إقليم غرب كوردستان و إستراتيجية التحرير (3)

G.M.K Team

G.M.K Team
إقليم غرب كوردستان و إستراتيجية التحرير (3)
وَهمْ تمتع الشعب الكوردي بِحق المواطنة في الكيانات السياسية المغتصِبة لِكوردستان
د. مهدي كاكەیي
في المقالة السابقة تحدثتُ عن حشر المجموعات العرقية و الدينية و المذهبية في المنطقة في كيانات سياسية ظهرت بعد إنتهاء الحرب العالمية الأولى، بالإضافة الى إحداث خلل في الخارطة السياسية لمنطقة الشرق الأوسط و شمال أفريقيا المتسببة عن فرض واقع جديد عن طريق الحروب و اللجوء الى القوة، سواء قبل أو بعد الحرب العالمية الأولى، على سبيل المثال، إيران التي شعوبها عبارة عن خليط من القوميات و الأديان و المذاهب المتنافرة المحشورة في كيان سياسي واحد بالقوة و الإكراه.
أشرتُ في المقالة السابقة أيضاً الى تخلف شعوب المنطقة فكرياً و إجتماعياً و إقتصادياً و سياسياً بسبب هيمنة الثقافة البدوية على شعوب المنطقة التي تم غزوها وإغتصابها وغسل الدماغ الذي تعرضت له هذه الشعوب لتقبل بالعبودية وسلخ هوياتها وثقافاتها ولغاتها وتراثها من خلال ربط إغتصاب الأوطان وتعريبها وتعريب شعوبها، بأوامر إلهية وبالعقاب والثواب بعد الموت.
الحكومات الشمولية المتوحشة لدول المنطقة والتي هي نتاج الثقافة البدوية المتخلفة، ساهمت بدورها في إصابة شعوب منطقة الشرق الأوسط بمختلف الأمراض النفسية والإجتماعية من خلال ممارسة القتل و الإرهاب و زج شعوبها في متاهات الحروب العبثية التي لم تكن للشعوب فيها مصلحة تُذكر. هذه الأنظمة ساهمت في خلق أجيالاً سقيمة ذات فكر شمولي عنصري عدواني.
من أعلاه يُفهم بأن المشكلة لا تنتهي بمجرد إختفاء الطغاة من المسرح السياسي، فالمشكلة في سوريا الأن غير متعلقة بحكم العلويين، بل كل من يتسلم الحكم بعد زوال النظام القائم في سوريا سيكون عنصرياً مذهبياً بحُكم تربيته و المحيط المكوّن له. حتى لو فرضنا إستلام الحكم في سوريا من قِبل أشخاص "ديمقراطيين"، فأن المشكلة ستبقى باقية و هؤلاء الأشخاص سيفشلون في تحقيق التغيير، لأن المسألة لا تتعلق بالأشخاص، بل تتعلق بالمجتمعات السورية، حيث أن التغيّرات الحاصلة في المجتمعات البشرية هي تغيّرات بطيئة جداً تستغرق أجيالاً عديدة و لا يمكن تغيير الواقع من خلال تخطّي مراحل التطور الفكري و الإجتماعي للمجتمع، حيث لا يمكن زوال الأفكار والثقافات والعادات و التقاليد السائدة في المجتمعات البشرية خلال فترة زمنية قصيرة.
لا أريد هنا الإطالة و تصفّح كتب التأريخ، إلا أننا يمكن أن نستدل بوضوح أن حركة مسار التطور الإجتماعي بطيئة جداً من خلال النظر الى مجتمعات الشرق الأوسط و شمال أفريقيا و غيرها من المناطق، حيث على سبيل المثال، بعد أكثر من 1400 سنة من إحتلال المنطقة من قِبل البدو القادمين من الحجاز، لا تزال الثقافة و العادات و التقاليد البدوية، مثل القبلية و الثأر و الإنتقام و العنف و الغزو و الفكر الشمولي، تتحكم في هذه المجتمعات و تحدّد نمط حياتها.
عليه، فأن المعارضة العربية السورية هي مشبعّة بالفكر العنصري العروبي والفكر الإسلامي الشمولي والمتعصب. لذلك على الكوردستانيين في إقليم غرب كوردستان أن لا يتفاجأوا من المواقف العنصرية و الإلغائية لجميع مجاميع المعارضة العربية السورية و بدون إستثناء. على الكوردستانيين أن لا ينخدعوا بما تقوله قوى المعارضة السورية حتى لو إدّعتْ بأنها تؤيد تمتع الكوردستانيين في الإقليم الغربي بحقوقهم، حيث ستكون تلك الإدعاءات مجرد تكتيك مرحلي إلى أن تسيطر هذه القوى على الحكم و تُعزز سلطتها و بعدها ستتنصل من كل وعودها و تجربة النظام العراقي الحالي و موقفه من الشعب الكوردستاني خير مثال على ذلك، حيث أن النظام العراقي، رغم الفوضى التي تعيشها البلاد و فقدان وجود حكومة حقيقية في بغداد، حيث أنها عبارة عن قوى متنافرة و متصارعة، فأن هذا النظام يتنصل من كل إلتزاماته و عهوده للكوردستانيين في جنوب كوردستان، بل يحاول تغيير الدستور العراقي و إلغاء النظام الفدرالي و إلغاء صلاحيات الإقليم و تأسيس نظام حكم مركزي دكتاتوري يُقرر مصير الكوردستانيين و يستعبدهم من جديد.
لو تصفحنا تأريخ الكوردستانيين، سنكتشف بأنهم عبر تأريخهم الطويل كانوا دائماً متخلفين عن التواصل مع المستجدات السياسية و مفتقرين الى روح المبادرة و إستباق الأحداث و إتخاذ القرارات في الأوقات المناسبة، لذلك بقوا متخلفين عن اللحاق بالأحداث و إنتهاز الفرص لإستغلالها في سبيل تحقيق حريتهم و التمتع بحقوقهم كالشعوب الأخرى التي تعيش على كوكبنا. عليه فأن الواجب الوطني يستدعي أن يستثمر الكوردستانيون الأحداث الجارية في الإقليم و سوريا و التي ستقرر مصيرهم و تحدد مستقبلهم، من خلال التفاعل مع هذه الأحداث لتغيير مسارها لتصّب في مصلحة الشعب الكوردستاني.
 
أعلى