إقليم غرب كوردستان و إستراتيجية التحرير (25)

G.M.K Team

G.M.K Team
الإستراتيجية المبنية على الواقع الكوردستاني (3)

د. مهدي كاكه يي

في الحلقتَين السابقتَين تمّ تحديد العديد من الحقائق التي ينبغي أن يتم الإستناد عليها في النضال الكوردستاني بشكل عام و في العمل السياسي في غرب كوردستان بشكل خاص. في هذه الحلقة نستمر في الإشارة الى حقائق أخرى بالإضافة الى بحث بعض التحديات العامة التي تواجهها شعوب كرتنا الأرضية و التي بدورها تؤثر على شعب كوردستان.

8. الوضع السوري على المدى المنظور: من الصعب التكهن بما تؤول إليه الأوضاع في سوريا و قد يواصل نظام بشار الأسد حكمه. في حالة بقاء حكم بشار الأسد، فأن سلطته المركزية ستضعف كثيراً في سوريا و سيكون غير قادر على فرض سلطة مركزية على سوريا. لذلك سواء يحتفظ بشار الأسد بِكرسي حكمه أو ينهار حكمه، فأن سوريا مرشحة للإنقسام الى دولة عربية سُنية و دولة علوية التي يمكن تأسيسها بمساعدة روسية و إيرانية، و دولة كوردستان فيما لو توحدت صفوف القيادات الكوردستانية في الإقليم و عملت القيادة الجماعية الموحدة كخلية نحل بجدٍ و إخلاص و تميزت بحنكة سياسية كبيرة.

يمكن القول بأن الصورة المستقبلية لسوريا تكون إستمرار حالة الفوضى السياسية و الأمنية و نشوء حروب بين مختلف القوميات و الطوائف مع إرتباط هذه الأطراف بالحكومات الإقليمية و الدول الكبرى التي لها مصالح حيوية في المنطقة و قيام الأطراف السورية بالقتال نيابةً عن هذه القوى العالمية و الإقليمية. كما يمكن التكهن بأن الوضع في سوريا سيكون أسوء من الوضع العراقي الحالي. بعض الكُتّاب و السياسيين يتوقعون أن يتمكن العرب السُنّة من إحكام سيطرتهم على الحكم في سوريا، إلا أنني أرى بأن هذا الأمر لا يحصل، حيث عند إختفاء النظام الدكتاتوري في سوريا، لا يمكن خلق حكومة مركزية قوية تحكم سيطرتها على الوضع، بل الفوضى و الحروب تنتشر و تستمر فيها. من هنا يمكن الإستنتاج بأن ظروف الفوضى السائدة في سوريا و التي ستستمر سواء بقى الأسد في الحكم أو رحلَ، هي لصالح الكوردستانيين في الإقليم و لذلك على القيادة السياسية في الإقليم أن تستغل هذه الفرصة التاريخية لتحقيق حرية و إستقلال الإقليم.

قبل أن أُنهي هذه المقالة أود التحدث قليلاً عن بعض التحديات المستقبلية التي يواجهها العالم والتي يتأثر بها شعب كوردستان و ينبغي أن يستعد لها و يخطط لمواجهتها لكي يكون قادراً على تحقيق طموحاته و أهدافه.

يُفيد تقرير الكرة الأرضية الحية (Living Planet Report) لعام 2012 بأن الموارد الطبيعية للكرة الأرضية تنقص بشكل كبير بسبب إرتفاع مستوى المعيشة و الزيادة السريعة لنفوس سكان الكرة الأرضية، حيث أن نفوس الكرة الأرضية تضاعفت خلال الفترة من عام 1950 الى عام 2011. كانت نفوس سكان الكرة الأرضية في عام 2011 حوالي 7 مليارات نسمة و من المتوقع أن هذا العدد يرتفع الى 9,3 مليار في عام 2050. هذه الزيادة الهائلة في سكان الكرة الأرضية تتطلب توفير المزيد من المياه و الغذاء و الطاقة و المساكن و تقديم المزيد من الخدمات الإجتماعية و الصحية. في سنة 2050، نحتاج نحن البشر الى ضُعف مساحة الكرة الأرضية لتكون قادرةً على تلبية الحاجات المتزايدة لسكان الكرة الأرضية للغذاء و المياه و المساكن و الخدمات. هذا يعني إحتدام التنافس بين الدول و الأفراد من أجل البقاء و ستقوم الدول الكبرى بالسيطرة على مصادر الغذاء و المياه و الطاقة لتكون شعوبها قادرة على مواصلة رفاهيتها. كما أن الدول الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط ستقوم بدورها بكل الإجراءات الممكنة لتوفير الغذاء و المياه و مصادر الطاقة لشعوبها، و خير مثال على ذلك بناء "تركيا" للعديد من السدود لخزن المياه لتتمكن من تلبية إحتياجاتها المائية، سواء للشرب أو الزراعة أو لإنتاج الطاقة و التي تسببت في أزمة المياه في كل من كوردستان و العراق و سوريا. شعب كوردستان كجزء من سكان الكرة الأرضية، عليه التفكير الجدّي بهذه المشكلة العالمية و الإقليمية، من خلال توحيد صفوفه وتحرير وطنه و تأسيس دولته المستقلة ليكون قوياً قادراً على مواصلة الحياة.

أزمة المياه في منطقة الشرق الأوسط بدأت تظهر بوادرها و ستتفاقم مع مرور الوقت، حيث أن المياه تنقص بسبب زيادة السكان و التلوث و إرتفاع درجات حرارة الكرة الأرضية. هذه المشكلة ستؤدي الى التصحر و إنخفاض الإنتاج الزراعي و الحيواني و إنخفاض المصادر النباتية للطاقة بالإضافة الى النقص في مياه الشرب. كما أن إستهلاك الطاقة سيزداد و الذي يؤدي الى سرعة نضوب البترول في باطن الأرض. هذه المشاكل الخطيرة يجب التفكير بها و مواجهتها من قِبل شعب كوردستان لتأمين الغذاء و المياه و الطاقة لنفسه من خلال تأسيس دولة قوية تستطيع التغلب على هذه التحديات الكبيرة.

يمر النظام الرأسمالي بأزمة إقتصادية تهدد وجوده و في رأيي أن هذه الأزمة دلالة على فقدان صلاحية النظام الرأسمالي و فشله في تلبية متطلبات عصرنا الحالي و ستؤدي الى إنبثاق نظام إقتصادي و سياسي بديل يرقى الى حاجة الإنسان و يحقق العدالة الإجتماعية لِسكان كوكبنا الأرضي. كما أن الإمبراطوريات و الدول الكبرى تتهاوى و تختفي و تحل محلها دول أخرى أكثر قوة و جدارة. هذا يعني بأن مراكز القوى العالمية، بل الإقليمية أيضاً ستتغير مع الوقت و قد يحل العملاق الصيني على سبيل المثال محل الولايات المتحدة الأمريكية في قيادة العالم. كل هذه التحديات من نقص الغذاء و المياه و الطاقة و التغيّرات في معادلات القوى العالمية و الإقليمية، تفرض على شعب كوردستان تحقيق بناء كيانه السياسي ليصبح قوةً إقليمية كبيرة قادرة على توفير مقومات الحياة لشعب كوردستان.
 
أعلى