" مسير ليلي "

أوسكار عامودا

أوسكار عامودا

ذهبتُ لرؤية أحد ما .. في إحدى المرات .. كان ليلاً غائماً بغيوم سوداء متناثرة .. تُنبىء بفرصة مطر غزير .. كان الرعدُ بين الفينة والأُخرى يشقُّ السماء ببريقه في عِدة أماكن .. تناثرت قطرات مطر خفيف .. تابعتُ طريقي مصمماً لرؤيته .. إجتزت الوادي الوحيد في مدينتنا .. والحزين دائماً لِشُحة مياهها ...
إجتزتُ بخطوات خفيفة ومضطربة .. وبدقات قلب متسارع .. ولهاث يصيب صدري .. وكأني غاطسٌ في بركة مياه باردة ..
إقتربتُ من المكان بكل هدوء وروية ... أصبحت خطواتي أكثر بُطأً ومتمايلة .. فقدتُ التركيز على المشي .. أصبح كل شيء موجود بي .... مُتعلقاً ومشدوهاً بالمكان ... عيناي إتسعتا على غير عادتهما ... إزدادتا إتساعاً ... إنتصب شعري من إرتباك وخلجات وقشعريرات ... سرت وجرت في أنحاء جسمي ... سقط قلبي ...
لم يتحمل رؤية المكان ... ودخل دوامته ..ونطق بصمتٍ هادىءٍ وحزين .. بكلمات تطاير بها قلبي في إتجاهات مختلفة ... فجرهُ أيها المكان ... فربما يولد قلب جديد .. فجرهُ كي أرتاح .... حطمه رغم كل شيء ... فربما هو سبب بلائي ...
... ماذا أفعل بك أيها المكان ...
مُدْ لي يَدُكَ ..أمسك بيديَّ .. شُدَّ عليهما .. إسحبني أكثر إلى دوامتك ..دعني أرتمي بين أحضانك .. دعني ألمس وجهك الحزين .. علني أمسح الكآبة من عينيك الحزينتين ... دعني أُقبِلُكَ قُبلاً كثيرة ....
.. لاتذهب .. لاتذهب .. لاتذهب ..
ألى أين أهتدي الآن .. والويل لي إن جائني الغَدْ ..
تعبتُ كثيراً اليوم ... ساعات ليلية وأنا أبحثُ عن المكان ... من شارعٍ الى شارعٍ .. قاطعاً أحياءاً متعددة ... باحثاً في الفسحات ... وحينما رأيتهُ إختفى .. أو هرب ...
قابلني هاربي اللليل بأسئلتهم المعتادة ... البعض يسأل عن الوقت ...ولا أحمل ساعة مثلهم ....والبعض يطلبون ناراً لسيكارة ينفخون فيها .. ربما همومهم .. أو حتى وحشيتهم ....
تعبٌ جداً .. عيناي ّ تُطبقان على بعضهما ورأسي يفقد توازنه ...ويسقط على كتفي حينما يغلبني النوم لثواني ... رجلايّ تعبتا من كثرة السيّر .. وأصبحتُ أتمايل شمالاً ويميناً .. لابديل سوى أن أذهب إلى الشارع الطويل والعريض .. العريض .. وأستلقي وأقضي ليلتي بعيدً هُناك ....
إستلقيتُ تحت شجرة صنوبر صغيرة .. وتمعنت في السماء حيثُ لألأة بعضٍ من النجوم المتبقية والغير مختفية من السماء .. جِراء السحب السوداء ... يالها من هندسة رائعة أيها الإله ... هدير الشاحنات وأصوات أبواقها بين الحين والحين يخترقون صمت المكان ....ها أنا بين هدوئي وبين الصمت المتربع .. تأتيني نسمة هواء باردة .. أتكور بجسدي ... وأقوم بِلَف يداي حول كتفاي .. حينها أستسلم للنوم نهائياً ..
.... عُقدةٌ أُخرى ...
 

أوسكار عامودا

أوسكار عامودا
رد: " مسير ليلي "

أُخت ديالى الرائع والجميل .. بيشوف كل شي جميل ورائع ... دُمْتِ على جمال وروعة ...
 
ما دونته هنا أخي صلاح مثال الابداع ...
أعجبني كثيراً ومكثت عندها طويلاً
لقلبك ياسمينة بيضاء كروحك النقية
تحيتي
 
أعلى