د. مهدي كاكە يي : إقليم غرب كوردستان و إستراتيجية التحرير (8)

G.M.K Team

G.M.K Team
إقليم غرب كوردستان و إستراتيجية التحرير (8)

محاولات تركيا لإجهاض الثورة الكوردستانية

د. مهدي كاكە يي

إنتفاضة الكوردستانيين في الإقليم الغربي تُشكّل كابوساً مُرعِباً للنظام التركي، فتحاول "تركيا" التحكّم بمسارات التطورات الحاصلة في سوريا بشكل عام و في غرب كوردستان بشكل خاص، لتكون هذه التطورات لصالحها من خلال دعم إرهابيي داعش وتأسيس ميليشيات تركمانية سورية أو التدخل المباشر و ذلك بإحتلال الأجزاء المجاورة لها من إقليم غرب كوردستان بحُجّة فرض منطقة عازلة و نقل اللاجئين الكوردستانيين والسوريين المتواجدين في تركيا الى هذه المنطقة، إلا أن النظام التركي غير قادر على تنفيذ هذا الأمر بمفرده، لذلك يحاول الحصول على دعم الحلف الأطلسي في تنفيذ مخططاته ضد الشعب الكوردستاني في الإقليم الغربي و فرض الإخوان المسلمين على المعارضة السورية و مساعدتهم في تسلّم الحكم بعد إنهيار نظام بشار الأسد.

إعتماداً على الواقع السوري، فأن الإخوان المسلمين، بأجنحتهم المختلفة لا يحظون بنفوذ كبير في المجتمع السوري و بذلك سيكونون عاجزين عن الإنفراد بالحكم أو أن يكون لهم دور رئيسي في حكم البلاد بالرغم من تلقّيهم الدعم التركي، حيث أن العالم قد تغيّر الآن و أن الشعب الكوردستاني و السوري لن يسمحا بنجاح محاولات النظام التركي في سرقة ثورتهما و تحريف مسارها عن أهدافها. كما أن "تركيا" تحاول إقناع الولايات المتحدة الأمريكية و دول الإتحاد الأوروبي بجدوى إستلام الحكم في سوريا من قِبل "سياسيين إسلاميين معتدلين" المتمثلين بالإخوان المسلمين، لضمان الإستقرار في سوريا و في المنطقة، إلا أن "تركيا" سوف لا تنجح في مسعاها بسبب عدم شعبية الإخوان المسلمين في سوريا و رفض الأحزاب العلمانية و القوى السورية و التنظيمات الكوردستانية للمشروع التركي و الذي يُشتت وحدة قوى المعارضة و لا يكون في صالح الغرب.

كما أنه من المهم أن أذكر هنا بأن من مصلحة الدول الغربية و إسرائيل بقاء نظام بشار الأسد الذي لا يهدد المصالح الغربية و الإسرائيلية، مقارنة بتسلم الحكم من قِبل جماعات إسلاموية أو قوموية متشددة أو حلول الإنفلات الأمني و الفوضى في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، إلا أن الإنتفاضة السورية و الكوردستانية قد فرضت نفسها على الواقع و لا يجد العالم خياراً آخراً غير الإستسلام للأمر الواقع و قبول التغيير و في نفس الوقت محاولة كل دولة، لها مصالح في سوريا و المنطقة، أن تحافظ على مصالحها.

لهذا السبب فأن على القوى الكوردستانية رص صفوفها و تأسيس جبهة موحدة و وضع برنامج مشترك و مد جسور الصداقة و الثقة مع الدول الغربية و إسرائيل و طمأنتها على تأسيس نظام ديمقراطي في غرب كوردستان، يمد يد الصداقة و التعاون الى كافة شعوب العالم. بهذه الإجراءات يمكن أن تتلقى القوى الكوردستانية الدعم من العالم الغربي و إسرائيل و تُفشل محاولات "تركيا" في فرض الإسلامويين في سوريا لتأسيس حكم إسلاموي شمولي محل الحكم الشمولي لعائلة الأسد. الدعم الجوي للدول المتحالفة ضد الإرهاب للقوات الكوردستانية دلالة مهمة جداً على قبول الكوردستانيين من قِبل التحالف الدولي، و خاصةً الولايات المتحدة الأمريكية، ليلعبوا دوراً مهماً في الشرق الأوسط ويكون لهم مكاناً مرموقاً ضمن الخارطة الجديدة للشرق الأوسط الكبير وذلك بتأسيس دولة كوردستان في وطنهم و هذا يعني وقوف الدول الغربية ضد المخططات التركية في عرقلة تطلعات الشعب الكوردستاني في الحرية والإستقلال.

قد يقارن البعض النظام الإسلاموي الذي يأتي به الإخوان المسلمون في سوريا مع النظام الإسلامي التركي، قائلين بأن النظام التركي ليس نظاماً شمولياً بالرغم من أن حزب أردوغان الإسلامي يحكم "تركيا". هنا يجب إستيعاب الإختلاف الكبير بين المجتمع السوري و التركي. تأسست "تركيا" منذ حوالي تسعين عاماً و منذ تأسيسها تبنى أتاتورك النظام العلماني و بذلك يعيش الشعب التركي خلال هذه الفترة الطويلة في ظل نظام علماني لا يمكن لحزب العدالة و التنمية التركي أن يقوم بتغييره. كما يجب أن لا ننسى بأن "تركيا" عضوة في الحلف الأطلسي و لها علاقات سياسية و إقتصادية و عسكرية قوية مع الغرب، بل أنها تدور في الفلك الغربي و لذلك فأن الغرب لا يسمح لنظام شمولي أن يظهر في "تركيا". من جهة أخرى فأن الجيش التركي الذي له نفوذ سياسية كبيرة في البلاد لا يسمح إطلاقاً بالإتيان بنظام شمولي ليحكم "تركيا"، حيث يعتبر نفسه حامي النظام العلماني. كما أن التربية السياسية و الإجتماعية في المجتمع التركي الذي يعيش في ظل نظام علماني لفترة طويلة قد كوّنت شخصية و عقلية تركية تختلف عن شخصية و عقلية المجتمع السوري الذي يرزح تحت حكم دكتاتوري شمولي رهيب منذ فترة طويلة.

من المُستبعد جداً أن تتدخل "تركيا" عسكرياً في سوريا بشكل مباشر في محاولة منها لمنع تحرر الكوردستانيين في غرب كوردستان و ظهورهم كقوة لها دور كبير في رسم صورة النظام السوري الجديد و رسم خارطة الشرقَين الأوسط و الأدنى و فشل محاولة فرض الإخوان المسلمين لإستلام الحكم في سوريا. الدول الغربية سوف لا تسمح ل"تركيا" بغزو غرب كوردستان و سوريا و خلق الفوضى في هذه المنطقة الإستراتيجية التي تحتفظ بأكبر إحتياطيات البترول في أراضيها. إسرائيل بدورها لا تسمح لقوات تركية بالتواجد على حدودها و تقوية نفوذ الأتراك في المنطقة. كما أن إيران لا تقف مكتوفة الأيدي، و خاصة بعد توقيع الإتفاقية النووية بينها وبين المجتمع الدولي، تجاه إزدياد النفوذ التركي و إنحسار نفوذ إيران في المنطقة و الذي سيؤثر بدوره على النفوذ الإيراني في سوريا والعراق ولبنان و في غزة. أخيراً إذا حاولت تركيا غزو غرب كوردستان، فأنها ستقع في وحل الحرب في غرب كوردستان و التي لا يمكن التنبؤ بالفترة الزمنية التي تستغرقها هذه الحرب، و التي ستكلفها خسائر بشرية و مادية كبيرة لا تستطيع تحملها و ستضطر أن تسحب قواتها و تُنهي غزوها دون تحقيق أهدافها. كما أن الفشل التركي في رسم ملامح النظام القادم في سوريا و جعله موالياً ل"تركيا"، سيُعجّل في ولادة ثورات و إنتفاضات كوردستانية و علوية و تركية في "تركيا"، فتُطيح بالدولة التركية ككيان سياسي و يتحرر إقليم شمال كوردستان من الإحتلال التركي و يتحرر العلويون و القوميات و أصحاب الديانات و المذاهب الأخرى من الإضطهاد القومي و الديني و المذهبي. الأحداث الداخلية التركية، على سبيل المثال، دخول حزب الشعوب الديمقراطي الى البرلمان التركي، إستئناف الثورة المسلحة الكوردستانية في شمال كوردستان، الإنتفاضات الكوردستانية الشعبية، المعارضة العلوية، مشكلة تشكيل الحكومة، حدوث أزمة إقتصادية تركية بسبب تكاليف الحرب وفقدان الإستقرار في تركيا و في المنطقة والركود الإقتصادي العالمي، وكذلك الأحداث الإقليمية، على سبيل المثال النجاحات العسكرية الكبيرة التي حققتها القوات الكوردستانية في غرب كوردستان ضد إرهابيي داعش والدعم الغربي لهذه القوات وسقوط نظام صدام حسين وبروز الدور الشيعي في العراق والإدارة الكوردستانية لجنوب كوردستان والإتفاق الغربي-الإيراني حول النشاطات النووية الإيرانية، كل هذه الأحداث تُرجّح قيام إنتفاضات شعبية شاملة في شمال كوردستان وتركيا وبدء "الربيع التركي" في تركيا وإندلاع حرب أهلية فيها، على غرار الحرب الأهلية السورية وحينذاك سيتحرر كل من شمال وغرب كوردستان من الإحتلال الإستيطاني التركي والسوري على التوالي.
 
أعلى