إقليم غرب كوردستان و إستراتيجية التحرير (4)

G.M.K Team

G.M.K Team
إقليم غرب كوردستان و إستراتيجية التحرير (4)
"تركيا" و غرب كوردستان
د. مهدي كاكەیي
من المستبعد جداً أن تكون "تركيا" قادرة على إحتلال غرب كوردستان، حيث أنها عاجزة عن تحديد مسار التغييرات السياسية في سوريا و النظام القادم فيها، فالدول الكبرى، و في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت مذهولة أمام التطورات الحاصلة في المنطقة و قد يستطيع الغرب التحكم بتوقيت التغييرات على المدى القصير، إلا أنها ستلاقي صعوبة في تحديد نوع الحكم و التطورات الداخلية لهذه الدول و توجيه الجماهير الثائرة كما تشاء، لأن مشاكل هذه الدول شائكة و معقدة، تتحكم بها عوامل إجتماعية و إقتصادية و سياسية و قومية و دينية و مذهبية التي تحتاج الى فترة زمنية طويلة جداً للتعامل معها و حل هذه المشاكل لتصبح الظروف طبيعية فيها.
إذا كانت الدول الكبرى تكاد تعجز عن تقرير مصير المنطقة، فكيف تتسنى ل"تركيا"، كدولة متأخرة تعاني في الوقت نفسه من الحرب التي أعلنتها ضد الشعب الكوردستاني و من إقتصاد متدهور ومشاكل داخلية كبيرة و علاقات إقليمية متوترة، أن تفرض إرادتها في سوريا. إن "تركيا" تعيش في وهم العظمة و لذلك ترسم لنفسها أدواراً تعجيزية غير قادرة على إدائها. كما أن التغيّرات التي تشهدها المنطقة ستنتقل الى عقر دار "تركيا" نفسها و حينئذ تضطر الى اللجوء الى إتخاذ موقع الدفاع، بدلاً من الهجوم، حيث أنها فعلاً إضطرت أن تتقهقر الى الوراء و تنشغل بمشاكلها الداخلية. كما أن شعب كوردستان أثبت بجدارة و أصبح معروفاً في العالم من خلال البطولات والملاحم التي سطرها ويسطرها في غرب كوردستان ضد القوى الإرهابية الإسلامية، و خاصة المنظمة الإرهابية داعش التي يدعمها النظام التركي. لذلك فأن "تركيا" لا يمكنها الإستهانة بالمقاومة الكبيرة التي ستواجهها من قِبل المقاتلين الكوردستانيين في حالة إقدامها على غزو الإقليم الغربي لكوردستان.
كما أن الدول الغربية وفي مقدمدتها الولايات المتحدة الأمريكية وكذلك إسرائيل تعمل على إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط الكبير التي بموجبها يتم تأسيس دولة كوردستان و التي تكون حليفة للدول الغربية و إسرائيل و بذلك تتغير موازين القوى في المنطقة لصالح الدول والقوى الديمقراطية. بروز دولة كوردستان في المنطقة، حيث أنها بلد غني بالموارد الطبيعية من بترول و معادن و بالمصادر المائية، حيث تقع منابع نهرَي دجلة والفرات فيها، وتمتلك أراضٍ زراعية خصبة و موارد بشرية كبيرة، حيث أن نفوس سكانها تُقدّر بأكثر من 50 مليون نسمة، بالإضافة الى موقعها الإستراتيجي المهم وجمال طبيعتها و إمتلاكها لمواقع أثرية كثيرة، حيث أنها مهد الحضارة االبشرية. كل هذه المؤهلات تجعل من كوردستان أن تصبح بلداً صناعياً و زراعياً مهماً و قُبلة للمصطافين من مختلف أنحاء العالم ونموذجاً للديمقراطية الى جانب إسرائيل في المنطقة. كما أن الشعب الكوردي هو شعب سريع التكيّف مع التطورات والتغيرات الفكرية والإجتماعية وتنفتح بسهولة على القوميات والإثنيات والأديان والمذاهب والعقائد المؤلّفة لشعب كوردستان و هذا يعني أن شعب كوردستان، بمختلف قومياته وإثنياته وأديانه و مذاهبه، يكون شعباً مندمجاً و متجانساّ، تشترك مكوناته المختلفة في الثقافة والأهداف والمصالح.
نجاح إنبثاق خارطة سياسية جديدة للمنطقة، يجعل من تركيا دولة صغيرة قزمة في المنطقة. هكذا فأن المحاولات التركية التي تهدف الى منع تمتع شعب كوردستان بالحرية والإستقلال والهيمنة على المنطقة، تتعارض مع الأهداف الغربية والإسرائيلية التي تعمل على إعادة رسم خارطة المنطقة على أسس قومية ومذهبية و نشر قيم الديمقراطية و ضمان أمن إسرائيل و المصالح الغربية. عليه فأن الغرب وإسرائيل لا تسمحان لتركيا أن تتدخل في شؤون غرب كوردستان وإحتلاله وتغيير موازين القوى لصالح الكيان التركي.
لذلك فأن قدرات و إمكانيات "تركيا" و الظروف السياسية و الإقتصادية لها لا تؤهلها أن تلعب دوراً رئيسياً في تحديد النظام السياسي القادم في سوريا و تحجيم دور الكوردستانيين في الإقليم الغربي و منعهم من تحقيق حريتهم و أهدافهم. "تركيا" تتدخل في الوقت الحاضر بصورة غير مباشرة في الشأن الكوردستاني في غرب كوردستان من خلال مساندة القوى الإسلامية الإرهابية و محاولتها ستفشل في إيقاف النضال الكوردستاني لتحرير كوردستان شعباً وأرضاً، حيث أن للشعب الكوردستاني جذور عميقة في كوردستان، تمتد لمئات الآلاف من السنين ولا يمكن للمرتزقة أن يقهروا إرادة هذا الشعب العريق.
على ضوء ما تقدم فأن العالم و المنطقة في طريقهما نحو تغيّر راديكالي تأريخي و التغيّرات الحاصلة ستؤثر على كافة الشعوب و الأفراد، بما فيها شعب كوردستان. من هنا على شعب كوردستان أن يتهيأ ليكون له دور مؤثر في هذه التغييرات التأريخية الكبرى و إستغلال هذه الفرصة لتحقيق حريته و التمتع بحقوقه بما فيها تأسيس دولة مستقلة على أرضه التأريخية.
 
أعلى