ماذا قال مصطفی البارزانی عن اللاتينية.؟

ماذا قال مصطفی البارزانی عن اللاتينية.؟





محسن جومير



الکل يعلم بأن الکورد منذ اليوم الذي بدأ القلم بينهم يکتب الأدب وتتفتق قريحتهم به‌، بعد دخولهم الإسلام، قد إعتمدوا کباقي الشعوب الإسلامية الحروف العربية في الکتابة، ولم يکن هذا حصرا علی الکورد، وإنما شمل کل الشعوب التي إنضوت تحت لواء آخرعقيدة سماوية ثبتت أرکانها علی أرض کوردستان بجانب العقائد والأديان الأخری. وفي هذه‌ الحالة، فانه‌ لابد أن يکون کل ما کتب وصدر، قد دون بتلکم الحروف وليس باخری، علی الأقل لأننا ليس في متناول أيدينا أدلة يقينية تؤکد أو تثبت العکس. بل إن الآثار وخاصة الأشعار، بدءا ب ( بابه‌ طاهر الهمدانی 935 ـ 1010 ) ومرورا بشعراء بوتان وگوران وبابان وانتهاء بشعراء وکتاب جنوب وشرق کوردستان، وخلال ألف عام، قد وصلت إلينا بالحروف المتداولة آنذاک وحاليا.


واليوم بعد مرور أکثر من نصف قرن علی الألفباء الکوردية الحديثة، ونقصد بها تلک التی جرت علیها التغييرات التی تناسب الأصوات الخاصة باللغة الکوردية وذلک بوضع رموز خاصة لها، أصبحت الکتابة بها تفي بکل ما یحتاجه‌ القارئ والکاتب، وباتت القراءة أسهل بکثیرعما کان عليه‌ الأمر سابقا. بل يمکن القول بأن الإملاء الکوردي الحديث قفز قفزات نوعية مهمة نحو الأمام، قلما تجد مثيلها في الأخريات من اللغات الإسلامية. ولن يتردد المطلع علی لغات المنطقة من القول بأن القراءة الکوردية الحالية تمتاز بسهولتها ومرونتها وعدم الحاجة کثيرا إلی التردد في القراءة لتناسب المضمون وتوافق المعنی، لأن هنالک ما يعادل حرکات الفتحة والکسرة والضمة من حروف وعلامات مثلا. وهذا لا يعني بطبيعة الحال خلوها من الثغرات والمثالب وبلوغها الکمال.


إن إسقاط الظواهر الصوتية اللاتينية الترکية علی الحروف الکوردية بفعل تمسک بعض الکورد بالکتابة بها، أفقد الأصوات الکوردية أصالتها وطردت بعضها وهی موجودة، وأحدث إنقلابا لغويا ترکيا علی لغة شعب ينتمي ـ علی أقل تقدير ـ إلی أرومة لغوية أخری، وآثارهذا الإنقلاب تبدو واضحة علی لحن قول کورد شمال کوردستان ( ترکيا ) . ولعدم وجود حرف ( الحاء ) فی الألفباء الترکية مثلا، والموجودة في الکوردية، تری الکورد أيضا يلفظونه‌ ( هاء ) في کلامهم، أمثال : حه‌فت ( حفت ـ سبعة ) تصبح (هفت ـ هه‌فت )، خۆش ( لذيذ ) تصبح ( هۆش، کلمة يؤمر بها الحمار للتوقف )، حه‌يف ( حيف ـ أسف ) تصبح ( هيف ـ هه‌يف ) حه‌ز ( حز ـ رغبة ) تصبح (هز ـ هه‌ز )، حه‌په‌سان ( حپسان ـ إندهاش ) تصبح ( هپسان ـ هه‌په‌سان )، حيلکه‌حيلک ( قهقهة ) تصبح ( هيلکه‌هيلک )، حه‌يران ( حيران ـ غناء کوردي خاص ) تصبح ( هيران ـ هه‌يران )، حاجيله‌ ( وردة ربيعية جميلة ) تصبح ( هاجيله‌ )، حاجي ( حاج ) المسکين يصبح ( هاجی ) وأنت تذهب إلی ( الهج ـ هه‌ج ) وليس إلی ( الحج ـ حه‌ج )، وحبيبتک الرائعة تصبح ( هبيبه‌ ـ هه‌بيبه‌ )، و حه‌ڕام ( حرام ) تصبح ( هرام ـ هه‌ڕام ) وأخيرا وليس آخرا فان حه‌يوان ( حيوان ) يتحول إلی (‌هيوان ـ هه‌يوان ) ویعني الطارمة بالکوردية.. عدا ترکيا، فانک لن تسمع کرديا في الأجزاء الأخری من کوردستان ينادي أحدا إسمه‌ محمد ب ( مهمد ). هذا في حين يحتل هذا الحرف کما هائلا من الکلمات الکوردية. ( يلاحظ القارئ الکريم باننی أکتب أغلب تلکم الکلمات بالإملاء العربی والکردی، للتسهيل ).


إن صوت حرفي ( ع ) و( غ ) أصبح ضحية اللحن اللاتيني وبشکل مقزز، فان هناک المئات من الکلمات الشائعة والمتداولة يوميا بين الناس، تحوي الحرفين المذکورين وقد أصابهما التشويه‌، أمثال :غه‌ريب ( غريب ) صارت ( خريب ـ خه‌ريب )، غه‌در ( غدر ) صارت ( خدرـ خه‌در )، وغاردان ( رکض وهروب ) صارت ( خاردان ) ومه‌غدوور ( مظلوم ) صارت ( مخدورـ مه‌خدوور ) وعه‌يب ( عيب ) صارت ( أيب ـ ئه‌يب ).. مع کون أصول تلکم الکلمات عربية؛ لکنها کردت بعد إقتراض الکورد لها وينبغي البقاء ضمن النظام الصوتي الکوردي لا الترکي، کما هو حاصل في جميع اللغات، وکل الدول لها قواميس خاصة بالألفاظ المقترضة؛ منها ترکيا. باستثناء کورد ترکيا، لن تجد کورديا يلفظ کلمة (جمعة ـ جومعه‌ ) علی اللحن الترکي ( جومه‌ أو جوما ). فلمصلحة من تخريب النظام الصوتي الکوردي وبالتالی اللغة الکوردية باستعارة اللاتينية أو فرضها، من دون وعي بمخاطرها.؟! وهذه‌ الظاهرة المشينة، تلاحظها جليا عندما تقرأ أعظم رائعتين کورديتين هما ( مم و زين ) للشيخ أحمدي خاني وديوان شعر للجزيري، بعد أن بدلت حروفهما، و‌الذي يجعل القارئ لأصل الديوانين يعاف القراءة باللاتينية ويکرهها. وهذا التشويه‌ يبرز علی السطح مع جل الأدب الکلاسيکی الکوردي الذي حول إلی اللاتينية.


ولا يساورني أدنی شک في قول أنه‌ کان بامکان کورد ترکيا ومايزال، إستخدام ورقة الألفباء المعتمدة في کوردستان الفيدرالية کأقوی سلاح ثقافي لغوي فی صراعهم مع العناد الترکی، وکان هذا ومايزال عاملا هاما في تحقيق وحدة ألفباء کورد الشمال والجنوب أيضا، وکذلک سببا في إثبات إختلافهم وشخصيتهم الکوردستانية المتميزة، لا التقوقع في نفق لاتينية ترکيا التی قد تجعلهم يمشون في ظلامها إلی ما لا نهاية، إن لم يستدرکوا الأمر بحزم. وقد يکون هذا الإقدام من الممکنات في قابل الأيام فی الموسم الثانی من حکم السيد رجب طيب أردوغان وصحبه‌، بعد أن مکنت لهم الأرض هذه‌ المرة أيضا، لنزاهتهم، وصدقهم مع شعبهم، ولا أظن أن مطلب الحروف الکوردية الأصلية في ترکيا، يلقی الرفض الشعبي من حيث المبدأ، لکون الشعب الترکي يحن طبعا ومزاجا إلی حروف ما قبل اللاتينية، بعد أن حرم منها وفرضت عليه‌ الألفباء الجديدة قسرا.


لست أدري ما هو الدافع الذي يدفع بعض الکورد إلی تقديس اللاتينية والإنبهار والولع بها، إلی حد الغرام والتشبث والإيمان بأنها الإطار الأنسب والأوحد للکتابة الکوردية، ولا مناص من جعلها ألفباء الکورد في کل بقاعهم.. وکأنها نزلت من السماء، وتحمل في ثناياها معجزات غیر ذي عوج، وخاصة من لدن أبناء شعبنا في کوردستان ترکيا وسوريا المقيمين في الخارج ..؟ وکأن تقدم الشعوب مرهون بإتباعها، وکأن الیهود واليابانيين والصينيين قد تقدموا وظهرت من بين أظهرهم عباقرة، ببرکة اللاتينية الترکية.


لقد خسرت ترکيا ـ حسب قول منصفيها وعقلاءها من العلماء ـ تأريخها وشخصيتها وثقافتها، وأصبحت محرومة سواء من ود وقرابة الشرق أم من تقدم وحضارة الغرب، وباتت تقدم رجلا وتؤخر أخری، وصار أهلها مذبذبين؛ لا إلی هؤلاء ولا إلی هؤلاء ينتمون. أستغرب عندما أسمع البعض ـ خاصة من أهل کوردستان الفيدرالية ـ يقول وبدون دليل مقنع ومعقول أن أصل الحروف الکوردية؛ لاتينية.. وحينما أطلب من أحدهم‌ کتابة جملة باللاتينية، اذا به‌ لا یعرف کتابة کلمة واحدة ناهيک عن جملة.!


لو کان فرضا علی کل الشعوب أن يتبنی الکتابة باللاتينية، لکان لزاما علی الکورد أن يرفضو‌ها، لأن مع مجیئها أصبح کل ماعند الکورد من لغة وثقافة وتراث وتأریخ وجغرافية أثرا بعد عین في شمال الوطن، بل أنکر وجودهم حتی کعشيرة أو فخذ، وصاروا لا في العیر ولا في النفير، وسموا مقابل ذلک ب ( أتراک الجبل ) أي ( الوحوش !)، دع عنک عدم السماح لهم حتی کتابة لغتهم باللاتينية الترکية. أنا أدعو الباحثین الکورد، دراسة هذه‌ الظاهرة الفريدة المحيرة أو بالأحری هذا المرض المتمثل بالإعجاب المفرط باللاتينية لدی البعض من بني جلدتنا.


رحم الله‌ القائد الکوردي مصطفی البارزاني، حينما قال في جلسة مع الدکتور مصطفی مسلم وصحبه‌ في السبعينيات، بأنه‌ لن يوافق أبدا علی جعل الکتابة الکوردية، لاتينية، کما أعلن ذلک علی الملأ الدکتور مسلم في ندوة ( الفکر الإسلامی ) المنعقدة في هه‌ولیرعاصمة کوردستان بتأريخ 26 ـ 28 شباط من هذا العام، وکنت حاضرا.
 

كلبهار

مراقبة عامة
هور يانعه في بساتين المنتدى نجني ثمارها من خلال الطرح الرائع لمواضيع اروع
وجمالية لا يضاهيها سوى هذا النثر البهي
فمع نشيد الطيور
وتباشير فجر كل يوم
وتغريد كل عصفور
وتفتح الزهور
اشكرك من عميق القلب على هذا الطرح الجميل
بانتظار المزيد من الجمال والمواضيع الرائعه
 
أعلى