إقليم غرب كوردستان و الحرب الأهلية السورية

G.M.K Team

G.M.K Team
إقليم غرب كوردستان و الحرب الأهلية السورية (1)

د. مهدي كاكەیي

تمّ نشر هذه السلسلة من المقالات قبل حوالي ثلاث سنوات، حيث حصلت منذ ذلك الوقت تطورات كوردستانية وإقليمية وعالمية جديدة والمؤثرة على غربي كوردستان بشكل خاص وكوردستان بشكل عام، إلا أن هذه المقالات تتناول الكثير من المسائل التي لا تزال تحتفظ بأهميتها. لذلك أعيد نشرها لتطّلع عليها الصديقات الجديدات والأصدقاء الجدد. أشكركم مقدماً على إهتمامكم ومتابعتكم لها. كما أأمل أن تقوموا بإغنائها بآرائكم وأفكاركم ونقدكم.

في هذه المقالة أتناول الظروف العالمية التي تؤثر على القضية الكوردستانية، بالطبع ستؤثر أيضاً على الكوردستانيين في إقليم غرب كوردستان، ليتمكن المرء من رسم خارطة طريق للعمل الكوردستاني في الإقليم و تحديد موقف الكوردستانيين في الإقليم من الإنتفاضة القائمة فيه و في سوريا و التي سيكون موضوع حديثي في هذه السلسلة من المقالات، لتقديم رؤى واقعية قد تساهم مساهمة متواضعة في مساعدة شعب كوردستان، المسلوب وطنه و هويته، في تحقيق حريته و أهدافه بعد معاناة و كوارث و مصائب لفترة طويلة، تهدد وجوده.

التغييرات التي تجتاح المنطقة لا تنحصر في الشرق الأوسط و شمال أفريقيا، بل أن النظام الرأسمالي كنظام سياسي و إقتصادي يواجه تحديات مصيرية بعد عجزه عن مجاراة العولمة و الثورة التكنولوجية و عدم قدرته لحد الآن على التفاعل مع التغيّرات الكبرى التي حدثت على كوكبنا الأرضي خلال السنين الأخيرة و التي يمكن القول بأنها بدأت مع زوال فترة الحرب الباردة و قيادة الولايات المتحدة للعالم. نتيجة تخلف النظام الرأسمالي بصورته الحالية عن القدرة على الإستمرار في المحافظة على رفاهية سكان الدول الصناعية و المستوى االعالي لمعيشتهم، إضطرت حكومات هذه الدول الى الإستدانة للحفاظ على رفاهية شعوبها و التي يمكن تشبيهها بحبوب مهدئة للآلام التي يلجأ المريض إليها للتخلص مؤقتاً من الآلام التي يعاني منها الى أن يتم تشخيص مرضه و من ثم علاجه.

العولمة أثرت بشكل سلبي على إقتصاد السوق الذي يتبناه النظام الرأسمالي، حيث تظهر تأثيراتها و إنعكاساتها على الدول الصناعية الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية و دول الإتحاد الأوروبي و الصين و اليابان. بالنسبة الى الولايات المتحدة الأمريكية فأنها في السنين السابقة إستطاعت المحافظة على إزدهار إقتصادها المبني على الإئتمان و الإستهلاك من خلال تقديم تسهيلات في مجال القروض و خاصة في القطاع العقاري. هذه السياسة الإقتصادية أدت الى إفلاس الكثير من البنوك الأمريكية بسبب عجز المقترضين من الإيفاء بدفع ديونهم و التي أجبرت الحكومة الأمريكية الفيدرالية الى التدخل في مساعدة البنوك المنهارة و التي كانت تواجه مشاكل إقتصادية كبيرة. هذه الخطوة قادت الى زيادة ديون الحكومة الأمريكية و تجاوزها 14.3 تريليون دولار (14300 مليار دولار) التي هي سقف الديون الأمريكية و التي بدورها تسببت في تخفيض تصنيف ديون الحكومة الأمريكية من الممتاز الى درجة أدنى. هذه المشكلة الإقتصادية الأمريكية قادت الى تراجع النمو الإقتصادي و زيادة نسبة البطالة و خفض الإستهلاك و الخدمات لمواجهة هذه التحديات الإقتصادية التي تواجهها البلاد. نفس الشئ بالنسبة لدول الإتحاد الأوروبي، حيث أن برامج الرفاهية الموضوعة في الإتحاد الأوروبي تسببت في تراكم الديون الحكومية، كما هو الحال بالنسبة لحكومات كل من اليونان و إيرلندا و ايطاليا و إسبانيا و البرتغال. تراكم ديون طائلة لحكومات هذه الدول أرغمتها على إتباع سياسة التقشف و بالتالي زيادة معدلات البطالة و خفض مستويات الخدمات و النمو الإقتصادي البطئ أو الركود الإقتصادي بشكل كامل. بالنسبة الى العملاقَين الإقتصاديين، الصين و اليابان، فأن إقتصاد الصين مبني على زيادة التصدير و تخفيض قيمة العُملة و التقليل من الإستهلاك. كما أسلفنا، فأن الولايات المتحدة و دول الإتحاد الأوروبي، التي تُشكّل أسواقاً رئيسية للمنتجات و السلع الصينية، تعاني من مشاكل إقتصادية خطيرة التي تضطرها الى تخفيض إستيرادها من المنتوجات و السلع الخارجية و بذلك تخسر الصين أسواقها الرائجة في أمريكا و أوروبا و لهذا السبب فأنها لا تستطيع الإستمرار في نموها الإقتصادي المتنامي و ستواجه هي بدورها مشاكل إقتصادية كبيرة تُرغمها على تغيير خططها الإقتصادية و التقشف و كما أن نسبة البطالة تزداد بين الشعب الصيني و تتدهور الخدمات المقدمة له. يمكن قول الشئ نفسه بالنسبة الى اليابان، حيث تتراجع صادراتها الى الولايات المتحدة الأمريكية و دول الإتحاد الأوروبي، بل أن الإقتصاد العالمي يمر بمنعطف خطير و الذي يجعل كافة دول العالم أن يضطر الى التقشف و تخفيض وارداتها الخارجية و التي بدورها تساهم في زيادة المشاكل الإقتصادية للدول الصناعية. المشكلة الإقتصادية العالمية ناتجة عن عدم قدرة النظام الرأسمالي الحالي لتلبية متطلبات و حاجات الشعوب و الأفراد نتيجة التطورات العالمية الكبرى و السريعة الحاصلة. إقتصاد العالم بأسره مرتبط بشكل وثيق بإقتصاد الدول الرأسمالية لذلك فأن الإقتصاد العالمي بأسره يواجه تحديات كبرى تحتاج الى الحل الجذري و إيجاد نظام إقتصادي جديد قادر على مواكبة الحياة و التواصل مع الحياة الجديدة على كوكبنا. كوردستان جزء من عالمنا و عليه ستتأثر بهذا الأمر و يجب أن لا يغيب هذه الوقائع عن تفكير القيادات الكوردستانية و المخططين لمستقبل شعب كوردستان.

ملاحظة: الفكر الوطني الكوردستاني الذي أحمله هو المرتكز الأساس الذي أعتمد عليه في كافة كتاباتي السياسية الكوردستانية، حيث أنني لستُ منتمياً الى أي حزب سياسي و أُقيّم المنطلقات الفكرية والمواقف والأعمال السياسية للأحزاب والمنظمات والجهات السياسية الكوردستانية وغير الكوردستانية من منطلق الفكر الوطني الكوردستاني. لذلك فأن المجموعات الفيسبوكية هي حرة في نشر دراساتي السياسية الكوردستانية في صفحاتها أو الإمتناع عن نشرها.
 

G.M.K Team

G.M.K Team
إقليم غرب كوردستان و الحرب الأهلية السورية (2)
د. مهدي كاكەیي
الإنتفاضة الكوردستانية في إقليم غرب كوردستان هي نتاج طبيعي للعولمة والتطورات الثورية في وسائل الإتصال و نقل المعلومات. إن الإنتفاضات و الثورات التي تكتسح الدول ذات الأنظمة الدكتاتورية و الشمولية و الفاسدة ستستمر الى أن تتم الإطاحة بالأنظمة الإستبدادية المتخلفة. هذه الإنتفاضات و الثورات الشعبية تحصل في مجتمعات متأخرة، عاشت في ظل أنظمة قمعية حالت دون تطور هذه المجتمعات فكرياً و إجتماعياً و إقتصادياً و سياسياً بصورة طبيعية لتتحول من مجتمعات أبوية رجالية زراعية قبلية متخلفة الى مجتمعات صناعية تتساوى فيها المرأة و الرجل و تحكمها المؤسسات و القوانين بدلاً من الأعراف و التقاليد و تجتاز المرحلة الإقطاعية و العشائرية الى حيث مجتمعات منفتحة، و تؤسس أنظمة حكم ديمقراطية، تقبل الآخر المختلف و تنبذ إستخدام العنف و الإرهاب و الكراهية.
إن الأنظمة الشمولية التي حكمت هذه الشعوب لم تكتفِ بإعاقة تطور الأفراد و المجتمعات التي رزحت تحت حكمها، بل حّرفت مسار التغّيرات الفكرية و الإجتماعية و الإقتصادية و السياسية لهذه المجتمعات و خلقتْ منها مجتمعات مريضة عنصرية، تلجأ الى العنف و الإرهاب و الكراهية في سبيل تحقيق أهدافها، بسبب الإضطهاد و الإرهاب و التعذيب و السجون التي تعرضتْ لها هذه المجتمعات و الحروب المدمرة التي أُرغمتْ على خوضها و معاناتها من الجهل و المرض و الجوع.
نتيجة البيئة السيئة و المرعبة التي نمت و ترعرعت فيها أجيال عديدة من هذه المجتمعات و المعاناة التي عاشوا في ظلها، فأن هذه المجتمعات تحتاج الى أجيال عديدة لتصبح مجتمعات سليمة تتعافى من أمراضها الإجتماعية لتصبح مؤهلة للبدء بمسيرتها التطورية الطبيعية للعمل على تحقيق التقدم و الرُقي و للتمكن من التفاعل و التلاقح مع المجتمعات الراقية لتصبح جزءاً من العالم المتحضر و المتقدم. عليه يجب أن لا ننتظر حدوث المعجزات بعد نجاح الإنتفاضات و الثورات في المنطقة و لا يمكن تغيير هذه المجتمعات المريضة الى مجتمعات سليمة خلال بضعة أشهر أو بضع سنين. نتيجة الإرهاب و الظلم و الحروب و الحكم الشمولي و الكبت و الحرمان، فأن هذه المجتمعات تحتاج الى فترة نقاهة تمتد لعدة أجيال للتخلص من أمراضها. إن تغيير هذه المجتمعات إيجابياً يتم فقط في حالة توفر ظروف طبيعية لهذه المجتمعات لإستعادة وعيها و إرادتها و عافيتها، و إلا ستستمر عائشة في ظلام التأخر و التخلف.
مما سبق يمكن للمرء أن يُكوّن لنفسه تصوراً واقعياً عن الحياة السياسية لهذه المجتمعات التي تُزيح الأنظمة الدكتاتورية و الشمولية. قد يحاول العسكر السيطرة على مقاليد الحكم في تلك الدول لتثبيت الإستقرار فيها، إلا أن الحياة قد تغيّرتْ على كوكبنا و لا يمكن للجنرالات حكم الشعوب بإستخدام القوة و سيفشلون في مسعاهم مهما لجؤوا الى البطش و القوة و تجارب الإنتفاضات المصرية و الليبية و السورية تشهد على ذلك. قد يحاول السياسيون الكلاسيكيون سرقة الثورات الشعبية، إلا أنهم عاجزون عن تحقيق ذلك لإفتقارهم الى مؤهلات تتيح لهم التفاعل مع التغيّرات الكبرى التي حدثت على كوكبنا الأرضي. الشباب القائمون بالثورة بِدورهم هم جزء من هذه المجتمعات المتخلفة و تنقصهم الخبرة السياسية و متفرقون الى مجموعات متنافرة غير قادرة على التوافق و التوحد و بذلك فأنهم غير مؤهلين لقيادة هذه المجتمعات و حكمها بنجاح.
تكاد تكون كل دولة من دول المنطقة متكونة من مزيج من شعوب و قوميات و أصحاب ديانات و مذاهب متنافرة فيما بينها بسبب إنفراد فئة معينة، سواء كانت مجموعة قومية أو دينية أو مذهبية، بالحكم في هذه الدول لفترات طويلة و محاولتها إلغاء الشعوب و القوميات و الأديان و المذاهب الأخرى. على سبيل المثال، تعيش في سوريا، القوميات العربية و الكوردية و الأرمنية و الشركسية و السريانية و التركمانية، دينياً حيث يعيش هناك المسلمون و المسيحيون و العلويون و الدروز و الإيزيديون و مذهبياً، حيث السُنة و الشيعة والهلاويون.
تكمن المشكلة في إنشاء كيانات سياسية مصطنعة في الشرق الأوسط، من بينها سوريا، بعد إنتهاء الحرب العالمية الأولى حسب إتفاقية سايكس – بيكو، التي تمّ بموجبها إجبار و حشرْ مجموعات عرقية و دينية و مذهبية في العيش المشترك في كيانات سياسية، بخلاف إرادتها و دون أن تجمعها بالبعض سوى الجغرافية، و خلال فترة هذا الجمع القسري لم تتم إتاحة الفرصة لهذه الشعوب والقوميات والطوائف، لتتفاعل مع بعضها لتكوين ثقافة موحدة و إيجاد مصالح و أهداف مشتركة تجمع هذه المجموعات البشرية و توحدها و تجعلها تشعر بالإنتماء الى هذه الكيانات السياسية الجديدة و قبول العيش المشترك.
التنوع العرقي و الديني و المذهبي سيكون من أهم العوامل التي تخلق عدم الإستقرار في الدول التي تنهار فيها الأنظمة الشمولية الإستبدادية بسبب تطلع الشعوب و القوميات و أصحاب الديانات و المذاهب نحو الحرية و التمتع بحقوقها، حيث أن هويتها و وجودها تعرضتا للإلغاء و الإنكار من قِبل الحكومات الدكتاتورية العنصرية. إنها كانت محرومة من حقوقها القومية و الثقافية و الدينية و المذهبية و لذلك كانت تعيش مع البعض ضمن هذه الكيانات السياسية بالقوة و الإكراه. الآن يختفي جبروت الحكومات الشمولية فتكسر هذه الشعوب و القوميات و الأديان و المذاهب قيودها و تناضل من أجل التمتع بحريتها و حقوقها التي كانت محرومة منها منذ أن أصبحت جزءاً من شعوب هذه الدول الجديدة التي ظهرت في المنطقة بعد الحرب العالمية الأولى.
الثقة المفقودة بين هذه المجتمعات العرقية و الدينية و المذهبية و تأخر المجتمعات في الدول النامية تجعلان الإستمرار في العيش المشترك لهذه المجتمعات المتنافرة أمراً مستحيلاً في الوقت الحاضر و في المستقبل المنظور والبعيد. كما أن التركة الثقيلة التي تتركها الحكومات الشمولية بعد إنهيارها من تفشي الأُمية و الفقر و المرض و البطالة في هذه البلدان الى جانب الأمراض الإجتماعية، تجعل مُهمة الحكومات، التي تحلّ محل الحكومات المستبدة صعبة جداً و تواجه مصاعب كبيرة جداً في سعيها لتطوير هذه المجتمعات و الإرتقاء بها. العراق هو نموذج جيد للدول التي تُطاح بحكوماتها من قِبل الثورات و الإنتفاضات القائمة في المنطقة، حيث أنه منذ تخليصه من حكم البعثيين قبل أكثر من 13 سنة، لا زال يعيش هذا البلد في فوضى سياسية و إقتصادية وإدارية ويُتوقع أن تسير الأوضاع فيه من سئ الى أسوأ، و ستستمر التدخلات الإقليمية في شئونه الداخلية و يصبح مُرشّحاً لقيام حرب أهلية طاحنة فيه بين العرب و الكوردستانيين و السُنة و الشيعة الى أن تنبثق منه ثلاث دول جديدة.
نتيجة إصطناعية دول المنطقة و تماسكها بالقوة و الإكراه و فقدان الثقة بين مكوناتها و تأخر سكانها، فأن إحدى نتائج الثورات و الإنتفاضات السائدة في المنطقة هي تغيّر الخارطة السياسية و الجغرافية لمنطقة الشرق الأوسط و إعادة تكوين كيانات سياسية على أسس قومية و دينية و مذهبية.
 

G.M.K Team

G.M.K Team
إقليم غرب كوردستان و الحرب الأهلية السورية (3)

- وحدة الصف الكوردستاني -

د. مهدي كاكەیي

في المقال السابق تحدثتُ عن حشر المجموعات العرقية و الدينية و المذهبية في المنطقة في كيانات سياسية ظهرت بعد إنتهاء الحرب العالمية الأولى، بالإضافة الى إحداث خلل في الخارطة السياسية لمنطقة الشرق الأوسط و شمال أفريقيا المتسببة عن فرض واقع جديد عن طريق الحروب و اللجوء الى القوة، سواء قبل أو بعد الحرب العالمية الأولى، على سبيل المثال، إيران التي شعوبها عبارة عن خليط من القوميات و الأديان و المذاهب المتنافرة المحشورة في كيان سياسي واحد بالقوة و الإكراه.

أشرتُ في المقال السابق أيضاً الى تخلف شعوب المنطقة فكرياً و إجتماعياً و إقتصادياً و سياسياً بسبب عيشها في ظل حكومات شمولية متوحشة، لا تعرف غير لغة القتل و الإرهاب و زج شعوبها في متاهات الحروب العبثية التي لم تكن للشعوب فيها مصلحة تُذكر. هذه الأنظمة خلقت أجيالاً سقيمة ذات فكر شمولي عنصري عدواني.

من أعلاه يُفهم بأن المشكلة لا تنتهي بمجرد إختفاء الطغاة من المسرح السياسي، فالمشكلة في سوريا الأن غير متعلقة بحكم العلويين، بل كل من يتسلم الحكم بعد زوال النظام القائم في سوريا سيكون عنصرياً مذهبياً بحُكم تربيته و المحيط المكوّن له. حتى لو فرضنا إستلام الحكم في سوريا من قِبل أشخاص "ديمقراطيين"، فأن المشكلة ستبقى باقية و هؤلاء الأشخاص سيفشلون في تحقيق التغيير، لأن المسألة لا تتعلق بالأشخاص، بل تتعلق بالمجتمعات السورية، حيث أن التغيّرات الحاصلة في المجتمعات البشرية هي تغيّرات بطيئة جداً تستغرق أجيالاً عديدة و لا يمكن تغيير الواقع من خلال تخطّي مراحل التطور الفكري و الإجتماعي للمجتمع، حيث لا يمكن زوال الأفكار والثقافات والعادات و التقاليد السائدة في المجتمعات البشرية خلال فترة زمنية قصيرة. لا أريد هنا الإطالة و تصفّح كتب التأريخ، إلا أننا يمكن أن نستدل بوضوح أن حركة مسار التطور الإجتماعي بطيئة جداً من خلال النظر الى مجتمعات الشرق الأوسط و شمال أفريقيا و غيرها من المناطق، حيث على سبيل المثال، بعد أكثر من 1400 سنة من إحتلال المنطقة من قِبل البدو القادمين من الحجاز، لا تزال الثقافة و العادات و التقاليد البدوية، مثل القبلية و الثأر و الإنتقام و العنف و الغزو و الفكر الشمولي، تتحكم في هذه المجتمعات و تحدّد نمط حياتها. عليه، فأن المعارضة العربية السورية هي مشبعّة بالفكر العنصري العروبي والفكر الإسلامي الشمولي والمتعصب. لذلك على الكوردستانيين في إقليم غرب كوردستان أن لا يتفاجأوا من المواقف العنصرية و الإلغائية لجميع مجاميع المعارضة العربية السورية و بدون إستثناء. على الكوردستانيين أن لا ينخدعوا بما تقوله قوى المعارضة السورية حتى لو إدّعتْ بأنها تؤيد تمتع الكوردستانيين في الإقليم الغربي بحقوقهم، حيث ستكون تلك الإدعاءات مجرد تكتيك مرحلي إلى أن تسيطر هذه القوى على الحكم و تُعزز سلطتها و بعدها ستتنصل من كل وعودها و تجربة النظام العراقي الحالي و موقفه من الشعب الكوردستاني خير مثال على ذلك، حيث أن النظام العراقي، رغم الفوضى التي تعيشها البلاد و فقدان وجود حكومة حقيقية في بغداد، التي هي عبارة عن قوى متنافرة و متصارعة، فأن هذا النظام يتنصل من كل إلتزاماته و عهوده للكوردستانيين في جنوب كوردستان، بل يحاول تغيير الدستور العراقي و إلغاء النظام الفدرالي و إلغاء صلاحيات الإقليم و تأسيس نظام حكم مركزي دكتاتوري يُقرر مصير الكوردستانيين و يستعبدهم من جديد.

لو تصفحنا تأريخ الكوردستانيين، سنكتشف بأنهم عبر تأريخهم الطويل كانوا دائماً متخلفين عن التواصل مع المستجدات السياسية و مفتقرين الى روح المبادرة و إستباق الأحداث و إتخاذ القرارات في الأوقات المناسبة، لذلك بقوا متخلفين عن اللحاق بالأحداث و إنتهاز الفرص لإستغلالها في سبيل تحقيق حريتهم و التمتع بحقوقهم كالشعوب الأخرى التي تعيش على كوكبنا. عليه فأن الواجب الوطني يستدعي أن لا يبقى الكوردستانيون متفرجين على الأحداث الجارية في الإقليم و سوريا و التي ستقرر مصيرهم و تحدد مستقبلهم، بل يكونون سبّاقين للتفاعل مع هذه الأحداث لتغيير مسارها لتصّب في مصلحة الشعب الكوردستاني.

يجب أن يطمئن الكوردستانيون في غرب كوردستان الى أن "تركيا" عاجزة عن تحديد مسار التغييرات السياسية في سوريا و النظام القادم فيها، حيث أن الدول الكبرى، و في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت مذهولة أمام التطورات الحاصلة في المنطقة و قد تستطيع التحكم بتوقيت التغييرات على المدى القصير، إلا أنها ستكون غير قادرة على تحديد نوع الحكم و التطورات الداخلية لهذه الدول و توجيه الجماهير الثائرة كما تشاء، لأن مشاكل هذه الدول شائكة و معقدة، تتحكم بها عوامل إجتماعية و إقتصادية و سياسية و قومية و دينية و مذهبية التي تحتاج الى فترة زمنية طويلة جداً للتعامل معها و حل هذه المشاكل لتصبح الظروف طبيعية فيها. إذا كانت الدول الكبرى تكاد تعجز عن تقرير مصير المنطقة، فكيف تتسنى ل"تركيا"، كدولة متأخرة تعاني في الوقت نفسه من الحرب التي أعلنتها ضد الشعب الكوردستاني و من إقتصاد متدهور ومشاكل داخلية كبيرة، أن تفرض إرادتها في سوريا. إن "تركيا" تعيش في وهم العظمة و لذلك ترسم لنفسها أدواراً تعجيزية لا يمكنها إداؤها. كما أن التغيّرات التي تشهدها المنطقة ستنتقل الى عقر دار "تركيا" نفسها و حينئذ تضطر الى اللجوء الى إتخاذ موقع الدفاع، بدلاً من الهجوم، حيث أنها فعلاً إضطرت أن تتقهقر الى الوراء و تنشغل بمشاكلها الداخلية. لذلك فأن قدرات و إمكانيات "تركيا" و الظروف السياسية و الإقتصادية لها لا تؤهلها أن تلعب دوراً رئيسياً في تحديد النظام السياسي القادم في سوريا و تحجيم دور الكوردستانيين في الإقليم الغربي و منعهم من تحقيق حريتهم و أهدافهم. "تركيا" تتدخل في الوقت الحاضر بصورة مباشرة بشكلٍ محدود وبصورة غير مباشرة في الشأن الكوردستاني في غرب كوردستان من خلال مساندة القوى الإسلامية الإرهابية و العروبية و محاولتها ستفشل في إيقاف النضال الكوردستاني لتحرير كوردستان شعباً وأرضاً، حيث أن للشعب الكوردستاني جذور عميقة في كوردستان، تمتد لمئات الآلاف من السنين ولا يمكن للمرتزقة أن يقهروا إرادة هذا الشعب العريق.

على ضوء ما تقدم فأن العالم و المنطقة في طريقهما نحو تغيّر راديكالي تأريخي و التغيّرات الحاصلة ستؤثر على كافة الشعوب و الأفراد، بما فيها شعب كوردستان. من هنا على شعب كوردستان أن يتهيأ ليكون له دور مؤثر في هذه التغييرات التأريخية الكبرى و إستغلال هذه الفرصة لتحقيق حريته و التمتع بحقوقه بما فيها تأسيس دولة مستقلة على أرضه التأريخية.

من أهم الأسباب التي جعلت الكوردستانيين يعجزون عن إقامة دولة لهم في وطنهم الى الآن، رغم عراقتهم و تضحياتهم الكبيرة، هو تفرّقهم و التحارب مع البعض و تغليب الأنانية الفردية و الروح القبلية و الحزبية الضيقة على مصالح الشعب الكوردستاني. لو توحّدت كلمة الكوردستانيين لكانوا الآن لهم دولتهم و لَكانوا يتجنبون المآسي و الأهوال التي تعرضوا لها خلال مسيرتهم الحياتية و النضالية و لَكانوا الآن أسياداً في بلادهم، بدلاً من أن يكونوا تابعين للدول المحتلة لكوردستان.

عليه فأن أهم شرط من شروط تحقيق أهداف الشعب الكوردستاني في الحرية و الكرامة هو وحدة الصف الكوردستاني. يجب على الكوردستانيين إنتهاز هذه الفرصة التأريخية بكل قدراتهم و إمكانياتهم لتحقيق حلمهم في الحرية و تقرير المصير، حيث يمر العالم و المنطقة بتغيّرات كبرى التي يجب إستغلالها. لذلك فأن الواجب الوطني يُحتّم على الكوردستانيين أن يوحدوا كلمتهم و صفوفهم و ينظموا البيت الكوردستاني لتأهيل أنفسهم للتمكن من تحقيق أهدافهم.
 

G.M.K Team

G.M.K Team
إقليم غرب كوردستان و الحرب الأهلية السورية (4)

- تنظيم البيت الكوردستاني -

لتنظيم البيت الكوردستاني، ينبغي أن يتم التحضير لعقد مؤتمر عام للكوردستانيين في إقليم غرب كوردستان، من خلال دعوة جميع الأحزاب الكوردستانية و منظمات المجتمع المدني و الشخصيات الوطنية إلى حضور المؤتمر لتأسيس مجلس وطني كوردستاني يُمثل كافة الأطراف السياسية و المنظمات و الشخصيات في الإقليم ليكون مرجعية سياسية تُحدد أهداف الكوردستانيين في الإقليم و ترسم الإستراتيجيات و التكتيكات و تحدد الوسائل و الأليات التي سيتم إستخدامها لضمان تحقيق الأهداف المحددة.

كما أن أعداد التنظيمات السياسية في الإقليم كثيرة جداً و وجود هذه الأعداد الكبيرة من الأحزاب غير مبرر آيديولوجياً و هذا التشتت لا يخدم القضية الكوردستانية. لذلك أقترح أن يتم العمل خلال المؤتمر المقترح عقده على دمج أو إتحاد الأحزاب القريبة فكرياً و برامجياً بحيث تنبثق منها عدة أحزاب سياسية.

الكوردستانيون يعيشون في مرحلة التحرر الوطني و يرزحون تحت نير الإحتلال و الإستعمار الإستيطاني و عليه فأن كافة الأطراف يجب أن تضع هدف التحرر و المصلحة الوطنية الكوردستانية فوق المصالح الشخصية و الحزبية و الإعتبارات الآيديولوجية، حيث أن الوجود الكوردستاني هو المُستهدَف في الوقت الحاضر و بفقدان هذا الوجود ستختفي كل هذه الأحزاب. يمكن تشبيه كوردستان بباخرة تعصف بها أمواج البحر و العواصف و تشبيه الأحزاب الكوردستانية برُكاب الباخرة، حيث إذا غرقت الباخرة سيغرق جميع ركابها معها. عليه فأن مصير و وجود كافة الأحزاب مرتبطان بمصير و وجود كوردستان و لذلك يجب نبذ الخلافات الفكرية و الشخصية و تبنّي النظام الديمقراطي و إحترام إرادة شعب كوردستان في تقرير مصيره و إختيار حُكّامه، حيث بعد التحرر الوطني فأن الشعب يختار ممثليه عبر صناديق الإقتراع في إنتخابات نزيهة و شفافة تُشرف على إجرائها هيئات تابعة للأمم المتحدة و ممثلين لمنظمات دولية محايدة.

ينبغي على الكودستانيين في غرب كوردستان أن يأخذوا الدروس و العِبر من أخطاء القيادات الكوردستانية في إقليم جنوب كوردستان. من أخطاء الكوردستانيين الجنوبيين هي إفتقارهم لمجلس إستشاري، لذلك ينبغي أن يتم تشكيل مجلس إستشاري مؤلف من العلماء و الباحثيين و الأكاديميين و الخبراء الوطنيين في مختلف مجالات الحياة و تشكيل هيئات إقتصادية و سياسية و ثقافية و تربوية و عسكرية و بيئية و صناعية و زراعية و غيرها ضمن المجلس الإستشاري أو يمكن تسميته بمجلس الأمن الوطني الكوردستاني في الإقليم للقيام بدراسات و بحوث و ترفع توصيات للقيادة السياسية الكوردستانية لتتمكن هذه بدورها من وضع خطط و إستراتجيات الإقليم على ضوء تلك التوصيات لتجنب الأخطاء و الإرتجالية في وضع الخطط و في إتخاذ القرارات. ينبغي أن يتم إختيار أعضاء المجلس المذكور إستناداً الى الكفاءة و الخبرة و الإختصاص والوطنية، بعيداً عن الإعتبارات الشخصية و الحزبية.

يحكم حزب البعث سوريا منذ أكثر من 50 سنة، و عائلة الأسد يحكم سوريا بإسم حزب البعث منذ حوالي 45 عاماً و هذا يعني بأن النظام قد قام بتثبيت حكمه خلال هذه الفترة الطويلة و بناء حكومة مركزية قمعية. لذلك فأن زوال هذا النظام سيكون لصالح شعب كوردستان لأن أية حكومة تستلم الحكم بعد الإطاحة بالنظام السوري الحالي، ستكون حكومة ضعيفة غير قادرة على تأسيس حكومة مركزية قوية و هذا سيكون لصالح الكوردستانيين و لصالح كافة المكونات السورية المضطهَدة. بعد زوال حكم عائلة الأسد، ستدخل البلاد في حالة فوضى و التي ستستمر لفترة زمنية طويلة. في حالة تشكيل حكومة تجمع المكونات القومية و الدينية و الطائفية في البلاد، على غرار الحكومة العراقية الحالية، ستكون الحكومة حينذاك متكونة من أطراف قومية و دينية و مذهبية متنافرة و غير منسجمة، تنعدم الثقة بينها و عليه ستكون حكومة ذات أعضاء متناحرة، تفتقد الى التعاون و التوافق و الإنسجام، حيث كل فريق سيحاول الإنقضاض على الحكم و الإستئثار به. أما إذا حاول مكوّن ما السيطرة على الحكم و الإنفراد به، فأنه عندئذ ستندلع حرب أهلية طاحنة بين المكونات الأساسية (العرب و الكورد و المسيحيون و العرب السُنة و العلويون). كما أنه في حالة بقاء الأسد في الحكم، سيكون حاكماً ضعيفاً غير قادر على إعادة السيطرة المركزية على كافة المناطق السورية. من هنا فأن الإنتفاضة السورية هي لصالح الكوردستانيين سواء إحتفظ الأسد بالحكم أو إختفى.

بسبب المتغيرات الكبيرة الحاصلة في حياة البشرية و في المنطقة، سيكون من المستحيل أن ينجح طرف واحد، على سبيل المثال الإخوان المسلمون أو الجماعات الإسلامية المتطرفة أو العروبيون، في السيطرة على مقاليد الحكم لوحدها. كما أنه لو أُطيح بِحُكم االبعثيين، فأن العلويين و عائلة الأسد، بمخابراتها و رجال أمنها و عسكرها سوف لا يستسلمون للأمر الواقع بسهولة بعد فقدانهم لسلطتهم و سيحملون السلاح ضد الحكومة الجديدة و يقومون بالتخريب و الإغتيالات و التفجيرات في محاولة يائسة لإرجاع عجلة التأريخ الى الوراء و إستعادة سلطتهم المفقودة، كما أنهم سيُشكلّون دولة علوية محمية من قِبل الروس. في كل الحالات فأن الوضع الأمني السوري بعد إنهيار النظام الحالي أو في حالة بقاء النظام، سيكون غير مستقر و تسوده الفوضى خلال سنين طويلة. غياب سلطة مركزية قوية في سوريا هو لمصلحة شعب كوردستان و كافة القوميات و الطوائف المُضطهَدة في سوريا. لذلك فأن إلتزام جانب الحياد و التفرّج على ما يجري من أحداث في سوريا من قِبل الكوردستانيين لا يصب في مصلحة شعب كوردستان، بل يجب إنتهاز هذه الفرصة التأريخية من خلال تنظيم و توحيد أنفسهم ليُشكل الكوردستانيون الطرف الأكثر قوة و يفرضون أنفسهم على الواقع الجديد و يحققون هدفهم في تقرير مصيرهم بأنفسهم دون وصاية المحتلين و الغرباء.
 

G.M.K Team

G.M.K Team
إقليم غرب كوردستان و الحرب الأهلية السورية – 5 -

عصر المبادرات و إستباق الأحداث

د. مهدي كاكە يي

إن الظروف الدولية و الإقليمية تتيح فرصة تأريخية للشعب الكوردستاني لتحقيق حريته و تحرير بلاده من الإحتلال و الإستيطان و إنقاذ نفسه من العبودية و الإبادة و إفشال محاولات الإلغاء كشعب و هوية و لغة و تراث و تأريخ. لتحقيق هذا الهدف ينبغي على الكوردستانيين أن يقوموا بسرعة بترتيب البيت الكوردستاني على مستوى الأقاليم الكوردستانية و المستوى الوطني الكوردستاني و رفع شعار إستقلال كوردستان و رسم الإستراتيجيات و التكتيكات الصائبة و تحديد الوسائل و الآليات المتاحة و تحليل واقع المجتمع الكوردستاني من جوانبه المختلفة و دراسة الظروف الإقليمية و الدولية و تأثيراتها الإيجابية و السلبية على القضية الكوردستانية لضمان تحقيق الهدف الكوردستاني. إن إضاعة هذه الفرصة السانحة من قِبل شعب كوردستان ستُثبت للعالم أجمع بأنه شعب لا يستحق الحرية و الحياة و سيلعنه التأريخ.

بعد العولمة و الثورة التكنولوجية قامت و لا تزال تقوم مختلف الأمم و الشعوب بدراسة التطورات العالمية و الإقليمية و الذاتية و وضع برامج و خطط إقتصادية و إجتماعية و سياسية و عسكرية و دبلوماسية على ضوء النتائج التي يتوصلون إليها في دراساتهم و يهجرون الكثير من المبادئ و الأفكار و العقائد و النظريات و المفاهيم القديمة التي أصبحت جزءاً من الماضي، والعاجزة عن التعاطي و التفاعل و التواصل مع تطورات الحياة و العاجزة عن التعبير عن روح العصر الذي إنتقلنا إليه و نعيش فيه الآن.

من جهة أخرى نرى أن شعب كوردستان لا يزال يعيش في العالم القديم الذي أصبح لا وجود له على أرض الواقع بعد التطورات الكبرى التي تحصل على كوكبنا الأرضي، دون أن تكون له إستجابة ملموسة لهذه التطورات، ليرسم لنفسه دوراً مُتميّزاً، يحافظ على وجوده و يساهم في صنع الأحداث و تحديد مسارات التغيّرات التي تحصل حوله و التأثير على هذه التطورات بحيث تخدم شعب كوردستان بشكل خاص و الإنسانية بشكل عام، رغم أن التأريخ يشهد على عراقة هذا الشعب و عشقه للحرية و شجاعته و إستعداده الدائم للتضحية من أجل التمتع بحقه في تقرير مصيره كباقي الشعوب الحرة في العالم.

اليوم هو عصر المبادرات و إستباق الأحداث لصنع هذه الأحداث، بدلاً من الإنقياد وراء الأحداث و التخلف وراءها و تسليم تقرير مصير شعب كوردستان الى المحتلين و الغرباء الذين يريدون الإستمرار في إحتلال و إستعمار كوردستان ويعملون ضد مصالح شعب كوردستان، حيث تتصادم أهدافهم مع أهداف الشعب الكوردستاني.

إنّ أهم سبب لإفتقار الشعب الكوردستاني لروح المبادرة و إستباق الأحداث و التطورات لإستغلالها لمصلحته، هو عدم ثقته بنفسه و بإمكانياته و قدراته و إحساسه بالدونية و التبعية، حيث يشعر بأنه أقل شأناً من مُغتصبي وطنه. هذا الإحساس المُحبِط الذي يُعشعش في داخله، يمنعه من إستخدام مؤهلاته و قدراته و طاقاته لخدمة نفسه و لخدمة البشرية جمعاء. الإحساس بالشعور بالنقص و التبعية للآخرين ناتج عن إحتلال بلاده منذ سنين طويلة و عيشه تحت حكم الأجانب، حيث أنه يعيش تحت سيطرة المحتلين لأرضه و المستوطنين في وطنه خلال فترة زمنية طويلة و أصبح تابعاً ثقافياً و لغوياً و سياسياً و إقتصادياً للدول المحتلة لكوردستان و التي عن طريق وسائل إعلامها و مدارسها و معاهدها و جامعاتها و جوامعها و حسينياتها، تحاول جاهدةً لغرس الفكر التقسيمي في نفوس الإنسان الكوردستاني و القبول بواقع التجزئة و بتبعيته و تبعية وطنه الى الدول المحتلة.

ينبغي أن يعرف الإنسان الكوردستاني جيداً بأنه حينما يقبل أن يكون مواطناً "عراقياً" أو "عربياً سورياً" أو "تركياً" أو "إيرانياً"، فأن هذا يعني بأنه يقبل، سواءاً عن وعي أو بدونه، بواقع تقسيم كوردستان و إحتلالها و يقرّ بتبعيته للشعوب المحتلة لكوردسان و القبول بحكمها و سيادة ثقافاتها و لغاتها و القبول بِنهب ثروات كوردستان من قِبل المحتلين الإستيطانيين. كما أن نجاح المحتلين في غرس الفكر الإستسلامي و التقسيمي في ذهن الإنسان الكوردستاني يُهدد الهوية و الثقافة الكوردستانية و لغات الأطياف الكوردستانية و يُكرّس الإستيطان و الإحتلال لكوردستان و يترك المحتلين ينهبون خيرات كوردستان، بل يستغلون الموارد الطبيعية لكوردستان في شراء أسلحة الدمار لإبادة شعب كوردستان و قهر إرادته و إجباره على الإستسلام و القبول بحياة العبودية و الذل.

التأريخ يُحدّثنا عن عراقة الشعب الكوردستاني و مساهماته الكبيرة في بناء صرح الحضارة الإنسانية و أن هذا الشعب هو موضع إعتزاز و فخر العالم أجمع، رغم محاولة المحتلين لإلغاء و طمس معالم الدور الكوردستاني الكبير في بناء الحضارة البشرية، حيث أن شعب كوردستان هو أول مَن إكتشف النار و الزراعة و الصناعة و الكتابة و إبتكر الأعداد و المعاملات التجارية و طوّر اللغة و أن هذه الحضارة إنتقلت من كوردستان الى العالم قبل عشرات الآلاف من السنين، حيث أن حضارات أسلاف الكورد السومريين و الإيلاميين والخوريين و الميديين و غيرهم، خير شاهد على عظمة و عبقرية و إنسانية الإنسان الكوردي. كما أن للقادة و العلماء و الأدباء و الشعراء و الفنانين الكوردستانيين دور كبير و بارز في رسم خريطة منطقة الشرق الأوسط و تقدّم البشرية و تطور العلوم و المعارف و الأدب و الشعر و الفن العالمي.

من خلال الصفحات المضيئة للتأريخ الكوردي و المساهمات الرئيسة في بناء الحضارة الإنسانية و عيش الشعب الكوردي في وطنه منذ ما قبل التأريخ و أنه ثاني أكبر شعب في المنطقة بعد العرب، تُقدّر نفوسه بخمسين مليون نسمة، بل أنه في الحقيقة أكبر شعب في المنطقة، حيث أنّ أكثرية المحسوبين على العرب هم مستعرَبون وليسوا عرباً، و المؤهلات و القدرات و الطاقات التي تتمتع بها بنات و أبناء كوردستان و الثروات المعدنية التي تحتفظ بها بواطن أرض كوردستان و تدفق نهرَي دجلة و الفرات من أراضيها و موقعها الجغرافي المهم و الأراضي الزراعية الخصبة التي فيها و الآثار التأريخية المنتشرة في بقاعها و جمالها و إعتدال مناخها، كلها يجعل من شعب كوردستان أن يكون شعباً حراً و ديناميكياً، يؤسس دولة ديمقراطية تنشر المبادئ الديمقراطية في المنطقة و تصبح مصدر إلهام و عزم لشعوب المنطقة لبناء أنظمة ديمقراطية علمانية تؤمن بالتعددية و تعترف بالآخر المختلف و تجعل الدين عبارة عن علاقة محبة شخصية بين الإله و الإنسان و تترك السياسة و الإقتصاد و القوانين لأهلها و تخلق الرفاهية و التقدم لشعوبها و تسلك طريق السلم و الحوار في حل مشاكلها و تُبعد القهر و القتل و الحروب و الدمار عن شعوبها.

من هنا ينبغي أن يتزوّد المواطن الكوردستاني بمعلومات كافية عن تأريخ شعبه العريق و مساهماته الكبيرة في بناء الحضارة الإنسانية و المميزات التي يتمتع بها شعب كوردستان و الموارد البشرية و الطبيعية لبلاده، ليطلّع على حقيقة الشعب و الوطن اللذين ينتمي إليهما لتنمية ثقته بنفسه و بشعبه و ببلاده، ليتمكن أن يكسر حاجز الشعور بالنقص و التبعية للمحتلين و يعمل جاهداً من أجل تحرير كوردستان و تأمين حياة حرة كريمة لنفسه و للأجيال القادمة لشعبه و البدء من جديد في المشاركة الفعالة في تقدم و تطور الإنسانية.
 

G.M.K Team

G.M.K Team
إقليم غرب كوردستان و الحرب الأهلية السورية – 6 -

- على الكوردستانيين خلق الأحداث و التحكّم في مساراتها -

د. مهدي كاكە يي

الآن لنتحدث عن الدور التركي، حيث أن إنتفاضة الكوردستانيين و السوريين قد أرعب النظام التركي و أقلقه، فتحاول "تركيا" التحكّم بمسارات التطورات الحاصلة في سوريا بشكل عام و في غرب كوردستان بشكل خاص، لتكون هذه التطورات لصالحها و ذلك عن طريق فرض الإخوان المسلمين على المعارضة و مساعدتهم في تسلّم الحكم بعد إنهيار نظام بشار الأسد.

في حالة سقوط النظام السوري، إعتماداً على الواقع السوري، فأن الإخوان المسلمين، بأجنحتهم المختلفة لا يحظون بنفوذ كبير في المجتمع السوري و بذلك سيكونون عاجزين عن الإنفراد بالحكم أو أن يكون لهم دور رئيسي في حكم البلاد بالرغم من تلقّيهم الدعم التركي، حيث أن العالم قد تغيّر الآن و أن الشعب الكوردستاني و السوري لن يسمحا بنجاح محاولات النظام التركي في سرقة ثورتهما و تحريف مسارها عن أهدافها. كما أن "تركيا" تحاول إقناع الولايات المتحدة الأمريكية و دول الإتحاد الأوروبي بجدوى إستلام الحكم في سوريا من قِبل "سياسيين إسلاميين معتدلين" المتمثلين بالإخوان المسلمين، لضمان الإستقرار في سوريا و في المنطقة، إلا أن "تركيا" سوف لا تنجح في مسعاها بسبب عدم شعبية الإخوان المسلمين في سوريا و رفض الأحزاب العلمانية و القوى السورية و التنظيمات الكوردستانية للمشروع التركي و الذي يُشتت وحدة قوى المعارضة و لا يكون في صالح الغرب. كما أنه من المهم أن أذكر هنا بأن من مصلحة الدول الغربية و إسرائيل بقاء نظام بشار الأسد الذي لا يهدد المصالح الغربية و الإسرائيلية، مقارنة بتسلم الحكم من قِبل جماعات إسلامية أو قومية متشددة أو حلول الإنفلات الأمني و الفوضى في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، إلا أن الإنتفاضة السورية و الكوردستانية قد فرضت نفسها على الواقع و لا يجد العالم خياراً آخراً غير الإستسلام للأمر الواقع و قبول التغيير و في نفس الوقت تعمل كل دولة، لها مصالح في سوريا و المنطقة، على حفظ تلك المصالح. لهذا السبب فأن على القوى الكوردستانية رص صفوفها و تأسيس جبهة موحدة و وضع برنامج مشترك و مد جسور الصداقة و الثقة مع الدول الغربية و إسرائيل و روسيا وطمأنتها على تأسيس نظام ديمقراطي في غرب كوردستان، يمد يد الصداقة و التعاون الى كافة شعوب العالم. بهذه الإجراءات قد تتلقى القوى الكوردستانية الدعم من العالم الغربي و إسرائيل و تُفشل محاولات "تركيا" في فرض الإسلاميين في سوريا لتأسيس حكم إسلامي شمولي محل الحكم الشمولي لعائلة الأسد.

قد يعترض البعض على مقارنة النظام الإسلامي الذي يأتي به الإخوان المسلمون مع نظام عائلة الأسد، قائلين بأن النظام التركي ليس نظاماً شمولياً بالرغم من أن حزب أردوغان الإسلامي يحكم "تركيا". هنا يجب إستيعاب الإختلاف الكبير بين المجتمع السوري و التركي. تأسست "تركيا" منذ حوالي تسعين عاماً و منذ تأسيسها تبنى أتاتورك النظام العلماني و بذلك يعيش الشعب التركي خلال هذه الفترة الطويلة في ظل نظام علماني لا يمكن لحزب العدالة و التنمية التركي أن يقوم بتغييره. كما يجب أن لا ننسى بأن "تركيا" عضوة في الحلف الأطلسي و لها علاقات سياسية و إقتصادية و عسكرية قوية مع الغرب، بل أنها تدور في الفلك الغربي و لذلك فأن الغرب لا يسمح لنظام شمولي أن يظهر في "تركيا". من جهة أخرى فأن الجيش التركي الذي له نفوذ سياسية كبيرة في البلاد لا يسمح إطلاقاً بالإتيان بنظام شمولي ليحكم "تركيا"، حيث يعتبر نفسه حامي النظام العلماني. كما أن التربية السياسية و الإجتماعية في المجتمع التركي الذي يعيش في ظل نظام علماني لفترة طويلة قد كوّنت شخصية و عقلية تركية تختلف عن شخصية و عقلية المجتمع السوري الذي يرزح تحت حكم دكتاتوري شمولي رهيب منذ فترة طويلة.

من المُستبعد جداً أن تتدخل "تركيا" عسكرياً في سوريا بشكل مباشر على نطاق واسع، في محاولة منها لمنع تحرر الكوردستانيين في غرب كوردستان و ظهورهم كقوة لها دور كبير في رسم صورة النظام السوري الجديد و رسم خريطة الشرقَين الأوسط و الأدنى و ستفشل محاولة فرض الإخوان المسلمين لإستلام الحكم في سوريا. الدول الغربية سوف لا تسمح ل"تركيا" بغزو غرب كوردستان و سوريا و خلق الفوضى في هذه المنطقة الإستراتيجية التي تحتفظ بأكبر إحتياطيات البترول في أراضيها. إسرائيل بدورها لا تسمح لقوات تركية بالتواجد على حدودها و تقوية نفوذ الأتراك في المنطقة. كما أن إيران قد لا تقف مكتوفة الأيدي تجاه إزدياد النفوذ التركي و إنحسار نفوذ إيران في المنطقة و الذي سيؤثر بدوره على النفوذ الإيراني في لبنان و في غزة. أخيراً ستقع "تركيا" في وحل الحرب هناك و التي لا يمكن التنبؤ بالفترة الزمنية التي تستغرقها هذه الحرب، و التي ستكلفها خسائر بشرية و مادية كبيرة لا تستطيع تحملها و ستضطر أن تسحب قواتها و تُنهي غزوها دون تحقيق أهدافها. كما أن الفشل التركي في رسم ملامح النظام القادم في سوريا و جعله موالياً ل"تركيا"، سيُعجّل في ولادة ثورات و إنتفاضات كوردستانية و علوية و تركية في "تركيا"، فتُطيح بالدولة التركية ككيان سياسي و يتحرر إقليم شمال كوردستان من الإحتلال التركي و يتحرر العلويون و القوميات و أصحاب الديانات و المذاهب الأخرى من الإضطهاد القومي و الديني و المذهبي.

يحتاج الكوردستانيون في إقليم غرب كوردستان الى تنظيم أنفسهم و الإستعداد لمواجهة كل الإحتمالات لكي لا يتفاجؤون بها و ليكونون قادرين على تحقيق أهدافهم. معظم الأحزاب الكوردستانية في إقليم غرب كوردستان، بل في كل الأقاليم الكوردستانية هي عبارة عن أحزاب تقليدية ذات عقلية لا تؤهلها لقيادة الجماهير الكوردستانية و التفاعل و التواصل مع التطورات العالمية والإقليمية و الفكرية الكبرى التي تحدث على كوكبنا. تحقيق أهداف شعب كوردستان يتطلب وجود قيادة ديناميكية محنكة و مخلصة، واثقة من نفسها و تحمل عقلية تُعبّر عن روح العصر و الحداثة و الإنفتاح و تؤمن بالديمقراطية و تضع المصلحة الوطنية فوق المصالح الشخصية و القبلية و الحزبية و تستوعب التغييرات العالمية و الإقليمية ليصبح الشعب الكوردستاني أحد أبرز الشعوب التي تحدد و ترسم التغييرات و التطورات التي تضمن الوصول الى تمتع الشعب الكوردستاني بحق تقرير المصير أسوةً بالشعوب الحرة في العالم.

في هذه الظروف التي تتواصل فيها تطورات عالمية و إقليمية كبرى و التي تجري بسرعة كبيرة، أقترح على سكان الإقليم الغربي لكوردستان بالإسراع في عقد مؤتمر، تتم دعوة كافة القوى و الأحزاب و المنظمات و الجمعيات و النقابات و الشخصيات الكوردستانية إليه لمناقشة و دراسة التطورات الجارية في الإقليم بشكل خاص و في كوردستان بشكل عام و كذلك في سوريا و دول المنطقة و العالم و الإتفاق على تحديد الأهداف. من الضروي أن يُشكل ممثلو السكان الذين يعيشون في الإقليم الصوت البارز في المؤتمر بالإضافة الى ممثلي الكوردستانيين في المهجر و أن يتم عقده في إحدى الدول الأوروبية لخلق جو ديمقراطي للمناقشة و تبادل الآراء. أرى بأن يتبنى المؤتمر حق تقرير المصير للشعب الكوردستاني، حيث ليست هناك جهة مخوّلة من قِبل سكان الإقليم لتقوم بتمثيله. كما ينبغي إجراء إستفتاء في الإقليم تحت إشراف الأمم المتحدة ليُعبّر سكان الإقليم عن حق تقرير مصيرهم و يختاروا نوع العلاقة التي يريدون أن تربطهم بالشعب السوري. إن ممارسة شعب ما لِحق تقرير المصير هي قضية مصيرية لذلك الشعب، لذلك يجب أن يتم إختيار ممارسة هذا الحق عن طريق الإستفتاء المباشر للشعب، حيث أن حتى البرلمان المنبثق من الشعب لا يتمتع بحق تقرير مصير شعبه دون أخذ إرادة الشعب بشكل مباشر. نرى في البلدان الديمقراطية يتم الرجوع الى رأي الشعب المباشر في قضايا أقل أهمية بكثير من مسألة تقرير المصير، مثل تغيير العُملة الوطنية أو قبول دستور جديد أو قانون مهم.

التجارب و الواقع تُخبرنا إستحالة نجاح أنظمة إتحادية (فيدرالية) في البلدان المتأخرة و تجربة إقليم جنوب كوردستان مع الحكومة العراقية و التي تداعياتها لا زالت مستمرة، خير شاهد على فشل الأنظمة الفيدرالية في المجتمعات المتخلفة. لماذا نذهب بعيداً، مضى أكثر من سنة على الشعب البلجيكي، المؤلف من القوميتَين الرئيسيتَين، الألمانية و الفرنسية الى أن تمكن من تشكيل حكومة إئتلافية بسبب عدم توافق القوميات المكونة لهذا الشعب و من المتوقع أن تنبثق من بلجيكا الحالية دولتان جديدتان، إحداهما للناطقين بالألمانية و الأخرى للناطقين بالفرنسية. هنا يمكن التساؤل إذا مكوّنات الشعب البلجيكي المتقدم غير قادرة على الإنسجام و العيش المشترك في دولة واحدة فكيف يمكن للشعوب المتخلفة أن تنجح في أن تعيش معاً ضمن كيان سياسي واحد؟ على الكوردستانيين أن لا يركضوا وراء الأوهام و السراب، و إلا سيستمرون في العيش في هامش الحياة، تحت حكم المحتلين و يصبحون ضحايا أخطائهم و سوء تقديراتهم. كما نوهتُ أعلاه فأنه حتى البرلمان المنتخب شعبياً يجب أن لا يكون من صلاحيته تقرير مصير شعبه، و إنما يجب أن يُقرر الشعب مصيره بنفسه في إستفتاء حر و عليه يجب إحترام إرادة الكوردستانيين في الإقليم بإستفتائه عن كيفية تقرير مصيرهم. يجب التمسك بالمبادئ الديمقراطية و عدم فرض شخص أو جهة ما نفسها لتكون ممثلةً للشعب و أن لا تتخذ هذه الجهة قرارات مصيرية بالنيابة عنه، بل يجب السماح للشعب في التعبير عن إرادته.
 
أعلى