في الطريق إلى "جار جرا

G.M.K Team

G.M.K Team
[frame="7 10"]
clear.gif


عبدالمقصد الحسيني

الفصل الأول



(في الطريق إلى "جار جرا")



اجتمع الرجال الأربعة في حقول الغيهب، ومضوا معاً إلى احتضان الريح، وقالوا: إذا استطعنا أن نحضن الريح، فسوف تحضننا الأرض. أشعلوا السراج في مهب الثلوج التي تتساقط بقوة، فأضاء المثلث بجباله وكهوفه من ضوئهما، وقالوا القرن الذي نما للعنزة في هذه البقعة المنهوبة، سوف يرفعون الكرد فوق التلال والقمم مواثيق البقاء.

تعالت قهقهاتهم في الفلاء الصامت.

قال "الباشق": كل أخبار الكرد فيها نوع من الخداع، إنهم من سلالة الجن؛ دوماً يُخدعون في هذا الكون، حتى في الجنس، ولكنهم، جادون في غرس الراية فوق دمائهم. مد أمامه ورقة صفراء، ولونها بخطوط هادئة، وأحياناً مرتعشة، وقلقة في الزوايا الضيقة، ثم لون شريطاً بلون أخضر ورسم دائرة حول "حاجي عمران".

في هذه المد ينة، سيخرج ميثاق البهجة الجديدة، وسيكون المفتاح لبناء شمعة في حقول الظلام.

قال "رمكو": ماذا تفعل بالعنزة السوداء، ها قد أصبحت بقرنين، وماذا بعد؟ من الأفضل أن نتركها ترحل.

رد "الباشق"، بغضب أخرس: أيها الأبله، غداً، حينما تلون السماء حقولها باللون الأزرق، وتتلألأ في كبد السماء، حينئذ سنبحث في أمرها.

فردَّ "رمكو": هذ ه العنزة أفضل منك.

امتدت السماء نحو العمق النازف، وغطت الغيوم محارث الشهوة وتلال المجد. خرجت قوافل النمال في مسيرة وطنية، في أول بزوغ خيوط الشمس، فوق أكواخها، لتؤمن قوتها في الأيام الصعاب الطويلة.

ـ انظر.. "رمكو"، هذا الحيوان الصغير، يعرف أكثر منك، يؤمن قوته، ليتستمر في الحياة. انظر، كيف يعض حبة القمح، ويدحرجها أمامه، إلى وكره.

خرج الرجال الأربعة، بأزيائهم الأنيقة، وعلى صدورهم المخازن المعبأة بالطلقات الحية، وهم ينظرون إلى الأفق، كأنه مربط أحصنة، اندلف "الباشق"، بمعطفه، مما زاد في حكمة النهار، وتقدم إليهم، خاطبهم: "غداً سنكون في المعبد، لتدوين المواثيق، ولا أحد يغيب، ونتطرق إلى مصير العنزة أيضاً". هز الرجال رؤوسهم. وفي الصباح الباكر تأبط كل واحد منهم، أفكاره، وتسللوا إلى المعبد، تساقطت الدموع من أعينهم، حينما رأوا صورة "قاضي محمد"، معلقة في الحائط، وهو يقرأ بيان الجمهورية، وعلى جانب "الباشق"، كانت العنزة، بقرنين، تمضغ العزلة: "أيها الأصد قاء، لا أخفي عليكم أنني بصدد أن أرسل العنزة إلى العالم، حاضنة مواثيق الكرد، وستكون في ضيافة العملاقين أولاً، ثم تشرح للدول الأخرى أيضاً؛ أريد موافقتكم". دهش الرجال فيما بينهم، والتفتوا صوب "الباشق": "كيف تمثل عنزة المثلث، في المحافل؟ لماذا لايكون "رمكو".

رد "الباشق": "إنه سينام في الطريق، ولكن، العنزة خير رسول، في املاء البياض بحكمة الفرسان، جاءت من وراء دجلة، وقطعت النهر المتدفق والغامض إلى هنا، ففي قدرتها أن تنثر المواثيق في الأيدي بقوة، وتطالب بحقوق الكرد".

ـ أيها الباشق. تناديه العنزة.

ـ نعم

ـ لا تكونوا حمقى، إنها قادرة على اقتحام الريح، ووصف حال الكرد بدقة، وترحالهم منذ الأزل بين الموت والبؤس، أمام العملاقين.

صافحت العنزة الرجال، وقالت: قدلا نرى بعضنا البعض، ثانية، وعلقت بقرنها الجديد أطلس الكرد، وبالأخرى راية سوداء، حداداً على "حمي برو"، وأمضت في السير نحو المجهول الغائب، حاملة البوصلة، وكومة من المطالب، والمقترحات، متجهة نحو بلاد الروس. فاض كرمهم في أنحاء المعمورة بالخطب، فهاهم يلوحون بالوقوف تارة إلى جانب الأقليات، وتارة كالزئبق.

فرشت العنزة في الكرملين، وعلى طاولة المفاوضات، فصول المرحلة المقبلة، وحال الكرد في كهوف الجبال، يحمون أنفسهم بالبرد، ويمضغون الهواء، وسقوط مهاباد في شرشف الخداع. الكرد لا ينسون هذه المذ بحة، التي فرقتهم الدول العظمى، من أجل مصالحهم.

دهش وفد الروس، بعنزة تفرش المواثيق بقوة، فكيف بالرجال.

ـ ماذا تريدون أيتها العنزة، رقابنا في أيديكم؟

ـ نريد أوتاداً وجنازير، لربط الريح في تلك البقعة المسماة بالمثلث الساخن، والمشتعل منذ الأزل.

نهض رئيس الوفد غاضباً، وقال للعنزة، ذات القرنين: سوف نمدكم بالمقولات الثورية، وندين مايجري بحقكم من التشريد. امتلأت القاعة بالصراخ. مدت العنزة حوافرها أمامها، ودبدبت بأظلافها الأمامية على بلاط الأرض.

ـ أنتم حمقى، مصالحهم فوق كل المواثيق. تبيعون الشعارات في أسواق المد يح. قالت العنزة، وهزت بذيلها القصير. وأردفت: "ليس للكرد حلفاء؛ عليهم أن يعرفوا هذه الحقيقة".

ـ تريدون اقتحام السماء بالخناجر، وتنثروا في المنطقة الفوضى. رد رئيس الوفد.

احمرت عين العنزة من الدموع والكآبة، ومدت بأظلافها إلى كأس الفودكا وشربتها دفعة واحدة، وغرست قرنيها في كومة المواثيق، لتتكسر مرة أخرى، وقالت: أنكم كالسحلية. وخرجت من القاعة، تاركة أكواماً من البعير، ثم عرجت إلى بلاد الخسوف، مترهلة من التعب والسهر، وأمضت ليلة في كتابة التاريخ، ثم توجهت إلى مقر الخارجية، فرأت في الشفاه أعلام الأقليات منطوية، وفي الأيد ي يرممون القوة. قالت العنزة: هؤلاء يريدون أن نكون لهم جواسيس في المنطقة، ولكن، سأفرش المواثيق بين الأيدي وأطلس الغياب، وأِشارت بقرنها: هنا مقر الباشق، نريد أوتاد اً لربط الريح، فالكرد يعيشون في حالة خوف أن تجرفهم الريح مرة أخرى .

قهقه الأمريكان من مطالب العنزة: نحن ربطنا المنطقة منذ قرون بأوتاد عملاقة، وغرسنا في كل بقعة الخداع، ولكن سننظر في المواثيق.

فنظرت العنزة في الوجوه الضامرة؛ خرجت غاضبة، وقد أيقنت من جديد أن الكرد عليهم حراسة جبالهم بأنفسهم، ولا أحد في الكون يريد أن يدعمهم.

قالت العنزة: رمكو، منذ اللحظة، عليك أن تحمل البند قية وتحارب الهواء.

تأبطت المواثيق والحزن، وعرجت على المثلث، وفي عينيها بحيرات الكآبة، وهي تفكر بكلام الأمريكان: أنتم جماعة إرهابية، معتصمون بالجبال، تريدون تفجير المنطقة، سوف تضيع مصالحنا.

اجتازت العواصم والجبال، وأخيراً وصلت إلى مشارف "حاج عمران"، فرأت الرجال يحرسون المعبد، والبنادق معلقة على أكتافهم.

تقدمت نحو مقر الباشق، هادئة، وقرأت البيان: لاأصدقاء لنا في الأرض، إلا هذه الجبال، وأن المعسكرين يلفون الملف في الدروج، ويريدون منا أن نصبح قطاع طرق، ألا يعرفون من هم الكرد، يسألونني: هل أنتم من أرحام الجن؟. هز الباشق رأسه، ومسح بيده النعاس من عيني العنزة: غداً، سوف نصنع من خطوات الفرسان أوتادتاً، لنجر الريح إلى الكهوف، ونعلق أسماء الشهداء فوق كل حجر؛ ثم نهض غاضباً: سوف نربط الريح، وليأتِ المعسكران إلى هنا، بجيوشها، نحن جنود هذه البقعة القريبة من الله.

ثم صافح القرناء الرجال الأربعة، بحرارة، وقالت: أنتم رجال هذا الأطلس المنهوب، كل المواثيق المذبوحة على البياض، سوف تنهض بحروف جديدة، إذا لم نستطع أن نربط الريح، تبقى أرواحنا قلقة، ثم أسندوا مرافقهم لظل المتعة المنهوبة، وقرنا العنزة يقدحان ناراً، ثم سلمت كومة الملف: هذه المواثيق سننعلقها بجانب صورة "قاضي محمد" ، يريد العملاقان، أن نكون حراساً لهم في هذا الكون.

رد "الباشق": لن نكون حراس أحد، لا في الحاضر، ولا في المستقبل، نحن حراس هذه الأمة المنكسرة منذ الأزل، سوف نعمل معاً من أجل أن نعلق الأطلس، ثم ذرفت العنزة دموعاً، فتكومت بين أظلافها، وشكلت بحيرة رثاء.

ـ ماذا تريدين أيتها العنزة؟

ـ رأيت في الحلم طيوراً بيضاء، ترفرف فوق "جار جرا"، أريد أن أتجه إلى مقبرة الجندي المجهول.

رد الباشق:

ـ في كل بقعة مقبرة جندي مجهول، ولكن أنت حرة في هذا الفضاء، وتصافحا بحرارة، وبكيا معاً.

حزن الباشق.

ردت العنزة: هذا هو قدرنا أن نفترق، ثم اتجهت إلى "جار جرا"، وفي عز الظهيرة، وقفت تحت ظل المشنقة، وتناثر الرماد أمامها.

أدت طقوساً غريبة وتعالى الصراخ من حنجرتها، فخرج الناس من بيوتهم خائفين، فإذا بعنزة، تصرخ، واتجهت إلى المقبرة،، وقالت: ما أكثر المقابر في هذه البلاد، إن الجمهورية التي شيدت، وتناثرت كالرماد لا بد أن تفيق مرة أخرى. نظرت إلى السماء رأت الجسد الأنيق يرفرف في الفضاء، بكت طويلاً: آه، المواثيق كالريح. سقطت دموعها على القبور، هي القيامة المنكسرة في هذا العراء، تشهد قيامات كبرى. ثم ركعت أمام كومة الرماد، ومضت نحو القلق الكبير إلى موطن الأجداد، واشتاقت إلى ملا "خوشناف" وعزلته، قطعت نهر دجلة وفي وسطه، تذكرت "حمي برو"، ها قد تلون الماء باسمك، وذرفت دموعاً، واجتازت النهر، في الطرف الآخر، نظرت إلى السماء، رأت النجوم ملولة، والنور كسرب غربان، عرفت أن ميزان التاريخ لصالح الحمقى. كومت جسدها تحت جذع خرنوب، تمضغ القدر المختوم، منتظرة أن تضربها أشعة الشمس، ويجف وبرها، أفاقت العنزة، والكسل مضموم بين أظلافها.

عامودا
[/frame]
 

G.M.K Team

G.M.K Team
سباس لمرورك نيواركو


بخير هاتي


سه ركف تبي هر دم

تحياتي
 

كلبهار

مراقبة عامة
هور يانعه في بساتين المنتدى نجني ثمارها من خلال الطرح الرائع لمواضيع اروع
وجمالية لا يضاهيها سوى هذا النثر البهي
فمع نشيد الطيور
وتباشير فجر كل يوم
وتغريد كل عصفور
وتفتح الزهور
اشكرك من عميق القلب على هذا الطرح الجميل
بانتظار المزيد من الجمال والمواضيع الرائعه
 
أعلى