الثورات و الإنتفاضات الكوردستانية في إقليم شمال كوردستان (1-8)

G.M.K Team

G.M.K Team
الثورات و الإنتفاضات الكوردستانية في إقليم شمال كوردستان (8)

ثورة آگري (القسم الثالث)

د. مهدي كاكه يي

قبل الحديث عن تفاصيل هذه الثورة، أرى أنه من المفيد إطلاع القارئات العزيزات و القراء الأعزاء على نبذة مختصرة عن سيرة حياة القائد العام لقوات الثورة الكوردستانية، إحسان نوري پاشا و رئيس الإدارة المدنية للثورة، السيد إبراهيم حسكي باشا.

ولد الجنرال إحسان نوري پاشا في عام 1892 في محلة (الي كولي) التابعة لمدينة بدليس وأنه ينتمي الى عشيرة (جبران). مدينة بدليس هي مدينة تأريخية في كوردستان. كانت المدينة مركزاً لإمارة الشرفخانيين التي دامت لمئات السنين. تخرج الجنرال إحسان نوري پاشا من الأكاديمية الحربية في استانبول. شارك في حروب الكماليين الذين أسسوا (تركيا) الحالية، حيث وعدوا الشعب الكوردي بالشراكة المتكافئة في الكيان السياسي الجديد. تسنّم منصب قائد قوات الحدود التركية – الإيرانية في مدينة بايزيد و بقي في هذا المنصب لمدة أربع سنوات. في عام 1919، كان إحسان نوري پاشا من ضمن مندوبي حامية استانبول التي كانت مخصصة لمساعدة مصطفى كمال أتاتورك. حرضت هذه المجموعة ضباط قوات الجيش على التمرد على حكومة فريد پاشا وعجّلت في سقوط حكومته. بعد تنكّر القادة الكماليين في عام 1924 للوعود التي قطعوها للشعب الكوردي، و البدء بإنتهاج سياسة معادية للكورد، قام الجنرال إحسان پاشا، بشكل سرّي بتشكيل قوات عشائرية و تولى قيادتها بمساعدة أربعة ضباط كورد الذين كانوا كلاً من رامي راسم و توفيق و خورشيد وعالي رضا. بذلك قرر الجنرال إحسان پاشا خوض حرب الإستقلال ضد الحكومة التركية الكمالية، حيث توجّه الى المناطق الجبلية في كوردستان لإعداد قوات كوردستانية قادرة على تحرير كوردستان و تأسيس دولة كوردستان. إستمر إحسان پاشا في الإشراف على تهيئة القوات الكوردستانية و تدريبها حتى عام 1930، حيث بعد ذلك قام بقيادة ثورة آگري. منحه حزب خوێبوون لقب (جنرال) أثناء قيادته لثورة آگري. بعد فشل الثورة، إضطر الجنرال إحسان پاشا الى اللجوء الى إيران، حيث عاش هناك حتى وفاته في مدينة طهران في عام 1975 نتيجة حادث سير، عن عمر يناهز 83 عاماً. تمّ دفن الجنرال إحسان نوري پاشا في جنوبي طهران بمقبرة (بهشت زهراء). هكذا عاش الجنرال إحسان پاشا حوالي 46 عاماً في إيران في ظل ظروف قاسية. قام الجنرال إحسان بتأليف كتابَين باللغة الكوردية، هما (إنتفاضة آگري) و (حياتي). كما ألفّ كتاباً عن تأريخ الشعب الكوردي باللغة الفارسية بعنوان ( تاريخ ريشه نژادي كرد) و الذي تكون ترجمته العربية (تأريخ العرق الكوردي). تمّ إصدار الكتاب المذكور في عام 1955عن مطبعة (سپهر) بطهران .

رئيس الإدارة المدنية الكوردستانية السيد إبراهيم حسكي باشا و الذي كان يُدعى أيضاً (برو هسكي تيلي)، ينتمي إلى عشيرة جلالي، وهو سليل عائلة هسە سوري. في عام 1926، قام برو هسكي تيلي ببدء الكفاح المسلح إنطلاقاً من جبل آگري. كان ممثلاً للشعب الكوردي في هيئة خوێبوون و تمّ منحه لقب الپاشوية. بعد تأسيس حزب (خوێبوون)، تسنم منصب الرئيس المدني لإدارة الثورة الكوردستانية. القائد الكردي

كان نشيد آگري الوطني هو :

آگري، آگري ، قد كنتَ ناراً
كنتَ دوماً شامخ الهامة
كنتَ مشعلاً فوق كوردستان
إتقد يا آگري، إتقد يا آگري
 
التعديل الأخير:

G.M.K Team

G.M.K Team
رد: الثورات و الإنتفاضات الكوردستانية في إقليم شمال كوردستان (8)

الثورات و الإنتفاضات الكوردستانية في إقليم شمال كوردستان (7)

ثورة آگري (القسم الثاني)

د. مهدي كاكه يي

يقع جبل آگري، الذي تم إختياره ليكون مركزاً لقيادة الثورة، في شمال شرق إقليم شمال كوردستان، قرب الحدود مع أرمينيا و أذربيجان و إيران. يُشكّل جبل آگري جزءً من سلاسل جبال أرارات الواقعة في إقليم (وان) و التي تقطنها قبيلة (جلالي). سلسلة جبال أرارات التي تغطّيها الثلوج على مدار السنة، تتألف من قمتين بركانيّتين هما (أرارات الكبير) الذي يبلغ إرتفاعه 5137 متراً عن مستوى سطح البحر و (أرارات الصغير) الذي يبلغ إرتفاعه 3914 متراً. جبال أرارات معروفة منذ القِدم ببراكينها الثائرة، حيث صخورها السوداء، التي تبدو للناظر من بعيد، و التي هي من مخلفات تلك الحمم البركانية.

رسى سفينة نوح على جبال أرارات و بذلك فأنّ هذه الجبال هي مهد الحضارة البشرية الثانية. كما كان جبل آگري في زمن الميديين معبداً للزرادشتيين. كان الأشوريون يسموّن هذه السلسلة الجبلية (أورارتو) و العبريون يطلقون عليها إسم (أرارات)، بينما سمّاها المؤرخ اليوناني (هيرودوت) ب(آلاراد). تمّ نقش إسم (اورارتو) على الحجر لأول مرة من قِبل الملك الأشوري (شلمانصر) في عام 1260 قبل الميلاد.

يذكر المؤرخ الشهير (دموركان) بأنّه كانت هناك دولة متنفذة بإسم (دولة آرارات) (Uratu) في سنة 2000 قبل الميلاد، إتخذت مدينة (وان) عاصمة لها. كانت فيها قلعة، مدخلها يتكون من جبل صخري و توجد علي واجهة هذا المدخل لوحة صخرية منقوشة عليها رسومات لحروبها مع جارتها، الدولة الآشورية. كان يتم خلال حكم دولة أرارات، صُنع التماثيل المجنحة والمصنوعات البرونزية.

المكتشفات الأثرية في مدينة (وان) و المناطق المجاورة لسلسلة جبال آرارات و على ساحل البحر الأسود، تُشير الى أنّ هذه المناطق تشترك في الحضارة و التي تعني أنّ حدود دولة آرارات كانت تمتد إلى البحر الأسود. كما أنّ وجود منطقة بإسم (الخالدين) على مقربة من مدينة طرابزون، يؤكد أيضاً على حقيقة إمتداد حدود دولة آرارات الى البحر المذكور.

يقول (هيرودوت) أنّ قبيلة (الآروت) الوثنية كانت تقيم في أطراف جبل آرارات و كان موطن هذه القبيلة (ناير)، يمتد الى نهر آراس. كما كانت هذه المنطقة موطناً لأقوام (آرزانت) الميدية. يبدو أنّ إسم (آرارات) قد إشتق من إسم هذه الأقوام.

يقال أنّ حكام (آگري) ينتمون الى سلالة (گوتي) العظيمة التي خضعت لحُكم دول أخرى يحكمها نفس العرق الذي إنتمى إليه الگوتيون، مثل السوباريين والنايريين. في مطلع القرن الثامن قبل الميلاد، بلغت حضارة "آگري" عظمتها. الملك الآگري (منقاش) حكم البلاد ما بين سنة 825 و 800 قبل الميلاد. تمّ ذكر هذا الملك في الكتاب المقدس للزردشتيين (آفيستا) بإسم (مناش جخا) و في كتاب الشاهنامة بإسم (منوجك) الذي ألفه الشاعر الفارسي (الفردوسي) في عام 1000 ميلادي. مدينة (ورمێ) التي يُسمّيها الإيرانيون اليوم ب(الرضائية) كانت تُدعى آنذاك ب(جيجس جكس).

كان جبل آگري قبل الحرب العالمية الأولى، ملتقى الحدود الروسية – الإيرانية – العثمانية. أثناء الحرب العالمية الأولى، سيطر الأرمن على هذه المنطقة، إلا أنّ الأتراك تمكنوا من إستردادها من الأرمن بمساعدة الكورد.
 

G.M.K Team

G.M.K Team
رد: الثورات و الإنتفاضات الكوردستانية في إقليم شمال كوردستان (8)

الثورات و الإنتفاضات الكوردستانية في إقليم شمال كوردستان (6)

ثورة آگري (القسم الأول)

د. مهدي كاكه يي

بعد إخماد ثورة 1925 التي خطّطت لها جمعية إستقلال كوردستان و قادها الشيخ سعيد پیران و إعدام قادتها من قِبل حكومة أتاتورك و شروع السلطات التركية بتتريك كوردستان و تشريد شعبها، لم تستطع الحكومة التركية قهر إرادة شعب كوردستان و تثبيط عزيمته على المُضي قُدماً في النضال من أجل تحقيق حريته و إستقلال بلاده.

نتيجة إجراءات التتريك و التهجير و الملاحقة التي إتخذتها الحكومة التركية ضد الشعب الكوردستاني، إضطر الوطنيون الكوردستانيون أن يلجأوا الى جبال كوردستان و الإعتصام فيها أو الهجرة الى بلدان أخرى، مثل إيران و سوريا و مصر و بلدان أورپية. في هذه الظروف العصيبة التي كان الشعب الكوردستاني يمر بها، خطّط الوطنيون الكوردستانيون لعقد مؤتمر كبير، يضّم جميع مكوّنات الشعب، من مندوبي الجمعيات و رؤساء العشائر، للعمل على توحيد القوى الكوردستانية و خلق مؤسسة تتحمل مسئولية مواصلة النضال ضد عملية التتريك و الإبادة و التهجير و تحرير كوردستان من الإحتلال التركي.

تمّ عقد المؤتمر الوطني الأول في باريس سنة 1927 و الذي إنبثقت عنه فكرة تأسيس لجنة وطنية كوردستانية. تمّ الإتفاق في المؤتمرعلى حل المنظمات الكوردستانية التي كانت تعمل في الساحة الكوردستانية، لإتاحة الفرصة لأعضائها للإنضمام الى تنظيم كوردستاني موحّد، يجمعهم. كما أنه تمّ الإتفاق خلاله أيضاً على أن يكون إستقلال كوردستان هدفاً للتنظيم الموحد المزمع تأسيسه. عقد المؤتمر الوطني إجتماعاً ثانياً في مصيف بحمدون في لبنان في ربيع 1927، حيث دامت جلساته لمدة 45 يوماً و الذي إنبثق عنه إصدار قرارات تقضي بِحل جميع الجمعيات الكوردستانية التي كانت موجودة آنذاك، تمهيداً لتأسيس جمعية كوردستانية كبرى تضم أعضاء هذه الجمعيات بالإضافة الى أعضاء جدد و الإستمرار في النضال و الثورة ضد الحكومة التركية الى أن يغادر آخر جندي تركي أرض كوردستان. أقسم أعضاء المؤتمر على الإستمرار في الكفاح في سبيل تحرير كوردستان. كما إشترط المؤتمر المذكور أن يتم قبل الشروع في الثورة، تعيين قائد عام للقوى الوطنية الكوردستانية و تدريب جميع قوات الثورة على السلاح و تسليحها بأحدث المعدات القتالية و تأسيس مركز عام للثورة و للقيادة العليا للقوى الوطنية الكوردستانية في أحد جبال كوردستان و تأسيس علاقات صداقة مع الحكومة الإيرانية و الشعب الفارسي و كذلك تأسيس علاقات جيدة و دائمة مع حكومة العراق و سوريا.

في الخامس من تشرين الأول من سنة 1927، أنشأ الكوردستانيون العصبة الوطنية الكوردستانية، بحضور وفود من كل أجزاء كوردستان، و تمت تسميتها ب(خوێبوون) أي (الإستقلال). كانت هذه الجمعية السياسية تضم نخبة من المثقفين و الوجهاء الكورد من الإقليم الشمالي و الغربي لكوردستان. تمّ إختيار إحسان نوري پاشا قائداً عسكرياً عاماً للثورة و تمّ كذلك إنشاء إدارة مدنية أُنيطت رئاستها للسيد إبراهيم حسكي باشا، لإدارة شئوون الثورة إنطلاقاً من جبل آگري، حيث تمّ إختياره مركزاً لقيادة الثورة. في 28 تشرين الأول من عام 1927، أعلن حزب (خوێبوون) إستقلال كوردستان، كما جاء في معاهدة سيفر، و تمّ رفع عَلَم كوردستان على قمة جبل (آگري). رغم قلة إمكانيات الثوار، فأنهم قاموا بإصدار جريدة في آرارات بإسم (آگري) و تمّ نشر مقالات هامة فيها عن القضية الكوردستانية.

قام حزب خوێبوون بدور إعلامي جيد خارج كوردستان، من خلال مقراته في كل من بيروت و دمشق و باريس و غيرها من المدن، لجلب إنتباه الدول الأجنبية و المحافل الدولية الى القضية الكوردستانية و الى تطلعات الشعب الكوردستاني. لَعِب كل من جلادت بدرخان و كامران بدرخان دوراً بارزاً في إيصال الصوت الكوردستاني الى حكومات و شعوب العالم و الى عصبة الأمم.
 

G.M.K Team

G.M.K Team
رد: الثورات و الإنتفاضات الكوردستانية في إقليم شمال كوردستان (8)

الثورات و الإنتفاضات الكوردستانية في إقليم شمال كوردستان (5)

ثورة 1920

د. مهدي كاكه يي

في البداية أقدم للصديقات والأصدقاء إعتذاري على عدم نشر هذا المقال قبل الحلقات المتضمنة لثورة 1925، ليكون النشر حسب تسلسل زمني.

عام 1920، بدأ العقيد خالد بك جبرانلي، الضابط في فرسان الحميدية و بقية زملائه الضباط في فوجه، بالقيام بجهود كبيرة لتوعية الكوردستانيين و نشر الفكر الوطني بينهم لتأسيس دولة كوردستان المستقلة. لتحقيق هذا الهدف، أجروا محادثات مع شيوخ و زعماء العشائر في فارتو و كارليوفا و مالا زغيرت و بولانيك و خينيس، للإتفاق على النضال من أجل إفشال قرارات مؤتمري أرضروم و سيواس و كذلك البند الوارد في "الميثاق الوطني" و القاضي بإدماج إقليم شمال كوردستان الحالي في الكيان التركي الجديد و العمل من أجل تحقيق الإستقلال لكوردستان. لنشر الوعي القومي الكوردي بين شعب كوردستان، بدأ هؤلاء الضباط الكورد بدعوة الشعب الكوردي الى إرتداء الزي القومي الكوردي و ممارسة القراءة و الكتابة باللغة الكوردية و قاموا بتوزيع نتاجات الشخصيات السياسية و الأدبية الكوردية على الجماهير الكوردستانية. كانت النتاجات الموزعة لشخصيات مثل خالد بك جبرانلي نفسه و ملا أحمدي جزيري و أحمدي خاني و غيرهم.

في صيف عام 1920، إتصل خالد بك جبرانلي بعضوَي جمعية إنبعاث كوردستان في إستانبول، عبد القادر و عبد الرحمن هكاري و إتفق عن طريقهما مع النائب الكوردي في مجلس الأمة العالي التركي، يوسف ضيا و أنصاره على بذل الجهود لتحقيق إستقلال كوردستان و ذلك بمساعدة عصبة الأمم. قام خالد بك جبرانلي بجمع مذكرات الملاكين و الشيوخ الكورد و المختارين لقرى مناطق فارتو و كارليوفا و مالا زغيرت و بولانيك و خينيس و سولخان و جاباقجور، للإلتماس لدى عصبة الأمم لإقرار إستقلال كوردستان. تمّ تسليم المذكرات المذكورة الى جمعية إنبعاث كوردستان التي بدورها أرسلتها الى عصبة الأمم عن طريق كل من مصطفى نمرود و شريف باشا.

خلال تعيينه ممثلاً للمحاسبة في المحمكة العسكرية للفيلق في أرضروم التي كان معظم سكانها من الكورد العلويين و الساخطين على الكماليين، إستغل خالد بك جبرانلي وجوده هناك و إتخذ من منصبه ستاراً لنشاطاته السياسية، فقام بإنشاء لجنة سرية في أرضروم و عمل على زيادة تعاونه مع جمعية إنبعاث كوردستان و مع يوسف ضيا و بدأوا ببث الأفكار الإستقلالية بين الناس هناك، حيث نجحوا في كسب ولاء حوالي 80% من كورد المناطق المذكورة و قاموا بتنظيمهم و تسليحهم و وضعوا خطة للقيام بإنتفاضة كوردستانية في شرقي ديرسيم و منطقة ديرسيم - كوجكري. من الجدير بالذكر أنه عن طريق الخطأ، يُطلق على أصحاب الديانة العلوية إسم "العلويين". إنّ الإسم الصحيح للعلويين هو "هَلا ڤ" التي تعني بالكوردية "بخار". قام الأتراك بِتحوير إسمهم، وجعله "علوي". يذكر لنا التأريخ، بأن العلويين ينتمون الى ديانة كوردية قديمة، حيث أنهم و الكاكائيون لهم نفس المعتقدات الدينية و لذلك فأن الديانة الكاكائية و العلوية ما هما إلا ديانة واحدة، تُطلق عليها إسمَين مختلفَين.

تم توحيد القوى الكردستانية في المنطقة و تسليحهم، حيث بلغ تعداد القوات الكوردستانية المنظمة في غرب ديرسيم حوالي 45 ألف رجل. تمّ إرسال مذكرة من قيادة الحركة الكوردستانية الى حكومة أنقرة، تطالب فيها تحديد موقف الحكومة من الإدارة الذاتية لكوردستان و إطلاق جميع المعتقلين الكوردستانيين و سحب كافة الموظفين الأتراك من كوردستان و سحب القوات التركية من منطقة كوجكري. أعلنت حكومة أنقرة عن موافقتها على تلبية مطالب القادة الكورد و ذلك لكسب الوقت و خداع الكورد، بينما في الوقت نفسه بدأت بالقيام بعمليات عسكرية ضد الحركة الكوردستانية في منطقة سيواس. كما بدأ الكماليون بكسب بعض الزعماء الكورد عن طريق إعطاء الوعود و الرشاوى و المناصب، مثل مجو آغا و دياب آغا و مصطفى زكي بك و رمزي بك و عبد الحق و توفيق بك و حسن خيري بك، و تمّ تعيينهم كمندوبين في مجلس الأمة العالي في (تركيا).

رغم إنخداع بعض القادة الكورد بالوعود التركية، إلا أن الثورة الكوردستانية إستمرت في ديرسيم و كان الشخصية الكوردية المعروفة، سيد رضا هو صاحب السلطة الفعلية في المنطقة. في ربيع 1921، قامت المفارز الكوردستانية بقيادة كل من محمود بك و عظمت بك و بمساندة سكان مدينة "أومرانية" بأسر الفوج التركي في المدينة و الذي كان بقيادة العقيد التركي (خالص) و تمّ رفع علم كوردستان في "أومرانية". كانت غنائم الكوردستانيين في هذا الإنتصار العسكري، عبارة عن كميات كبيرة من الأسلحة و الذخائر الحربية و ألف حصان و عدد كبير من البغال. بلغت مساحة المنطقة المحررة من كوردستان حوالي 15 ألف كيلومتر مربع، حيث إستطاع الثوار الكوردستانيون الذين بلغ تعدادهم أكثر من 6000 رجل، تحرير كل من منطقة كوجكري و كيماخ و أقضية كوروجاي و كانفال و كوجخيسار و ديفرغي و زازا و ريفاخية و كيماخ.

بعد هذا النصر الكوردستاني، طالب الثوار مجلس الأمة العالي في أنقرة بتأسيس ولاية كوردستانية مستقلة تشمل كلاً من كوجكري و كيماخ و كوروجاي و ديفرغي و ريفاخية و كيماخ، إلا أنّ هذا الطلب تم رفضه من قِبل الحكومة التركية. في هذه المرة نجحت الحكومة التركية أيضاً في بث الشقاق بين الكوردستانيين، حيث لجأت الى المناورة بالإدعاء بالرغبة في التفاوض مع الثوار للإتفاق على تلبية مطالب الثورة الكوردستانية، و بذلك نجح الكماليون في تقسيم قادة الكورد الى فريقين، أحدهما يؤيد مبدأ التفاوض مع الحكومة التركية و يثق بوعودها الكاذبة و الفريق الثاني الذي كان واعياً، يعرف المؤامرات التي كانت الحكومة التركية تحيكها ضد الشعب الكوردستاني. من القادة الكورد الذين إنخدعوا بالوعود التركية، كان كلاً من شفيق، رئيس محكمة النقض و الإبرام و حيدر بك، بينما القادة سيد رضا و علي شير و نوري و صابر و محمد علي و جيكيز و حمو تار بازالى و كامل عزيز و ديلو و باشو عباس و عظمت و بحري بك و ثابت بك و خيليك علي و عزيز و تاكي و حيدر بك و بهلوان و حسين و عاشور و آخرون، كانوا واعين و مدركين للمؤامرة الأتاتوركية، لذلك لم يوافقوا على التفاوض مع الكماليين و إستمروا في كفاحهم.

بدأت قوات تركية ضخمة في الهجوم على الثوار، حيث كانت متفوقة على القوات الكوردستانية عُدّةً و عدداً. كما أنّ وقوف رئيس عشيرة كوريشان الكوردية، كور باشو، الساكنين في شمال إرزينجان، ضد الثورة الكوردستانية، ساعدت على فشل هذه الثورة. بعد إندلاع الحركة الكوردستانية المسلحة، تيقّن حيدر بك من كذب وعود الكماليين، فإنخرط في الثورة الكوردستانية، إلا أنه بعد ذلك أُستُدرج من قِبل الحكومة التركية، بحجة التباحث معه في مدينة سيواس، فإنطلت عليه المؤامرة التي دبرها له الكماليون، حيث ذهب الى هناك مع 1000 ثائر، فسرعان ما تمّ إعتقاله مع 400 شخص من أتباعه و تمّ نفي الثائرين الباقين (600) شخص الى الولايات الغربية. ساهم هذا الحدث أيضاً في إنهيار هذه الإنتفاضة المسلحة. من الأسباب الأخرى التي ساهمت في فشل هذه الثورة هو إفتقار الكوردستانيين لقيادة مركزية موحدة و فقدانهم لدعم خارجي.
 

G.M.K Team

G.M.K Team
رد: الثورات و الإنتفاضات الكوردستانية في إقليم شمال كوردستان (8)

الثورات و الإنتفاضات الكوردستانية في إقليم شمال كوردستان (4)

ثورة 1925 (القسم الثالث)

د. مهدي كاكه يي

أثناء ثورة 1925، حاولت السلطات التركية إثارة الكراهية و التفرقة القومية و الدينية، و ذلك بتحريض المسلمين على المسيحيين. عندما علم الشيخ سعيد بأنّ بعض أتباعه أخذوا يضايقون الأرمن، أعلن على الملأ قائلاً: (إنّ مَن يمسّ الأرمن بسوء، سيتعرض لأقسى العقوبات)، و بذلك وضع حداً لمحاولة مضايقة الأرمن، بل أدى الموقف الحكيم الذي إتخذه الشيخ سعيد الى التقارب و التعاون بين التنظيمات الأرمنية و الكوردستانية في خارج (تركيا) للوقوف معاً ضد سياسة الإضطهاد القومي التي كانت تتعرض لها الشعوب و القوميات و الأقليات في (تركيا).

كلفت ثورة 1925 الخزينة التركية خمسين مليون ليرة، و كان يُشكّل هذا المبلغ 25% من الميزانية التركية السنوية آنذاك.

بعد إنهيار الثورة الكوردستانية، بدأت الحكومة التركية تستعمل سياسة الأرض المحروقة في كوردستان، حيث تعرّض المواطنون الكوردستانيون الى التعذيب و القتل و الإعدام و المذابح و الإبادة الجماعية و تمّ حرق آلاف القرى و تهجير سكانها الآمنين من بيوتهم الى خارج كوردستان و إحلال الأتراك محلهم دون تدخل المنظمات العالمية، و خاصة عصبة الأمم. هنا أنقل نص النداء الموجّه من قِبل الشخصية الكوردية، أحمد علي حاج صبري و المُقدّم الى عصبة الأمم بتأريخ 25 تموز 1925 (ها و قد مرّ شهران و الدماء تجري سيولاً في بلادنا و يرزح الشعب الكوردي تحت ظلم البرابرة. عندما لم يستطع تحمّل الظلم و الإضطهاد أكثر من ذلك، لجأ الى السلاح لكي يتحكم بمصيره بحرية. إنّ النضال الذي بدأنا به، كان يضمن وجودنا مستقبلاً. سنستمر في النضال الى أن يتحرر الشعب نهائياً من حكومة أنقرة. إنّ الشعب الكوردي ذا العرق الآري، لا يمت بصلة للأتراك، لا من حيث الأصل و لا العادات و التقاليد و لا اللغة. إنّ عدم إكتراث الحكومات الغربية، يشجع حكومة أنقرة على تطبيق سياسة الإبادة ضد شعبنا الكوردي، تلك السياسة التي نفذتها بنجاح ضد الأرمن. إنّ حركتنا هي ذات طابع قومي واضح و أنّ شعبنا الكوردي يطالب عصبة الأمم و الشعوب المتحضرة بتقديم المساعدة الفعالة و العاجلة له. إنّ تدخل الدول الغربية لا يّعتبر واجباً إنسانياً فقط و إنما ضرورة سياسية لأنّ الشعب الكوردي يُعتبر ضمان السلام في الشرق الأوسط). عصبة الأمم لم ترد على العديد من النداءات الكوردستانية التي وجّهت إليها و تركت الشعب الكوردي وحيداً و متعرضاً للإبادة الجماعية. لم تكتفِ عصبة الأمم بعدم الإكتراث بإستغاثات الكوردستانيين، بل إتخذت قراراً في شهر تموز 1925 بعدم النظر في إحتجاجات الشعب الكوردستاني ضد التدابير الوحشية للحكومة التركية التي كانت تتخذها تجاه المنتفضين في كوردستان. كتب الشاعر الكوردي، پیرەمێرد، ملحمة شعرية حول الإبادة الجماعية التي تعرض لها الشعب الكوردستاني على أيدي الكماليين الأتراك، يُشبّه فيها الحكومة التركية بآلة تستعمل دماء الشعب الكوردي كوقود لها.

كان السبب الرئيس لفشل الثورة الكوردستانية هو التفوق العسكري التركي في العدد و العتاد على الثوار، حيث بلغت أعداد القوات التركية المشتركة ضد الثورة الكوردستانية 200 ألف عسكري، بينما بلغت أعداد الثوار 40 ألف مقاتل فقط. شاركت في قمع الثورة قوات تركية ضخمة، تضم مختلف الصنوف، من مشاة و مدفعية و طائرات. كما أنّ المساعدات العسكرية السخية التي قدمتها حكومة الإتحاد السوفيتي لمصطفى كمال أتاتورك، ساهمت في نجاح أتاتورك في قمع الثورة الكوردستانية و إستمراره في إحتلال كوردستان و إذلال شعبها و نهب ثرواتها . السبب الثالث لفشل الثورة كان غياب الوحدة بين رؤساء العشائر الكوردستانية، حيث أنّ قسماً منهم لم يقوموا بدعم الثورة، مثل رؤساء عشائر درسيم، إلا أنّ معظم العشائر الكوردية ساهمت فيها، لكن هذه العشائر كانت تفتقر الى الوحدة لوجود خلافات كثيرة بينها، التي أصبحت مرضاً مزمناً لا تزال تعاني منه الأمة الكوردية. السبب الرابع كان غياب تنظيم موحد قوي يمتلك برنامج عمل واضح. لعبت جمعية إستقلال كوردستان دوراً كبيراً في الإعداد للثورة، إلا أنها لم تستطع القيام بدور حاسم في قيادة الثورة، حيث أنّ إعتقال خالد جبران بك و غيره من الأعضاء القياديين للجمعية، حرّم الثورة الكوردستانية نسبياً من قيادات واعية و ناضجة، الأمر الذي أدى الى قيام الثورة قبل الموعد المقرر لها. كما أنّ إفتقار الثوار الى دعم خارجي، كان سبباً أخراً لإنتكاسة الثورة و عدم نجاحها. إنّ الأخطاء التي إرتكبها القائمون بإدارة الثورة، أجبرتهم على تقديم موعد الثورة، قبل بلوغها التحضيرات اللازمة لضمان نجاحها. إعتقال معظم قيادات التنظيم الكوردستاني السري الذي تمّ تأسيسه في مدينة آمد، كان عاملاً مهماً آخراً لفشل الثورة، و إلا لَكان بإستطاعة الثوار تحرير مدينة آمد من الإحتلال التركي خلال محاصرتهم لها، و التي كانت تُغيّر ميزان القوى بين الجانبين و بالتالي كانت ستؤدي الى أرجحية تحقيق النصر و الوصول الى أهداف الثورة بتحقيق إستقلال كوردستان.
 

G.M.K Team

G.M.K Team
رد: الثورات و الإنتفاضات الكوردستانية في إقليم شمال كوردستان (8)

الثورات و الإنتفاضات الكوردستانية في إقليم شمال كوردستان (3)

ثورة 1925 (القسم الثاني)

د. مهدي كاكه يي

مع بدء شرارة الثورة، أعلنت الحكومة التركية حالة الطوارئ في كوردستان و أقرّ البرلمان التركي قانوناً يعتبر جميع الأعمال التي تحاول إستغلال مشاعر الشعب الدينية لأهداف سياسية ، سواء تتم بصورة شفهية أو تحريرية، جريمة ضد الوطن و أنّ كل مَن يستخدم الدين، سواء كان ذلك شفهياً أو تحريرياً، كأداة لتأسيس جمعيات أو نشر مقالات أو إستغلال الدين للأهداف السياسية، يرتكب الخيانة العظمى بحق الوطن و تمّ بموجبه أيضاً منع التنظيمات السياسية على أسس دينية. كما أنّ البرلمان التركي أقرّ قانوناً يُخول بموجبه القيادات العسكرية التركية في مختلف مناطق كوردستان، المصادقة على أحكام الإعدام الصادرة عن المحاكم الميدانية المُشكّلة في تلك المناطق. أمرت الحكومة التركية الجنرال كمال الدين سامي باشا، الذي أنيطت إليه مسئولية قيادة القوات التركية ضد الثوار الكوردستانيين، بقمع الثورة بدون رحمة و تجريد الكوردستايين من أسلحتهم، سواء الذين شاركوا في الثورة أو لم يشاركوا و تهجير الكورد من كوردستان و توزيعهم على المناطق التركية، بحيث لا يُشكلوا الأكثرية في أي منطقة و إستيطان الأتراك محلهم في كوردستان. وضعت الحكومة التركية جائزة قيمتها ألف ليرة ذهبية لِمَن يلقي القبض على الشيخ سعيد حياً و أخرى قيمتها سبعمائة ليرة ذهبية لِمَن يعثر عليه ميتاً. تم إلقاء القبض على قادة الثورة، بِمَن فيهم الشيخ سعيد پیران.

تمّ تنفيذ حكم الإعدام بحق الدكتور فؤاد بك في مدينة آمد في شهر نيسان 1925، الذي كان يقود تنظيماً كوردياً سرياً في مدينة آمد قبل بدء الثورة الكوردستانية. هتف الدكتور فؤاد بك أمام حبل المشنقة قائلاً: (كنتُ أحلم دائماً بالتضحية بنفسي من أجل وطني، لا يساورني أدنى شك بأنّ راية الإستقلال سترتفع على هذه الأرض، حيث يتم إعدامنا عليها الآن). كما أنه تم تنفيذ حكم الإعدام في مدينة آمد بحق سيد عبد القادر و الصحفي كمال فوزي و حاجي آختي و كور عبدالله سعادي و خوجه عسكري. هتف المحامي حاجي آختي أثناء إعدامه قائلاً: (عاش النضال في سبيل كوردستان، عاشت كوردستان)، بينما تمنى سيد عبد القادر أن يساعد إعدامه على تقوية عزيمة الشعب الكوردستاني في سبيل تحرره الوطني.

في نهاية شهر مايس 1925 بدأت محاكمة الشيخ سعيد و القادة الآخرين للثورة و التي إستغرقت شهراً واحداً. جلس في قفص الإتهام الى جانب الشيخ سعيد كلّ من الشيخ عبدالله و الرائد المتقاعد قاسم و حاجي خالد عبد الحميد و رشيد (من القومية الشركسية) و الرائد المتقاعد إسماعيل و الإمام ملا علي و الشيخ على و الشيخ إسماعيل و الشيخ عبد اللطيف و كامل و بابا بك و رشيد تيمور و محمد و سليمان و الرائد المتقاعد بحري أمين و شوكت و مقصود و المدعي العام في ملازكرت، عبد المجيد و الشيخ شريف و سليمان و علي و يوسف و حسين و المعلّم ملا جمال و نعمت و أحمد و ملازم الجندرمة محمد مكري و الموظف الصحي في غنج، نيازي و حاجي صادق و غيرهم. في 30 مايس 1925 تمّ تنفيذ حكم الإعدام بحق 47 ثائراً كوردستانياً في مدينة آمد، و كان على رأسهم الشيخ سعيد. قال الشيخ سعيد أمام حبل المشنقة: (لقد بلغتُ نهاية الحياة الطبيعية، لستُ نادماً على أنني الآن أضحي بحياتي في سبيل وطني و من أجل شعبي و يكفينا أنّ أحفادنا سوف لن يخجلوا أمام الأعداء). بعد القضاء على ثورة 1925، قامت الحكومة التركية بإعدام النائب الكوردي في مجلس الشعب التركي، حسن خيري الذي لم يشترك في الثورة ، بل كان يلتزم جانب الكماليين و كان ذنبه الوحيد هو أنه كان مواطناً كوردياً و كان يحضر جلسات مجلس الشعب التركي (البرلمان) بالزي الكوردي. هتف حسن خيري أمام المقصلة قائلاً: (عاش الشعب الكوردي، يا ضحايا كوردستان، الآن ينضم إليكم حسن خيري).

في نهاية شهر أيلول 1925، أصدرت (محكمة الإستقلال التركية) حكماً بالإعدام على 400 مواطن كوردستاني في (بالو) و (جباقجور) و حكمت محكمة المحافظات الشرقية بإعدام 120 مواطناً كوردستانياً و بالسجن لمدد مختلفة على 116 آخرين. ساهم قسم من الآشوريين و الأرمن و الشراكسة في الثورة الكوردستانية و هذه المشاركة تدل على التلاحم بين مختلف القوميات و الأديان في كوردستان و تشير كذلك الى الإضطهاد الذي كانت تتعرض له مختلف الأطياف الكوردستانية.
 
أعلى