي بالوفيات 1/1070.




 

كول نار

G.M.K Team
رد: شخصيات صنعت التاريخ

446.jpg





طبيب مصري ذائع الصيت، كان طبيب الخليفة الحاكم بأمر الله، وعميد أطباء القاهرة، واسمه الكامل هو أبو الحسن المصري علي بن رضوان بن علي بن جعفر، ولد بالجيزة قرب القاهرة سنة 998م، وعاش فيها وتوفي بها ما بين 1061 (453هـ) وكان طبيباً ورياضياً ومن كبار الفلاسفة في الإسلام. [HIDE]

لا يعرف الكثير عن حياته. ويقال إن أباه كان فَرَّاناً أو سقَّاء، ولذا اضطر ابن رضوان في صغره إلى العمل ليحصل على ما يشتري به ما يحتاجه من الكتب.

يقول عن نفسه وأنا في السادسة أسلمت نفسي في التعليم، ولما بلغت السنة العاشرة انتقلت إلى المدينة العظمى وأجهدت نفسي في التعلم، ولما أقمت أربع عشرة سنة أخذت في تعلم الطب و الفلسفة ولم يكن لي مال أنفق منه، فلذلك عرض لي في التعلم صعوبة ومشقة، فكنت مرة أتكسب بصناعه القضايا بالنجوم، ومرة بصناعة الطب، ومرة بالتعليم ولم أزل كذلك وأنا في غاية الاجتهاد في التعليم إلى السنة الثانية والثلاثين.



إسهاماته العلمية

من أهم إسهامات "ابن رضوان" في الطب اهتمامه بمعاينة المريض والتعرف على المرض، وذلك بالنظر إلى هيئة أعضاء المريض وبشرته، وتفقد أعضائه الباطنية والخارجية، وطريقة نظره وكلامه ومشيته، والتعرف على نبض قلبه وعلى مزاجه عن طريق توجيه الأسئلة إليه.

وحدد ابن رضوان واجبات الطبيب في معالجة أعدائه بنفس الروح والإخلاص والاستعداد التي يبذلها عند معالجة أحبائه، وكانت بين ابن رضوان وابن بطلان طبيب بغداد، مراسلات دارت حول صغار الطير وعدد من المواضيع، الأخرى خاصة منها تعلّم الطب اليوناني.

من منهجه في العلاج يقول "ابن رضوان" إذا دعيت إلى مريض فأعطه ما لا يضره إلى أن تعرف علته فتعالجها عند ذلك، ومعنى معرفة المرض هو أن تعرف من أي خلط حدث أولاً، ثم تعرف بعد ذلك في أي عضو هو، وعند ذلك تعالجه.

رسالته إلى الأطباء

كان ابن رضوان كثير الرد على من كان يعاصره من الأطباء وغيرهم، وكذلك على كثير ممن تقدمه، والطبيب في وجهة نظره هو الذي اجتمعت فيه سبع خصال : الأولى أن يكون تام الخلق، صحيح الأعضاء، حسن الذكاء، جيد الروية، عاقلاً، ذكوراً، خير الطبع، والثانية أن يكون حسن الملبس، طيب الرائحة، نظيف البدن والثوب، والثالثة أن يكون كتوماً لأسرار المرضى لا يبوح بشيء من أمراضهم، والرابعة أن تكون رغبته في إبراء المرضى أكثر من رغبته فيما يلتمسه من الأجرة، ورغبته في علاج الفقراء أكثر من رغبته في علاج الأغنياء، والخامسة أن يكون حريصاً على التعليم والمبالغة في منافع الناس، والسادسة أن يكون سليم القلب، عفيف النظر، صادق اللهجة، لا يخطر بباله شيء من أمور النساء والأموال التي شاهدها في منازل الأعلاء فضلاً عن أن يتعرض إلى شيء منها، والسابعة أن يكون مأموناً ثقة على الأرواح والأموال، لا يصف دواء قتالاً ولا يعلمه، ولا دواء يسقط الأجنة، يعالج عدوه بنية صادقة كما يعالج حبيبه.

ومعلم الطب – وفق ابن رضوان - هو الذي اجتمعت فيه الخصال بعد استكماله صناعة الطب، والمتعلم هو الذي فراسته تدل على أنه ذو طبع خير، ونفس ذكية، وأن يكون حريصاً على التعليم، ذكياً، ذكوراً لما قد تعلمه.

مؤلفاته

ألف ابن رضوان عدة كتب في الطب، أشهرها : "كتاب في دفع مضار الأبدان بأرض مصر"، ترجم ماكس مايرهوف فصلاً منه في كتابه : "دراسة المناخ والصحة في مصر القديمة" (1923)، وكتاب "شرح الصناعة الصغيرة لجالينوس"، الذي كان له شهرة عظيمة، وقد ترجمه جيرار الكريموني إلى اللاتينية، ونشر في البندقية سنة 1496م.

- شرح كتاب العرق لجالينوس.
- شرح كتاب الصناعة الصغيرة لجالينوس.
- شرح كتاب النبض الصغير لجالينوس.
- شرح كتاب جالينوس إلى أغلوقن في التأني لشفاء الأمراض.
- شرح كتاب الأسطقسات لجالينوس.
- شرح بعض كتاب المزاج لجالينوس.
- كتاب الأصول في الطب.
- رسالة في علاج الجذام.
- كتاب تتبع مسائل حنين.
- تفسير ناموس الطب لأبقراط.
- تفسير وصية أبقراط المعروفة بترتيب الطب.
- كلام في الأدوية المسهلة.
- كتاب في عمل الأشربة والمعاجين.


ومن مؤلفاته أيضا : "شرح المقالات الأربع في القضايا بالنجوم لبطليموس"، "كفاية الطبيب فيما صح لدي من التجارب"، و"الكتاب النافع في تعلم صناعة الطب"، ويحتوي هذا الكتاب على عرض لأفكار ابن رضوان وأفكار كثير من زملائه الآخرين عن الطب اليوناني القديم، وتطوره، وقيمته، وطريقة تعلمه.

ويُعَدُّ ابن رضوان نموذجًا إنسانيًّا فريدًا؛ ففي سيرته التي كتبها عن نفسه، ثم في وصاياه التي أوردها في بعض كتبه نلمس جانب الإنسان القنوع المجتهد المنظَّم، الذي لم ينسَ العبادة والتأمُّل في ملكوت الله، ومحاسبة نفسه على أعمالها، والاهتمام بتغذية جسمه بالغذاء والرياضة، وفعل الخير، وترتيب الوقت بين مصالحه ومصالح أهله ومنافع بيته.




يقول عن نفسه (باختصار): "أتصرَّف في كل يوم في صناعتي بمقدار ما يُغني، ومن الرياضة التي تحفظ صحة البدن، وأغتذي بعد الاستراحة من الرياضة غذاء أقصد به حفظ الصحة، وأجتهد في التواضع والمداراة وغياث الملهوف، وأنفق على صحة بدني، وعمارة منزلي نفقة لا تبلغ التبذير، ولا تنحط إلى التقتير، وأتفقد آلات منزلي فما يحتاج إلى إصلاح أصلحته، وأُعِدُّ في منزلي ما يحتاج إليه من الطعام والشراب والثياب، فما فضل بعد ذلك له أنفقته في وجوه الخير، وأُنَظِّف وأُزَيِّن ثيابي، وأَلْزَم الصمت وكفّ اللسان عن معايب الناس، وأجتهد أن لا أتكلم إلاَّ بما ينبغي، وأتوقَّى الأيمان ومثالب الآراء، فأحذر العُجْب وحُبَّ الغلبة، وإن دهمني أمر فادح أسلمتُ فيه إلى الله تعالى، وقابلته بما يوجبه التعقُّل من غير جبن ولا تهوُّر، وما بقي من يومي بعد فراغي من رياضتي صرته في عبادة الله سبحانه بأن أتنزه بالنظر في ملكوت السموات والأرض، وتمجيد محكمها" .
 
أعلى