إيجاد لغة كوردية موحدة (6)

G.M.K Team

G.M.K Team
إيجاد لغة كوردية موحدة (6)
د. مهدي كاكه يي
تأخًر كوردستان و إستمرارية هيمنة نظام المجتمع الزراعي فيها، تُعتبر سبب مهم آخر لتخلف اللغة الكوردية عن التوحد و تجانس لهجاتها. لو كان كل إقليم من أقاليم كوردستان أو الدول المحتلة لها، متطورة إقتصادياً و صناعياً كالدول الغربية على سبيل المثال، لإستطاعت أن تخدم وحدة اللغة الكوردية و لتقاربت لهجاتها و تمكنت اللغة الكوردية من الإزدهار نتيجة ظهور سوق مشتركة بين المناطق و الأقاليم الكوردستانية و تواصل إقتصادي بينها.
تعدد الكتابة الكوردية يُعتبر من العوامل التي تساهم أيضاً في عدم ظهور لغة كوردية موحدة، حيث أن كتابة لغوية موحدة تعمل على التقريب بين اللهجات من خلال التواصل الكتابي بين المجاميع اللهجوية لشعب ما. كما أن الطبيعة الجبلية لكوردستان خلقت لهجات كوردية عديدة و جعلت اللهجات تتقوقع على نفسها و تنعزل نتيجة إنعزال المجموعات اللهجوية و المناطقية عن بعضها و التي ساهمت الى حد ما في عرقلة تواصل اللهجات الكوردية و تفاعلها لخلق لغة كوردية مشتركة.
نتيجة التعريب و التفريس و التتريك و إرهاب الحكومات المحتلة لكوردستان و إضطهادها للكورد و بسبب تعرض كوردستان لحملات عسكرية عنصرية وحشية مستمرة و نتيجة هدم القرى و القصبات فيها و فقدان الأمن و فرص العمل هناك، إضطر الملايين من الكورد الى ترك كوردستان، حفاظاً على أرواحهم و طلباً للأمن و الإستقرار و الحصول على العمل لإعالة أنفسهم و أُسرهم. القسم الأكبر من هؤلاء هاجروا الى المدن الكبيرة مثل إستانبول و أنقرة و إزمير و طهران و بغداد و دمشق و غيرها من مدن هذه الدول و إستقروا فيها لبدء حياة جديدة لهم في هذه المناطق. قسم آخر من هؤلاء، و الذين قد تصل أعدادهم الى حوالي مليونين شخص، إضطروا الى الهجرة الى أوربا و قارة أمريكا الشمالية و أستراليا و كوّنوا حياة جديدة هناك. بالإضافة الى تشريد النظام البعثي العراقي العنصري لحوالي نصف مليون شخص من الشريحة الفيلية الى إيران و مواجهتهم حياة مزرية و صعبة هناك و إنقطاعهم عن التواصل مع لغتهم و ثقافتهم. هؤلاء المُهجّرون و المهاجرون من كورستان يواجهون خطر الإنسلاخ عن الأمة الكوردية نتيجة إنقطاعهم عن التواصل مع اللغة والثقافة الكوردية و خاصة بدءاً من الجيل الثاني لهؤلاء المهاجرين و المهجرّين الذين يواجهون الإنسلاخ اللغوي و الثقافي و التشبع بثقافات و لغات البلدان التي يعيشون فيها. هذا يعني أن هؤلاء سينقطع إنتماؤهم و إرتباطهم بالشعب الكوردي بعد جيلين أو أكثر و تخسرهم الأمة الكوردية إذا لم تُتخذ إجراءات و حلول لديمومة تواصلهم مع الشعب الكوردي و إحتضان الأمة الكوردية لهذه الثروة البشرية الضخمة من المنتمين لها. هنا موضوعنا عن اللغة الكوردية، لذلك لا يسع المجال للإستطراد في بحث بعض الإجراءات الناجحة لمنع إنسلاخ هؤلاء عن أمتهم.
العولمة و ثورة الإتصالات و المعلومات لها تأثير إيجابي كبير على توحيد اللغة الكوردية، حيث أنها تعمل على إزالة الحدود و الحواجز بين الأقاليم الكوردستانية و زيادة الإتصال بين المواطنين الكوردستانيين مناطقياً و إقليمياً و التي تؤدي بدورها الى تقارب اللهجات الكوردية و تجانسها و بالتالي ظهور لغة كوردية موحدة. يحدث هذا عن طريق إنتقال الرأسمال و الإستثمارات و كثافة العلاقات التجارية و العلمية و الثقافية بين مختلف أجزاء كوردستان و كذلك نتيجة ظهور الفضائيات الكوردية و مئات المواقع الإلكترونية الكوردية والمواقع الإجتماعية الإلكترونية.
كما أن النظام العالمي الجديد و العولمة تعملان في نفس الوقت على إزالة الأنظمة الدكتاتورية و العنصرية للدول المحتلة لكوردستان و إحلال أنظمة معتدلة محلها و التي تعني تمتع الكورد بحرية نسبية و بعض الحقوق القومية و تمكينهم من توحيد لغتهم و إحياء ثقافتهم. من جهة أخرى، فأن العولمة و التطور التكنولوجي لهما آثار سلبية أيضاّ على توحيد اللغة الكوردية، حيث أنهما يعملان على هيمنة اللغة الإنكليزية و أن الفضائيات المختلفة، و خاصة الناطقة بالعربية و الفارسية و التركية و مواقع الإنترنت بهذه اللغات، تجذب إهتمام قطاع واسع من الكورد و تكسبهم و تبعدهم عن الفضائيات و المواقع الكوردية مما يؤثر سلباً على مشروع اللغة الكوردية المشتركة.
لدراسة موضوع توحيد اللغة الكوردية بشكل علمي، ينبغي أن تتوفر في هذه الدراسة الشروط الأساسية للدراسات العلمية. بالنسبة للموضوع الذي نحن بصدده، فأن أول هذه الشروط هو أن يكون الباحث محايداً لا يميل الى فرض حل معين يعتقد بصحته، على الحلول الأخرى، و إلا ستخرج الدراسة عن المنهجية العلمية. مثلاً تفضيل الباحث إختيار لهجة معينة لتكون أساساً للغة الكوردية الموحدة دون إمتلاكه لمبررات علمية تُرجّح ذلك الإختيار. الشرط الثاني هو أن يكون الهدف من البحوث إيجاد لغة كوردية موحدة للأمة الكوردية بأسرها دون أن ينحصر على توحيد اللغة الكوردية في جزء مُعيّن من كوردستان و الذي يعني القبول بواقع تجزئة كوردستان و دعم الواقع التقسيمي لها. الشرط الثالث هو أن يتم إختيار الوسائل المستعملة لخلق لغة مشتركة و بيان مبررات هذا الإختيار. لو دققنا في الدراسات و المقالات المنشورة من قِبل بعض الكُتّاب حول هذا الموضوع و إحتكمنا الى هذه المقومات، لنرى بكل أسف أن معظمها يفتقد الى توفر هذه الشروط.
 
أعلى