الفكر الوطني الكوردستاني

G.M.K Team

G.M.K Team
الفكر الوطني الكوردستاني (1)
د. مهدي كاكه يي

مع تطور الحياة البشرية، تتطور وتتغير النظريات والأفكار والمفاهيم والقيم الإنسانية، حيث يتم تعديلها أو تختفي وتحل محلها نظريات وأفكار ومفاهيم وقيم جديدة، تستجيب للظروف المستجدة وتتفاعل معها. تنعكس هذه التطورات والتغيرات الجارية أيضاً على الفكر القومي الكوردي الذي ظهر مع نشوء الأفكار القومية في المنطقة والعالم وبدأ الشعب الكوردي يستلهم من هذا الفكر روح النضال في تحقيق حريته. ظهر الفكر القومي الكوردي لإستنهاض الأمة الكوردية لتحريرها من الإحتلال الإستيطاني وتحرير كوردستان وتوحيدها.
من جهة أخرى، تمّ نشوء الفكر القومي العربي والفارسي والتركي بشكل مشوّه، حيث أخذ مساراً عنصرياً منحرفاً، يعمل على فرض سيادة اللغة والثقافة العربية والفارسية والتركية على التوالي على الشعوب والقوميات الأخرى ويقوم بإلغاء هويات ولغات وتراث وتاريخ الشعوب التي قام العرب والفرس والأتراك بإغتصاب أوطانها ونهب ثرواتها.
دلائل هذه الأفكار العنصرية واضحة في تسمية البلدان التي يحكمها العرب والأتراك، كما في تسمية مصر ب(جمهورية مصر العربية) وسوريا ب(الجمهورية العربية السورية) وبلاد الأناضول وشمال كوردستان ب(تركيا). تعريب و تتريك و تفريس الأسماء الكوردية للمدن والقصبات والقرى والمناطق الكوردستانية، هو شهادة أخرى على الفكر القومي العنصري المنتشر في البلدان المُغتصِبة لِكوردستان. هذه الأعمال العنصرية تؤكد على إنكار القوميين العنصريين لِوجود الشعوب والقوميات الأخرى في هذه البلدان المصطنعة من جهة وتدل في نفس الوقت على أن الأتراك والعرب والفرس هم غرباء مغتصِبون لهذه الأوطان ولهذا السبب يقومون بِعمليات التعريب والتتريك والتفريس في محاولة مفضوحة ويائسة لِطمس وجود الشعوب التي إغتصبوا بلدانها. كما أن أصحاب الفكر العنصري يحاولون فرض لغتهم وثقافتهم على الشعوب والقوميات التي لا تنتمي الى شعوبهم.
أصحاب الفكر العنصري الفارسي يقومون بإستغلال الإنتماء الآري لقسمِ من هذه الشعوب التي يغتصب الفرس أوطانها، مثل الشعب الكوردي والبلوشي، للإستمرار في إحتلال هذه الأوطان. كما أن أصحاب الفكر العنصري العربي والتركي والفارسي يقومون بإستغلال الدين الإسلامي والمذاهب الإسلامية لإستعباد الشعوب الأخرى. الفكر العنصري بدأ يعيش خارج الزمن، ولذلك فهو عاجز عن الإستمرار في البقاء وإنتهى به المطاف الى الفشل والإنهيار والسقوط. زوال الفكر العنصري في جنوب أفريقيا مثال حيّ على بؤس هذا الفكر وعجزه عن مواصلة الحياة.

قد يقول المرء بأن إطلاق إسم "كوردستان" على بلاد الكوردستانيين هو تسمية عنصرية أيضاً، حيث يتم بموجبها إلغاء القوميات الكوردستانية غير الكوردية. للإجابة على هذا التساؤل المشروع نقول بأن المنطقة التى تُسمى "كوردستان" اليوم عُرِفت ب"بلاد الكورد" منذ آلاف السنين، حيث كان السومريون يسمّون المنطقة (كورا قوتيوم) و التي تعني "أرض كاردا" و الأشوريون كانوا يسمونها (كورتي) و البابليون كانوا يطلقون عليها إسم " قاردو" و الإغريق سموها "قاردوتشوي" و الرومان أطلقوا عليها إسم (كوردرين) و تم ذكر إسم كوردستان في التورات بإسم (منطقة کاردو/قاردو). أول من أطلق إسم "كوردستان" على موطن الكورد هو السلطان السلجوقى سنجر و ذلك فى أواسط القرن السادس للهجرة (القرن الثاني عشر الميلادي) أي قبل أكثر من 850 سنة1. من هنا يُدرَك بأن "كوردستان" هي تسمية تأريخية ليست لها أية صلة بالعنصرية، حيث أن الفكر القومي لم يكن له وجود في تلك العهود القديمة، بينما المصطلحات العنصرية التي نحن بصددها، تم إبتكارها على أسس قومية عنصرية بعد ظهور الفكر القومي في المنطقة.

المصادر
1. لى سترينج (1930). الأراضي فى شرق عصر الخلافات.
 

G.M.K Team

G.M.K Team
الفكر الوطني الكوردستاني (2)
د. مهدي كاكه يي

يمكن تعريف القومية بأنها مجتمع طبيعي من البشر ترتبط أفراده مع البعض بوحدة الأرض والأصل، والعادات واللغة من جراء الإشتراك في الحياة و في الشعور الإجتماعي. أما الشعب فيمكن تعريفه بأنه مجموعة من البشر تعيش على أراضي معينة و لهم عاداتهم وتقاليدهم الخاصة بهم. ليس شرطاً أن تكون للقومية وطناً خاصاً بها، بل قد تشاركها قوميات أخرى، حيث أن هناك قوميات كثيرة ليست شعوباً، أي أنها لا تمتلك وطناً خاصاً بها، بينما الشعب له وطن خاص به يعيش فيه. الشعب قد يتألف من قومية واحدة أو عدة قوميات. هكذا فأن القومية قد لا تمتلك أرضاً محددة تعيش عليها، بينما الشعب له أرض معينة يعيش عليها. على سبيل المثال، شعب كوردستان مؤلّف من عدة قوميات ويعيش في وطنه كوردستان، بينما التركمان قومية تعيش مع القوميات الكوردستانية الأخرى في كوردستان، إلا أنهم ليسوا شعباً. لذلك فأن مصطلح "الوطني الكوردستاني" مرتبط بِكوردستان كَوطن وبِشعب كوردستان بمختلف قومياته، بينما يرتبط مصطلح "القومي الكوردي" بالقومية الكوردية فقط وليست له صلة بالقوميات الكوردستانية الأخرى.
من هنا نرى بأن "الفكر الوطني الكوردستاني" هو فكر شامل، مادته هي كوردستان كَوطن وشعب كوردستان بِمختلف قومياته، بينما " الفكر القومي الكوردي" هو فكر، مادته هي القومية الكوردية ويهمل القوميات الكوردستانية غير الكوردية. هذا يعني بأن مجال عمل "الفكر الوطني الكوردستاني" هو الفضاء الكوردستاني الواسع، بينما ينحصر مجال عمل "الفكر القومي الكوردي" في الفضاء الكوردي، أي في جزءٍ من الفضاء الكوردستاني.
هكذا يُحدِث "الفكر الوطني الكوردستاني" نقلة نوعية للقضية الكوردستانية، فيجعلها قضية كوردستانية بدلاً من قضية كوردية، وقضية شعبٍ بدلاً من قضية قومية، وقضية شعبٍ مستعمَر ووطن مغتصَب بدلاً من قضية قومية مضطهَدة، وقضية شعبٍ يناضل من أجل حريته وإستقلال وتوحيد وطنه بدلاً من قضية قومية تناضل من أجل حقوقها القومية.
مع ظهور العولمة والأفكار الديمقراطية والإعتراف بِحقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها والمساواة بين مختلف القوميات العائشة ضمن كيان سياسي واحد، فأنّ الفكر القومي الكوردي بِدوره أصبح بِحاجة الى تطوير لِيتفاعل مع المفاهيم والقيم الإنسانية الجديدة ليستطيع مواكبة العصر، وإلا سيكون مصيره الفشل والإنهيار.
يجب إستدراك حقيقة مهمة وهي أنه الى جانب الكورد، تعيش في كوردستان قوميات أخرى، مثل الآشوريين والسريان والكلدان والتركمان والعرب والشركس والأرمن وغيرهم. المنتمون لهذه القوميات، هم مواطنون كوردستانيون و أن جميع مواطني كوردستان، بِغض النظر عن قومياتهم، هم متساوون في الحقوق والواجبات ويجب الحفاظ على هوياتهم القومية ولغاتهم وتراثهم وتطويرها. على سبيل المثال، في معظم الدول الغربية، يتم منح الجنسية للشخص الأجنبي بعد إقامته هناك لعدة سنوات، إلا أنه بالنسبة لكوردستان، فأن الوضع يختلف، حيث أن كوردستان لا تزال مُغتصَبة ومُقسّمة، لذلك فأن المواطنين الأصلاء الذين يعيشون في كوردستان منذ عشرات السنين، هم مواطنون كوردستانيون. يُستثنى من المواطنة الكوردستانية العرب والفرس والأتراك المستوطنون في كوردستان، الذين جلبتهم الحكومات العراقية والسورية والتركية والإيرانية الى كوردستان لِغرض تعريب وتتريك وتفريس كوردستان على التوالي.
لا يمكن للأمة الكوردية العريقة التي تعيش تحت الإحتلال الإستيطاني منذ زمن طويل، خلاله تتعرض هويتها وشخصيتها ولغتها وثقافتها وتراثها وتاريخها للإنكار والإلغاء والتزييف والتحريف والتشويش والسرقة، أن تحذو الفكر العنصري العربي والتركي والفارسي بِنُكران هويات ولغات وتاريخ وتراث القوميات الكوردستانية غير الكوردية. من هنا يبرز الفكر الوطني الكوردستاني ويتصدى لهذه المسألة الهامة التي تخص شعب كوردستان والذي يٌعطي مدلولاً شاملاً، يرى شعب كوردستان شعباً ذا قوميات متعددة ويعترف بِكافة القوميات والأديان والمذاهب الكوردستانية ويساوي بينها ويناضل من أجل حريته وإستقلال بلاده، بينما الفكر القومي الكوردي يضع القومية الكوردية لوحدها، بأديانها ومذاهبها المختلفة، موضع إهتمامه وتهمل القوميات الكوردستانية الأخرى. الفكر الوطني الكوردستاني يربط شعب كوردستان، بِمختلف قومياته بالوطن الكوردستاني ويخرج من النطاق الضيق المقتصر على القومية الكوردية الى الفضاء الكوردستاني الواسع، كَوطن وأرض وشعب متعدد القوميات والأديان والمذاهب والمعتقدات وبذلك يخلق مجتمعاً كوردستانياً متجانساً، ذا أهداف واحدة وثقافة ثرية مشتركة ومصير واحد ومصالح مشتركة، التي يعجز الفكر القومي عن تحقيقها.
 

G.M.K Team

G.M.K Team
الفكر الوطني الكوردستاني (3)
د. مهدي كاكه يي

يؤكد الفكر الوطني الكوردستاني على أن شعب كوردستان هو شعب واحد و أن بلاده، كوردستان، مُغتصَبة و مجزأة و مقسمة بين عدة دول و أنه يجب تحريرها وتوحيد كافة أجزائها، لجمع شمل شعب كوردستان في كيان سياسي ديمقراطي موحد. كما يؤمن الفكر الوطني الكوردستاني بأن شعب كوردستان يتألف من مكونات قومية وإثنية ودينية ومذهبية متعددة وهذه المكونات تتمتع بحقوق متساوية وتُنيط بها واجبات متكافئة. كما أن الفكر الوطني الكوردستاني يتبنّى العلمانية والديمقراطية والعدالة الإجتماعية. حاملو الفكر الوطني الكوردستاني يُشكّلون الغالبية المطلقة من شعب كوردستان، حيث أظهر الإستفتاء غير الرسمي الذي جرى في جنوب كوردستان في بداية عام 2005، بأن 98% من المواطنين الكوردستانيين يريدون إستقلال كوردستان.


يرفع حاملو الفكر الوطني الكوردستاني شعار (إستقلال كوردستان) الذي يُخرِج النضال الكوردستاني من كونها قضايا داخلية للدول المُغتصِبة لكوردستان الى قضية وطن مُغتصَب وشعب مُستعمَر، يناضل من أجل تحرير نفسه ووطنه وبذلك يجعل القضية الكوردستانية قضية دولية. من خلال المبادئ التي يؤمن بها الفكر الوطني الكوردستاني والأهداف التي يناضل من أجلها، يكون الشعب الكوردستاني مستعداً للتضحية بأرواح بناته و أبنائه و بأموالهم في سبيل حريته وإستقلال بلاده.


إن شعار (إستقلال كوردستان) الذي ينادي به حاملو الفكر الوطني الكوردستاني، هو شعار إستراتيجي، وليس شعاراً آنياً أو وقتياً وتحقيقه غير محدد بوقتٍ معيّن أو بفترة زمنية معينة، بل أن تحقيقه يتم خلال فترة زمنية مفتوحة و في الوقت المُتاح له. لذلك فأنّه قد يتم تحقيق إستقلال كوردستان وتوحيدها بعد عدة سنوات أو بعد عشرات أو مئات السنين. المهم هو رفع هذا الشعار كهدف إستراتيجي والعمل على خلق ظروف ملائمة لتحقيق الإستقلال.


كما أن هذا الشعار غير مقيّد بالظروف الذاتية الكوردستانية والإقليمية والدولية الحالية، بل أنه يتم العمل على إستثمار تغيير الظروف الذاتية إيجاباً لتغيير المعادلات الإقليمية والدولية لِصالح إستقلال ووحدة كوردستان. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فأن الظروف الإقليمية والدولية هي ظروف غير ثابتة، بل تتغير بإستمرار نتيجة التغيرات السياسية والإقتصادية والإجتماعية لدول المنطقة ودول العالم.


التاريخ يُخبرنا عن إمبراطوريات ودول تهاوت وإختفت وإمبراطوريات ودولٍ جديدة تظهر وتحل محلها وهذه العملية مستمرة بلا إنقطاع. من هنا فأن الموقع الجيوسياسي لكوردستان والمواقف الحالية للدول الكبرى والدول الإقليمية من إستقلال كوردستان، لا يمكن جعلها تبريراً للقبول بإغتصاب كوردستان وتجزئتها، حيث أن مواقف هذه الدول في تغيير مستمر وأنه بتحرير كامل تراب كوردستان، ستطلّ كوردستان على البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود والخليج الفارسي.


على النقيض من الفكر الوطني الكوردستاني، هناك فكر إستسلامي وإنهزامي، يحمله بشكل خاص السياسيون الكورد و قسم من "المتثقفين" والكُتّاب الكورد. هؤلاء يوافقون ضمنياً على أن شعب كوردستان هو جزء من الشعوب المُغتصِبة لكوردستان و تابعاً لها و أن الأقاليم الكورستانية هي أجزاء لا تتجزأ من الدول المُغتصِبة لكوردستان، أي أن أرض كورستان هي أرض تابعة لكل من (تركيا) و إيران و العراق و سوريا. هؤلاء الداعون الى تكريس إحتلال كوردستان، يعتبرون أنفسهم من مواطني تلك الدول و التي تعني أنهم يقرّون و يعترفون بواقع تجزئة كوردستان و يقبلون الواقع التقسيمي لها، و عليه فأنهم ينطلقون في أفكارهم و أعمالهم و ممارساتهم و طروحاتهم من منطلق القبول بالأمر الواقع، أي بقاء كوردستان بلداً محتلاً و مقسّماً، يفتقد شعبه الى هوية يُعرّف بها نفسه للعالم و لِتبقى الشعوب المحتلة لوطنه، تهيمن عليه و تسلبه هويته و لغته و تأريخه و تراثه و حريته و ثرواته.

موقف هؤلاء الإستسلاميين الإنهزاميين ناتج عن تأثرهم بِثقافة الشعوب المُغتصِبة لِكوردستان وإصابتهم بحالة اليأس والإحباط من تحرير كوردستان وتوحيدها والركض وراء مصالحهم الشخصية والفئوية ، حيث أن الشريحة الكوردية المتعلمة هي أكثر الشرائح الكوردية تأثراً بِثقافة المحتلين نتيجة تلقينهم بها في المدارس والمعاهد والجامعات وعن طريق وسائل الإعلام المختلفة، كما أنها الشريحة الأكثر تذبذباً تبعاً لمسارات مصالحها وإمتيازاتها.


قسم من هؤلاء متأثرون بالفكر الأممي والفكر الإسلامي، حيث أنه من خلال رفع شعار الإخوة الأممية والإسلامية المضللة من قِبل مُغتصبي كوردستان، يتم إستغلال هؤلاء، لِيستمر المحتلون الإستيطانيون في إذلال شعب كوردستان وإحتلال وطنه ونهب ثرواته. هكذا يساهم هؤلاء في ترسيخ الإحتلال وترويض الشعب الكوردستاني للعيش في ظل العبودية والتبعية.


إن الشخصية الكوردية هي شخصية تبعية بشكل عام بسبب تسلط الشعوب الفارسية و العربية و التركية على الشعب الكوردي لفترة طويلة، حيث أنها خلال هذه الفترة، هيمنت ثقافات تلك الشعوب على الثقافة الكوردية، لذلك نرى الكوردي يكون تابعاّ للعربي أو الفارسي أو التركي، وهذا ناتج عن التراكمات التأريخية المكوّنة لشخصيته و ثقافته. علينا أن نبدأ بِخلق شخصية كوردية حرة مستقلة، تثق بنفسها و تعتز بِوطنها وقوميتها و تأريخها و لغتها و ثقافتها و تراثها و تتخلص من آثار ثقافات الشعوب المحتلة لكوردستان. ظهور مثل هذه الشخصية قد يحتاج الى جيل أو جيلين و الى جهود تربوية و ثقافية و إعلامية كبرى.


لا شك أن الكُتّاب و المتعلمين و السياسيين الكورد، الداعين ضمنياً الى تكريس إحتلال كوردستان، وذلك بالترويج لفكرة إندماج الشعب الكوردي، كل في إقليمه، مع الشعوب التركية و الفارسية و العربية المحتلة لكوردستان و فرض واقع التجزئة و التشتت على الشعب الكوردي، يلعبون دوراً سلبياً خطيراً ضد المصالح الوطنية الكوردستانية. دور هؤلاء هو أخطر بكثير من النتائج الكارثية لعمليات الأنفال و الإبادة الجماعية التي تعرض لها شعب كوردستان و لا يزال يتعرض لأهوالها لأن الخطاب الإستسلامي الذي يحمله هؤلاء، يعمل على زرع روح الإستسلام في نفوس شعب كوردستان و القبول بواقع الإحتلال و التجزئة و إستمرارية عمليات التعريب و التتريك و التفريس للشعب الكوردي و لأرضه. إن نتائج محاولة هؤلاء في تدجين شعب كوردستان و تلقينه بأفكار إنهزامية و تقسيمية و إبعاده عن الفكر الوطني التحرري، هي تهديد خطير لوجود و مستقبل هذا الشعب المكافح الشامخ لأن تربية و غرس روح اليأس و الإستسلام في نفوس الأجيال الكوردية بقبول و ترسيخ واقع الإحتلال و التقسيم، تؤدي الى هزيمة شعب كوردستان بدون إبداء أية مقاومة أو أيّ رفض لواقعه المأساوي.
 

G.M.K Team

G.M.K Team
الفكر الوطني الكوردستاني (4)
د. مهدي كاكه يي

إن مساحة كوردستان تنكمش مع مرور الوقت بسبب زحف الأقوام التركية و العربية و الفارسية عليها و إحتلالها و الإستيلاء عليها والإستيطان فيها، حيث أن كوردستان التاريخية تشمل العراق الحالي و إقليم غرب كوردستان الحالي و قسم من دول الخليج الفارسي و أجزاء كبيرة من كلٍ من إيران وبلاد الأناضول (تركيا)، إلا أن كوردستان فقدت مساحات كبيرة والتي تُقدر بأضعاف المساحة الحالية لكوردستان و اليوم يكافح الكوردسانيون جاهدين من أجل تأمين إنضمام محافظة كركوك و مناطق أخرى تابعة لمحافظتي الموصل و ديالى الى إقليم جنوب كوردستان و يتأملون أن يصوّت أهالي هذه المناطق لصالح إنضمامها للإقليم.


كما أن عشرات الملايين من الكورد تم تعريبهم و تتريكهم و تفريسهم خلال القرون الماضية، حيث أن معظم المستعربين الشيعة و الفرس و الملايين من المستتركين الذين نراهم اليوم، ينحدرون من أصول كوردية، فقدوا هويتهم و لغتهم الكوردية و تراثهم الكوردي وشعورهم القومي والوطني بمرور الوقت، نتيجة إفتقار الكورد لدولة تجمعهم و تحافظ على وجودهم و هويتهم و لغتهم و تراثهم و تحميهم من التعريب والتفريس والتتريك. أذكر هذه الحقائق المُرّة و المأساوية لتبيان مدى خطورة الخطاب الكوردي الذي يُكرّس واقع إحتلال كوردستان، على الوجود الكوردي كشعب و هوية و ثقافة و تراث و تأريخ و جغرافية.


في الوقت الحاضر، ترفع الغالبية العظمى من الأحزاب السياسية الكوردستانية شعارات كلها تلتقي في تكريس إغتصاب كوردستان والإعتراف ضمنياً بتجزئة كوردستان وتبعية كل جزء منها للدولة التي تغتصبه وكون شعب كوردستان جزءاً من شعوب الدول المُغتصِبة لِكوردستان. ترفع هذه الأحزاب شعارات مثل الحكم الذاتي والفيدرالية والإدارة الذاتية والتي كلها قبول بإغتصاب كوردستان وتجزئتها وجعلها قضية داخلية للدول المُغتصِبة لِكوردستان. هذه الشعارات لها آثار سلبية كبيرة على حركة التحرر الوطنية الكوردستانية.


رفع الأحزاب السياسية الكوردية شعارات "اللامركزية" و "الحكم الذاتي" و "الفدرالية" و"الإدارة الذاتية"، يجعل القضية الكوردستانية قضية داخلية للدول المُغتصِبة لكوردستان و هذا إعتراف صريح بشرعية إغتصاب كوردستان وتجزأتها وهذا الأمر خيانة عظمى تجاه شعب كوردستان ويجب محاكمة القائمين بهذه الجريمة الوطنية الكبرى. من جهة فأن هذه الشعارات تروّض شعب كوردستان على القبول بإغتصاب كوردستان وقبول تقسيمها ومن جهة أخرى تُقسّم شعب كوردستان من خلال إلتفافه حول شعارات مختلفة وكذلك تُشتّت النضال الكوردستاني بجعلها نضالاً محلياً يُجرى في كل إقليم كوردستاني بمعزل عن الأقاليم الأخرى.


لذلك من المفروض أن تهتم التنظيمات السياسية التي لا ترفع شعار "إستقلال كوردستان"، بالمسائل السورية و الإيرانية و التركية و العراقية، حيث أن هذه التنظيمات هي تنظيمات محلية في الكيانات السياسية التي تغتصب كوردستان وأن تشمل برامج هذه الأحزاب أهدافاً تعني بشئون الدولة المُصطَنعة التي تعمل فيها، مع التركيز على الحقوق الكوردية والعمل على تحقيقها مثل الحكم الذاتي أو الإدارة الذاتية و غيرهما.


بما أن الأحزاب الكوردية التي لا ترفع شعار "إستقلال كوردستان" هي أحزاب محلية في الدول المُغتصِبة لكوردستان، تابعة لهذه الدول، فأنّ هذه الأحزاب ضمنياً تعتبر (الكورد) قومية وليسوا شعباً، لأن الشعب له وطن يعيش فيه و له الحق أن يؤسس دولة مستقلة خاصة به، بينما هذه الأحزاب، من خلال عدم نضالها في سبيل تحقيق إستقلال كوردستان، فأنها تعتبر كوردستان أجزاءً من الدول المُغتصِبة لكوردستان وتعمل ضمنياً على ترسيخ إحتلال كوردستان وتجزئتها. هذا يعني أيضاً بأن هذه الأحزاب هي أحزاب كوردية و ليست كوردستانية، حيث أنها تُمثّل (القومية الكوردية) و لا تُمثّل (شعب كوردستان) بمختلف مكوناتها، الذي يعيش على أرض كوردستان. هذه الأحزاب تحمل الفكر القومي و تُجرى نشاطاتها ضمن حدود الدول المُغتصِبة لِكوردستان.


نظراً الى أن الأحزاب الكوردية الإنهزامية والمستسلمة لواقع إغتصاب كوردستان وتجزئتها، يقتصر عمل كل منها ضمن الدولة المُغتصِبة لكوردستان التي يعمل فيها، فأنها تُشتّت النضال الكوردستاني، حيث تفصل الأقاليم الكوردستانية عن بعضها وتقزم القضية الكوردستانية وتجعلها "قضايا" داخلية للدول المُغتصِبة لكوردستان و تجعل نضال كل إقليم بِمعزل عن نضال الأقاليم الأخرى. بِكلام آخر أن هذه الأحزاب تُشتّت النضال الكوردستاني وتمنعه أن يكون نضالاً كوردستانياً شاملاً، يشمل كافة الأقاليم الكوردستانية، بحيث يكون النضال الكوردستاني موحّداً، ذا إستراتيجية موحدة و يهدف الى تحرير شعب كوردستان و إستقلال كوردستان.
 

G.M.K Team

G.M.K Team
الفكر الوطني الكوردستاني (5)
د. مهدي كاكه يي

قد يتساءل البعض قائلين، بأن هناك شعوباً تعيش ضمن كيانٍ سياسي واحد فلماذا يتم إستثناء شعب كوردستان من العيش مع شعوب أخرى ضمن كياناتٍ سياسية؟ للإجابة على هذا التساؤل نقول:


1. الشعوب العائشة ضمن كيان سياسي واحد قد تشترك في العيش معاً بمحض إرادتها أو بالقوة. كوردستان مُغتصَبة من قِبل عدة دول و يعاني شعب كوردستان من التعريب و التفريس و التتريك و العبودية و تتم إبادته و نهب ثروات بلاده ويدّعي المُغتصِبون بأنّ كوردستان هي أجزاء من التراب التركي والعربي والفارسي ويحاولون إلغاء الهوية والشخصية واللغة والثقافة الكوردية والتأريخ والتراث الكوردي، فكيف يوافق شعب كوردستان على العيش ضمن الكيانات السياسية المصطنعة لِمُغتصِبي كوردستان إذن؟!


2. لا تنحصر المسألة الكوردستانية في كيان سياسي واحد، حيث أن كوردستان مُغتصَبة من قِبل عدة دول، لذلك لا يمكن جمع شعب كوردستان وتوحيد كوردستان ضمن إحدى الكيانات التي تغتصبها.


3. كلما يطول إحتلال كوردستان و عُزلة الأقاليم الكوردستانية عن بعضها، كلما تزداد خطورة التباعد الثقافي واللهجوي والروحي بين الكوردستانيين.


4. لا يمكن نجاح العيش المشترك بين شعوب متخلفة ضمن كيان سياسي واحد، حيث أنه من الصعوبة للشعوب المتحضرة أن تعيش ضمن كيانات سياسية موحدة، كما في حالة شعوب بلجيكا و كندا و إسبانيا والمملكة المتحدة و غيرها، فكيف يكون الأمر بالنسبة لشعوب متأخرة كالشعب الكوردستاني و التركي و العربي والفارسي؟


5. بعد إستقلال كوردستان و تقدم وتحضّر شعوب منطقة الشرق الأوسط، قد تتطلب المصالح الإقتصادية و الأمنية لهذه الدول تأسيس كيان كونفيدرالي بينها.


بالنسبة الى الكُتّاب والمثقفين الكوردستانيين الذين يحملون الفكر الوطني الكوردستاني، هناك مشكلة في خطاب قسم منهم، حيث تطغى عليه الضبابية و الإزدواجية و التناقض و التذبذب و يفتقر الى الفكر الوطني الثابت. في الوقت الذي يتبنّى هؤلاء تحرير كوردستان وإستقلالها، فأنّ مواقفهم وأعمالهم تناقض الشعار الذي يحملونه، على سبيل المثال يؤكد هؤلاء على سوريتهم أو تُركيتهم أو عراقيتهم أو إيرانيتهم. مثال آخر هو النُخبة الكوردستانية في إقليم غرب كوردستان، حيث يُسمّون إتحادهم للكُتّاب والصحفيين بإسم "الإتحاد العام للكُتّاب والصحفيين الكورد في سوريا" بدلاً من أن يُسمّوه بإسمه الصحيح وهو " الإتحاد العام للكُتّاب والصحفيين في إقليم غرب كوردستان". إن الإزدواجية و ضبابية الأهداف عند بعض الكُتّاب و المثقفين و خنوعهم للمحتلين و هلعهم و خوفهم من رفع شعار إستقلال كوردستان، تخلق تشويشاّ و إرباكاً في فكر المواطن الكوردستاني، لذلك علينا، ككًتّاب و مثقفين و صحفيين، أن نتبنى الفكر الوطني الكوردستاني بوضوح و الذي يهدف الى تحرير و إستقلال كوردستان، و أن نتبنى خطاً فكرياً محدداً و واضحاً، بعيدين عن العفوية و المجاملات و التخبط و أن نكون شجعاناً و جريئين ومخلصين لشعبنا و وطننا ونعلن بصوتٍ عالٍ و دون خوفٍ أو مجاملات بأن كوردستان وطن مُغتصَب ونناضل في سبيل تحريرها وتأسيس دولة كوردستان. كما يجب أن نختار مفرداتنا و مصطلحاتنا بدقة، لتُعبّر عن أفكارنا بشفافية، لكي تصل أفكارنا الى القارئ و السامع بِدقة و وضوح.
 

G.M.K Team

G.M.K Team
الفكر الوطني الكوردستاني (6)

د. مهدي كاكه يي
من الأسس التي يرتكز عليها الفكر الوطني الكوردستاني هي حقيقة كون كوردستان بلاداً مُغتصَبة ومقسّمة ولذلك يتبنى النضال بكافة الوسائل، من فكرية و ثقافية و إجتماعية و علمية و سياسية و دبلوماسية و إعلامية و عسكرية، لتحرير كوردستان و توحيدها. كما أنه يعترف بالحقوق القومية والثقافية لكافة المكونات القومية والإثنية لشعب كوردستان و يعمل على صيانة لغات وتراث و تاريخ هذه المكونات و تطويرها والمساواة بينها في الواجبات والحقوق.


كما أن الفكر الوطني الكوردستاني يتبنى النظام الديمقراطي العلماني الذي يؤمن بالتداول السلمي للسلطة وذلك طبقاً لإرادة الشعب الكوردستاني، و فصل الدين عن السياسة وإستقلالية السلطات التشريعية والتنفيذية و القضائية و حرية الصحافة والتعبير والإعتقاد وكافة الحريات الشخصية الأخرى و المساواة بين المرأة و الرجل و رعاية الأطفال والمسنين والعمل على تطبيق العدالة الإجتماعية في المجتمع الكوردستاني.


الفكر الوطني الكوردستاني يتبنى أيضاً الإعتراف بكافة الأديان والمذاهب والمعتقدات في كوردستان و إحترامها والمساواة بينها و قيام أصحابها بممارسة طقوسهم و شعائرهم الدينية بِحرية لخلق مجتمع كوردستاني متجانس، له أهداف و مصالح مشتركة و مصير واحد.


يؤمن الفكر الوطني الكوردستاني بالتقدم العلمي والإجتماعي و الثقافي ويناضل من أجل خلق مجتمع كوردستاني متطور و عصري، يكون مؤهلاً للمساهمة في رفد الحضارة البشرية بالإختراعات و الإبداعات في مختلف نواحي الحياة، ليواصل عطاءه كأسلافه العظام.


مما تقدم، فأن حاملي الفكر الوطني الكوردستاني الذين يعتبرون شعب كوردستان شعباً واحداً و مُستعمَراً و أن كوردستان هي بلاد مُغتصَبة يجب تحريرها، هم المؤهلون لِتأسيس وقيادة تنظيمات سياسية، لِتناضل و تقود شعب كوردستان نحو الحرية و الإستقلال، حيث أنها ستكون تنظيمات وطنية كوردستانية، تؤمن بالنضال الكوردستاني الموحّد في كافة أرجاء كوردستان. مثل هذه الأحزاب الوطنية الكوردستانية العصرية المؤمنة بِوحدة الهدف و النضال والمصير الكوردستاني والحاملة للفكر الديمقراطي، هي التي ستحرر شعب كوردستان و وطنه من براثن الإحتلال والإستيطان، بينما الأحزاب الكوردية المحلية التي هي أحزاب سورية و تركية و إيرانية و عراقية، فأنها تعيش خارج العصر و ستنهار و تختفي لأنها قاصرة عن تحقيق أهداف شعب كوردستان في الحرية و الإستقلال والديمقراطية و التقدم و الرفاهية.


عليه، يجب تعرية الأحزاب الكوردية المحلية الكلاسيكية المتخلفة و التي تجعل القضية الكوردستانية قضية داخلية للدول المُغتصِبة لكوردستان و تعمل على تشتيت النضال الكوردستاني و تجعله نضال قوميةٍ، تعيش على أرضٍ سورية و تركية و إيرانية و عراقية، بدلاً من نضال شعب مُستعمَر، وطنه مُغتصَب، الذي يكافح في سبيل تحرير نفسه و وطنه. بالإضافة الى محليّة هذه الأحزاب الكوردية، فأن هذه الأحزاب هي أحزاب متخلفة تعيش خارج الزمن، ترتكز على الفردية و العشائرية و المناطقية والآيديولوجية و يسودها الفساد والمحسوبية، و تستخدم وسائل نضالٍ بالية، عفا عنها الزمن. لذلك فأن شعب كوردستان بحاجة الى أحزاب وطنية عصرية مخلصة وشجاعة، تحمل الفكر الوطني الكوردستاني وقادرة على التفاعل مع المفاهيم والقيم والأفكار المعاصرة ومؤهلة لمواكبة التطورات والتغيرات المحلية والإقليمية والعالمية وبذلك تضمن تحرير كوردستان وتوحيدها.
 
أعلى