إقليم غرب كوردستان و الحرب الأهلية السورية

G.M.K Team

G.M.K Team
إقليم غرب كوردستان و الحرب الأهلية السورية – 7 -

- القيادات الكوردستانية و فشل الثورات الكوردستانية -

د. مهدي كاكەیي

في الحلقات السابقة تطرقتُ الى العولمة و تطور وسائل الإتصال و نقل المعلومات و أزمة النظام الرأسمالي و تأثيراتها على شعوب العالم، و منها الشعب الكوردستاني. تحدثتُ أيضاً عن إستحالة العيش المشترك لشعوب و قوميات و طوائف ذات مجتمعات متخلفة و التي لها ثقافات و مصالح و أهداف مختلفة، في كيانات سياسية ديمقراطية، كما هو الحال في الوقت الحاضر بالنسبة لشعوب الدول المصطنعة في منطقة الشرق الأوسط و الشرق الأدنى و شمال أفريقيا. كما أشرتُ في الحلقات السابقة الى عجز "تركيا" في تحديد نوعية و شكل النظام السوري القادم في حالة إنهيار نظام بشار الأسد. ذكرتُ كذلك بأنه من خلال قراءة متأنية لصفحات التأريخ الكوردستاني يتوصل المرء الى أن من أهم أسباب تجزئة كوردستان و عدم إنبثاق دولة كوردستان الى الآن، هو تفرّق كلمة الكوردستانيين و التحارب فيما بينهم و إستغلالهم من قِبل الدول المحتلة لكوردستان و الدول الكبرى و بذلك يفتقرون الى الوحدة و التخطيط و التنسيق و نكران الذات. إقترحتُ في الحلقات السابقة بأن يتم عقد مؤتمر وطني في إقليم غرب كوردستان تشترك فيها الأحزاب السياسية و منظمات المجتمع المدني من نقابات و جمعيات و كذلك شخصيات كوردستانية و إعطاء أهمية خاصة للشباب الكوردستاني في تمثيل سكان الإقليم في هذا المؤتمر المقترح. عبّرتُ أيضاً الى حاجة الإقليم، بل كوردستان بأكملها الى ظهور أحزاب جديدة شابة، تتمتع بالديناميكية و الحنكة و نكران الذات و تحمل عقلية منفتحة قادرة على التواصل مع المتغيّرات العالمية و الإقليمية و مؤهلة لتحقيق أهداف شعب كوردستان في الحرية و حق تقرير المصير، لتحلّ محل الأحزاب الكوردستانية التقليدية التي تجاوزها الزمن.

إن السياسة هي كالتجارة، القائمون بإدارتها يستندون على الربح و الخسارة في التعاطي معها، كل جهة تبذل جهدها للحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب، دون مراعاة مصالح الآخرين. لذلك فأن كل دولة أو شعب يكافح في سبيل تحقيق أعلى نسبة ممكنة من أهدافه و طموحاته و أنه يتحمل لوحده مسئولية نجاحه أو فشله في الوصول الى الأهداف المحددة. هنا أريد أن أقول بأن شعب كوردستان هو المسئول الوحيد عن تحقيق أهدافه في الحرية و الإستقلال، ففي حالة نجاحه سيُثبت على جدارته و صحة برامجه و خططه و في حالة فشله يتحمل لوحده مسئولية ذلك الفشل و يتحمل نتائجه السلبية لوحده أيضاً. هذا يعني بأنه يجب أن لا ينتظر الكوردستانيون بأن تقوم جهة أو جهات خارجية غير كوردستانية بتحرير كوردستان بالنيابة عنهم و أن يعرفوا بأن هذا الشئ لا يحدث أبداً بالشكل الذي يُلبي طموحات و تطلعات شعب كوردستان. هذا يعني أيضاً بأن شعب كوردستان يجب أن يعتمد على نفسه و على قواه الذاتية في نضاله في سبيل إستقلاله و أن يضع في نفس الوقت تكتيكات و إستراتيجيات ناجحة لإستثمار الفرص الإقليمية و الدولية المتاحة للإستفادة منها في تعزيز نضاله و تحقيق أهدافه.

إنّ تحميل الدول و الجهات الخارجية مسئولية فشل الثورات الكوردستانية و إفشال تحرر الشعب الكوردستاني و تحرير كوردستان هو ناتج عن تهرّب القيادات السياسية الكوردستانية من تحمّل مسئولية الإخفاقات و الفشل و عدم إعترافها بفشلها و أخطائها و إتهام القوى الخارجية بالتسبب في الهزائم و الإنتكاسات المتواصلة عبر التأريخ الكوردستاني، و ذلك لإيجاد تبريرات لإستمرار هذه القيادات في التمسك بمواقعها و نفوذها و الحيلولة دون فقدانها لسلطتها. مثلاً، لحد الأن تتم تسمية إتفاقية الجزائر التي تمت في عام 1975 بين صدام حسين و شاه إيران ب"الإتفاقية الخيانية" و التي أدت الى إنهيار الثورة الكوردستانية المسلحة. يتم إتهام كل من الولايات المتحدة الأمريكية و شاه إيران ب"خيانة" الشعب الكوردستاني و كأنما الأمريكيون و شاه إيران كانوا كورداً و خانوا شعبهم! ليست هناك في السياسة مواثيق و عهود ثابتة و جازمة ولا مبادئ أخلاقية و لا ضمائر حية، بل هناك فقط مصالح و يتم تحديد االتحالفات و العداوات إستناداً الى مدى إلتقاء المصالح أو تنافرها. الدول و الشعوب لها مصالحها الخاصة و التي تعتمد على الظروف التي تتغير بإستمرار و بذلك تتغير إستراتيجيات و تكتيكات و أولويات و برامج و خطط وتحالفات وتنافرات الشعوب و الدول بشكل متوازٍ مع هذه التغيّرات الظرفية.

يُحتم الواجب الوطني على القيادات الكوردستانية بأن تعترف بمسئولياتها عن الهزائم و النكبات التي تعرض لها شعب كوردستان عبر تأريخ كفاحه الطويل لأخذ الدروس من أسباب تلك الإخفاقات و عدم تكرار نفس الأخطاء، بدلاً من إلقاء مسئولية الفشل و الهزائم على عاتق قوى خارجية تعمل وفق مصالحها. إن التعامل السلبي أو الإيجابي لهذه القوى مع النضال الكوردستاني تُحدده مصالحها فقط.

تهرّبْ القيادات الكوردستانية من تحمل مسئولية فشل الحركات و الثورات الكوردستانية جعلَ من هذه القيادات أن تتّبع نهج الحكام الشموليين في كتابة تأريخ كاذب و بعيد عن الحقائق، كله عبارة عن إنتصارات و أمجاد و إتهامات للقوى الأجنبية بخيانة القضية الكوردستانية و تبرئة نفسها من أية مسئولية عن مآسي شعب كوردستان، و بذلك يتم إطلاع الأجيال الكوردستانية على تأريخ مزوّر لا يمت بصلة بواقع تأريخ الشعب الكوردستاني. يجب إناطة مُهمة كتابة التأريخ الكوردستاني بأكاديميين مختصين لكتابة تأريخ واقعي للشعب الكوردستاني و الإبتعاد التام عن تسييس كتابة التأريخ و تزويره لصالح الحُكام و أن لا يُكتَب حسب رغباتهم و أهوائهم.
 

G.M.K Team

G.M.K Team
إقليم غرب كوردستان و الحرب الأهلية السورية (8)

- إعتماد الكوردستانيين على قواهم الذاتية و تحملّهم لمسئولية تحرير أنفسهم -

د. مهدي كاكەیي

الطريق الوحيد لتحرر شعب كوردستان هو إعتماده على نفسه و في نفس الوقت العمل على إنتهاز الفرص التي تُتيحها الظروف الإقليمية و الدولية لخدمة القضية الكوردستانية و عدم إنتظار المساعدات الخارجية كبديل للعمل الذاتي الكوردستاني، حيث أن كل جهة أو شعب أو دولة لها مصالحها و على ضوء هذه المصالح تبني سياساتها و تحالفاتها و تعمل بكل قوة و بدون أدنى رحمةٍ على تدمير كل مَن يُهدد أو يُعرقل تحقيق مصالحها.

إذاً من الشروط الرئيسية لتحرر و إستقلال كوردستان هي الإعتماد على النفس و توحيد كلمة الكوردستانيين و نضالهم و التنسيق فيما بينهم، بعيداً عن المصالح الشخصية و الحزبية و العشائرية و عدم تصديق الوعود، بل تتحقق الأهداف من خلال قوة الشعب و مدى قدرته على لعب دور رئيسي في خلق و تغيير المعادلات السياسية و التي تعتمد الى جانب القوة العسكرية، على الجوانب السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية و الفكرية و الثقافية و الإعلامية و الوعي الجمعي و تفعيل الديمقراطية.

تحرر كوردستان يُقرر ويحدد مصير ومستقبل الكوردستانيين الذين تعرضوا منذ زمن طويل و لا يزالون يتعرضون للإبادة و الإضطهاد و التعريب و محاولة إلغاء لغتهم و تأريخهم و ثقافتهم و تراثهم و أنّ خريطة وطنهم تنكمش يوماً بعد آخر بسبب التعريب و الإستيطان و التهجير. إن للكوردستانيين تأريخ مأساوي، ينزف دماءً و تشهد آثار الإبادة و الدمار و الخراب على هذا التأريخ التراجيدي. لذلك يحتاج شعب كوردستان الى قيادة سياسية مخلصة و حكيمة و شجاعة، مؤهلة لقيادة هذا الشعب المظلوم و خاصة أنه شعب مجزء و بلاده مُغتصَبة من قِبل عدة دول و محاطة من قِبل الأعداء من كل الجهات. أي بكلام آخر فأن الظروف الجيوسياسية الصعبة لكوردستان و تأثير ثقافات المحتلين على المجتمع الكوردستاني، تتطلب أن تكون قيادة الكوردستانيين قيادة نوعية فريدة واعية لتكون قادرة على تحرير شعب كوردستان من العبودية و الإحتلال بأسرع وقت ممكن و بأقل الخسائر البشرية و المادية في ظل هذه الظروف الصعبة.

إن ظروف شعب كوردستان لا تسمح بإرتكاب الأخطاء و تكرارها و لا يمكن تحرير كوردستان بالوسائل الكلاسيكية البالية و بعقلية عبادة الفرد أو النظرة الحزبية والعشائرية الضيقة الدالة على التخلف، بل يحتاج الى عمل جماعي على مستوى الشعب كله و بإتباع وسائل متطورة واقعية عملية مدروسة، و أن تُساهم فيها كل القوى و الجهات الكوردستانية لأن المُهمة أكبر بكثير من قدرات و طاقات جهة واحدة أو حزب واحد أو عدة أحزاب، مهما كانت كبيرة و مُنظمة، لكي يتم ضمان تحقيق أماني الشعب الكوردستاني.

لِيعلم القادة الكوردستانيون بِأنّ كوردستان ليست حقل تجارب يجرونها على شعب كوردستان، كما تُجرى التجارب العلمية على الفئران، ولذلك فأن شعب كوردستان يجب أن يمتنع عن تقديم التضحيات بأنفسهم وأموالهم في سبيل "نضالٍ" فاشلٍ غير قادرٍ على تحرير كوردستان، حيث أن هذا الشعب العريق والشجاع أخذ يُضحي بحياة بناته وأبنائه وبأموالهم منذ أكثر من مائة سنة في العصر الحديث، أي منذ عقد إتفاقية سايكس – بيكو بعد إنتهاء الحرب العالمية، وخلال هذه السنين الطويلة من النضال فقدَ الشعب ثقته بالقيادات التي قادتْه الى التعرض للإبادة الجماعية و الأسلحة الكيميائية والأنفالات والتهجير والهجرة وحرق ودمار عشرات الآلاف من القرى والقصبات والمدن الكوردستانية، دون تحقيق تحرر شعب كوردستان و في كل مرة تفشل هذه القيادات في "ثوراتهم"، لا يعترفون بِهزائمهم وفشلهم، بل يضعون مسئولية هزائمهم في عاتق دول خارجية وكأنما هم لا وجود لهم و لا دور لهم، بل أنهم عبارة عن رُقع الشطرنج تُحركهم أيادي أجنبية وخاصةً أيادي الدول المُغتصِبة لكوردستان. هكذا يستمر القادة بعد كل هزيمة في ترؤس أحزابهم و مقاتليهم وكأنما لم يحدث شئ. إن شعب كوردستان مدعوٌ الى إزاحة هؤلاء الدياناصورات السياسية المتخلفة من خلال تأسيس تنظيمات سياسية عصرية و القيام بالإنتفاضات الشعبية لإرغام هؤلاء القادة الى ترك كراسيهم و ترك شعب كوردستان ليقرر مستقبله بتنظيم نفسه وإختيار قيادات محنكة مؤهلة لتحرير شعب كوردستان من الإحتلال.

عليه يجب على القيادات السياسية في إقليم غرب كوردستان أن توحّد نفسها و تُرتّب البيت الكوردستاني و ترفع شعار "إستقلال كوردستان" لسكان الإقليم و تضع إستراتيجياتها و تكتيكاتها و برامجها و خططها و الوسائل النضالية المستخدمة لضمان تحقيق أهداف سكان الإقليم. عليها أن تعمل ليلَ نهار لتعزيز قوتها و زيادة نفوذها لتكون في موقع قوة تستند عليه في مفاوضاتها، سواءً مع نظام بشار الأسد أو مع القوى العربية السورية التي قد تستلم الحكم في سوريا.

إن الأحزاب و القوى التي ستستلم الحكم في سوريا هي نتاج التربية الشمولية و العنصرية و الإسلامية السائدة في المنطقة و لا يجب أن ننتظر من هذه القوى أن تصبح خلال أيام بقدرة قادر، أحزاباً و شخصيات ديمقراطية متحضرة تعترف بحق شعب كوردستان في حقه في تقرير مصيره، حتى لو إدعت بعض هذه القوى بأنها تعترف بحق تقرير مصير شعب كوردستان، سيكون هذا الإدعاء تكتيكاً لتثبيت حكمها و تقوية مركزها و بعد ذلك تتنصل من إدعائها و وعودها و تحاول إضطهاد الكوردستانيين من جديد. هذا يعني بأن الطريق الى الحرية و الإستقلال بالنسبة لسكان الإقليم هو القوة الذاتية و وحدة الصف للتمكن من فرض قبول حقوق الشعب الكوردستاني على الآخرين. سوف لا يفيد اللوم و العتاب و النقد و توجيه الإتهام للقوى غير الكوردستانية في عدم إعترافها بحقوق الكوردستانيين بعد إختفاء حكم البعث في سوريا أو مُعاتبة النظام السوري في حال بقائه، بل يجب على الكوردستانيين أن يعتمدوا على أنفسهم و يُثبتوا وجودهم و يكونون قادرين على فرض شروطهم على الآخرين لتحقيق تطلعات و أهداف سكان الإقليم و أن لا ينتظرون قيام الآخرين بالمُهمّة نيابةّ عن الكوردستانيين، لأن هذا الأمر وهمٌ لا يتحقق أبداً.
 

G.M.K Team

G.M.K Team
إقليم غرب كوردستان و الحرب الأهلية السورية – 9 –

- القوة الذاتية الكوردستانية تُحدد مستقبل شعب كوردستان -

د. مهدي كاكەیي

هناك مسألة مهمة جداً تستحق الإهتمام وهي أن القوة الذاتية للكوردستانيين تحدد مدى قدرتهم على لعب دور فعال و مهم في المعادلات و التوازنات السياسية السورية (بل في جميع البلدان المحتلة لكوردستان) و الإقليمية و الدولية، والتي على ضوئها تتحدد مواقف السوريين و الدول الإقليمية و الدول الكبرى من حق تقرير مصير الكوردستانيين و تُقرر سياسات هذه الجهات و الدول تجاه حق الكوردستانيين في بناء دولتهم. إذا كانت القوى الكوردستانية مشتتة و ضعيفة و متصارعة فيما بينها، بحيث تكون غير قادرة على القيام بدورٍ حيوي في سوريا و المنطقة، فأن الحكومات الإقليمية ستتدخل في شؤون الكوردستانيين لإبقائهم تحت نير الإحتلال و الذوبان و الإضطهاد دون أي تخوّف من رد فعل كوردستاني تجاه تدخلاتهم في الشأن الكوردستاني الداخلي و التصدي لها. كما أنه في هذه الحالة سوف لا تُعير الدول الكبرى أهمية للكوردستانيين لأنهم لا يُشكلون قوة تستطيع التأثير على سياسة الحكومات المحتلة لكوردستان و أنهم سيكونون غير مؤهلين ليكونوا طرفاً في المعادلات السياسية داخل الدول المحتلة لكوردستان و على نطاق المنطقة بأكملها.

الدول الكبرى تبحث عن مصالحها و لا تتحالف مع جهات و شعوب غير قادرة على إثبات وجودها و قوتها لتكون طرفاً في المعادلات و التوازنات السياسية الإقليمية و الدولية. الكوردستانيون هم بأنفسهم يقررون فيما لو يكونون موضع إهتمام العالم و يكونونون طرفاً يُحسب له حساب في المنطقة و عندئذ ستمتنع الدول المحتلة لكوردستان عن المجازفة بالتدخل في الشؤون الكوردستانية و الإستمرار في إحتلال كوردستان. كلما كان الكوردستانيون أقوياء و موحدين كلما يلعبون دوراً أكبر في تحديد الظروف الإقليمية و تحديد مسارات التطورات الحاصلة و أن يكونوا طرفاً في التحالفات الإقليمية و الدولية و كلما يقترب وقت تحرر كوردستان من الإحتلال. من هنا فأن الكوردستانيين يكونون موضع إعتزاز و فخر كلما نجحوا في تحقيق أهدافهم و إن فشلوا في ذلك ما عليهم إلا أن يلوموا أنفسهم فقط و سيلعنهم التأريخ و تلعنهم الأجيال الكوردستانية القادمة.

هنا أود أن أثير موضوع تخوّف البعض من سيطرة الإسلاميين على الحكم بعد إسقاط الأنظمة الشمولية و الفاسدة من قِبل الجماهير الثائرة و ذلك عن طريق الإحتكام الى صناديق الإقتراع و الفوز فيها، كما حصلت في كل من تونس و مصر و المغرب و قد يفوزون في ليبيا أيضاً. إن الحُكم على الأمور دون دراسة علمية للعوامل المؤثرة و بمعزل عن المتغيرات و التطورات الجارية و إهمال عامل الزمن، يقود الى أخطاء في النتائج المستحصلة و التي تكون بعيدةً عن الواقع. إن سيطرة الحُكام الشموليين و الأحزاب الدكتاتورية على الحكم في بلدان الشرقَين الأوسط و الأدنى و شمال أفريقيا منذ بداية العقد الخمسين للقرن العشرين، كانت نتيجة مباشرة للحرب الباردة بين كل من الحلف الأطلسي و حلف وارشو، حيث كان هدف كلٍّ من هذين القُطبَين هو الإنتصار على القطب الآخر بكل الوسائل الممكنة، بغض النظر عن النُظم السياسية للدول الأخرى التي أراد كل من القطبَين العالميَين جعلها حليفة له لتعزيز موقعه و تحقيق الإنتصار على القطب المنافس. إستغل الحكام الدكتاتوريون و الشموليون الظروف التي خلقتها الحرب الباردة آنذاك و أسسوا أنظمة دكتاتورية شمولية جائرة و فاسدة، تُمسك بكراسي الحكم عن طريق الإبادة و القتل بوحشية و السجن و التهديد، دون أن يكون هناك رادع يردعهم أو يحاسبهم. أما اليوم فأن الحرب الباردة قد إنتهت و نعيش في عصر العولمة و ثورة الإتصالات و المعلومات و أن الشعوب بدأت تكسر حاجز الخوف من بطش الحكام الجائرين، لذلك لا يتمكن أي حزب إسلامي، أن يستلم الحكم عن طريق الإنتخابات و يؤسس نظاماً شمولياً للحكم في عصرنا هذا، بل يضطرون الى مواكبة التطورات العالمية و التأقلم مع العصر الحاضر و ذلك بالسير نحو القيم الديمقراطية بالضد من إرادتها، كما هو الحال مثلاً بالنسبة لحزب العدالة و التنمية التركي. ستفشل أية محاولة لأحزاب إسلامية لبناء أنظمة شمولية و إلا ستقوم الشعوب بالإطاحة بها. كما أن البلدان المتحررة من حكوماتها الشمولية، مثل تونس و مصر و ليبيا ستعاني من مشاكل سياسية و إقتصادية و إجتماعية صعبة جداً بعد زوال الحكومات المركزية القوية التي كانت تضطهدم و تنكل بهم، حيث ستستمر مشاكل إثنية و دينية و إقتصادية و تسود الفوضى في هذه الدول لفترة طويلة، و قد تدخل شعوبها في حروب أهلية طاحنة. لذلك لن يكون بمقدور أي حزب السيطرة على الوضع و بناء حكم إستبدادي جديد في سوريا. العراق مثال حيّ على ما تؤول إليه الأوضاع بعد تغيير الأنظمة الإستبدادية. في مثل هذه الظروف المستجدة في هذه البلدان فأن الفرص تكون مؤاتية للشعوب و القوميات و الطوائف و أصحاب الأديان المضطهَدة، لتكثيف نضالها من أجل التمتع بحقوقها بعد حرمان طويل و بعد تعرّض هوياتها و لغاتها و تأريخها و تراثها و حقوقها لمحاولة الإلغاء و الإنكار ونهب خيرات بلدانها. إنّ هذا العصر هو بحق هو عصر تحرر الشعوب و القوميات و الأديان و الطوائف المضطهَدة، و منها شعب كوردستان.
 

G.M.K Team

G.M.K Team
إقليم غرب كوردستان و الحرب الأهلية السورية (10)

- يجب أن تكون المصلحة الوطنية فوق المصالح الشخصية و الفئوية و الحزبية -

د. مهدي كاكه يي

رغم التطورات التأريخية الكبرى المتسارعة التي تحدث في المنطقة و في كوردستان و التي تقود الى تغيير الخارطة السياسية للمنطقة و تتيح فرصةً تأريخية لشعب كوردستان للتمتع بحريته و تحرره من الإحتلال و إستعادة توحيد كوردستانه و دخوله في المعادلات الإقليمية و العالمية كقوة لا يمكن تجاهلها أو الإستغناء عنها، فأن هناك أحزاب سياسية في غرب كوردستان لا تزال تتصرف من منطلق حزبي ضيق و تُفكر بعقلية تجاوزها الزمن، و قسم من هذه الأحزاب لا تزال تعيش في زمن الحرب الباردة و عصر الآيديولوجيات و التفرّد في النضال و في تمثيل الجماهير الكوردستانية، فتهتم بالجزئيات مثل كثرة أعضاء أحزابها و المؤيدين لها و سعة المناطق التي تتمتع فيها بالشعبية و التأييد و النفوذ، دون أن تعي هذه الأحزاب بأن شعب كوردستان أمام منعطف تأريخي فريد، يتخطى الأحزاب و الآيديولوجيات و أن مصير الشعب الكوردستاني مرتبط بنتائج التطورات الحاصلة في المنطقة و بذلك ترتبط مصائر كل الأحزاب الكوردستانية بنتائج هذه التطورات، بغض النظر عن مواقف هذه الأحزاب و تحالفاتها.

إن شعب كوردستان يعيش في مرحلة التحرر الوطني و لذلك يحتاج النضال الكوردستاني الى تجاوز الإختلافات الآيديولوجية و الخلافات الحزبية و وضع المصلحة الوطنية فوق الإختلافات و الإجتهادات الى أن تتحرر كوردستان، حينئذٍ يمكن للأحزاب و الحركات السياسية التنافس على إستلام السلطة و الحكم و ذلك بالرجوع الى رأي و إرادة الشعب الكوردستاني من خلال الإحتكام الى الإنتخابات التي عن طريقها يختار الشعب ممثليه في البرلمان و في مجالس البلديات و يختار كذلك رئيس الدولة. إن الواجب الوطني يفرض على كافة الأحزاب و المنظمات و الحركات و الشخصيات الوطنية في إقليم غرب كوردستان أن تعي بأنها أمام مسئولية تأريخية و أخلاقية تجاه الشعب الكوردستاني في هذه الظروف التأريخية التي يمر بها شعب كوردستان، و يجب عليها إنتهاز هذه الفرصة التأريخية التي قد لا تُتاح للكوردستانيين مرة أخرى. ستدخل أسماء الذين يخدمون شعبهم في هذه الظروف الحاسمة، في صفحات التأريخ المضيئة و سيلعن التأريخ كل مَن يساهم في التسبب في إستمرارية معاناة و عبودية شعب كوردستان و مَن يقوم بإفشال نضال هذا الشعب الهادف الى تحرير بلاده من براثن الإستيطان و الإحتلال. إن مصير و مستقبل الشعب الكوردستاني مرتبطان بهذه التطورات الداخلية و الإقليمية و الواجب الوطني يُحتم على الجميع الإبتعاد عن الأنانية الفردية و الحزبية و أن يناضلوا معاً موحّدين ليتمكنوا من خلق حياة جديدة للشعب الكوردستاني و كتابة تأريخ جديد لهذا الشعب العريق المجزأ و المُستعبَد.

إن تسارع التطورات في المنطقة و في سوريا و غرب كوردستان، يتطلب العمل السريع و المنظّم لمواكبة الأحداث القائمة و التأثير في مساراتها و رسم معالمها. عدم وحدة كلمة الكوردستانيين و إهمال ترتيب البيت الكوردستاني سيُسبب كارثة كبرى للشعب الكوردستاني. إن تشتت و تشرذم القوى الكوردستانية في تجمعات المعارضة السورية مثل المجلس الوطني السوري و هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي، لا يخدم النضال الكوردستاني. المصالح الشخصية و الفئوية و الحزبية الضيقة و التنافس على النفوذ و قُصر نظر قيادات الأحزاب، تجعلها تتحالف مع القوى العربية السورية، التي جميعها لا يعترف بحق شعب كوردستان في تقرير مصيره. الواجب الوطني يفرض على الأحزاب و الحركات و المنظمات و الشخصيات الكوردستانية أن تتحالف مع البعض و إختيار مرجعية سياسية لمواطني إقليم غرب كوردستان لقيادة النضال الكوردستاني في هذه الأوقات الدقيقة في تأريخ شعب كوردستان و تمثيل المواطنين في الإقليم بصوت واحد في المفاوضات و التحالفات مع القوى السورية و الإقليمية و الدولية و التي تمنح هوية و شخصية مستقلة للقضية الكوردستانية. إن تشتت و تشرذم القوى الكوردستانية و تحالف كل تنظيم سياسي منها على إنفراد مع تكتلات المعارضة العربية السورية أو مع النظام السوري، يؤدي الى الفشل في تحقيق أهداف شعب كوردستان في الإقليم و العجز في مواجهة التحديات الكبرى التي يواجهها مواطني الإقليم في ظل الظروف التي يمر بها الإقليم و سوريا و المنطقة، حيث أن المعادلات و التوازنات السياسية السورية الحالية ستتغير، سواء ينجح النظام السوري الحالي في الإحتفاظ بالحكم أو ينهار و يختفي على الساحة السياسية. المرحلة الحالية تتطلب وحدة الكلمة الكوردستانية في الإقليم و وجود قيادة سياسية موحدة ليكون الصوت الكوردستاني مسموعاً كوردستانياً و سورياً و إقليمياً و دولياً و لفرض إرادة المواطنين الكوردستانيين في الإقليم على القوى السياسية و الحكومات المؤثرة في المنطقة و العالم بالإعتراف بحقوق شعب كوردستان في تقرير المصير و التعامل مع القضية الكوردستانية كقضية شعب يناضل من أجل تحرره، بدلاً من رؤية القضية كمسألة سورية، تتعلق بمظالم الحكم السوري، كما هو الحال بالنسبة للعرب السوريين. يجب العمل على تخليص القضية الكوردستانية من التبعية لقضايا الدول المحتلة لكوردستان و جعلها قضية مستقلة، قضية شعب، بلاده محتلة و هويته و لغته و شخصيته مهددة بالإلغاء.
 

G.M.K Team

G.M.K Team
إقليم غرب كوردستان و الحرب الأهلية السورية (11)

- موقع كوردستان في الحلف السُنّي والشيعي في المنطقة -

د. مهدي كاكه يي

لنحلّل الأمور بموضوعية و واقعية لنصل الى نتائج و إستنتاجات تخدم القضية الكوردستانية. حكومات و قوى منطقة الشرق الأوسط يمكن تصنيفها الى مجموعَتين، المجموعة الأولى عبارة عن حكومات و منظمات و أحزاب متحالفة أو تلتقي مصالحها مع الدول الغربية، مثل (تركيا) و السعودية و الأردن و إسرائيل و حكومة إقليم جنوب كوردستان وغيرها، بينما المجموعة الثانية هي عبارة عن حكومات و حركات سياسية متحالفة أو تلتقي مصالحها مع كل من روسيا و الصين، مثل إيران و النظام السوري و حزب الله و حماس و غيرها. كما نرى أن هاتين المجموعتَين من الدول تصطف دولها طائفياً مع البعض (بإستثاء حركة حماس)، حيث أن المجموعة الأولى تنتمي للطائفة السُنيّة، بينما المجموعة الثانية تعتنق المذهب الشيعي. من خلال هذه المعادلة السياسية، يفرض الواقع على الكوردستانيين الذين هم جزء من سكان المنطقة أن يختاروا الإنضمام الى أحد المجموعتَين (الحلفَين) المذكورتَين. الآن لندرس هذا الواقع المفروض على الكوردستانيين ليختاروا الحلف الذي هو أفضل لمصالح شعب كوردستان و تحقيق أهدافه، حيث أن الظروف الذاتية الكوردستانية الحالية لا تسمح للكوردستانيين أن يكونوا غير منحازين لطرف من الطرفَين المذكورَين.

بالنسبة الى الحلف الغربي، هناك (تركيا) تعمل من أجل تهميش الدور الكوردستاني و حرمان شعب كوردستان من حقوقه، لتمنع مواطني إقليم شمال كوردستان من التأثر بالإنجازات الكوردستانية في الأقاليم الأخرى من كوردستان، إلا أن (تركيا) ليست دولة عظمى و طموحاتها و أحلامها أكبر بكثير من إمكانياتها و قدراتها، حيث أنها تدور في فلك الولايات المتحدة الأمريكية، فتُنفذ الخطط المرسومة لها في المنطقة من قِبل الأمريكيين بشكل خاص و الإتحاد الأوروبي بشكل عام، لذلك فأن (تركيا) عاجزة عن تحقيق كل رغباتها و أهدافها التي تطمح إليها و "البُعبع التركي" مُبالغ فيه بشكل كبير، حيث أن إمكانياتها محدودة. كما أن الفوضى السائدة في المنطقة و التي قد تتفاقم بشكل أكثر، تجعل تحقيق الخطط المرسومة من قِبل (تركيا)، و من ضمنها تلك المعنية بالشعب الكوردستاني، صعباً جداً، حتى أن الولايات المتحدة الأمريكية و الإتحاد الأوروبي تواجه تحديات كبيرة في الوصول الى أهدافها في المنطقة في ظل الفلتان الأمني و الحروب الأهلية و الصراعات القومية و الطائفية، و ربما في ظل إندلاع حروب إقليمية مدمرة في المنطقة. كما أن الأزمة الإقتصادية التي يمر بها العالم اليوم، تُحدد الى درجة كبيرة من قدرة (تركيا)، بل الدول الغربية أيضاً في تحقيق أهدافها و خوض حروب باهضة الثمن التي سوف لا يتحملها الإقتصاد المتدهور لهذه الدول، حيث إن الإقتصاد العالمي الحالي لا يتحمل الحروب و النفقات العسكرية الباهضة، في الوقت الذي هناك دول غربية على حافة الإفلاس من دون خوض حروب. نقطة مهمة أخرى يمكن الإشارة اليها وهي أن النظام التركي، الذي يحتل جزء من كوردستان يكاد يكون الطرف الوحيد في هذا الحلف الذي يحاول عرقلة تحقيق أهداف الشعب الكوردستاني، بينما الدول الأخرى المحتلة لإقليم شرق و غرب كوردستان (إيران و سوريا)، تنتمي الى الحلف المضاد و أي تغيير سياسي شعبي فيها، سيكون لمصلحة شعب كوردستان. إن ضعف أو إنهيار الحكومات المركزية للدول المحتلة لكوردستان، هو لصالح الكوردستانيين، لذلك فأن قيام الثورات الشعبية و نجاحها يُتيح فرص تأريخية للكوردستانيين لتحررهم و تحقيق أهدافهم. من العناصر الإيجابية الأخرى للحلف الغربي لشعب كوردستان هي الديمقراطية السائدة في الغرب و العدالة الإجتماعية النسبية فيه، بالإضافة الى نفوذ منظمات المجتمع المدني في هذه الدول التي تتيح الفرصة لحشد الرأي العام الغربي و الدولي ضد المظالم التي يعيش في ظلها شعب كوردستان و التظاهر و تنظيم الإحتجاجات في هذه الدول من قِبل الجاليات الكوردستانية و الصديقة و منظمات المجتمع المدني و المنظمات الإنسانية.

الآن لنأتي الى الحلف الآخر، الحلف الروسي-الصيني-الإيراني، لنرى مدى إلتقاء مصالح هذه الدول مع مصلحة شعب كوردستان. الروس و الصينيون لا يعترفون بحقوق الشعوب الأخرى، مثل الشعب الكوردستاني، حيث أن لهاتين الدولتَين أنظمة حكم شمولية (إنتخابات مزوّرة تُجرى عادةً في روسيا)، كما أن هاتين الدولتين تقمع كفاح الشعوب و الطوائف التي تعيش ضمن هذين الكيانَين السياسيين و المتطلعة نحو الحرية و الإستقلال، مثل الشعب الشيشاني و شعب التبت و المسلمين. روسيا و الصين لهما مصالح مشتركة مع كل من إيران و سوريا، اللتين تحتلان أجزاءً من كوردستان و اللتين لهما نظام حكم شمولي و دكتاتوري و لا تعترفان بحقوق شعب كوردستان. كما أنه في حالة إنتصار هذا الحلف، فأن الحكومة (الشيعية) في بغداد ستصبح شريكة لهذا الحلف. إن الصين و روسيا من الدول العظمى، حيث تتبعان سياسة تساعدهما في تنافسهما مع الدول الغربية على المصالح و النفوذ و تبذلان جهودهما لتحقيق مصالحهما في العالم. لذلك فأن هاتين الدولتين تبنيان سياستهما وفقاً لمصالحهما و التي تلتقي مع مصالح النظامَين الإيراني و السوري و تتقاطع مع مصالح شعب كوردستان. من هنا يتوصل المرء الى أن النتائج تكون كارثية لشعب كوردستان فيما لو إنضم الى الحلف الروسي-الصيني-الإيراني و قام بمعاداة الحلف الغربي، و خاصة في العصر الحاضر، فأن الأنظمة الشمولية و الدكتاتورية، مثل النظامَين الإيراني و السوري، أخذت تعيش خارج الزمن و أن هذين النظامَين في طريقهما نحو الزوال. عليه فأن من مصلحة الشعب الكوردستاني أن يجد نفسه، على الأقل في الوقت الحاضر، في المعسكر الغربي في نضاله من أجل حريته و إستقلال بلاده.

قد يقول المرء بأن الغرب و إسرائيل وقفوا ضد حزب العمال الكوردستاني و لا يزالون يقفون ضد هذا الحزب و يدعمون النظام التركي و أن الغرب و إسرائيل ساهمت عملياً في تسليم الزعيم الكوردستاني عبدالله أوجلان الى السلطات التركية، فكيف يتعاون و يتحالف هذا الحزب أو الأحزاب الحليفة معه مع الغرب و إسرائيل؟ السياسة لا مبادئ و لا قيم و لا صداقات فيها، و إنما مبنية على المصالح فقط، لذلك فأنه لا يتم التعامل في السياسة كما يتم التعامل في العلاقات الشخصية و القبلية، حيث المبادئ و ثقافة الثأر و العداء، دون مراعاة المصالح الشخصية و القبلية في كثير من الحالات. التحالفات و العداءات السياسية تتأتى من المصالح، لذلك لا تؤثر سلبيات و إيجابيات العلاقات الماضية على العلاقات الآتية التي تتطلبها مصلحة شعب أو حزب أو فئة ما. من هنا ينبغي أن تكون إستراتيجية و علاقات التنظيمات السياسية الكوردستانية، مبنية على المصالح العليا لشعب كوردستان و مرتكزة على الظروف الذاتية و الموضوعية التي يمر بها الشعب الكوردستاني.
 

G.M.K Team

G.M.K Team
إقليم غرب كوردستان و الحرب الأهلية السورية (12)

- مصطلح (القومية) و (الوطنية) -

د. مهدي كاكه يي

أحب أن أشير هنا بأن القدرة على تغيير المعادلات و التوازنات و الإتفاقيات و العلاقات السياسية لصالح النضال الكوردستاني و تحقيق أهداف الشعب الكوردستاني، تعتمد على القوة الذاتية لشعب كوردستان. كلما كان الشعب قوياً في المجالات السياسية و الفكرية و الثقافية و التنظيمية و الإقتصادية و العسكرية و الإعلامية، كلما تتوفر له فرصة أكبر لنيل حريته و إستقلال بلاده. لذلك يحتاج المواطنون في الإقليم الى تنظيم أنفسهم في مختلف الجوانب لتكون لهم برنامج عمل متكامل، يقودهم نحو أهدافهم في حياة حرة كريمة.

في ختام هذا المقال أود أن أتكلم بشكل مقتضب عن المصطلحَين "القومية" و "الوطنية" فيما يتعلق بشعب كوردستان. ألاحظ بأن الكثير من الكُتّاب الكوردستانيين يتجنبون في كتاباتهم إستخدام مصطلح "الوطني" ويستعملون مصطلح "القومي" بدلاً منه. هذا الإختيار الخاطئ ناتج عن تأثير الفكر العروبي على هؤلاء، حيث يعتقدون بأن إستعمال مصطلح "المصالح الوطنية"، على سبيل المثال، يعني "مصالح الدولة السورية" ولذلك يستعملون مصطلح "المصالح القومية" الذي هو "مصالح القومية الكوردية". إننا يجب أن نعلم بأن شعب كوردستان مؤلف من قوميات أخرى، بالإضافة الى القومية الكوردية و بإستخدامنا لمصطلح "المصالح القومية" يتم إلغاء القوميات الأخرى التي أفرادها هم مواطنون كوردستانيون، كما يفعل العنصريون العرب و الفرس و الأتراك. هذا من جهة، و من جهة ثانية فأن إستخدام مصطلح "القومية" يُقلل من مرتبة شعب كوردستان، حيث أن هناك الكثير من القوميات التي ليست شعوباً و هذا يعني بأن هذه القوميات لا تملك أوطاناً، بينما شعب كوردستان هو شعب و كوردستان هي وطنه. "المصالح الوطنية" هي "المصالح الوطنية الكوردستانية" و لا يعني المصطلح المذكور "مصالح الدول المحتلة لكوردستان". لذلك إستخدام مصطلح "الوطني" هو الإستخدام الصحيح الذي يعني الوطن (كوردستان) ويعني الأرض و البلاد الكوردستانية، بينما مصطلح "القومي" هو مصطلح خاطئ عند إستخدامه للتعبير عن "شعب كوردستان" الذي هو مكوّن من قوميات عديدة الى جانب القومية الكوردية. من جانب أخر، عندما نتحدث عن "التاريخ الكوردي" نعني به القومية الكوردية كمجموعة إثنية و كذلك "اللغة الكوردية"، حيث لا توجد هناك "لغة كوردستانية" بل هناك "لغات كوردستانية" مثل الكوردية و السريانية و التركمانية و العربية و لغات كافة القوميات الأخرى التي أفرادها هم من مواطني كوردستان. كما إن إستعمال مصطلح "شعب كوردستان أو الشعب الكوردستاني" هو الصحيح، بينما مصطلح "الشعب الكوردي" هو مصطلح خاطئ عند إستعماله للدلالة على "شعب كوردستان" المؤلف من عدة قوميات وليست القومية الكوردية لوحدها.
 
أعلى