استقبال رمضان

muhmmad alo

كاتب
الحمد لله الذي هدانا لأقوم السبل، ونسأله أن يمدنا بعزم لا يأخذه فتور ولا ملل، وأن ينفي عن قلوبنا اليأس ويقوي منّا الأمل، والصلاة والسلام على نبينا محمد المؤيد بأجلّ آية وأسطع برهان، والداعي إلى الدين الحق بأقوم حجة وأبلغ بيان، وعلى آله وأصحابه السادة الأمجاد والذين فتحوا بحكمتهم القلوب، وبأسنتهم الوهاد والنجاد. أما بعد: فإن رمضان شهر الصبر، ومدرسة الصبر، فالصوم تعويد على الصبر، وتمرين عليه؛ ولهذا ورد عن النبي أنه سمى شهر رمضان شهر الصبر، وفي حديث آخر عنه قال: { الصوم نصف الصبر } [أخرجه الترمذي]. ثم إن الصبر ثلاثة أنواع: صبر على طاعة الله، وصبر عن محارم الله، وصبر على أقدار الله المؤلمة، وتجتمع هذه الثلاثة كلها في الصوم؛ فإن فيه صبرا على طاعة الله، وصبرا عمّا حرم الله على الصائم من الشهوات، وصبرا على ما يحصل للصائم من ألم الجوع، والعطش، وضعف النفس والبدن. وهذا الألم الناشئ من أعمال الطاعات يثاب عليه صاحبه كما قال تعالى في المجاهدين: ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدونيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين [التوبة:12]. بل إن الصوم يضاعف مضاعفة خاصة، ذلك أن الله عز وجل يتولى جزاء الصائمين، فقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي قال: { كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف }. قال الله عز وجل: { إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به؛ إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي } الحديث. قال ابن رجب رحمه الله في هذا الحديث: ( فعلى هذه الرواية يكون استثناء الصوم من الأعمال المضاعفة، فتكون الأعمال كلها تضاعف بعشر أمثالها إلا الصيام، فإنه لا ينحصر تضعيفه في هذا العدد، بل يضاعفه الله عز وجل أضعافا كثيرة يغير حصر عدد؛ فإن الصيام من الصبر وقد قال الله تعالى: إنما يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب [الزمر:10] ). أ هـ.وهكذا يتبين لنا عظم الارتباط بين الصوم والصبر، وأن الصوم سبيل إلى اكتساب خلق الصبر، ذلك الخلق العظيم الذي أمر الله به وأعلى مناره، وأكثر من ذكره في كتابه، وأثنى على أهله القائمين به، ووعدهم بالأجر الجزيل عنده. قال تعالى: واصبر وما صبرك إلا بالله [النحل:127]ٍ، وقال: ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور [الشورى:43]، وقال عز وجل: يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا [آل عمران:200]، وقال: وبشّر الصابرين [البقرة:155]. وقال النبي في الحديث: { ومن يتصبّر الله يصبره الله، وما أعطي أحد عطاءا أعظم ولا أوسع من الصبر }. وقال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ( وجدنا خير عيشنا بالصبر ). وقال: ( أفضل عيش أدركناه بالصبر، ولو أن الصبر كان من الرجال كان كريما ). وقال أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب رضي الله عنه: ( الصبر مطية لا تكبو ). وقال الحسن رحمه الله: ( الصبر كنز من كنوز الخير لا يعطيه الله إلا لعبد كريم عنده ). فالصائم المحتسب يفيد دروسا جمّة في الصبر من جرّاء صيامه؛ فهو يدع الطعام والشراب والشهوة حال صيامه، فيفيد درسا عظيما في الصبر، حيث يتعوّد فطم نفسه عن شهواتها وغيّها. والصائم المحتسب إذا أوذي أو شتم لا يغضب، ولا يقابل الإساءة بمثلها، ولا تضطرب نفسه؛ فكأنه بذلك يقول لمن أساء إليه: افعل ما شئت، فقد عاهدت ربي بصومي على أن أحفظ لساني وجوارحي؛ فكيف أخيس بالعهد، أو أسيء إليك كما أسأت إليّ، لئن بسطت إليّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك .. الصائم المحتسب لا يثور لأتفه الأسباب كحال من لم يتسلحوا بالصبر، ممن يظنون أن الصوم عقوبة وحرمان، فيخرجون عن طورهم، وتثور نفوسهم، وتضطرب أعصابهم. أما الصائم المحتسب فتراه هادئ النفس، ساكن الجوارح، رضي القلب. والصائم المحتسب يطرد روح الملل، لأن صيامه لله، وصبره بالله، وجزاءه على الله. والأمة الصائمة المحتسبة تتعلم الانضباط والصبر على النظام، والتحرر من أسر العادات. وهكذا يتبين لنا أثر الصيام في اكتساب خلق الصبر؛ فإذا تحلى الإنسان به كان جديرا بأن يفلح في حياته، وأن يقدم الخير العميم لأمته، ويترك فيها الأثر الكبير. وإن عطل من الصبر فما أسرع خوره، وما أقل أثره. ثم إن الإنسان - أي إنسان - لا بد له من الصبر إما اختيارا وإما اضطرارا، ذلك أنه عرضة لكثير من البلاء في نفسه بالمرض، وفي ماله بالضياع، وأولاده بالموت، وفي حياته العامة بالحروب وتوابعها من فقدان كثير من حاجاته التي تعوّدها في حياته؛ فإذا لم يتعوّد الصبر على المشاق وعلى ترك ما يألف وقع صريع تلك الأحداث. وكذلك حال الإنسان مع الشهوات؛ فهي تتزي له وتغريه، وتتمثل له بكل سبيل؛ فإذا لم يكن معه رادع من الصبر، ووازع من الإيمان أوشك أن يتردى في الحضيض. ومن كان متصديا للدعوة إلى الإصلاح، منبريا للدفاع عن الحق فما أشد حاجته إلى الصبر، وتوطين نفسه على المكاره؛ فإن في ذلك السبيل عقبة كؤودا لا يقتحمها إلا ذو الهمم الكبيرة؛ فإن في طوائف المبطلين أو المفسدين نفوسا طاغية، وأحلاما طائشة، وألسنة مقذعة، وربما كانت في أيد باطشة، وأرجل إلى غير الحق ساعية. وإنما تعظم همة الداعي إلى الحق والإصلاح بقدر صبره، وبقدر ما يتوقعه من فقد محبوب، أو لقاء مكروه؛ فلابد لأهل الحق من الصبر على دعوة الناس، ولابدّ لهم من الصبر في إنتظار النتائج، لأن استعجال الثمرة قد يؤدي إلى نتائج عكسية تضر أكثر مما تنفع؛ فالصبر إذا اقترن بالأمر كان عصمة للداعية من الانقطاع، وتفجرت بسببه ينابيع العزم والثبات. إنه الصبر المترع بأنواع الأمل العريض، والثقة بمن بيده ملكوت كل شيء، ليس صبر اليائس الذي لم يجد بدّا من الصبر فصبر، ولا صبر الخاضع الذليل لغير ربه جلّ وعلا. وبالجملة فإن الصبر من أعظم الأخلاق، وأجل العبادات، وإن أعظم الصبر وأحمده عاقبة - الصبر على امتثال أمر الله، والانتها عما نهى الله عنه؛ لأنه به تخلص الطاعة، ويصحّ الدين، ويستحق الثواب؛ قليس لمن قل صبره على الطاعة حظ من بره، ولا نصيب من صلاح. ومن الصبر المحمود الصبر على ما فات من إدراكه من رغبة مرجوّة، وأعوز نيله من مسرة مأمولة؛ فإن الصبر عنها يعقب السلوّ منها، والأسف بعد اليأس خرق. ومن جميل الصبر الصبر فيما يخشى حدوثه من رهبة يخافها، أو يحذر حلوله من نكبة يخشاها؛ فلا يتعجل همّ ما لم يات؛ فإن أكثر الهموم كاذبة وإن الأغلب من الخوف مدفوع. ومنذ لك أيضا الصبر على ما نزل من مكروه، أو حلّ من أمر محوف، فبالصبر في هذا تنفتح وجوه أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم، ومن يغفر الذنوب إلا الله، ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون . فرغم أنفه.. ثم رغم أنفه.. من أدرك رمضان فلم يغفر له.. لماذا؟!.. لأنه فرصة.. قد لا تتكرر مرة أخرى.. بل قد لا تعود أبدا.وينادي مناد يا باغي الخير أقبلجاء عند الإمام أحمد والنسائي بسند صحيح، أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول للصحابة في أول رمضان: {أتاكم شهر رمضان، شهر مبارك، كتب الله عليكم صيامه، فيه تفتح أبواب الجنة، وتغلق أبواب الجحيم، وتغل مردة الشياطين، فيه ليلة هي خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم } و روى الترمذي وصححه الألباني رحمه الله أنه صلى الله عليه وسلم "قال: إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ وَيُنَادِي مُنَادٍ يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ " ‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏" ‏ رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم ‏ ‏انسلخ ‏ ‏قبل أن يغفر له " رواه مسلمأتى رمضان مزرعة العبــاد *** لتطهير القلوب من الفساد فـــأد حقــوقه قولاً وفعــــلاً *** وزادك فاتــخذه للمـــــــاد فمن زرع الحبوب وما سقاها*** تأوه نادماً يوم الحصـــــاد تأمل في مرور الايام! مرت الأيام وكرت الأعوام وتعاقب الليل والنهار وفي تعاقبهما عبر وعظات لمن اتعظ {وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أرد أن يذكر أو أراد شكورا} تأمل يا رعاك الله كم من مؤمل لرمضان لم يدركه وكم من فرح بقدومه لم يتم فرحه نعم أناس صاموا العام المنصرم استبشر بقدوم الشهر عشوا أيامه ولياليه أكلوا فيه وشربوا ولبسوا الجديد وتنعموا . فأين هم الآن ؟!! لقد أفناهم الموت ففارقوا الأحباب وتوسدوا التراب ذهبوا وذهبت أيامهم كم كان لديهم من أماني وأحلام وكم كانوا يؤملون أن يصوموا هذا العام لكنهم ( ردوا إلى الله مولاهم الحق )لكل شيءٍ إذا ما تم نقصانُ *** فلا يُغرُّ بطيب العيش إنسانُ هي الأمورُ كما شاهدتها دُولٌ *** مَن سَرَّهُ زَمنٌ ساءَتهُ أزمانُ وهذه الدار لا تُبقي على أحد *** ولا يدوم على حالٍ لها شان تأمل حال هذا الذي ذهب السوق لقضاء حوائج رمضان فرحا مسرورا يهنئ الناس بقدوم الشهر تعلوا وجهه الصبوح بسمة الفرح فقد اقترب وقت ألقاء وقد تهيأ لصوم رمضان الذي انتظره أحد عشر شهرا و لم يدر في خلده أن شمس أجله قد آذنت بالرحيل وأن ساعات عمره قد انقضت وصفحات أيامه قد طويت !! وقبل دخول الشهر بسويعات أتى الزائر الذي لا يستأذن ليخبره أن ساعة السفر قد أزفت وأنه لا مجال للبقاء بل هو أجل مسمى ووقت محتوم ( حتى إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ) إنه الموت . نعم إنه الموت يا رعاك الله الذي غفل عنه كثير من الناس اليوم ( اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون ) جاءه هاذم الذات ومفرق الجماعات فلم يغن عنه أهله ولا إخوانه ولا أحبابه ولا جيرانه ( فلولا أن كنتم غير مدينين * ترجعونها أن كنتم صادقين ) تبدل السرور ألما وماتت الأحلام والآمال فقد أمل ولكن لم يدرك أمله فقد خرمته المنية ووافاه الأجل . كم كنت تعرف ممن صام في سلـــــف *** من بين أهل وجـــيران وإخــوان أفناهم الموت واستبقاك بعدهــــــــــــم حياًفما أقرب ألقاصي من الـداني ومعجب بثياب العيد يقطعهـــــــــــــــا *** فأصبحت في غد أثواب أكفـــــــانأيها الحبيب حري بمن منّ الله عليه إلى أن أدرك رمضان أن لا تذهب أيامه ولياليه سدى فماهى إلا أيام معدودات فتستقبل بالتوبة والإنابة والاستعداد له بالاجتهاد في القربات والمسابقة في أنواع الطاعات فهو شهر توبة وإنابة وخشوع وإخبات وذل لله تعالى لا شهر أكل وشرب وكسل وخمول . ولكن من المؤسف والمؤلم أن كثيرا من المسلمين حالهم في رمضان أكل وشرب وسهر أمام القنوات التي حملت على عاتقها حرب الفضيلة قد جعلت رمضان سوقا لبضاعتها الكاسدة تتنافس في ما خططت له عاما كاملا لتعرضه على المسلمين على مائدة الإفطار وفي وقت صلاة التراويح وفي ساعات السحر لتصد عن سبيل الله.فهلا وقفة صدق و محاسبة مع النفس قل لنفسك ما قاله الشاعر . خـَـلِّ إدّكـَارَ الأربـُع ِ .. وَالمَـعْـهَـدِ المُرتـَبـَع وَالظـّاعِـن ِ المُـــوَدِّع ِ .. وَعَــدِّ عَــنـهُ وَدَع ِ وَانـدُبْ زَمَـانـًا سَلـَفـَا .. سَوّدتَ فِـيـهِ الصُّحُـفـا وَلمْ تـزلْ مُـعـتـَكِـفـا .. عَلى القبيــح ِالشنـِـع ِ فـَالـْـبَـس شِعَـار النـَّدَم .. واسكـُبْ شـآبيبَ الـدّم ِ قـَبـلَ زَوَال ِ القـَـدَم ِ .. وَقـَـبْـلَ سُوء المَـصْـرَع ِ وَاخضَعْ خـُضُوعَ المُعـترِف .. وَلـُـذ مَلاذَ المُقـتـَرِف واعْـص ِ هـَوَاك وانحَـرِف .. عَـنهُ انحِـرافَ المُـقـلِع ِ إلامَ تسْهُــو وَتــَني .. وَمُـعـظـَمُ العـُمْـر ِ فـَنِـي في مَا يَضُـرّ المُقـتـَـني .. وَلـَستَ بـِالمُــرتـَـدِع ِ أمَا تـَرَى الشـّيبَ وَخـَط .. وَخـَطّ ّ في الرّأسِ خـِطـَط وَمَن يَـلـُح وَخـْط ُ الشَمَـط .. بـِفـَـوْدِهِ فـَقـَد نـُعِـي لماذا شرع الصيام ؟! شرع الله الصيام لتهذيب النفوس وصقلها وتدريبها على مرقبة الله جلا وعلا . وأيضا من أجل أن يعطف على الفقراء والمساكين عندما يجد ألم ألجوع والعطش . ومن الحكم التي من أجلها شرع الصوم تضييق مجاري الشيطان فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم . وزمام ذلك كله تقوى الله سبحانه وتعالى ولذا قال ( يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) فالصوم الذي لا يربي صاحبه على تقوى الله جل وعلا واستشعار عظمته فيه خلل . فليس الصوم الامتناع عن الطعام والشراب فقط !! بل الصوم أشمل من ذلك يشمل كل ما حرم الله . عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلي الله عليه وسلم‏:‏ من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" رواه البخاري‏.‏ وقال النبي صلى الله عليه وسلم; " رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش ورب قائم حظه من قيامه السهر " ، وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الصيام جنة من النار ، فمن أصبح صائماً فلا يجهل يومئذ ، وإن امرؤ جهل عليه فلا يشتمه ولا يسبه وليقل إني صائم ، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك " أخرجه النسائي . قال بعض السلف : أهون الصيام ترك الشراب والطعام . وقال جابر : إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم ودع أذى الجار ، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك ، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء . إذا لم يكن في السمع مني تصـاون *** وفي بصري غض وفي منطقي صمت فحظي إذا من صومي الجوع والظما *** فإن قلت إني صمت يومي فما صمت نماذج من حال السلف كان سلفنا الصالح ينتظرون رمضان بشوق وحنين وقلوب صادقة ليكون شهر مضمار وسباق إلى الله جل وعلا في شتى القربات . قال معلى بن الفضل عن السلف رحمهم الله : 'كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم' وقال يحي بن أبى كثير: 'كان من دعائهم: اللهم سلمني إلى رمضان، وسلم لي رمضان، وتسلمه منى متقبلاً'.وباع قوم من السلف جارية، فلما قرب شهر رمضان رأتهم يتأهبون له ويستعدون بالأطعمة وغيرها فسألتهم؛ فقالوا: 'نتهيأ لصيام رمضان'، فقالت: 'وأنتم لا تصومون إلا رمضان؟!! والله لقد جئت من عند قوم السنة عندهم كلها رمضان لا حاجة لي فيكم ..ردوني إليهم ثم رجعت إلى سيدها الأول. كيف كان حال السلف رحمهم الله تعالى في رمضان ؟!!. هل كانوا يسهرون أمام القنوات لمتبعة المسبقات والفوازير والمسلسلات الرمضانية ؟ لا لقد عرفوا فضل ليالي رمضان فاستغلوها حق الاستغلال . يقول النبي صلى الله عليه وسلم " من قام رمضان أيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ". أن السلف الصالح رحمهم الله كان عامهم كله قيام ليس رمضان فحسب بل السنة كلها روى الأمام أحمد رحمه في مسنده أنه لما نزلت هذه الاية ( قم الليل إلا قليلا ) قام الصحابة عاما كاملا حتي تفطرت أقدامهم رضي الله عنهم وأرضاهم ) إذا ما الليـل أقبـل كابدوه *** فيسفـر عنهـم وهم ركــــــــوعأطار الخوف نومهـم فقاموا *** وأهل الأمن في الدنيا هجوع لهم تحت الظلام وهم ركوع *** أنين منـه تنفرج الضلــــوع كانوا قليلا من الليل ما يهجعون * وبالأسحار هم يستغفرون ) تتجافي جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون ) هذا هو دأبهم السنة كلها فأين نحن من هؤلاء الأفذاذ كانوا رهبنا بالليل فرسانا بالنهار يقول علي رضي الله عنه "والله لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وما أرى اليوم شيئا يشبههم، كانوا يصبحون شعثا غبرا صفرا قد باتوا لله سجدا وقياما، يتلون كتاب الله يراوحون بين أقدامهم وجباههم، وكانوا إذا ذكروا الله مادوا كما يميد الشجر في يوم الريح، وهملت أعينهم حتى تبل ثيابهم، وكأن القوم باتوا غافلين " كان سعيد بن المسيب رحمه الله إذا دخل الليل خاطب نفسه قائلاً قومي يا مأوى كل شر والله لأدعنك تزحفين زحف البعير فكان إذا أصبح وقدماه منتفختان يقول لنفسه بذا أمرت ولذا خلقت . وقال الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى : إذا لم تقدر على قيام الليل وصيام النهار فاعلم أنك محروم مكبل ، كبلتك خطيئتك . قال أبو يزيد المعَّنى : كان سفيان الثوري رحمه الله إذا أصبح مدَّ رجليه إلى الحائط ورأسه إلى الأرض كي يرجع الدم إلى مكانه من قيام الليل . بالسوء ما خلقتِ إلا للعبادة . قال معمر : صلى إلى جنبي سليمان التميمي رحمه الله بعد العشاء الآخرة فسمعته يقرأ في صلاته : {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} حتى أتى على هذه الآية {فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا } فجعل يرددها حتى خف أهل المسجد وانصرفوا ، ثم خرجت إلى بيتي ، فما رجعت إلى المسجد لأؤذن الفجر فإذا سليمان التميمي في مكانه كما تركته البارحة !! وهو واقف يردد هذه الآية لم يجاوزها {فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا }. كان العبد الصالح عبد العزيز بن أبي روّاد رحمه الله يُفرش له فراشه لينام عليه بالليل ، فكان يضع يده على الفراش فيتحسسه ثم يقول : ما ألينك !! ولكن فراش الجنة ألين منك!! ثم يقوم إلى صلاته. يا رجال الليل جدوا رب داع لا يـرد ما يقوم الليــل إلا من له عزم وجد ليس شيء كصلاة *** الليل للقبر يعــــد وكان الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله الزاهد العابد إمام أهل السنة إذا دخل شهر رمضان دخل المسجد ومكث فيه يستغفر ويسبح وكلما انتقض وضوءه عاد فجدد وضوءه فلا يعود لبيته إلا لأمر ضروري من أكل أو شرب أو نوم هكذا حتى ينسلخ شهر رمضان ثم يقول للناس• هذا هو الشهر المكفر فلا نريد أن نلحق به الأشهر الأخرى في المعاصي والخطايا والذنوب. صلى سيد التابعين سعيد بن المسيب – رحمه الله – الفجر خمسين سنة بوضوء العشاء وكان يسرد الصوم. قال ثابت البناني رحمه الله : لا يسمى عابد أبداً عابدا ، وإن كان فيه كل خصلة خير حتى تكون فيه هاتان الخصلتان : الصوم والصلاة ، لأنهما من لحمه ودمه !! كان الامام أبو حنيفة رحمه الله يختم القرآن في كل يوم وليلة مرة وفي رمضان كل يوم مرتين مرة في الليل ومرة في النهار . وكان قتادة بن دعامة يختم القرآن في كل سبع مرة فإذا جاء رمضان ختم في كل ثلاث ليال مرة فإذا جاء العشر ختم في كل ليلة مرة وكان الشافعي رحمه الله يختم في رمضان ستسن ختمه ما منها شيء إلا في الصلاة . أخي رعاك الله هذه نماذج يسيرة من حال السلف الصالح في رمضان فما هو حالنا في رمضان ؟ فبادر يا أخي فأنت في زمن مهلة .. وزَوِّدْ نـَفـْسَـك َالخـَيـْرْ .. .. وَدَع ْ مَـا يُـعْـقِـبُ الضَّـيـرْ وَهَـيِّـىء مَـركَبَ السَّـيـْرْ .. .. وَخـَف مِـنْ لـُجِّـةِ اليـَّـم بـِـذا أُوصيتَ يَـا صـَاحْ .. .. وَقـَـد بُـحْتُ كـَمَـنْ بـَـاح ْ فـَطـُوبَى لِـفــَتـىً راحْ .. .. بـِــآدَابــِيَ يَــــــــــــــأتـــَم أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يخلص لنا القول والعمل وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه صلاة دائمة . كيف نستقبل رمضانفي رمضان تتضاعف الأجور وتصفد مردة الشياطين وتفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النيران فهو شهر خير وبركات . . . يحسن بنا نحن المسلمين أن نستعد لاستقباله خير استقبال . . . فالمسافر يستعد لسفره ، والموظف يستعد بالدورات التدريبية لوظيفته كلما ازدادت أهمية , والشياطين تستعد لهذا الشهر أو توسوس للناس - قبل أن تصفد فيه - بأنواع الملاهي كالأفلام والألعاب الفارغة ، ونحن المسلمين ينبغي علينا أن نستعد له أفضل استعداد ، فما أسعد من استفاد من رمضان من أول يوم ومن أول لحظة . . . كيف نستعد لرمضان: ** بالدعاء . . . ندعو الله أن يبلغنا هذا الشهر الكريم كما كان السلف يفعلون ذلك فقد كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ثم يدعونه ستة أشهر حتى يتقبل منهم. . . ندعو الله أن يعيننا على أن نحسن استقبال الشهر وأن نحسن العمل فيه وأن يتقبل الله منا الأعمال في ذلك الشهر الكريم . ** بسلامة الصدر مع المسلمين . . . وألا تكون بينك وبين أي مسلم شحناء كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يطلع الله إلى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان ، فيغفر لجميع خلقه إلا مشرك أو مشاحن " - صحيح الترغيب والترهيب 1016- ** بالصيام , كما هي السنة لحديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما أنه قال :" قلت يا رسول الله ، لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان ؟ قال : "ذاك شهر تغفل الناس فيه عنه ، بين رجب ورمضان ، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم " - صحيح الترغيب والترهيب 1012- ** بالاهتمام بالواجبات مثل صلاة الجماعة في الفجر وغيرها حتى لا يفوتك أدنى أجر في رمضان ، ولا تكتسب ما استطعت من الأوزار التي تعيق مسيرة الأجر . ** بالتعود على صلاة الليل والدعاء واتخاذ ورد يومي من القران حتى لا نضعف في وسط الشهر . إضافة إلى ذلك اتخاذ أوقات خاصة لقراءة القرآن بعد الصلوات أو قبلها أو بين المغرب والعشاء أو غيرها من الأوقات خلال شعبان ورمضان وما بعدهما بإذن الله . ** قراءة وتعلم أحكام الصيام من خلال كتب وأشرطة العلماء وطلاب العلم الموثوقين . ** الاستعداد للدعوة في رمضان بكافة الوسائل فالنفوس لها من القابلية للتقبل في رمضان ما ليس لها في غيره . ومن الوسائل الكلمة الطيبة في المساجد أو المخصصة لفرد أو أكثر ، والهدية من كتيب أو شريط نافع وإقامة حلق الذكر وقراءة القران في المساجد والبيوت ، وجمع فتاوى الصيام ونشرها، والتشجيع على فعل الخير عموما وغير ذلك . . . ** الاستعداد السلوكي بالأخلاق الحميدة جميعها والبعد عن الأخلاق الذميمة جميعها ، ويمكن أيضا القراءة في كتب السلوك و سؤال أصحاب الأخلاق الحميدة أن ينصحوهم إن وجدوا عليهم ما يسوء من الأخلاق . . . ** الاستعداد لاستغلال الأوقات في رمضان بعمل جدول لرمضان للقراءة والزيارات في الله وصلة الأرحام . . .وغير ذلك . ** تشجيع أهل المسجد على إقامة إفطار جماعي متكرر أو مرة واحدة على الأقل خلال الشهر . تشجيع أهل المسجد على التزاور في الله خلال الشهر واللقاء بعد صلاة العيد عند المسجد أو في أحد البيوت أو أي مكان آخر مناسب... * نسأل الله أن يبلغنا رمضان وأن يعيننا على حسن استقباله وعلى حسن العمل فيه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين.رمضان شهر الفرحالحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد فإن الفرح مطلب مُلحٌّ، وغاية مبتغاة، وهدفٌ منشود، والناس كل الناس يسعى إلى فرح قلبه، زوال همِّهِ وغمِّهِ، وتفرق أحزانه وآلامه. ولكنْ قَلَّ من يصل إلى الفرح الحقيقي، ويحصل على السعادة العظمى، وينجو من الآلام والأتراح. والحديث ههنا سيدور حول معنى الفرح، وأسبابه، وموانعه. وبعد ذلك نصل إلى معنى الفرح في الصيام، وكيفيةِ كونِ هذا الشهر الكريم شهرَ فرحٍ. أيها الصائم الكريم: الفرحُ لذةٌ تقع في القلب بإدراك المحبوب، ونيل المشتهى، فيتولدُ من إدراكه حالةٌ تسمى الفرحَ والسرورَ. كما أن الحَزَنَ والغَمَّ مِنْ فقد المحبوب، فإذا فقده تولد مِنْ فقده حالةٌ تسمى الحزَنَ والغم. والفرحُ أعلى نعيمِ القلب ولذتِه وبهجتِه،فالفرحُ والسرورُ نعيمهُ،والهمُّ والغمُّ عذابُه. والفرحُ بالشيء فوق الرضا به، فإن الرضا طمأنينُةٌ وسكونٌ وانشراحٌ والفرح لذةٌ وبهجةٌ وسرورٌ، فكل فَرِحٍ راضٍ، وليس كلُّ راضٍ فَرِحاً. ولهذا كان الفرحُ ضدَّ الحزن، والرضا ضدَّ السخط، والحزنُ يؤلم صاحبَه، والسُّخط لا يؤلمه إلا إذا كان مع العجز عن الانتقام.ولقد جاء الفرح في القرآن على نوعين: مطلقٍ ومقيدٍ، فالمطلقُ جاء في الذم كقوله _تعالى_: (لاتفرح إن الله لايحب الفرحين)، وقوله: (إنه لفرح فخور). والفرح المقيدُ نوعان_أيضاً_مقيدٌ بالدنيا يُنْسِي فضل الله ومنته، وهو مذموم كقوله_تعالى_: (حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون). والثاني فرحٌ مقيدٌ بفضل الله ورحمته: وهو نوعان _أيضاً_ فضلٌ ورحمةٌ بالسبب، وفضل بالمسبِّب،فالأول كقوله_تعالى_: (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون). والثاني كقوله _تعالى_: (فرحين بما آتاهم الله من فضله). ولقد ذكر الله _سبحانه_ الأمر بالفرح بفضله ورحمته عقيب قوله: (يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين). ولا شيءَ أحقُّ أن يَفْرح به العبدُ من فضل الله ورحمته التي تتضمن الموعظةَ وشفاءَ الصدور من أدوائها بالهدى والرحمة: الهدى الذي يتضمن ثَلْجَ الصدور باليقين، وطمأنينةَ القلبِ به، وسكونَ النفسِ إليه، وحياةَ الروح به. والرحمةُ التي تجلب لها كلَّ خيرٍ ولذةٍ، وتدفع عنها كلَّ شرٍّ وألمٍ. والموعظةُ التي هي الأمر والنهي المقرون بالترغيب والترهيب. وشفاءُ الصدورِ المتضمنُ لعافيتها من داء الجهل، والظلمة، والغي، والسفه؛ تلك الأدواءُ التي هي أشدُّ ألماً لها من أدواء البدن. فالموعظةُ،والشفاءُ،والهدى،والرحمةُ هي الفرح الحقيقي، وهي أَجَلُّ ما يفرح به؛ إذ هو خيرٌ مما يجمع الناس من أعراض الدنيا وزينتها؛ فهذا هو الذي ينبغي أن يُفْرح به، ومَنْ فرح به، فقد فرح بأجلّ مفروحٍ به، لا ما يجمع أهل الدنيا فيها؛ فإنه ليس بموضع للفرح؛ لأنه عرضةٌ للآفات، وشيكُ الزوال، وخيمُ العاقبة، وهو طيفُ خيالٍ زار الصبَّ في المنام،ثم انقضى المنامُ، ووَلَّى الطيف،وأعقب مزاره الهجران. فالدنيا، لا تتخلص أفراحُها من أتراحِها وأحزانِها البتة، بل ما من فرحة إلا ومعها تَرْحةٌ سابقةٌ، أو مقارنة، أو لاحقة. ولا تتجرد الفرحةُ، بل لا بد من تَرْحة تقارنها؛ ولكن قد تقوى الفرحةُ على الحزن، فينغمر حكمُه وألمهُ مع وجودها وبالعكس. فالفرحُ بالله وبرسوله، وبالإيمان، وبالقرآن، وبالسنة، وبالعلم يُعَدُّ مِنْ أعلى مقامات العارفين، وأرفع منازل السائرين. وضدُّ هذا الفرحِ الحزنُ، الذي أعظم أسبابه الجهلُ، وأعظمُه الجهل بالله، وبأمره، ونهيه؛ فالعلمُ يوجب نوراً،وأنساً،وضدُّه يوجب ظلمةً،ويوقع في وحشة. ومن أسباب الحزن تَفَرُّقُ الهمِّ عن الله؛فذلك مادةُ حزنه،كما أن جَمْعِيَّة القلب على الله مادةُ فرحِهِ ونعيمِه؛ ففي القلب شَعَثٌ لا يَلُمُّه إلا الإقبال على الله، وفيه وحشةٌ لا يزيلها إلا الأنسُ به في خلوته، وفيه حَزَنٌ لا يذهبه إلا السرورُ بمعرفته وصدق معاملته، وفيه قلقٌ لا يسكِّنه إلا الاجتماعُ عليه والفرارُ منه إليه،وفيه نيرانُ حسراتٍ لا يطفئها إلا الرضا بأمره ونهيه، وقضائه، ومعانقة الصبر على ذلك إلى وقت لقائه، وفيه طلبٌ شديدٌ لا يقف دونَ أن يكون هو وحده مطلوبَهُ، وفيه فاقةٌ لا يسدُّها إلا محبتُه والإنابة إليه، ودوام ذكره، وصدق الإخلاص لـه، ولو أعطي الدنيا وما فيها لم تُسدَّ تلك الفاقةُ منه أبداً. ولقد قرر العلماء العالمون بالله وبأمره هذا المعنى، وعلى رأس أولئك العلامةُ ابن القيم رحمه الله. أيها الصائمون: هذا هو الفرح الحق، وهذا هو فرح أهل الإيمان، لا فرحُ أهلِ الأشر والبطر والطغيان. هذا وإن للصائمين من هذا الفرح نصيباً غيرَ منقوص؛ كيف وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: ((وللصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه)). قال ابن رجب رحمه الله: ((أما فرحة الصائم عند فطره؛ فإن النفوسَ مجبولةٌ على الميل إلـى ما يلائمها من مطعم، ومشرب، ومنكح؛ فإذا امتنعت من ذلك في وقت من الأوقات، ثم أبيح لها في وقت آخر، فرحت بإباحة ما منعت منه، خصوصاً عند اشتداد الحاجة إليه؛ فإن النفوسَ تفرح بذلك طبعاً؛ فإن كان ذلك محبوباً لله كان محبوباً شرعاً.والصائمُ عند فطره كذلك، فكما أن الله_تعالى_حَرَّم على الصائم في نهار الصيام تناولَ هذه الشهواتِ فقد أذن له فيها في ليل الصيام، بل أحب منه المبادرةَ إلى تناولها من أول الليل وآخره؛ فأحب عباد الله إليه أعجلهم فطراً، والله وملائكته يصلون على المتسحرين؛ فالصائمُ ترك شهواتِه في النهار تقرباً إلى الله، وطاعةً له، وبادر إليها بالليل تقرباً إلى الله، وطاعة له؛ فما تركها إلا بأمر ربه، ولا عاد إليها إلا بأمر ربه؛ فهو مطيعٌ في الحالين؛ ولهذا نُهِيَ عن الوصال؛ فإذا بادر الصائم إلى الفطر تقرباً إلى مولاه، وأكل وشرب وحمد الله فإنه ترجى له المغفرةُ، أو بلوغُ الرضوان بذلك)).إلى أن قال رحمه الله: ((ثم إنه ربما استجيب دعاؤه عند فطره، وعند ابن ماجة: (إن للصائم عند فطره دعوةً لا تُرد). وإن نوى بأكله وشربه تقوية بدنه على القيام والصيام كان مثاباً على ذلك، كما أنه إن نوى بنومه في الليل والنهار التقوّيَ على العمل كان نومُه عبادة. ومن فهم هذا الذي أشرنا إليه، لم يتوقف في معنى فرحه عند فطره؛ فإن فطره على الوجه المشار إليه من فضل الله ورحمته، فيدخل في قوله_تعالى_: (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون) )<وقال ابن رجب رحمه الله: ((وأما فرحه عند لقاء ربه، ففيما يجده عند الله من ثواب الصيام مدَّخراً ؛ فيجده أحوجَ ما كان إليه كما قال _تعالى_: (وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيراً وأعظم أجراً) . وقال_تعالى_: (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً) . وقال_تعالى_: (فمن يعمل مثقال ذرة خير يره) )). ا_هـ. اللهم أفرح قلوبنا بالإيمان، والقرآن، والسنة، والعلم، والصيام.. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
 

vin-sat

خبير الساتلايت
اللهم صلى على سيدنا ونبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين صلى الله عليه وسلم.
 

كلبهار

مراقبة عامة
هور يانعه في بساتين المنتدى نجني ثمارها من خلال الطرح الرائع لمواضيع اروع
وجمالية لا يضاهيها سوى هذا النثر البهي
فمع نشيد الطيور
وتباشير فجر كل يوم
وتغريد كل عصفور
وتفتح الزهور
اشكرك من عميق القلب على هذا الطرح الجميل
بانتظار المزيد من الجمال والمواضيع الرائعه
 
أعلى