كتاب يشخص أربع سنوات من تجربة الحكم ومراحل الثورة الكردية

G.M.K Team

G.M.K Team
kani welat
clear.gif


فتح الله حسيني***


تمتاز كردستان العراق بموقعها الجغرافي الممتاز، وبثروتها النفطية والمعدنية والزراعية الهائلة، فهي بالنسبة الى العراق كشريان حيوي وجزء هام لا يمكن الاستغناء عنه، ولقد احتفظت كردستان بهذه الأهمية الاقتصادية والجغرافية على مر العصور، الا أنها اتخذت طابعا استثنائياً بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وما أفرزتها من نتائج وخيمة، سواء بالنسبة الى الانكليز أو بالنسبة الى الحكومة العراقية في نفس الوقت، ومن هذا المنطلق بات المؤرخون وأصحاب القرار البريطانيون والعراقيون يركزون كثيراً على هذا الجزء الأهم من العراق، الى أن تم وصفها بأنها "أي كردستان" خنجر يمتد الى قلب الشرق الأوسط، وبفقدان العراق لهذا الجزء يفقد أهم ميزاته الاقتصادية والاستراتيجية، ولذلك أصبحت كردستان أساس المطامع من لدن الحكومات العراقية المتعاقبة، كذلك الأجزاء الأخرى من كردستان الغنية بالنفط والثروة المعدنية، تلك الأجزاء الملحقة بتركيا وسوريا وايران، لذلك لا يمكن أبداً اهمال دور النفط الموجود في كردستان كسبب رئيسي في تكالب كل القوى الاستعمارية والحكومات العراقية ضد الشعب الكردي وحركته التحررية، التي ظلت حركة تحررية مخيفة لكل محتلي كردستان.


الشعب الكردي وثورة 14 تموز العام 1958:

هب الشعب العراقي برمته، بعربه وكرده لمساندة ثورة 14 تموز العام 1958، التي أطاحت برموز الملكية، وما أن سمع الشعب بنبأ الانقلاب ومحاصرة قصر الملك حتى اندفعت جماهير غفيرة صاخبة لمساعدة الانقلابيين والقضاء على الملكية ونظامها وقوانينها، وما أن تم الاعلان عن الاطاحة بزمرة نوري السعيد والاعلان عن الجمهورية حتى كان الشعب برمته معلناً عن مساندته دون قيد وشرط للثورة، ليتحول من انقلاب عسكري الى ثورة شعبية بعد أن رسمت لها حدود وأتخذ لها طابع جماهيري ديمقراطي في عموم العراق.

كان اندماح الكرد في الثورة واضحاً لما لاقوه من اضطهاد قومي وطبقي حفزه للاندماج في الثورة الجديدة، بعدما لاقت الحرطة التحررية الكردية الكثير من الصعاب أبان حكم وتسلط الملكية، حتى أن جماهير "السليمانية" أجبرت الحامية العسكرية البريطانية المرابطة فيها من أن تبين موقفها وتساند الثورة بعد أن كان موقفاً غامضاً ومتردداً، لذلك كان على الدوام النضال الكردي والعربي المشترك في العراق أعمق من مثيلاتها في كل من تركيا وسوريا وايران، لتكون من افرازات ثورة 14 تموز بالنسبة للعراق، فسخ الاتحاد الهاشمي العراقي المشوه، وخروج العراق من حلف بغداد ورفض كل الاتفاقيات والمعاهدات العسكرية الملحقة بها، بالاضافة الى تحرير العراق من القواعد العسكرية البريطانية، تلك القواعد التي حاولت بكل قوتها وجبروتها احراق كردستان مراراً وقيامها بضرب الحركة التحررية الكردية للحفاظ على النظام الملكي.

الحركة التحررية الكردية ضد حكومة قاسم:

بعد افرازات ثورة تموز، حصل التناقض مجدداً، والافتراق بين الحركة التحررية الكردية والحركة الوطنية العراقية الجديدة المتمثلة بالبرجوازية العربية اليمينية المتسلطة على سدة الحكم، فاستمرت الحركة التحررية الكردية في نهجها الديمقرطي الثوري التقدمي مع رغبتها في الاتحاد الاختياري، بينما تحولت الحركة اليمينية العربية الى حركة شوفينية تتمثل في اخضاع الشعب الكردي لرغبتها العربية وصهره في بوتقتها القومية.

هذا التحول الكبير بالنسبة للشعب الكردي ظل يهدد وجود الشعب الكردي، ذاك التحول الذي ظهر في مواقف أظهرت الحقد على تطلعات الشعب الكردي لتعريبه واضطهاده قومياً ومحاربته سياسياً واقتصادياً، ثم، لاحقاً، الحرب التي أعلنتها السلطة كآخر حل لفرض سطلتها وسطوتها، فلم تجد الحركة التحررية الكردية بداً من حمل السلاح مجدداً لترد بالمثل، لتقصف جراء ذلك، الطائرات بوحشية مناطق حلبجة وشهرزور والعمادية ودهوك ومناطق أخرى في كردستان، لتظهر تشكيلات كردية جديدة في ألوية السليمانية وأربيل ودهوك وخانقين في الجبال والسهول، لتجد حكومة عبدالكريم قاسم نفسها أمام حركة واسعة منظمة لان النزاع عند الكرد تحول من نزاع الأحزاب الى وعي جماعي، ليطلب الكرد بضرورة انهاء حالة الحرب المفروضة على كردستان وارجاع الجيش الى ثكناته، واعادة بناء واعمار المناطق التي تم هدمها جراء الحرب والعدوان والغاء الادارة العرفية واطلاق الحريات والاسراع في معالجة الوضع الاقتصادي المتردي، ليظل قاسم على موقفه المناهض للكرد وحركته التحررية ولتتوسع رقعة الثورة الكردية، الى أن تم الانقلاب على قاسم من لدن البعثيين هذه المرة، ولتدخل الثورة الكردية مرحلة جديدة، فاذا كان الانقلابيون الجدد تقدميون ستتجاوب مع مطاليب الثورة الكردية، أما اذا كانوا شوفيننين فالثورة مستمرة.


الحركة التحررية الكردية بعد الاطاحة بحكومة قاسم:

أبدى البعث بعد تسنمه الحكم وزمام الأمور بفرض سياسة أكثر تشدداً تجاه الكرد من جهة وتجاه الحركة الوطنية العراقية من جهة أخرى، فاستعد بشكل كامل لاحياء حلف بغداد، والتعاون مع أعضاء ودول حلف "سنتو" لتصفية الحركة الوطنية العراقية والاستعداد لحروب عدوانية ضد الشعب الكردي وحركته التحررية.

طالب الكرد بمشروع الحكم الذاتي كحل أساسي وعادل لحل المسألة الكرية، فيما أعطى البعث مقابله مشروع اللامركزية، وكان هذا المشروع صورة طبق الأصل لنظام ادارة الألوية في العراق منذ قيام الحكومة الوطنية في العراق بعد الحرب العالمية الأولى.

رفض قادة الثورة رفضاً قاطعاً هذا الامتحان على مطالبهم المشروعة، التي ثاروا من أجلها وقدموا تضحيات هائلة قرابين لها، ليقتدموا بطرح جديد، وهو مشروع اللامركزية على أن تحتوي على تفصيلات وحقوق جاءت في مشروع الحكم الذاتي لكردستان، ليرفض البعث، لانه مقدم على خطوة الدخول في وحدة مع مصر، ليعلن البعث حرب ابادة ضد الشعب الكردي بعد انتهاء المفاوضات، وليرسل البعث 80 بالمائة من قواته لتحارب الشعب الكردي عدا عشرات الألوف من قوات الشرطة والجاش والحرس القومي، واستخدمت أفتك الأسلحة ومارست أسلوب حرق الأرض وابادة السكان وفرضت حصاراً اقتصاياً شديداً لغرض ابادة الشعب الكردي جوعاً، ومع ذلك لم تتقدم تلك القوات شبراً واحداً، بل عل العكس تكبدت تلك القوات الخسائر واستمرت هزائمها، ليزداد عدد الملتحقين بالثورة الكردية جراء سياسة البعث الدموية، لتفشل خطط البعث بعد مواجهة ثورة منظمة واسعة النطاق، لتؤدي كل تلك النزاعات الى خلق أزمات حادة وتناقضات شديدة بين قادة البعث، ليتسنى لعبدالسلام عارف احداث انقلاب داخلي في السلطة وليتسلم الحكم في 8 تشرين الثاني من العام 1964، الذي لم يحدث بمجيئه الى السلطة أي تغيير جذري في طبيعة الحكم، رغم طرده للكثير من زعماء البعث وحل الحرس القومي الا أنه رغم ذلك، ظل عدداً من البعثيين محتفظين بمناصبهم في صنع القرار والاهم بقاء واستمرار أسلوب البعث القاسي والقمعي في شن الحرب ضد الشعب الكردي، ولكن نظراً لقواته المسلحة المنكسرة في كردستان، أعلنت حكومة عبدالسلام عارف عن رغبتها في وقف اطلاق النار والدخول في مفاوصات مع الجانب الكردي.

كتاب " الحركة القومية التحررية الكردية في كردستان العراق* 1958-1965" لمؤلفه البروفيسور كاوس قفطان، شاهد عيان على أربع سنوات من حرب فظيعة أعلنتها قوى تتاجر باسم القومية العربية، ولوثت اسمها، فلم تجلب سوى الانكسار والنكسات تلو النكسات لقضية التحرر العربي ذاتها، وبالتالي استمرار أزمة الحكم، وبزوغ فجر جديد للثورة الكردية واستمرارها.


ينشر بالتزامن مع نشره في صحيفة "كوردستاني نوي" اليومية
 
أعلى