جميع كتابات ماهين شيخاني

G.M.K Team

G.M.K Team
قصة قصيرة / غدر الذئاب الغبراء ...؟

ذات صباح استيقظ أهالي البلدة المجاورة على الحدود , وجلين , مرعوبين , هارعين إلى مصدر النواح والصراخ , أوصالهم ترتعد خوفا من المجهول وكأن القيامة قد قامت ,وجوه كئيبة و عيون دامعة . بينهم من لا يتمالك نفسه فيصرخ باكيا رافعا يديه نحو السماء , سائلا ....لماذا ؟. لماذا ....ياربي ؟. والنساء لا تنقطع ولولاتهن , متجهون جميعا صوب الحدود التي تفصلها سكة القطار والأسلاك الشائكة , أما الطرف الثاني فمزروعة بأشد أنواع الفتك والتدمير من الألغام والمتاريس والثكنات .

في الهزيع الأخير من الليل سمعت البلدة دوي إطلاق العيارات النارية من النوع الثقيل وكأن الحرب بدأت رحاها , ثم انتقل الى مسامع الناس بان بعض العتالين قد استشهدوا في الطرف الثاني من الحدود , ولكن من هم , وما أسماءهم , لم يعلم بعد , سوى أنهم سبع أشخاص قاموا بنقل صناديق الشاي . وكالعادة على علم وتنسيق مع بعض المخافر للطرفين عن طريق تاجر .وبما ان البلدة صغيرة و تربطهم علاقات اجتماعية وعشائرية تسربت إليهم بعد حين . بان الوضع أصبح في غاية من الحساسية وهناك توتر ملحوظ لكلا الدولتين والسلطات المحلية تحاول ان تتصل عبر الدبلوماسية مع الدولة الثانية وتطلب تسليم جثثهم والمصابين الآخرين , وتبين بعد ذلك من هم القتلى الثلاث .

كنا صغارا وقتها وأعمارنا تتراوح بين ثلاثة عشر وستة عشر عام , ولا يخلو بيننا بعض كبار السن ممن لا يستطيعون العمل سوى الحراسة , أغلبنا من طلاب المرحلة الإعدادية وأبناء المعدومين والفقراء باستثناء بعض أولاد الموظفين ذوي النفوذ والقوة . والذين لا يناوبون ولا نرى وجوههم إلا أثناء توزيع النقود , كان والد احدهم ضخم الهيئة وذو كرش كبير يتسع لشوال من القمح , فحين يلمحه أبو البر , زميلنا في الحراسة , يكبرنا قليلا ويعلم ما لم نعلمه نحن , يهمس في أذن زميله ويقول :

- يا ترى , أباه كيف يضاجع زوجته , أظن وحسب ما قرأت في كتاب حياتنا الجنسية يناسبه وضع الحصان . يرد عليه زميله بقهقهة ناشزة بين كلمة وأخرى :

- لا ....لا ..هههههههه , هذا العملاق هههههه , يناسبه وضع الفيل هههههه, تصور فيل ينكح حمامة ...آآآه , ثم يواصل هههههه ؟.

كان عملنا هو حراسة أكياس القمح من السرقة أو طرد الحمير من بين ( الاستوكات والجملونات ) لدى مؤسسة زراعية تسمى ( الميرا ) والميرا عبارة عن ( هنكارات ) مستودعات ضخمة بنتها آنذاك الدولة الفرنسية لجمع المحاصيل الزراعية ومازالت موجودة حتى الآن .

كنا نعرف جميع العتالين , القوي منهم والذي يتباهى بحمل أكثر من كيس على كتفيه , والوسط الذي يكاد يحمل كيسا على ظهره وأرجله ترتجف , فيستهزئ البقية به ويمازحونه ويقولون له : أنت ( خربو ) لا تصلح شيال , خرجك مع الضعفاء , تشتغل ( عكام ) فقط . يتحجج بانه البارحة كان ساهرا مع زوجته وانه هدر طاقته , فيضحكون ويمزحون والعرق بتصبب من أجسادهم .

أتذكر ذاك القبضاي الذي كان يحمل كيسين على كتفيه ويدون ان نلاحظ عليه أي إجهاد وهو يتسلق السلم أو ما يسمى ب ( الرنية ) ويضعها في شاحنة صغيرة تسمى ب (كميون ) أما الطرف الثاني من الحدود فكانت تسميها ( قميون ) .

في تلك الليلة المشئومة اتفق التاجر مع عتالين كان يتعامل معهم على ما يبدو سابقا بهكذا مهمات والتي لاتخلو من المخاطرة بل تضع الروح على الكف وتحملهم الأكفان سلفا . ابلغهم بساعة الصفر لنقل البضاعة , كانت تجارة الشاي ذو ربح وفير لايصدق , فهي أضعاف أضعاف ما تربح عندنا ومكسبها في بضع ساعات قليلة , طمأنهم بان الأمور ميسرة ولا خوف من أي سوء طالما الثكنة بكاملها في قبضة يده , وقد اتفق معهم بالمرور كالعادة تحت الجسر القريب , حيث لن يشكك احد بذلك ولن يتعرض احد الى الأذى أو الخوف من الألغام المزروعة , والحمولة لسبع صناديق , علينا تأمين أشخاص موثوق بهم وقريبون منكم حرصا للسرية في عملنا وعدم تسريب معلومات عن التهريب لبعض الجهات التي لم ادفع لها واستطرد:

•- نحن بغنى عن المشاكل يا أخوتي ؟.

•- هز الحاضرون رؤوسهم بالتأييد .

اجتمع العتالون السبعة في المكان المحدد ولدى الحضور تبين أن الصناديق فقط ستة ؟!. فاضطروا إلى الاستغناء عن احد العتالين , ذو الحظ العاثر والذي سيعود إلى البيت خال الوفاض يجر أذيال الخيبة.

وثب الباقون وأسنانهم تصطك بعضها, حيث أحزم كل واحد منهم صندوقه على ظهره بإحكام , فلهذه اللعبة قواعدها من تسقط عنه الصندوق أو لم يستطع تسليمها للنقطة الثانية لا ينال الأجرة وسيحرم من العتالة بالتأكيد , كونه سيصبح علكة بفم الآخرين من أقرانه بأنه ضعيف وجبان والى آخر صفة من هذه الصفات الدونية .

استعد الأول بالخطوة نحو الشمال باتجاه الجسر وتلاه البقية بصمت بحيث يكاد لايسمع جفْجَفَة لباسهم أو مشيتهم , حاملين معهم أحلامهم والعودة إلى البيوت وفي أيديهم مال تعيلهم في ضائقتهم والالتزامات المتربة عليهم من مصاريف وديون , كان الأول يفكر بوضع ابنه الكبير الذي انهي الخدمة ولم يتزوج فتاته بعد . فيحدث نفسه :

•- عدة سفرات كهذه سأجمع مالا , أخطبها له وأفرحه بها وأريح كاهلي .

أما الثاني - فيحدث ذاته :

•- صباحا إنشاء الله , سأتوجه إلى صاحب الدار وأعطيه أجرته , لقد تأخرت عن الدفع كثيرا, صرت أراه في الشارع أغير مساري , والله عيب ؟.

الثالث - يقول :

- سأشتري دواء لزوجتي , يبدو أن دواء المستوصف لم تنفع معها وتحسن صحتها , إنهم يعطونها مسكنات فقط .؟. كيف لها أن تعالج ..؟. لابد من أدوية معالجة .

الرابع - يقول :

•- سأشتري زوجين من الحمام المجري ذو الأعناق الطويلة وسأضع خلاخل في أرجلهم ,كما وعدت ولدي وليتباهى أمام أولاد الحارة , سألبي طلباته كلها , انه وحيدي وغدا عندما يتهي دراسته سيعوضنا كل شيء وارتاح على الأقل أواخر عمري .

الخامس - يحدث نفسه :

•- غدا إنشاء الله , سأشتري ذاك المذياع الذي أعجبني وسأستمع إلى مذياعي الخاص , أصبحت اخجل من وضعي , بسهري الدائم عند بيت عمي والاستماع إلى أخبار تخص ( كالو ) . وفي سره بدأ بأغنية ( هر بزي بافي لقمان ) .

•- السادس : حلم بوليمة كبيرة مشرفة يعزم أقرباءه وبالأخص أولاد أخيه ويقول : الجمعة طيبة يا زلمة ..؟.

- المسكين السابع وهو في طريق العودة يحدث ذاته :

•- آخ ...آخ . .. شو هالحظ ؟. صدق من قال : اللي مالوا حظ لا يتعب ولا يشقى .!. يا زلمى اللقمة وصلت للتم .....- ضرب راحة كفه على جبينه - وقال : حظ ؟؟!!. وتذكر زوجته وتمتم , كيف أبرر القصة لزوجتي , إنها لا تفهم , ستجثم على صدري و تقول : هات , وهذه فرصة بان تصب جام غضبها وتنعتني بالضعيف والمسكين اللي القط يأكل عشاه .

كان بريق سكة القطار يلمع بسبب انعكاس ضوء القمر , وتتضح شيئا فشيئا, كلما اقتربت المسافة بينها وبين حاملي صناديق الشاي , وما أن وطئت أقدامهم الطرف الثاني من الحدود , حتى بدأ وابل من الرصاص تخرج من فوهات أسلحة الحراس المستذئبة , لتخترق أجساد العتالين الرطبة .

كبرنا , ومن عاداتنا زيارة المقبرة في صبيحة أول أيام العيد , وباعتباري من الناس العائدين إلى البلدة بعد فراق طويل بسبب العمل خارجها , توجهت مع أسرتي إلى المقبرة القريبة من (الميرا ) ومن الحدود , وأنا اقرأ الفاتحة على أرواح الأموات , تذكرت ذاك الحدث الأليم منذ سنين , فأخذتني قدماي إلى قبر اؤلئك الشهداء في سبيل لقمة العيش , حينها انتبهت إلى شاب مفعم بالحيوية والشياكة , رافعا يديه نحو السماء وهو يقرأ الفاتحة على أرواحهم , فاقتربت منه حتى كدت ألامسه وسألته بفضول :

•- هل تنتمي إلى أسرة احدهم ..؟ هل هم أقرباءك ؟.

•- نظر إلي باستغراب , ورد علي بلطف : وحضرتك من تكون ؟.

فركت راحتي يداي ببعضهما وقلت :

أنا....؟ اعرفهم واعرف جميع العتالين في البلد - وبحركة إيمائية من يدي -كنت احرس هذه المنطقة .

•- إذا تعلم بقصتهم - هز رأسه - واستأنف قائلا :

أنا يا أخي , ابن ذاك العتال الذي لم يظفر بحصته ولم ينله الصندوق ورجع إلى البيت خائبا ؟.. لقد بعدنا عن البلد ولكن كلما سنحت لنا الظروف وخاصة المناسبات نأتي إليها , وازور المقبرة لأقرأ الفاتحة على أرواح رفاق والدي , واحمد الله على عدم نيله الصندوق , فلولاهم لما عاش بيننا .

- انتهت -





* شيال وعكام : مصطلحات العتالين , شيال : يحمل الكيس على طهره , أما عكام : فهما اثنان يساعدان الشيال لوضعها على ظهره .
 

G.M.K Team

G.M.K Team
ليتني كنتُ السابع

انطلقت الحافلة المليئة بالركاب،باتجاه المدينة البعيد والتي تستغرق رحلتها الاعتيادية،حسب خط سيرها المقرر من قبل إدارة المرور/خمسُ ساعات.ولذلك حاول الأستاذ مصطفى مدرس مادة الفنون وأخوه، قطع تذكر أمامية ،قريبة من جهاز الفيديو،ليتسلوا بمشاهدة الأفلام لحين وصولهما إلى المدينة.

أخرج سيكارةً من علبته وضعها في فمه،وهو يفتش عن ولاعته المهداة إليه في إحدى المناسبات ، وقبل أن يشعل السيكارة،كان مرافق الحافلة واقفاً على رأسه.

- لو سمحت،الشركة تمنع التدخين،يرجى التقيد والالتزام بذلك.

أبتسم مصطفى وقال: تكرم...أهلاً وسهلاً بك وبالشركة، طالما ممنوع للكل،ولكن بما أنك منعتني من التدخين، أليس من حقي أيضا .أن أطلب(كاسيت)لفيلم هندي يكون على مزاجك .

- بكل سرور(قالها المرافق ذو الشكل الجميل والأنيق في ملبسه).لديَّ فيلم هندي باسم مرد وسأضعهُ بعد الضيافة مباشرةً.

كانت الحافلة تنطلق كالسهم تخترق البوادي دون أن تعيقه صعود أومنحدر . وكان منظر قافلة من الشاحنات الكبيرة التي تئن تحت حملها ، تحاول جاهدة الإسراع دون فائدة . كسباق مجموعة من الشيوخ العجز مع لشاب رياضي نشيط، فقد بقيت القافلة وراءها حتى فقد أمل اللحاق بها .

الأشجار الحراجية وأعمدة الكهرباء والهواتف تتراجع من جانبي الطريق. التفت انتباهه الى فلاح شاب بجانبه فتاة تحت ظل شجرة وارفة.خرجت تنهيدة طويلة من صدره وغلب عليه الخيال كانا على مقربة من نهر الخابور ...تظللهما أشجار السرو والسنديان.جالسان على مقعد أسمنتي ويده تشبك يدها. وهي صامتة.

- ما بك...أحبك...أحبك أنت فقط .لاأحد غيرك لها مكان في قلبي.

- ولكن أخبروني...نعم أخبروني بأنك على علاقة مع فتاة أخرى - قالتها بحزن

- أخبروكِ ..من ..؟ عمك الذي سحب علينا المسدس،أنه رياءٌ وافتراء. يريدون أن يبعدوك عني يريدون أن تذبل زهرة حبنا...أهواك أنت..أعشقك أنت .. دونك الدنيا بلا..

-أعرف مشاعرك اتجاهي ومتأكدة منك يا حبيبي،ولكن كلماتهم عنك تضايقني، عند سماعي بذلك يقشعر بدني أتألم !! آسف لأنني أخبرك عن مكنونات قلبي .

- هل تضايقت...؟

- أبداً... - ولكنني سببت لك الازعاج- قالها مازحاً: بمناسبة هذا الخبر المزعج والكاذب، ماعليكِ إلا مراضاتي ومراضاتي ليست سهلة كما تعلمين.؟

ضحكت وقالت: اغمض عينيك...وبعدها ستنال ما تطلب.

وأغمض عينيه وهو في نشوته العارمة.

حاول فتح عينيه،أحس بضبابية الألوان وشعر بدوار في رأسه وكأن كابوساً مرعباً زاره في المنام ...ارتعب وصرخ بأعلى صوته حتى جفلت الممرضة الواقفة إلى جانبه...ماذا حدث ..أخبروني؟

أين...أنا..؟أين الحافلة.؟..أخي..أخي أين هو..؟ يا إلهي رأسي...تؤلمني..

اقتربت الممرضة، مسحت أثار الدم المتبقي على وجهه وعيونه وبَعَدَتْ جفونهُ عن بعضها وزالت الأوساخ بالقطن المعقم وقالت:

هوَّن عليك ياأخ...أنك رَجُلْ...حمدا لله على سلامتك ...كان حادثاً مؤسفاً ذهب ضحية اللامبالاة ستة أسخاص من جملتهم السائق و مرافقه، المساكين ماتوا قبل أن يصلوا الى المشفى ، أما الباقي فأغلبهم أصيب بكسور وجروح بسيطة، وأخوك بخير وهوفي الغرفة رقم ( 17) ولكن للأسف هو أيضاً مصاب في ساقه.

- أريد رؤيته...أرجوكم...بالله عليكم طمئنوني.

- أطمئن ولا تخاف،صدقاً أنه بخير وقد يزورك بعد قليل، هو أيضا قلقٌ عليك وأخبرناه بالحقيقة مثلما أخبرناك.

- أريد رؤيته ولو لدقيقة واحدة، خذوني إليه...أرجوكم...أتوسل اليكم...وأثناء ذلك سمع دقات على الباب-ودخل عليهم رجل- وقال:

- مرحباً يا أستاذ...يا فنان...مد يده للمصافحة .

- يبدو أنه يعرفني / قالها في سره /.

- كانت يده اليمنى سليمة،أراد أن يمدها للضيف القادم إليه، وحين رفع بصره وتفحص ملامحه.تجمّدت يمناه وتغير لون بشرته وقال بمرارة (يكاد لا يسمع):أنتْ.

- نعم أنا...المساعد أبو الزند،ألم تقل بأنك تستطيع رسمي خلال خمس دقائق، ها أنذا آت إليك.لقد رأيت أسمك في سجلات المشفى وسمعت بالحادثة ،بالمناسبة أنا أعمل هنا كاتباً، فقد سُرحت من الوظيفة مثلك...ألا تريد أن تفي بوعدك ،أم أنك نسيتني .

- كيف لي أنسى ذلك اليوم، مداهمتكم لبيتي في ساعة متأخرة من الليل. استقبالكم وحفاوتكم...كيف أنسى كلماتك الرقيقة عندما قلت:سأنسيك حليب أمك...كيف أنسى ذلك السوط والخيزرانة والكبل الرباعي وغرفة التحقيق،ومعلمك كيف أنساه وأنتما الأثنان تتناوبان

على تعذيبي نفسياً وجسدياً وذلك دولاب قياس600/14عندما وضعتموني فيه .وهو يقو لك:

ابن الـ....مهيأ حالو نفسياً.

- كان يتذكر تلك اللحظات الأليمة كشريط سينمائي- وما زالت يده ممدودة كما هي، قال: لاتؤاخذني علىذلك ،كنت مرغماً،ذلك كوني في(00000)لقد كانت وظيفتي آنئذ...

- وظيفتك كانت إهانة الناس وتحطيم مشاعرهم وأحاسيسهم،وبصوت مخنوق_ماذا فعلت لكم...؟ شتّان مابين عملي وعملك...لقد حرمتني من وظيفتي كوني أقمت معرضاً فنياً دون أذن منكم...ألم يكن عندنا سلطات مثلكم..أم أنك كنت التحري البطل.واستغللت الوظيفة لأحقادك الشخصية ...ألم تخاف من ربك وأنت تقول لمعلمك أقاويل كاذبة،ملفقة،كي يزداد جرمي وأمامي،ولم استطع أن أتفوه بشيء..أنت تعلم بأنك افتريت...كذبت(ومازالت يده كما هي). ولكن مثلك لايخاف أحداً.لأنك بلا رحمة ولاضمـ...

وتدخلت الممرضة في تلك اللحظة وقالت :هدىء من روعك يا أخ ...الانزعاج مضر وسيء بالنسبة إليك وقد يجلب لك مضاعفات نحن بغنى عنها...

-لا يا أختاه...ليتني كنت السابع ولم أر وجه هذا الرجل ثانية.

تراجع إلى الوراء محاولاً إسناد ظهره الى الوسادة،ونزلت يد أبو الزند الى الأسفل واتجه نحو الباب بعد أن همست الممرضة في أذنه.
 

G.M.K Team

G.M.K Team
التنهيدة الأخيرة مع الفجر

قام ذات صباح كعادته دون منبه لاداء فريضة صلاة الصبح ، استغفر ربه ثم تشهد وهو يتثاءب، لا يرغب بمغادرة الفراش،جسمه ثقيل وكأن عظامه متكسرة لقد أمضى يوماً شاقاً في عمله وهو رجل كبير، مسن ، رجليه غير قادرتين على حمل جسده ، قسمات وجهه وتجاعيدها تدل على تعب وشقاء هذا الرجل طوال حياته.
- فرك عينيه ،...تثاءب ثانية ولكن هذه المرة لفترة طويلة حيث خرجت معها تنهيدة مرهقة في نهايتها ..آخ..آخ .
استغفر بالله ...نظر إلى زوجته وقد تكورت باللحاف..نهض يفتش عن ثيابه المكومة على الأرض ، وفي إحدى زوايا الغرفةارتدى ملابسه تحت ضوء خافت من النواصة كي لا يزعج أولاده .
اغلق الباب وراءه بهدوء واتجه نحو الجامع القريب من بيته ليلتحق بصلاة الجماعة ( فاذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون) صدق الله العظيم.
كان في المراحل الأخيرة من الصلاة ...التحيات...المباركات...الـ...فجأة تذكر عربـته التي يعمل عليها...استعاذ بالله...اكمل الآية والتفت يمينه ويسرة أنهى الصلاة...أسرع نحو الباب ليصل الى حذائه .
انتبه المصلون الى حالته غير الطبيعية،لانه بالعـادة يبقى آخر من يخرج...لماذا هذه المرة...؟ الله يعلم ما في الصدور .
انتعل حذاءه ، حاول الاسـراع ، رغم مشيـته البطيئة ، طالت المسافة امامه، تكلم مع نفسه ... اترى كانت موجودةأم لا...! اني لم انتبه...عندما اصل الى الشارع سيتبين لي كل شيء.....و اخيراً ها..قد وصلت
اقترب الشارع ،بضعة أمتار...خطوتان ..وليتأكد من العربـة صدق حدسه حين وصل . وضع يده على جبينه ليمنع انعكاس ضوء الكهرباء الباهر على عينيه... نظر الى مكانها...
يا الهي...! إنها غير موجودة...أسرع بما فيه من عزم ،وقف في مكانها تماماً ، وضع يده على خاصرته... وقف للحظات ... ثم اتجه نحو الشارع الثاني.
- ر بما أحد الأولاد أخذها وتركها قريبة من هنا - تمتم مع ذاته -... ليست هنا لانتقل الى الشارع....وهكذا انتقل من شارع الى آ خر ولم يجد لها أثرا حتى أرهق من التعب .
رجع الى البيت خائباً...
فتح الباب بغضب،استيقظت زوجته مذعورة .مندهشة لتصرفه اشعل الضوء، بدأ بالسباب والشائم.
- ماذا حصل...لم هذا السباب ؟(قالت زوجته).
-اختفت ..اختفت العربة ...مصدر رزقنا ورزق هذه الأشلاء ( مشيراً بيده الى أولاده النائمين الصغار ) ... انهضي من مكانك يا لبرودة أعصابك هه...كأن عربة الجيران قد اختفت.
- ردًت (بعد ان عرفت سبب غضبه):لعل من احتاجها لعمل ضروري أخذ ها دون ان يوقظنـا من النوم ...نم وارتح.
- نم وارتح( قالهـا بسخرية وهو يقلد صوتهـا وحركة فمها ).
- كيف سيأتيني النوم يا خانم وأنا اشعر بفقدها ...آه لو أرى الذي أخذ ها...
- سألعن أباه ...سأخذ منه أجرة مضاعفة...لا.. لا دون أجرة المهم ان يرجعها هذا يكفي.
- ابدأ سأسلمه للشرطة ...انه سارق وليس بذي حاجة ...المحترمون يستأذنون ، لا يأخذونها دون علمنا
- كان يغفل حيناً ثم يستيقظ. ، ينهض وينظر من خلال النافذة ، يتخيلها واقفة أمام الباب .. يتجه نحو الباب ، يفتحه بلهفة ولكن ...حتى الخيال اختفى ،.. لا يرى شيئاً امام الباب...يعود الى غرفته متألمـاً متحسراً وكأن حفنة من ملح قد نثرت على جرحه، بقى على هذه الحالةحتى وضح النهار وأشرقت الشمس ، أحضرت زوجته سفرة الفطور ووضعتها امامه،لكنه احس بمعدته تكاد تخرج من فمه وقال بصوت كئيب والحزن باد على سحنته : العربة لم ترجع يا امرأة ...أنها سرقت بالتأكيد خذيها من أمامي لا اشتهي.
تثاقل بنهوضه،حمل نفسه وخرج الى السوق،يفتش عنها بين العربات..في الازقة في الساحات في الزوايا الميتة ...في الخرائب لعله يجدها، يسأل من يرى في طريقه...ولكن دون جدوى..شعر بنار جهنم تصعد إلى نافوخه ألجم لسانه خارت قواه...رجع الى البيت محموماً... انها قطعة منه..عكاز ته التي يمشي بها...لقد رافقته طوال الست والثلاثين سنة منذ أن تزوج وهي شريكة حياته،لايفارقها لحظة..من البيت الى السوق.الى العمل ثم العودة بها في فترة الليل.. دونها يفقد توازنه...اشتد هذيانه لاختفائها ووقع طريح الفراش...
زاره الناس، أصدقاء و أقرباء ، فلم يفلحوا في إقناعه،كان دائماً يفكر بها شارد الذهن كرجل عاشق تلظى بنار الفراق،يحن إليها لا يبالي بالزوار...انه فقد قلبه وعقله منذ فقده العربة .
أجل لقد كانت كل شيء بالنسبة له ودونها فهو لاشيء شحب وجهه وهزل جسده.استدعوا الأطباء ، شكلوا لجاناً لدراسة حالته وصفوا له أدوية ولكن دون فائدة.
جلس مع طبيب نفساني، جلسات عديدة وبعدها اقترح بجلب عربة تشبه عربته.
- بشروه برجوعها...
- قفز من فراشه واتجه صوبها ( ليضمها ويقبل أوتادها ليشم رائحة عرقه وتعبه ... وحين رآها تمحصها . دار حولها ..لمس دوالبيها..ثم ابتعد وصاح:
اريد عربتي.. شريكتي..هذه ليست لي يا أوغاد..خذوها من هنا..سأحرقها أكسر ها...
قال احد الحاضرين: ارحموا هذا المسكين ،ارأفوا بحاله،إنه مريض يكاد يفقد صوابه اجلبوا له عربته...فهل ابتلعتها الارض... فتشوا في كل الأماكن اقترح شخص ثان ، بان ينادى من خلال مكبر الصوت في الجامع... واتفقوا على الاقتراح فنادى المنادي :
يا اهالي البلدة المحترمون
يا أصحاب النخوة والشهامة...لقد فقدت عربة منذ مدة.فمن رأها أو لديه معلومات عنها فله مكافأة ثمينة.أن صاحبها يكاد يموت من اجلها..ارحموا هذا المسكين 0وأجركم على الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مرت أيام..وأسابيع ،ولم ترجع العربة،نسي الناس حكاية العربة وصاحبها...لكنه لم ينسها إذ ظل يفكر بها على الدوام،يحلم برجوعها ويقول:
لابد إنك في يوم من الأيام ستلتقي بعزيزتك ، بشريكة حياتك،بحاملة همومك وأحمالك التي تنقلها من مكان الى آخر ...سترجع إليك...ستدفعها وتدور بها من شارع الى شارع ومن حارة الى حارة وتمزح مع الاطفال ،تحرف اسماءهم بقصد أو دون قصد..فتنادي..ها آنديراغاندي ماذا تفعلين .اصعدي العربة ..واحذري ان تجرحي يديكِ..امري لله لقد اعتدتم على ذلك وانت يا أسمر يا نلسن ما نديلا أيها الشقي اركب مع اختك ولاتخف، غداً عندما تكبر ستصبح (بيشمه ركه).
ذات صباح وعلى إيقاع صوت المؤذن نهضت زوجته ونهرته في خاصرته،قم الى الصلاة..لقد تأخرت عنها..ماذا بك..صلاة الجماعة و تركتها 0فهل في نيتك هجر الصلاة نهائياً.؟00
نهرته ثانية...لم يرد رفعت اللحاف عن وجهه...
صرخت وبصرختها استيقظ الاولاد مرعوبين، هرعوا باتجاه فراش والدهم المستلقي بلا حراك.
انكبت على صدره أرادت ان تسمع دقات قلبه رفعت يده الباردة مسحت بها وجهها حتى تبللت بالدموع، فلم تصدق إنه قد مات ،ذلك لأن عينيه كانتا مفتوحتين و كأنهما تنظران لصورة عربة في البعيد.
 

G.M.K Team

G.M.K Team
على ضفاف الخابور

المقطع الأول :

شاب يافع كغيره من شباب جيله ، يحلم بمستقبل وفتاة جميلة تزين له حياته ، وتشاركه العمر - هذه هي سنة الحياة - ويشاء القدر ان يلتقي بذاك الجمال الحالم وذاك الشعر الذهبي وتلك العينين الزرقاوين من بنات قومه...
وكم كانت فرحته وسعادته حين استجابت له العيون بالموافقة...لغة لايفهمهاإلاهو وكما يقال:نظرة ،فابتسامة،فكلمة،فموعد،فلقاء...وتم اللقاء.
واجتمعت الأحاسيس التواقة لتشكل روحاً في جسدين.


المقطع الثاني:

أصبحت سيرتـهما ((على كل لسان)) وذاع صيت حبهما في المنطقة كلها ...إنها أجمل و أروع قصـة حب عذري سمعها جيلنا الحالي...
عند اللقاء ، يخرج قلبه من صدره ليستقبلها شوقاً وهياماً ، يرغب بضمها بين ذراعيه ليرشف من رحيق شفتيها ... ولكن إحساسه المرهف وشفافيته يمنعانه من القيام أو حتى التلميح بذلك حرصـاً على مشـاعرها ولمكانتها السامية في قلبه.

المقطع الثالث:

يحلمان مثل غيرهما ببناء مستقبلهما وتكوين بيت أسري جميل،هادئ مبني على أساس متين تسوره هالة من الحب والتفاهم ويرسمان على ورق أبيض مثل قلبيهما مخطط البيت،غرفة الاستقبال الصالون...المطبخ...الخ
وبدأ الحساد والعذال بزرع الأشواك في طريقهما ، فتن ..أخبار ملفقة..كذب..حاولوا التفرقة بشتى الوسائل ، إلا ان محاولاتهم ذهبت سـدى ولم تلق النجاح حيث تغلب العاشقان على المكايد والافتراءات بحكمة.


المقطع الرابع:

دنا موعد امتحان..البكالوريا الفرع العلمي- لكليهمـا- ... وذهب الاثنان إلى المحافظة لتقديم الامتحان لعـدم وجود مركز امتحان في بلدتهما.......، حيث استأجر الحبيب غرفة متواضعة صاحبتها امرأة عجوز ، تجاوزت السبعين وتعيش على إيجار هذه الغرفة.
ام هي ،فاستأجرت مع رفيقتها،غرفة قريبة من المدرسة.

المقطع الخامس :

لدى خروجهما من قاعة الامتحان ، كانا ينتظران بعضهما ويتأكدان من تقديم فحوصهما ويحثـان على تقديم المواد بشكل افضل وعلامات احسن، لقبولهما في احسن الكليات. يذهبان في مشاوير خاصة سيراً على الأقدام لساعات طويلة ، وبعدها يتجهان نحو النهر ليجلسا تحت شجرة وارفة على الضفة اليمنى من النهر،ذات يوم كان جالساً يتأمل الدوائر المتشكلة حيث كانت ترمي بالحجارة لتشكل اهتزازات دائرية تتسع شيئاً فشيئا حتى تخف وتزول . انتبهتْ ... وهو صـامت ، يحدق في النهر .
- ما بك...؟ بماذا تفكر...؟ في النتائج...انا واثقة تماماً من نجاحنا في الامتحان التفت إليها وقال:
- والامتحان الثاني ؟! امتحان قلبك.ما هو نتيجته ؟ هل سيكون مثل هذه الدوائر كلما ابتعدت عن المركز تزول؟
- ماذا تقصد...؟
- حبنـا عنيف وقوي ، تحدينا الجميع ومع ذلك أخاف ..أخاف ان يزول مثل نهاية هذه الدائرة.
- وقتها ،سيكون زوا لي وفنائي أيضا.
- لا سمح الله يا حبيبتي...(وامسك بيدها) فأحست بدفء يسـري في عروقها ليتوزع على جسمها...وهمست في اذنه .
- الى الدراسة يا أستاذ...

المقطع السادس :

ذات يوم دخلت العجوز إليه وقالت:
يا ولدي من خـلال معر فتي القصـيرة بك ومن خلال هواتفها التي لا تنقطع، تسألك لحظة لحظة هذه الفتاة جعلتني أحبها دون رؤيتها ، يبدو أنها تحبـك بكل جوارحها ، ...تعشـقك..لم أر في حياتي قط مثل هذا الهيام والحب، صحيح انني سمعت بـ((مم وزين )) و بـ ((ليلى والمجنون)) و لكنكما أضفتما اسمين آخرين إلى قائمة العشاق، أتمنى لكما من أعماق قلبي بل أتضرع إلى الله ان يوفقكما وأن احضر حفلة زفافكما فيما لو كتب لي ذلك.

المقطع السابع :

يا خابور...انطقْ بما شاهدته..يا شوارع الحسكة ..يا حدائقهـا...يا جذوع الشـجر التي كتب عليها اسميهما ، أو حرفين منهما ورسم قلبٌ أصابه سهم... يا مفكرة الجيب التي مازال يحتفظ بها اقلبي صفحات تلك الأيام ، أيام الامتحان يوماً وراء يوم واقرأي كتابة همساتهما والمكالمات الهاتفية...ابتهالاتهما الى الله سبحانه وتعالى للتوفيق والنجاح لهما.

المقطع الثامن :

توالت الأيام... اقترب يوم إعلان النتائج ، تسارع خفقان قلوب الطلاب ومن بينهما الحبيبان ولسوء حظه لم يكن في البلد حينها ، فتسرع مع زوج أختها لمعرفة النتيجة ، حيث تندفع وسط حشد كبير من الناس متلهفة لقراءة الأسماء.
تلحظها احدى الطالبات ، فتتجه إليهـا ، تبشـرها بالنجاح ومجموع علاماتهـا ، لكنها لا تبالي بنتيجتها
وتقول : ابحث عن اسم آخر...
فردت الطالبة : مبروك مرة ثانية ، واقتربت من إذنها وهمست : حبيب القـلب نـاجح ماذا تريدين بعد ؟؟
يا الله... قدماها ترقصـان فرحاً... أهداهـا الله سبحانه تعالى جناحين لتطير بهما ، سعادة ما بعدها سعادة...لقد حقق لها ما أرادت واستجاب لدعائها.

المقطع التاسع :

تركت قريبها في وسـط الزحمة وهرعت باتجاه بيت لاول مرة في حياتها سـتطرق بابه ، دون خجل أو وجل ... وتطرق الباب:
- يخرج الأب منادياً :من بالباب...تسمع صوته فيذكرها بصوت حبيبها..بنبراته ويفتح الباب.،.يفاجئ الأب بوجودها،.يعرفها ويعلم بحكايتها مع ولده..
- نعم يا بنتي ، ما بك تفضلي...عسى ان يكون خيراً ؟
- خير عمي خير...فقد جئت ؟
- تكلمي يا بنتي،لم أعد احتمل اكثر من ذلك؟!
- جئت أبشركم..لقد نجحنا نجحنا نحن الاثنين.
فتطرق كلماتها تلافيف مخه ، يخرس اللسـان من شدة المفاجأة ، يتوقف العقل ويبدأ العاطفة و اللاشعور للتعبير عن فرحته...
يخرج المسدس الذي كان يحمله،يقدم الطلقة الى الأمام، ولم يعد يسمع سوى صوت الطلقات ووميضها من حين الى آخر...وبعد لحظات ساد الصمت على الجو المظلم..

المقطع العاشر :

يهرول الجيران والناس ، يحتشدون أمام الدار لدى سماع الطلقات و إذا بهم يرون الفتاة ملقاة على الأرض على مقربة من الباب...غارقة في الدم...
يذهل الجميع ، لدى مشاهد تهم ذاك المنظر الفظيع ،كانت يدها مغموسة بالـدم وجملة مكتوبة إلى جوارهـا ( أحبـك يـا...) وفي الحرف الخامس والأخـير من اسمه كانت السبابة متيبسة ومستقيمة.
 

G.M.K Team

G.M.K Team
الطاهرة....بلا روح إلى من أسميتها .....كاجين

كوثر فتاة جزائرية رائعة وطيبة ما بعده طيب لقبت نفسها ب( روح طاهرة ) وهي فعلا روحا طاهرة بكل ما للكلمة من معنى, تعرفت عليها صدفة وأنا ادخل إحدى مواقع الدردشة ( تشات ).
عندما اكتب لها أحس بأنني أتحدث مع ملاك طاهر كلها عفة وأدب وأخلاق , ليست مثل مثيلاتها واوكد دخولي لهكذا مواقع قد يكون نوع من الفضول ليس إلا ؟ وبرغم دخولي إلى النت قليلا إلا أنها كانت تنتظرني بشوق . تراسلني وتعتبرني الأخ والصديق الوفي الذي يرشدها ويدلها على الطريق الصحيح كونها من عائلة محافظة وتريد أن تذلل الطرق أمام مستقبلها بالحكمة والعقل , كنت محل ثقة لهذه الإنسانة التي تبعدني عنها مسافات وتقول فخورة أنا بصداقة رجل صالح وطيب وذو أخلاق حميدة , وهي لاتعلم عني سوى أن جنسيتي السورية وتحمد الله الذي أرسل لها وعرفها بشخص قد لا تراه طيلة حياتها , و فرحتها لاتسع حين ترى الإشارة الخضراء لامعة حينها تحس بانشراح حيث ينتابها إحساس بان روحها الطاهرة عادت إليها وتقول عندما لا أرى تلك الشارة أحس بأنني فقدت جزءا من روحي وتنتابني صداع وألم في أطرافي , واسأل نفسي أترى حصل له حاجة لاسمح الله , أين هو وماذا يعمل , بالله عليك أعطني موعدا ثابتا لدى جلستك على النت .

ذات يوم أرادت أن تصارحني بموضوع يخصها . ارتبكت و تخيلت بأنها وقعت في غرامي أو أنني أوهمتها بشي من هذا القبيل وبتردد كتبت لها , تفضلي عسى أن يكون خيراً .
وبدأت بسرد حكايتها:
- ولايتنا يا سيدي بعيدة عن العاصمة فاضطررت بالسفر جوا , حينها جلس بجانبي شاب وأثناء التحليق تعرفنا على بعضنا و حدثني بأسلوب راق وبكل أدب واحترام : هل أنت من العاصمة
- لا , أنا.... من هذه الولاية وسأذهب للعاصمة لتقديم أوراقي الجامعية .
- عظيم , الله يوفقك , بالمناسبة _ ووضع يده على صدره وثنى رأسه قليلا _ أنا مسلم .
- وأنا أيضا مسلمة ؟!.
أيتسم حيث رسم على وجهه هلالين متعاكسين وقال :
- العفو , اسمي مسلم , من سوريا .
استدرت وجهي حياءا وكأنني ارتكبت خطئا , ثم لاشعوريا اتجهت عيناي صوبه وقلت : أهلا بك يا أخ مسلم , آسف لعدم فهمي حسبتك تقول عن دينك .
- لا ...لا تأسفي , عادي جدا , يحصل مع كل الناس .
- وماذا تعمل هنا , هل تعمل بالسفارة أم تاجر أو زيارة .
- ابتسم ثانية وقال : متعهد , أنا متعهد ولدي آلة حفر للآبار وقد حفرت معظم آبار الجزائر أنا هنا منذ ثلاث سنوات , حتى لهجتي تغيرت وعليكم أن تمنحوني الجنسية .
- ابتسمت وقلت والله الحق معك , فحديثك وكأنك ولدت هنا .
((.......بفضول كتبت بأصابع كأنها تعزف على الكيبورد , حسنا وبعدين ...؟ ومن ثم ضغطت على الانتر ....)) .
قالت :أعطاني رقم هاتفه في حال إذا احتجت لشيء .فقط , ماذا يخطر ببالك , أنا لست لقمة سهلة , شكرته على تقديم مساعدته لي وقلت بصراحة سأقدم أوراقي ثم أرجع إلى البيت فورا .
((........عظيم لحد الآن مافي شي , عادي جدا ويحصل مع معظم المسافرين )).
- دعني أكمل , الصدمة بعد عودتي للبيت بأسبوع تقريبا .حيث زارنا ضيف لم نعرف من هو حتى اخبرني والدي بان الضيف هو من كان مسافرا معك وقد جاءني خاطبا إياك لنفسه وكان علامات القبول والرضا مرسومة على ثغر والدي وقال لقد أمهلته بعض الوقت حسب العادة والعرف .
((...........هيك بهذه السهولة ......))
- انتابني شعور لايوصف كله غبطة وسرور , والله حسيت كأنني حمامة لها جناحين و بدها تطير .
((مازحتها ........... تطير , لوين إلى سوريا ؟...)).
- أي والله تذكرت , صحيح مش أنت كمان من سوريا , أليس كذلك ..؟
- شو نسيتي أني من سوريا , وقلتها مازحا إذا الشاب عامل مشكلة فهو مش من سوريا .
- ليش هيك واثق من نفسك , ومن شبابكم لا يعملوا مشاكل ,ثم استأنفت , بس بصراحة شاب محترم يطير العقل وأنا فرحانة كثير .
- الله يوفقكم ....
- كان شابا ذكيا استطاع أن يقنع والدي وأهلي بسرعة لامعقولة , حيث شرح لهم وضعه وعمله وكل ما كان يخطر ببال والدي سؤاله .
- عفوا تقولين كان وهذا يعني أصبح ماضي أليس كذلك , هل عمل مشكلة ما ؟ .
- لا.. لم يعمل أية مشكلة , بس خلقت لنا مشكلة لم تكن عالبال ولا عالخاطر , أنا قلقة جدا ويائسة وأصبحت أعاني من مشكلة نفسية .
- تفضلي !...
- كان محترما , طاهرا .
- لهذا سميت نفسك بالروح الطاهرة ...؟
- نعم هذا صحيح , كونه احترم البيت الذي دخل بكل أدب وأخلاق , حتى أننا كتبنا عقد القران , لم يلمسني , كنت أحس به وبمشاعره اتجاهي , وقد اجلنا الزواج عندما تلقينا نبأ وفاة والدته فاضطررنا حتى تنتهي الأربعينية .
((.............كنت بشوق لمعرفة نهاية القصة أو مشكلة التي تحكيها لي صديقتي ........وكتبت لها بحروف كبيرة .....وبعدين شو صار ........ثم انتر ....)).

في صباح يوم العيد جاء لمعايدتنا , و حينها كانت القنوات الفضائية تنقل نبأ إعدام صدام وكان والدي رجل مؤمن ويحب صدام ويعتبره المنقذ للإسلام والعروبة .حينها تأفف والدي وكأن حبل صدام التف حول عنقه , ورفع يده إلى السماء , داعيا لله سبحانه وتعالى الانتقام من الذين أعدموه ......!
التفت خطيبي لناحية والدي وكاد الدم ينبجس من وجهه وتغيرت سحنته وقال : يا عمي , جميعنا مسلمين وإيماننا بالله قوي , وان الله سبحانه وتعالى يمهل ولا يهمل ...أليس كذلك ؟.
هز والدي رأسه ونظر إلى خطيبي نظرة غريبة لم يستقبله ألبته وفي صدره غصة خانقة
- يا عمي هذا الرجل مجرم , سفاح قتل الكثير من أبناء شعبه , لا يعدون ولا يحصون , ألا تشاهد التلفاز كيف يخرجون أمواتهم من القبور الجماعية ..............
ولم يتمم حديثه حتى توسعت حدقتا والدي ورد عليه بغضب:
- أنت لست مسلما , أنت كافر مثلهم , كيف تقول هذا على بطل من أبطال المسلمين , تؤيد الناس الذين جلبوهم الأمريكان. عندما كنت شابا أتذكر زيارة صدام لنا .
- نعم يا عماه وأنا أيضا أتذكر تلك الاتفاقية المشئومة التي حلت علينا وكانت نكبة مثلما حصل في فلسطين , كارثة لشعب مسلم مؤمن يقوده رجل دين , ملا , محب لدينه وشعبه , مثل عمر المختار.
- آه ...صحيح , نسيت أن الأخ كردي ؟ .
- نعم , أنا كردي وقد أخبرتكم بذلك عندما طلبت يد ابنتكم , وقتها ذكرت اسم منطقتي التي غيروا اسمها من ( كوباني ) إلى عين العرب , حتى أنني رويت لكم قصة سينما عامودا وحريقها , حينها كانوا يعرضون فيلم جميلة بو حيرد لجمع التبرعات لكم .

((....تأخرت عن الكتابة قليلا ثم أرسلت صورة فلاشيه لعين تدمع و تذرف, أحسست إن صديقتي قد أجهشت بالبكاء ....))
- لم تبكين ماذا حصل لخطيبك ؟,
- رحل عني - أرفقتها بتلك الصورة الفلاشية للعين الدامعة - رفض والدي تزويجي منه, ولا أعلم هل ترك الولاية أم عاد إلى وطنه .
- والله قصة مؤسفة وحزينة , هل المطلوب مني البحث عنه في منطقته ؟.
- لا .. لا ...يا أخي , موضوع الزواج منه محال , والدي واعرفه , لكن هل بإمكانك إعطائي فكرة عن القومية الكردية وعن حياتهم ولغتهم .
- كتبت لها بالخط العريض : ok .وحتى بإمكاني تعليمك اللغة الكردية .
- هل تعرف الكردية ؟.
- نعم ...أنا كردي .
- آوه ...عن جد , يا الله شو هالصدف العجيبة إذا اعتبرني تلميذة عندك من الآن وصاعدا , ولو سمحت , سم لي اسما كرديا بلغتكم , ممكن .
- حسنا , أول حرف من اسمك ( كاف ) كوثر , ما رأيك ب ..كا جين ........- وكتبت لها بالعربية والكردية _
- معناه إيه ؟.
- معناه , أين الحياة ؟.
.......بعد لحظات رأيت شاشتها الاسمية كتبت عليها : كاجين ...kajîn .
 

G.M.K Team

G.M.K Team
المشهد

جلسَ على مائدة العشاء ،لم ينتظر زوجته ،خَرقَ النظام والعادة ،تلقف أول صحن وضعته أمامه ،التهمه وهي مازالت تقدم الطعام ،استغربت لشهيته ونفسيته المنشرحة..يدندن ،يشارك التلفاز في الغناء تارةً ويلتفتُ إليها تارةً أخرى...يغير القنوات من حين لآخر..سايرته، شاركت فرحته...

وضعت الطعام بأصابعها الرقيقة في فمه الكبير، كان طويل القامة،عريض المنكبين ،رأس فاحم كبير شاربان كثان يغطيان فمه وعينان كئيبتان قبل هذه اللحظة ، أما الآن فقد عادت العينان إلى ألقهما وبريقهما ،حادتان وجريئتان.
أما هي فشقراء ناعمة،دافئة يخال للمرء بأنها ملاك طاهر من العفة والطهارة ولكنها تتجرع الحزن والحرمان .بسبب وضعها النفسي والبيئة الشرقية والأعراف التي لا ترحم . /يسقونَ زرعاً لا يثمر، الأولاد زينـة الحياة والدنيا /. لدى سماعها هذه الجمل ،تتمنى أن تسـكن مجرة بعيدة مع زوجها وتبتعد عن الهمس والغمز.

كانت اللقمة في فمه حين لاحظ شرودها ، تأمل وجهها القمري وبحركة عفوية ترك كرسـيه واقترب منها وقال:
- سعادتي لا توصف أمام محراب جمالك ، كيف كنت سأعيش دونك ؟ اخترتك ونعم الاختيار ،يقولون :إذا غضب الله من إنسان بعث له زوجة تُنغص له حياته،أحمدُ الله حيث أنعَمَ عليّ بأجمـل وأحسن زوجة خلقاً على وجه الخليقة.
تسـألين ذاتك ما به الليلة ...أليس كذلك ؟ لماذا هذه الغبطة ..؟ما المناسبة؟أسئلة كثيرة تجول في ذهنك حسناً ألا تُريدين لزوجك الحبيب أن يكون سعيداً ؟
- أومأت رأسها بالموافقة.
- ا بتسـم وقال : لقد ارتحت اليوم وفككتُ العقدة التي كانت على جبيني/مثلما تقولين /؟
- وبدهشـة لا تصدق -نطقت ،ماذا تقول ...؟ هل كانت. . . . - وقبل أن تكمل حديثها - قاطعها.
- المعالجة تمت بنجاح...
ارتمت في حضنه ، مسدَ شعرها المسترسل وهمسَ في أذنها :أخبرني الدكتور بأن النتائج كانت مذهلة.. إنها إيجابية مائة في المائة...ولهذا أنا سعيد ...مبسووووط؟
وارتفع صوته - أراد أن يسمع الأرض والسماء ، النبات والأحياء ، العالم جميعاً.يجب أن يسمعوا ويعلموا بأننا أصحاء قادرون على الإنجاب...
- قفزت من حضنه ووضعت يدها على فمه وقالت بعفوية :ستفضحنا يا مجنون؟!‍ ‍ ‍رفع يديها بحنية وقبلهما :كي لا أَُجَن،أريد منك بهذه المناسبة ان نحتفل في أي مكان تختارين، لنقضي أجمل ليلة عمر لننسى الماضي منذ اللحظة،ولنعش أيامنا بكل جزيئاتها.
- لا احب الخروج...- و استأنفت ـ خمس سنوات معقول؟لا أكاد أصدق يا الله كم سأكون سعيدة ‍‍‍!
- سعيدة على الناشف لا يكفي ، يجب أن نحتفل .أنه أمر؟ ومن تخالف أمر زوجها سيكون مصيرها نار جهنم.
- حسناً لنحتفل في البيت .

ذهبت الى غرفتها... اتجهت نحو الخزانة ، ارتدت أحلى قميص نوم كان قد أهداهـا في عيد زواجهما ، فتحت در وج الإكسـسوارات والعطور...تعطرت وتجملت كعروسٍ في ليل زفافها. بعد لحظات..ولجت الباب بهدوء لتفاجئه ولكنها صدمت بسكوته وصمته وعدم انتباهه لحضورها . لم يستنشق عبق عطرها ، كانت ملامحـه متغيرة ، عـيناه ثابتتان باتجاه التلفاز، وضعيته في الجلوس تدل على عودة العقدة إلى جبينه ثانية.
دَنَتْ منه وهي مرتجة،خاطبته:ما بك ؟هل مازحتني واختبرت شعوري ؟ لا عليك، لا تحزن أنا راضية بحكم الله وقدره...
كان يحدقُ في التلفاز، الدموع أخذت مجراها على خده ، والقلب يقطر دماً ، ودون أن يلتفت إليها خرج من حنجرته صوت كئيب لم تسمعه قط.
انظري..انظر ي ، إنه مشهد حيّ..إنه حقيقي !.. هل رأيت منظراً أبشع وأمر من هذا المنظر؟ هل رأيت ظلماً أبشع وأقسى من هذا الظلم .
- تكاثف الغيوم الانفعال ولمعت صاعقة الغضب وضرب بكلتا يديه على الطاولة حيث تطايرت الصحون والكؤوس وارتطمت بقاع الغرفة،لم يشعر بألم واستأنف غاضباً : انظري الى إخواننا ماذا يفعلون بنا.
عيونٌ معصوبة،أعمدة مربوطة بها كُتل آدمية ، أياد مشدودة إلى الخلف،... الجنود على مقربة أمتار جمهور مفزوع ، أُسرى مكفهر و الوجوه، ينظرون إلى المشـهد برعب جهنمي،هُدِدوا بالمثل أن ارتكبوا شيئاً من هذا القبيل .
الجنود متأهبون،العيون في الحدقات،الأصابع على الزناد،الأذان صاغية بانتظار الأوامر.
دوت طلقة الإنذار وبدأ وابل من الرصاص ينهمر ليستقر في أجساد الكتل الآدمية،و نزلت الدماء لتسقي الأرض ، لتثمر.
بعد قليل_أخرج الآمر اللئيم مسدسه ومرَّ على الكتل البشـرية ليفرغ ما في مسـدسه من الطلقات احتفاء بنشوة النصر، ثم كرر العملية جنوده الأوباش بالتناوب ليفرغوا الطلقات في رؤوس وأحشاء الكتل .

أحس بأوصاله ترتعد واجتاحه بحر غضبٍ هائج ، يريد أن يغرق العالم بأمواجه وزأر:أين الضمير العالم ؟ أين الإنسانية ؟
- قالت بحسرة : وما جريمتهم...؟.
- قال : إن الله خلق شعوبـاً وقبائل ليتعارفوا ، وهؤلاء شـعب لهم حق الحياة مثل غيرهم... و ها هم اخوتنا في الدين يتعارفـون علينـا بمسدساتهم وبنادقهم، اللهم لا حول ولا قوة...اللهم لاحول ولاقوة.
 
أعلى