د. مهدي كاكە يي : إقليم غرب كوردستان و إستراتيجية التحرير (7)

G.M.K Team

G.M.K Team
إقليم غرب كوردستان و إستراتيجية التحرير (7)

- على الكوردستانيين خلق الأحداث و التحكّم بمساراتها -

د. مهدي كاكە يي

إن الظروف الدولية و الإقليمية تتيح فرصة تأريخية للشعب الكوردستاني لتحقيق حريته و تحرير بلاده من الإحتلال و الإستيطان و إنقاذ نفسه من العبودية و الإبادة و إفشال محاولات الإلغاء كشعب و هوية و لغة و تراث و تأريخ. لتحقيق هذا الهدف ينبغي على الكوردستانيين أن يقوموا بسرعة بترتيب البيت الكوردستاني على مستوى الأقاليم الكوردستانية و المستوى الوطني الكوردستاني و رفع شعار إستقلال كوردستان و رسم الإستراتيجيات و التكتيكات الصائبة و تحديد الوسائل و الآليات المتاحة و تحليل واقع المجتمع الكوردستاني من جوانبه المختلفة و دراسة الظروف الإقليمية و الدولية و تأثيراتها الإيجابية و السلبية على القضية الكوردستانية لضمان تحقيق الهدف الكوردستاني. إن إضاعة هذه الفرصة السانحة من قِبل شعب كوردستان ستُثبت للعالم أجمع بأنه شعب لا يستحق الحرية و الحياة و سيلعنه التأريخ و تلعنه الأجيال الكوردستانية القادمة.

بعد العولمة و الثورة التكنولوجية قامت و لا تزال تقوم مختلف الأمم و الشعوب بدراسة التطورات العالمية و الإقليمية و الذاتية و وضع برامج و خطط إقتصادية و إجتماعية و سياسية و عسكرية و دبلوماسية على ضوء النتائج التي يتوصلون إليها في دراساتهم و يهجرون الكثير من المبادئ و الأفكار و العقائد و النظريات و المفاهيم القديمة التي أصبحت جزءً من الماضي، والعاجزة عن التعاطي و التفاعل و التواصل مع تطورات الحياة و العاجزة عن التعبير عن روح العصر الذي إنتقلنا إليه و نعيش فيه الآن. من جهة أخرى نرى أن شعب كوردستان لا يزال يعيش في العالم القديم الذي أصبح لا وجود له على أرض الواقع بعد التطورات الكبرى التي تحصل على كوكبنا الأرضي، دون أن تكون له إستجابة ملموسة لهذه التطورات، ليرسم لنفسه دوراً مُتميّزاً يحافظ على وجوده و يساهم في صنع الأحداث و تحديد مسارات التغيّرات التي تحصل حوله و التأثير على هذه التطورات بحيث تخدم شعب كوردستان بشكل خاص و الإنسانية بشكل عام، رغم أن التأريخ يشهد على عراقة هذا الشعب و عشقه للحرية و شجاعته و إستعداده الدائم للتضحية من أجل التمتع بحقه في تقرير مصيره كباقي الشعوب الحرة في العالم.

اليوم هو عصر المبادرات و إستباق الأحداث لصنع هذه الأحداث، بدلاً من الإنقياد وراء الأحداث و التخلف وراءها و تسليم تقرير مصير شعب كوردستان الى المحتلين و الغرباء الذين يريدون الإستمرار في إحتلال و إستعمار كوردستان ويعملون ضد مصالح شعب كوردستان، حيث تتصادم أهدافهم مع أهداف الشعب الكوردستاني.

إنّ أهم سبب لإفتقار الشعب الكوردستاني لروح المبادرة و إستباق الأحداث و التطورات لإستغلالها لمصلحته، هو عدم ثقته بنفسه و بإمكانياته و قدراته و إحساسه بالدونية و التبعية، حيث يشعر بأنه أقل شأناً من الآخرين. هذا الإحساس المُحبِط الذي يُعشعش في داخله، يمنعه من إستخدام مؤهلاته و قدراته و طاقاته لخدمة نفسه و لخدمة البشرية جمعاء. الإحساس بالشعور بالنقص و التبعية للآخرين ناتج عن إحتلال بلاده منذ سنين طويلة و عيشه تحت حكم الأجانب، حيث أنه يعيش تحت سيطرة المحتلين لأرضه و المستوطنين في وطنه خلال فترة زمنية طويلة و أصبح تابعاً ثقافياً و لغوياً و سياسياً و إقتصادياً للدول المحتلة لكوردستان و التي عن طريق وسائل إعلامها و مدارسها و معاهدها و جامعاتها و جوامعها و حسينياتها تحاول جاهدةً لغرس الفكر التقسيمي في نفوس الإنسان الكوردستاني و القبول بواقع التجزئة و بتبعيته و تبعية وطنه الى الدول المحتلة.

ينبغي أن يعرف الإنسان الكوردستاني جيداً بأنه حينما يقبل أن يكون مواطناً عراقياً أو "عربياً سورياً" أو "تركياً" أو إيرانياً، فأن هذا يعني بأنه يقبل، سواءً عن وعي أو بدونه، بواقع تقسيم كوردستان و إحتلالها و يقرّ بتبعيته للشعوب المحتلة لكوردسان و القبول بحكمها و سيادة ثقافاتها و لغاتها و القبول بِنهب ثروات كوردستان من قِبل المحتلين الإستيطانيين. كما أن نجاح المحتلين في غرس الفكر الإستسلامي و التقسيمي في ذهن الإنسان الكوردستاني يُهدد الهوية و الثقافة الكوردستانية و لغات الأطياف الكوردستانية و يُكرّس الإستيطان و الإحتلال لكوردستان و يترك المحتلين ينهبون خيرات كوردستان، بل يستغلون الموارد الطبيعية لكوردستان في شراء أسلحة الدمار لإبادة شعب كوردستان و قهر إرادته و إجباره على الإستسلام و القبول بحياة العبودية و الذل.

التأريخ يُحدّثنا عن عراقة الشعب الكوردستاني و مساهماته الكبيرة في بناء صرح الحضارة الإنسانية و أن هذا الشعب هو موضع إعتزاز و فخر العالم أجمع، رغم محاولة المحتلين لإلغاء و طمس معالم الدور الكوردستاني الكبير في بناء الحضارة البشرية، حيث أن شعب كوردستان هو أول مَن إكتشف النار و الزراعة و الصناعة و الكتابة و إبتكر الأعداد و المعاملات التجارية و طوّر اللغة و أن هذه الحضارة إنتقلت من كوردستان الى العالم قبل عشرات الآلاف من السنين، حيث أن حضارات أسلاف الكورد السومريين و الإيلاميين والخوريين و الميديين و غيرهم، خير شاهد على عظمة و عبقرية و إنسانية الإنسان الكوردي. كما أن للقادة و العلماء و الأدباء و الشعراء و الفنانين الكوردستانيين دور كبير و بارز في رسم خريطة منطقة الشرق الأوسط و تقدّم البشرية و تطوير العلوم و المعارف و الأدب و الشعر و الفن العالمي.

من خلال الصفحات المضيئة للتأريخ الكوردي و المساهمات الرئيسة في بناء الحضارة الإنسانية و عيش الشعب الكوردي في وطنه منذ ما قبل التأريخ و أنه ثاني أكبر شعب في المنطقة، حيث تُقدّر نفوسه بخمسين مليون نسمة و المؤهلات و القدرات و الطاقات التي تتمتع بها بنات و أبناء كوردستان و الثروات المعدنية التي تحتفظ بها بواطن أرض كوردستان و تدفق نهرَي دجلة و الفرات من أراضيها و موقعها الجغرافي المهم و الأراضي الزراعية الخصبة التي فيها و الآثار التأريخية المنتشرة في بقاعها و جمالها و إعتدال مناخها، كلها يجعل من شعب كوردستان أن يكون شعباً حراً و ديناميكياً، يؤسس دولة ديمقراطية تنشر المبادئ الديمقراطية في المنطقة و تصبح مصدر إلهام و عزم لشعوب المنطقة لبناء أنظمة ديمقراطية علمانية تؤمن بالتعددية و تعترف بالآخر المختلف و تجعل الدين عبارة عن علاقة محبة شخصية بين الإله و الإنسان و تترك السياسة و الإقتصاد و القوانين لأهلها و تخلق الرفاهية و التقدم لشعوبها و تسلك طريق السلم و الحوار في حل مشاكلها و تُبعد القهر و القتل و الحروب و الدمار عن شعوبها.
 
أعلى