:: فن الرسم في كوردستان ما قبل التاريخ

كول نار

G.M.K Team


إن أولى النتاجات التشكيلية الإبداعية لإنسان ما قبل التأريخ، والتي تم العثور عليها إلى الآن، تعود إلى ما بين (30000) و(25000) قبل الميلاد. وإحدى هذه القطع عبارة عن تمثال امرأة بارتفاع (11) سم، ملامحها غير واضحة، سيقانها قصيرة، عثر عليه في (ويلندورت) في النمسا. وثاني الأعمال هو تمثال رجل ارتفاعه (20) سم يعود إلى الحقبة التاريخية نفسها، عثر عليه في (برنو) في تشيكوسلوفاكيا.
أما عن بدايات الرسم، ففي تصنيف قدمه(هوغ هونور) و(جون فليمينك) اللذان كتبا تاريخ فن الرسم، يتضح أن مراحل بزوغ هذا الفن عند إنسان ما قبل التاريخ تقسم إلى أربع مراحل:
1- مرحلة فن الصيادين.
2- مرحلة فن الكهوف.
3- مرحلة فن العصر الحجري الميزوليتيكي.
4- مرحلة فن مستوطني الحقول/ الفلاحين.
وتتضح ظاهرة الصيد بقوة في رسومات المرحلتين الأولى والثانية، فاكثر الرسومات المنقوشة على الأحجار هي صور لحيوانات مثل الماعز والغزال والحصان، ملونة باللون الأسود والأحمر والأزرق، أما صور الرجل فقليلة، والمرأة فنادرة. ثم بدأ الإنسان بالاستقرار منذ (العصر الميزوليتيكي) وما بعده، بسبب الزراعة والحصاد، فبنى البيوت، وطرأ التغيير على الأدوات والمنحوتات والآلات التي يستخدمها في حياته، حتى أواني وأوعية الطبخ حدث تغييرٌ عليها وأصبحت منقوشة ومزينة، وهذا ما نلاحظه من الآثار التي عثر عليها في (تل حلف) على الحدود بين العراق وسوريا الشمالية، حيث بدأ باستخدام خطوط رفيعة عند رسمه لحيوان ما.
أما في كوردستان، وتحديداً في العصر الحجري الوسيط، أي قبل(13400 سنة)، عندما كان الإنسان يعيش عند تخوم البرك والانهر الصغيرة والسهول في كوردستان، فقد شهدت الأدوات والآلات تقدماًَ واضحاًَ، فظهرت الأدوات المصنوعة من قطع صغيرة من الأشجار والأحجار والعظام بأشكال هندسية دقيقة، كرأس الحربة والسكين والمنجل. ويدل ذلك على أن الإنسان البدائي الكوردي في هذه المرحلة كان يمتلك شعوراَ بالفن والجمال، وبدأ بالاهتمام بعدته وآلاته عن طريق رسمها وإسباغ شكل معين عليها. والى الآن لا تزال هناك العديد من تلك الأدوات مثل الفأس والأواني وأدوات المطبخ والنبال والسكاكين باقية في كهوف(هه زار ميرد)، و(جه رمو)، و(زه رزى)، و(بالى كووره)، و(شانه ده ر).
ويتفق المؤرخون على أن الزراعة والعمران ظهرت لأول مرة في مناطق(شانه ده ر)، و(هه زارميرد)، و(زاوى جه مى)، وإن السيراميك(الفخار) صنع لأول مرة في موقع (جه رمو) في كوردستان العراق ومن ثم في (ته به كوران) في كوردستان إيران، وبعد ذلك انتشر في أنحاء الدنيا. إن سيراميك موقع (جه رمو) هو أول أنواع السيراميك في تأريخ حياة الإنسان، ويتميز بكونه ذا أرضية صفراء، ومنقوشاً عليه باللون الأحمر، أما الخطوط فمرسومة بشكل متقاطع وهو ما يعرف بـ (سيراميك جه رمو المصبوغ). وقد تم اكتشاف مجموعة مشابهة له في منطقة (ته به كوران) في كوردستان إيران. ويبدو أن أحدهما هو مصدر للآخر، ويرجح أن يعود تاريخ صناعتها إلى ما بين عامي(6300) و(6100) ق.م، في حين أن سيراميك (تل حسونة) في جنوب الموصل ،الذي يعود تاريخه إلى العصر الحجري المعدني (5600 ــ3500)ق.م، هو بشكل عام ملون باللون الوردي والبرتقالي والبني، وذو أرضية سوداء. وتعد مواقع/ كهوف(هه زارميرد) في سهل (به رانان) بالقرب من(سه رجنار) في السليمانية، و(شانه ده ر) في منطقة (برادوست)التابع لأربيل، و(تل حلف) على الحدود بين العراق وسوريا الشمالية، و(كه نج ده ره) في كوردستان إيران، و(تل حسونة)، من أكثر مواقع كوردستان أهمية وذلك لانتشار وتطور أنواع السيراميك فيها.
كما وعثر على العديد من الأدوات المشابهة لما سبق ذكره في كهف (بالى كووره) بالقرب من السليمانية، وكانت أيضا لها أشكال هندسية مصنوعة من الحديد أو من عظام الحيوانات. إن آثار هذا العصر الحجري الوسيط اكتشفت بصورة أوضح في موقع (كريم شهر) الواقع شرق (جمجمال) بحوالي 90كلم. وكان يضم مجموعة من الآلات الزراعية مثل المنجل والمضرب والهاون مع بعض أدوات الحصد وجرش الحنطة.
لقد كان الإنسان الكوردي في عصر حياة الكهوف يرسم صور الحيوانات على جدران الكهف، معتقدا انه بذلك يستطيع السيطرة على تلك الحيوانات،إذ تعد نقوش ورسوم وصور العصور القديمة في سهول وكهوف (شانه ن ده ر)، و(وجه رمو)، و(كردى قالنج ئاغا)، و(زيوه)، و(به رده بالكه)، و(هه زار ميرد)، أولى مراحل فن الرسم لدى القومية الكوردية. وقد عثر في اغلب الكهوف والمواقع الأثرية في كوردستان على عشرات النقوش والرسوم وقطع السيراميك والأعمال المصورة المتنوعة التي يرجع تاريخها إلى العصر الحجري الميزوليتيكي (8000 قبل الميلاد). ويتحدث (هوغ هونور) و (جون فليمينك) عنها قائلين: هذه المجموعة من النقوش والرسوم(يصل عددها إلى 150 صورة) والتي عثر عليها في كهف (كجه كه نجه كان- الفتيات الشابات) في قرية (يه دى سالكيم) في موقع أناضول (76 كم جنوب شرق مدينة وان)، هي حفنة من الكنوز الصورية لعصور كوردستان الحجرية. ومعظم تلك الرسوم مرسومة باللون الأحمر أو القهوائي على الصخور الصغيرة المنتشرة أمام الكهف، أو تلك الموجودة على جدرانه الداخلية. والأشكال المرسومة قسم منها عبارة عن نساء آلهات أثناء رقصهن، أو آلهة أخرى واقفين على ظهور الحيوانات، أو صور لتلك الحيوانات التي ما زلنا نرى رسومها وأشكالها إلى الآن على المفروشات الكوردية. والقسم الآخر عبارة عن مناظر الصيد والقنص، أو الطقوس الدينية الذي كان إنسان ذلك العصر ينظمها ويمارسها داخل الكهف. وفي قرية (ترشين)، نجد الرسومات منتشرة على الصخور وفي البساتين وعلى سفوح الجبال والتلال، وأغلبها عبارة عن حيوانات ومناظر صيد يعود تاريخها إلى(4000) ق.م، تماماً كأنها متحف في الهواء الطلق. وكلها مرسومة بالتكنيك نفسه: حفر، أو خدش الصخور، لذا يمكننا القول أن إنسان ذلك العصر الحجري، في ذلك الموقع كان يمتلك أسلوباً ونهجاً معيناً.
إن البحث في نقوش ورسوم وسيراميك عصور ما قبل التاريخ في كوردستان، يعني إمكانية استكشاف الجذور الفنية الثقافية للكورد، وتحديد مستوى الذائقة والموهبة الفنية لدى الإنسان الكوردي، والتعرف – انثروبولوجياً – على عادات الكورد وتقاليدهم ومعتقداتهم الدينية والعشائرية والروابط الإثنية والثقافية التي كانت قائمة بينهم وبين جيرانهم؛ وكل ذلك يعني توفير مادة معرفية غنية يمكن أن تسهم في تحليل وفهم الطابع الثقافي والاجتماعي والنفسي للشخصية الكوردية المعاصرة.

__________________


 

كلبهار

مراقبة عامة
هور يانعه في بساتين المنتدى نجني ثمارها من خلال الطرح الرائع لمواضيع اروع
وجمالية لا يضاهيها سوى هذا النثر البهي
فمع نشيد الطيور
وتباشير فجر كل يوم
وتغريد كل عصفور
وتفتح الزهور
اشكرك من عميق القلب على هذا الطرح الجميل
بانتظار المزيد من الجمال والمواضيع الرائعه
 
أعلى