الشاعرة دلشا يوسف و المكان القائم بزمنه المقموع… بقلم: لقمان محمود

G.M.K Team

G.M.K Team


تقارب الشاعرة دلشا يوسف في ديوانها الشعري ( أجراس اللقاء) بين اليومي و الذاتي و الكوني، من خلال دمج مناخات مختلفة، تنتج رؤيتها الخاصة لمفاهيم شتى كالحب و العدالة و المساواة و الحرية و النضال و الوطن، وفق عاطفة خاصة بها، و بقولها الشعري فلا ريب أن للحلم المحسوس بالنسبة للشاعرة قدراته الفذة على إبتكار معان أخرى ل ( أجراس اللقاء) التي تعني بمعنى من المعاني اللقاء بالوطن، بالحرية، بالحبيب، بلغة لا تتحالف إلا مع ألمها المكبوت، كما في قصيدة ( أجراس الوطن) التي تقول:

أيها الحلم العميق

حينما يخيب كل رجاء

أشفق حتى على العتمة

بهذا النور القاحل

على الأرض.

تتشكل قصيدة دلشا يوسف بإلتئام ذاتي و فني عبر لوحة شعرية درامية، تبني تجليات إلتحام ذاتها بحساسية العصر و مفارقاته، تستأرخها شعرياً، شاخصاً في عتمة قهرها مع خاصية الذات و المكان القائم بزمنه المقموع، مضيفاً عليها معاني أخرى من وحي واقعها الخاص و هويتها الخاصة، تلك التي أنتجت لها عقودا من الإستعباد و القسر و النفي لذلك تتعامل الشاعرة مع قصيدتها من خلال منظورين: جماعي عام، و ذاتيّ خاص، ساعية وراء تحقيق المشروعية الموجهة للوجدان البشري في هذا العالم المصطنع الذي تتحكم فيه السياسة بالبشر، جامعة بحنينها ” صبر الحرية” الذي يدق داخله الأفق الحسي للوطن:

أيها الوطن الأول

و الأخير

ما زلتُ أكتبُ

بصبر الحرية

أجراس اللقاء.

إن شعرية هذا المقطع – من قصيدة أجراس الوطن- تتأتى من حمولة المأساة التي تفرغها الشاعرة دفعة واحدة على هذا النحو تُظهر لنا دلشا يوسف الشاعرة و المناضلة في سبيل الحرية لأكثر من عشرين عاماً، الجانب الأجمل من سيرتها المتمثلة في تلك

” الأجراس” المتجددة ضد الظلم و ضد المنفى و هذا الإدراك هو ما يجعل الشعرية في هذه القصيدة تتسم بهذه السمة الخصوصية، و هي بذلك قد نجحت في ترويض و توطيد الوشائج الحسية و الشعورية بين الأشياء المتباعدة داخل ” معجمها” اليومي للحياة و الوطن، بسيرة إنسانية شاملة، و الإرتفاع بها إلى مستوى شعري يتجانس فيه الجزء مع الكل إمعاناً في هذا المعجم، سأتوقف عند قصيدة ” مرّ حزيناً”، لإستعادة الفضاء الذاكراتي لدى الشاعرة، بإعتبارها من أمة مبتلاة بالحروب، و من ثم فإستخدام الذاكرة شيء حتمي في حياتها:

معك يا حبيبي

أكتشفتُ حياتي

و أكتشفتُ معنى

العمر الضائع

لكن

كل شيء مرّ حزيناً

كأثر الحروب على الأرض.

هي حسّرة الذات العاشقة، بإعتبارها إحدى نكبات الزمن الظالم. حيث تنطوي هذه ” الحسّرة” على شيء رومانسي شفيف، تقول براءتها و صفاءها من طرف لا وعي القصيدة، التي تقرأ فعل الزمن داخل الشاعرة و خارجها:

فقاقيعُ غليان قلبي

صامتة…

كقهوةٍ في ركوة!.

فوق جمر

عشقكِ

أفورُ… أفور

أتكثفُ.. و أتكثّف!.

إنها بوح إمرأة عاشقة أضناها الإنتظار، من حبيب غائب طوى قلبه و مضى إلى المجهول، لذلك تعيد الشاعرة إكتشاف المتناول و ترفعه إلى حدود الرؤيا، عبر إعادة التوازن إلى حرارة القصيدة:

أركن

قربَ جمركَ

و استحيل فنجاناً

كي أفورَ إليكْ!.

إن ما يميّز الشاعرة في هذا الديوان هو هذا الحرص البالغ على الإلتصاق بحيزها النفسي و الروحي و الوطني و القومي و الإنساني، فكثيراً ما تكافح لتنتج خصوصيتها النابعة من خصوصية التجارب الإجتماعية و التاريخية و النضالية التي عاشتها المرأة الكردية، من خلال إنتقائها موضوعاتها و تطويرها للأفكار، و تعبيرها عن همومها و مسائلها و أشيائها الحميمية و هذا واضح في هذا المقطع من قصيدة ” أجراس اللقاء”:

لو لم تنحدر

من بُرجكَ العاجي،

لما رأت عينُكَ

أبوابي الوطيئة!.

لو رميتَ سلاحك

و ركعتَ قدّامي،

لما أحسستَ ببأسي!.

و لو لم تأتِني كصديق،

لما كنتَ لتراني…

لما كنتَ لتراني …أبداً!.

تعّبر هذه القصيدة عن تجربة شعرية تمتلك خصوصيتها، و تتوفر على معرفة معمقة عن الذات الشاعرة، التي تلتقي بها حراكها ضمن لقاءٍ مرتقب، صار خلالها هذا ” اللقاء” تحدياً ضمن الرؤيا الخاصة بموقعها الوجودي، التي تعطي للذات مسارات عديدة تعيد الإعتبار للمرأة، و لقدراتها على إحداث مفهوم جديد للحب، كصيغة من صيغ التحدي للإحباط الناتج من الآخر- الرجل، بحكم حرصها الشديد على أن الحب ما زال يتقد مع الضعف، لكنه ينتصر بقوة التحدي و ينطبق هذا على قصيدة ” إعدام الصوت” من ناحية إبراز البعد الإنساني في صراعها مع الآخر، و تعميق فهم النفس الإنسانية، التي تفيض منها الإنفعالات الصادقة و المؤلمة في علاقتها الشائكة بين الأنا و الآخر، و هو تعزيز لصوت المرأة بوصفها طرفاً شريكاً في بلورة صورة الإنسان و صورة العالم، في كل زمان و مكان و بموازاة هذه الحقيقة تحيلنا الشاعرة إلى ” هدم جدران الصمت” كمدخل لإقامة حياة أخرى:

آهٍ…

من سنوات

إعدام الصوت

على مرآى من الحنجرة

أما آن لنا

أن نهدم جدران الصمت

بالغضب المقدس

و نخرج أيدينا من قلوبنا؟!.

إستكمالاً لحلم ( أجراس اللقاء) لا تملك الشاعرة أمام ذاتها و أمام العالم، سوى قصائد ملؤها التحدي و المساواة، في مواجهة الظلم و الإبتعاد القسري، عبر فاعلية شديدة الخصوصية مع لحظتها التاريخية، منصتة إلى أجراس زمنها في وطنٍ مضّرجٍ بالجريمة و الدماء
 
أعلى