درجة الجنون ...



درجة الجنون


توقفت مليا أمام مثل يقوله الإنجليز " لو كان الجنون مرضا لسمعت العويل في كل مكان "
إلى أي شيء يرمون ؟ وهل الجنون حقا منتشرا في كل مكان ؟

ودخلت في دوامة تفكير عميقة تساءلت من خلالها عما يمكن أن نطلق على شخص يشتري لوحة فنية أو قطعة أثرية بملايين الدولارات .. هل هو جنون أم تقدير للفن ؟
وحين يتعاقد ناديا من الأندية الرياضية مع لاعب واحد بعشرات الملايين من الدولارات .. هل ذاك لوثة عقلية أم رغبة في التميز وتحقيق الإنتصارات
دعك من هذا وذاك ولننظر لأولئك الذين يقودون سياراتهم بسرعات رهيبة عالية معرضين أنفسهم وغيرهم للمخاطر أذلك متعة أم جنون
وأولئك الذين يتقاتلون من أجل الظفر بقلب فتاة ويكيد كل واحد للآخر الكيد ويتربص به الدوائر أي شيء يمكننا أن نسمي ذلك
وتلك التي تسلم قلبها للعابث به وقد تسلم نفسها كذلك أيكون العقل معها أم غائبا عنها
والعراك على المناصب والتقاتل على المال .. والقائمة تطول وبركان الأسئلة يثور في هذه الناحية

طردت الأسئلة من مخيلتي ورحت أقلب صفحات التاريخ البشري .. وتوقفت عند ابني آدم هابيل وقابيل .. أترى العقل كان حاضرا عند قابيل حين قتل أخيه هابيل من أجل أنثى .. والجنون الذي اعترى قيس من أجل ليلاه هل كان لابد منه
ونيرون الحاكم الروماني الذي أحرق روما وأحرق شعبه معها هل يمكن أن نطلق عليه عاقل !!
والإسكندر المقدوني وبالرغم من قناعتي بأنه واحدا من أعظم القادة في التاريخ الإنساني إلا أنه ترك العاصمة الفارسية " بيرسبوليس " رمادا بعد أن أمر بإحراقها فهل يمكننا أن نصنفه في خانة العقلاء
وحين أمر هولاكو بإحراق مكتبة بغداد ورمي رمادها في نهر دجلة هل يا ترى بين عمله ذلك والعقل رباط
وهاري ترومان الرئيس الأمريكي الذي أمر بأن تلقى القنابل الذرية على هيروشيما وناجازاكي ليروح ضحية ذلك ما يزيد على مائتي ألف من البشر
إن أولئك قد وضعهم التاريخ في خانة من يقود أمته وتعتبرهم شعوبهم العقلاء الناضجون لكننا في الحقيقة لم نسمع يوما بواحد يرقد في المستشفيات العقلية فعل ما نسبته 1% مما فعله أولئك .

قد تقولون بأن بعضا ممن ذكرتهم هم من الطغاة وأفعال الطغاة معروفة لكن دعوني أحدثكم عن غيرهم ممن ينتمون إلى مدارس الأدب والكتابة
فالفيلسوف الفرنسي فولتير مثلا كان إذا أراد الكتابة وضع مجموعة من الأقلام أمامه فإذا انتهى كسرها جميعا ووضعها تحت وسادته
وفي فرنسا ذاتها كان الشاعر دي غوتيه لا يعرف أن يكتب إلا إذا كان هناك غرابين في مكتبه .. أما الكاتب الألماني جوهان شيللر فكانت قريحته للكتابة تتوقد وتنفتح إذا وضع قدميه على قطعة ثلج
وفي جانب الأدب نفسه ربما سطوري التالية ستحمل لكم شيئا لا تودون قراءته ذلك أن دراسة أجراها معهد " كارولينسكا " بالسويد توصلت بعضا من نتائجها إلى أن 33% من أدباء الغرب قد تلقوا علاجا نتيجة مشاكل عقلية ونفسية تعرضوا لها .. وهم المجموعة التي يمكن أن نقول عنها بأن الأكثر التصاقا بالعقل .

وعدت للمثل الإنجليزي من جديد هل يعطينا مؤشر على أن معظم البشر قد مروا في لحظة من لحظات حياتهم بموقف قد غاب فيه العقل وتحولوا إلى طائفة المجانين .. قد يكون ذلك قريبا من الواقع إذا علمنا بأن هناك جنون عظمة وجنون حب وجنون مناصب وجنون قيادة وجنون شهوة وجنون مال وجنون متعة أيا كان نوع تلك المتعة وغير ذلك من أنواع الجنون

مشكلة البشر أنهم كما جاء في الأثر أن الله حين قسم الأرزاق اعترضت المخلوقات وحين قسم العقل رضي كل واحد بعقله وبالتالي فمن المستحيل أن تجد من يقول لك أن تصرفاته تعتبر تصرفات مجانين لأنه يظن نفسه أعقل العقلاء

بعد كل ذلك آن الأوان لتقولوا أنتم آراءكم الحصيفة ووجهات نظركم السديدة
هل يمر معظم البشر بلحظات جنون ؟
وهل شعرت بأنك مررت بها يوما ؟
وهل تتمنى لو أنك لم تمر بها أو أن كان عقلك حاضرا ولم يغب ؟
وهل تجاوزتها دون أضرار أم تراها لا تزال باقية معك ؟

وحتى أخفف عليكم تأثيرات الإجابة فإن الأديب الإنجليزي برناردشو قال يوما : " العاقل يحاول أن يلائم حياته مع العالم .. أما المجنون فإنه يصمم على تغيير العالم ليلائم حياته ولذلك فإن كل تطور يعتمد على الغير عاقلين من الناس "


 
أعلى