إيجاد لغة كوردية موحدة (9)

G.M.K Team

G.M.K Team
إيجاد لغة كوردية موحدة (9)
د. مهدي كاكه يي
يتصور البعض أن اللغة الكوردية الموحدة ستكون عن طريق إختيار لهجة معينة و منح الحياة و الديمومة لهذه اللهجة و إلغاء اللهجات الأخرى. إنّ اللهجات الكوردية تتكامل مع بعضها البعض و بعد تفاعلها و تلاقحها، ستصبح لغة مشتركة للكورد.
أستغرب الضجيج المفتعل حول اللهجات الكوردية و كأنما الإختلاف بينها كبير الى درجة يصعب توحيدها. لو نتمعن في اللهجات الكوردية، نرى أن قواعدها متشابهة جداً و هناك إختلافات طفيفة جداً بينها. أما بالنسبة لكثير من مفرداتها، فأنها متشابهة أيضاً، بإستثناء بعض التحويرات البسيطة التي تعرضت لها هذه اللهجات خلال التطور التأريخي لهذه اللهجات و التي تمت بمعزل عن بعضها البعض، نتيجة فصل قسري بينها و بسبب وقوع كل لهجة تحت تأثير النظام السياسي الذي تعيش في ظله و تأثير لغة الشعوب المحتلة المهيمنة على كل منها. التباعد بين اللهجات الكوردية المتأتي من تشتيت الشعب الكوردي و تقسيم كوردستان، سيقل تدريجياً ويضمحل بعد توحيد الشعب الكوردي و بناء دولته الموحدة.
من هنا ندرك أن التغييرات الطارئة على المفردات المختلفة بين اللهجات الكوردية هي ظاهرة طبيعية، حيث أن الكلمات في كل لغات الدنيا لها مرادفات. من الملاحظ أيضاً أن النقاش الدائر حول توحيد اللغة الكوردية يُركّز على اللهجة الكرمانجية الشمالية و الجنوبية اللتين الكتابة بهما أكثر إنتشاراً من اللهجات الأخرى، إلا أننا لا يمكن تجاهل اللهجات الأخرى التي هي غنية بالمفردات الكوردية الأصيلة. على سبيل المثال لا الحصر، اللهجة اللورية التي كانت مناطق إنتشارها مهداً للحضارة البشرية ، كالحضارة السومرية و الكاشية و الإيلامية و الميدية و الساسانية. اللغات الهندو-أوروبية أخذت من اللهجة اللورية الآلاف من مفرداتها التي تستعملها في الوقت الحاضر. على سبيل المثال، يذكر الأستاذ مسعود محمد، في كتابه القيّم المعنون ”لسان الكُرد“ الصادر في بغداد في عام 1986، بأن كلمة ”دويت“ التي تعني ”بنت“ باللهجة اللورية هي كلمة كوردية أصيلة مذكورة في ”آڤيستا“ و أن اللغات الأخرى، كاللغات الإنكليزية و السويدية و غيرهما، قد قامت بإستعارة هذه الكلمة الكوردية. لو نستمر في التدقيق في مفردات اللهجة اللورية، سنكتشف أنها تحوي على الآلاف من الكلمات الكوردية الأصيلة. كما يجب أن لا ننسى اللهجة الهورامية، حيث أن الكتب الدينية اليارسانية مكتوبة بهذه اللهجة، و التي هي إحدى الديانات الكوردية القديمة. هكذا بالنسبة للهجات الأخرى. من هنا ندرك بأن اللغة الكوردية الموحدة بحاجة الى روافد جميع لهجاتها لإثرائها و العمل على تكاملها.
لإنجاح توحيد اللغة الكوردية، أول خطوة نحتاج للقيام بها هي توحيد كتابة اللغة الكوردية. لتنفيذ هذا العمل، ينبغي عقد مؤتمر علمي حول هذا الموضوع، يقوم بتنظيمه المجمع العلمي الكوردي لجنوب كوردستان، بالتعاون مع الأقسام الكوردية في الجامعات الكوردستانية و المراكز الثقافية الكوردية القائمة في دول عديدة. لهذا الغرض، تتم دعوة علماء اللغة الكورد من مختلف أنحاء كوردستان، بحيث تشمل المختصين باللهجات الكوردية جميعها. كما يتطلب الأمر دعوة العلماء الأجانب المختصين باللغة الكوردية و كذلك مشاهير علماء العالم في مجال اللغات. كما أقترح أن تُنظّم هذه التظاهرة العلمية في إحدى الدول الأوروپية، لتكون بعيدة عن نفوذ الدول المُغتصِبة لكوردستان و للحيلولة دون تسييس المؤتمر وإفشاله. يمكن لِبعض الشخصيات الكوردستانية الوطنية المتمكنة مادياً ورجال أعمال كوردستانيين و بعض منظمات المجتمع المدني الكوردستانية و الأجنبية أن تقوم بِتحمل تكاليف إقامة المؤتمر. أقترح أيضاً دعوة اللغويين الأجانب و تحمّل نفقات سفرهم و إقامتهم، حيث أن ميزانية البحوث العلمية في جامعات و مراكز البحوث في الغرب، تكون عادةً محدودة، تأتي عن طريق إعانات حكومية و مساعدات مقدمة من شركات و جمعيات ذات الصلة. كما من الضروري الإعلان عن عقد المؤتمر المذكور في وقت مبكر، أقترح أن يكون ذلك قبل عام واحد من إنعقاده، لضمان توفر الوقت الكافي للباحثين لتحضير دراساتهم و بحوثهم بشكل جيد. ينبغي أن يتم إشعار الباحثين عن مكان إنعقاد المؤتمر و موعده و مدته و شعاره و لغة عرض البحوث عند إرسال الدعوات الى المختصين للمشاركة في المؤتمر المذكور. يمكن أن يكون شعار المؤتمر مثلاً (إيجاد كتابة كوردية موحدة). تُستعمل اللغة الإنگليزية عادة في المؤتمرات العلمية العالمية (بالنسبة للباحثين الذين لا يجيدون الإنكليزية، يمكن تقديم دراساتهم على شكل ملصقات posters، حيث أنهم في هذه الحالة لا يحتاجون الى إلقاء بحوثهم بصورة شفهية) أو يمكن إلقائها بِلُغة أخرى على أن يقوم مترجمين بترجمتها شفهياً بشكل مباشر الى اللغة الكوردية و الإنكليزية. في نهاية المؤتمر، يقوم المؤتمرون بتقديم توصيات و مقترحات حول الموضوع و يمكن لحكومة جنوب كوردستان تبنّيها لتصبح الكتابة الرسمية في الإقليم و في أجزاء أخرى من كوردستان و من قِبل الكوردستانيين في كل مكان قدر المستطاع.
إيجاد لغة كوردية موحدة يحتاج أيضاً الى تأليف قاموس (كوردي- كوردي) شامل يحتضن بين دفتيه مفردات اللهجات الكوردية لتصبح أساساً للغة كوردية مشتركة. هذا العمل الجبار يجب أن يُناط باللغويين الكورد و العلماء الأجانب المختصين باللغة الكوردية. لإنجاز هذه المهمة التأريخية، يمكن أن يتوزع هؤلاء اللغويون على شكل مجاميع لغوية، كل مجموعة تأخذ على عاتقها مسئولية جمع مفردات لهجة معينة من مصادر مختلفة، مثل الكتب و الصحف و تسجيل أحاديث الناس في القرى و الأرياف و المدن و في المهجر و غيرها من الوسائل التي يستطيع الباحثون إتباعها، و التي هم أعرَفُ مني بها، حيث أن مثل هذا العمل هو من إختصاصهم. يصبح هذا القاموس أساساً للغة مشتركة. قد يظن القارئ بأن القاموس سيحتاج الى مجلدات ضخمة و عديدة، الا أنني أعتقد بأن الكثير من مفردات اللهجات متشابهة أو متقاربة و أن فصل و عزل الكورد عن بعضهم البعض و منع إستعمال اللغة الكوردية من قِبل الحكومات المحتلة تجعلنا نتصور أن هناك بَوناً شاسعاً بين اللهجات الكوردية، حيث أن الإختلاف بين اللهجات الكوردية لا يزيد عن ذلك الموجود بين لهجات اللغات الأخرى.
يجب أن لا ننسى أيضاً أن اللغة الكوردية بحاجة لتثبيت قواعد لها. لهذا الهدف، يجب دراسة اللهجات الكوردية من قِبل اللغويين المختصين باللغة الكوردية لوضع كتاب شامل لقواعد اللغة الكوردية، ليصبح مرجعية لها، تتبعها المؤسسات التربوية و الرسمية الأخرى و وسائل الإعلام و الكُتّاب و المؤلفون. بعد إنجاز مشروع القاموس و كتاب النحو الكوردي، تبدأ الدراسة باللغة الكوردية الموحدة بالنسبة لتلاميذ الصف الأول الإبتدائي و يتم تعليم اللغة الكوردية الموحدة للآخرين من معلمين و مدرّسين و صحفيين و غيرهم، عن طريق فتح حلقات دراسية لهم. صحيح أننا في بداية تطبيق اللغة الكوردية سنواجه صعوبات كبيرة، إلا أن العملية ستنجح و تأخذ مسارها الطبيعي بعد جيل أو جيلين.
 
أعلى