إقليم غرب كوردستان و إستراتيجية التحرير (24)

G.M.K Team

G.M.K Team
الإستراتيجية المبنية على الواقع الكوردستاني (2)

د. مهدي كاكه يي

في الحلقة السابقة تم الحديث عن تخلّف الشعوب المُغتصِبة لكوردستان و إستحالة بناء أنظمة ديمقراطية في الدول المُغتصِبة لكوردستان في المستقبل المنظور و طُغيان الفكر العنصري و الإستعلاء القومي في مجتمعات الدول المحتلة لكوردستان و الموقع الجيوسياسي المهم لكوردستان و العيش في عصر تحرر الشعوب و القوميات و الأديان و المذاهب و المعتقدات المضطهَدة و أخيراً إستمرار عدم الإستقرار في دول منطقة الشرق الأوسط لفترة طويلة، كحقائق، ينبغي على الشعب الكوردستاني أخذها في الإعتبار خلال نضاله التحرري و وضع إستراتيجياته. في هذه الحلقة نواصل تحديد هذه الحقائق التي تؤثر على النضال الكوردستاني.

6. شعب كوردستان يفتقد الى حلفاء: لو ننظر الى الشعوب و القوميات و الطوائف السورية، نرى أن العلويين يتم دعمهم من قِبل الطائفة الشيعية في المنطقة و العالم، و في مقدمتها كل من إيران و الشيعة في العراق الذين هم الحكام الفعليون للبلد الآن و كذلك حزب الله اللبناني الذي يشارك الآن فعلياً في الحرب الدائرة في سوريا و له قوات و أسلحة لا يمكن الإستهانة بها و العلويين في (تركيا)، الذين تبلغ نفوسهم حوالي 15 مليون نسمة. كما أن كلاً من روسيا و الصين تدعمان النظام العلوي في سوريا، اللتين لهما مصالح حيوية مع النظام العلوي السوري. يجب أن لا ننسى بأن العلويين يحكمون سوريا منذ أكثر من أربعين عاماً و هذا يعني أنهم أقوياء مادياً و عسكرياً و لهم خبرة طويلة في الحكم و السياسة، و خلال فترة حكمهم إستطاعوا أن يؤسسوا شبكة كبيرة من الإتصالات و العلاقات السياسية و الإقتصادية و المخابراتية مع دول و أطراف عالمية عديدة. إسرائيل بدورها قد تُفضل نظاماً سورياً ضعيفاً، كنظام بشار الأسد على مجئ نظام إسلامي متطرف أو إنتشار الفوضى في سوريا و أن يكون المستقبل السياسي السوري مجهولاً أو غير واضح المعالم.

العرب السنّة بدورهم تدعمهم الحكومات السُنية في المنطقة، و على رأسها دول الخليج النفطية الغنية و (تركيا) و الأردن و غيرها. الدول الغربية تلتقي مصالحها مع مصالح هذه الدول في الوقت الحاضر في الإطاحة بالحكم العلوي السوري. كما أن سوريا تُعتبر العمق الإستراتيجي ل(تركيا) و أي تغيير سياسي في سوريا له تأثير كبير على (تركيا). العرب السُنة في سوريا أصبحت لهم الآن قوات مسلحة تُقاتل قوات النظام السوري و تحاول إسقاط هذا النظام. المسيحيون بدورهم يتلقون الدعم من العالم المسيحي.

أما بالنسبة لشعب كوردستان، فأن جميع العرب السوريين يقفون ضد حق شعب كوردستان في تقرير مصيره. بالنسبة للدول الإقليمية، فأن حكومات الدول التي تحتل كوردستان تتعاون فيما بينها لمنع الشعب الكوردستاني من التمتع بحقوقه كأي شعب آخر يعيش على كوكبنا الأرضي. الدول الكبرى لها مصالحها و حماية هذه المصالح تقتضي التحالف مع الحكومات في الغالب، بدلاً من التحالف و التعامل مع شعوب و قوميات و طوائف غير مؤهلة ليكون أطرافاً في التحالفات و التوازنات الدولية و الإقليمية، كما هو الحال بالنسبة لشعب كوردستان، الذي هو شعب مشتت و معظم قياداته و أحزابه السياسية تضع مصالحها الشخصية و العائلية و العشائرية و الفئوية و الحزبية فوق مصالح شعب كوردستان و يُعادي بعضها البعض أكثر من معاداتها لمحتلي كوردستان!

نأمل أن تتوحد القوى السياسية في غرب كوردستان و تضع هذه القوى مصلحة شعب كوردستان فوق مصالحها الحزبية الضيقة لإفشال مخططات محتلي كوردستان، و خاصة الحكومة التركية.

7. التهديدات التركية: أرى بأنه من الصعب جداً أن ينجح الأتراك في تنفيذ تهديداتهم بالتدخل المباشر في إقليم غرب كوردستان أو إحتلال الإقليم. عجز تركيا للقيام بهذا العمل، يعود لأسباب عديدة، منها بعملهم هذا سيعملون على إتساع ساحة القتال في كوردستان ضدهم و يتوحد الإقليمان الشمالي و الغربي لكوردستان عملياً و الذي يهدد الأمن القومي التركي بشكل خطير. في ظل الأزمة الإقتصادية العالمية من الصعب أن يكون الإقتصاد التركي قادراً على تحمل أعباء الحرب في غرب كوردستان. من المستبعد أيضاً أن يجازف الأتراك بالدخول في حرب قد تؤدي الى خسائر بشرية كبيرة في صفوف قواته. في حالة قيام "تركيا" بعمل عسكري ضد غرب كوردستان، قد تتدخل إيران و روسيا و تؤدي الى حرب إقليمية خطيرة، لذلك فأن الأتراك يكونون حذرين جداً في الإقدام على القيام بعملٍ عسكري قد يكونون مضطرين بسببه الى مواجهة إيران، بل إشعال حرب طائفية مدمرة بين الشيعة و السُنّة في المنطقة. بسبب الأزمة الإقتصادية التي تمر بها الدول الغربية و كذلك النتائج الوخيمة لدخول منطقة الشرق الأوسط في حرب ضروس و فوضى و إحتمال إنقطاع تصدير البترول من المنطقة بسبب الحرب، فأن الولايات المتحدة الأمريكية و الدول الغربية الأخرى قد تكون عاجزة عن التورط في خوض حرب كبيرة في الشرق الأوسط ، بل لا ترغب في حصول مثل هذه الحرب و أن تسيرالمنطقة نحو مستقبل مجهول.

الأتراك يحاولون خلق إقتتال كوردي بين المجلس الوطني الكوردستاني و مجلس شعب غرب كوردستان، آملين بتلقّي دعم من حكومة إقليم جنوب كوردستان في تمرير هذا الإقتتال. في حالة نجاح خطتهم هذه، فأنهم سيقومون بمساعدة المجلس الوطني الكوردستاني بكل الوسائل في حربه ضد مجلس شعب غرب كوردستان. طبعاً هذا تكتيك تقوم به الحكومة التركية، حيث فيما لو أنها تنجح في وقف الخطر الذي يُشكله مجلس شعب غرب كوردستان للنظام التركي، فأنها ستقوم بعد ذلك بالوقوف ضد المجلس الوطني الكوردستاني و كل التنظيمات الكوردستانية في الإقليم عن طريق التعاون و التنسيق مع داعش والنصرة و الإخوان المسلمين في سوريا و الشوفينيين العرب السوريين. لهذه الأسباب تدعم تركيا لوجستياً و تسليحياً الجماعات الإسلامية الإرهابية مثل داعش و غيرها للحيلولة دون تحقيق الكوردستانيين في الإقليم أهدافهم في الحرية و الإستقلال. الحرب الدائرة بين الكوردستانيين و المجموعات الإسلامية الإرهابية تخدم مصالح الدول الكبرى، بما فيها روسيا و الصين و كذلك الدول الغربية، حيث تتخلص هذه الدول من هذه المجموعات الإرهابية من خلال تصفية أفرادهم على أيدي الثوار الكوردستانيين. من جهة ثانية، فأن القتال الدائر بين الكوردستانيين و الإرهابيين في إقليم غرب كوردستان، يخدم تركيا من خلال إستنزاف القوة الكوردستانية بإستخدام المجموعات الإسلامية الإرهابية. لهذا السبب، نرى تعتيماً إعلامياً على هذه الحرب الجارية و بكل تأكيد تشجع الدول الكبرى و تركيا على إستمرارها من خلال خلق توازن متواصل في القوة بين الجانبَين المتحاربَين لإستنزاف قوتهما الى أقصى درجة ممكنة. يجب على القيادة الكوردستانية في الإقليم ان تكون واعية و مستوعِبة لهذه الحقيقة.
 
أعلى