إقليم غرب كوردستان و إستراتيجية التحرير (23)

G.M.K Team

G.M.K Team
الإستراتيجية المبنية على الواقع الكوردستاني (1)

د. مهدي كاكه يي

يجب الإعتراف بأن الظروف التي يمر بها شعب كوردستان هي ظروف صعبة، حيث أنه يفتقر الى الحلفاء و محاط بالدول المُغتصِبة لكوردستان التي تُنسق معاً للحيلولة دون وصول هذا الشعب العريق الى تحقيق حريته و بناء دولته المستقلة. هذه الظروف الصعبة تتطلب أن يكون النضال الكوردستاني نضالاً نوعياً و إستثنائياً، قادراً على التصدي و مواجهة العراقيل الكبرى التي تقف في طريق تحرر شعب كوردستان و رفاهيته، إلا أنه بكل ألم أقول بأن التشرذم و الخلاف الكوردستاني و عدم الشعور بالمسئولية الوطنية، تجعل شعب كوردستان أن لا تكون بمستوى التحديات لتحقيق أهدافه في الحرية و الإستقلال و التقدم. إن نفوس شعب كوردستان تبلغ أكثر من 50 مليون نسمة و إذا يتم توحيد قواه و تنظيمه و وضع إستراتيجية صائبة له و تحديد آليات و وسائل و أساليب نضاله، حينئذ لن تكون هناك قوة في العالم قادرة على إيقاف مسيرة شعب كوردستان نحو الحرية و الإستقلال.

لذلك ينبغي أن يضع شعب كوردستان إستراتيجياته و خططه و وسائل و أدوات نضاله بالإستناد الى الوقائع أدناه:

1. تخلّف مجتمعات الدول المحتلة لكوردستان و إستحالة بناء أنظمة ديمقراطية فيها في المستقبل المنظور: شعوب الدول المحتلة لكوردستان هي شعوب متخلفة و تغيير العقلية و الثقافة المتخلفة لهذه الشعوب يحتاج الى فترة زمنية طويلة، تمتد الى أجيال عديدة. لذلك فأن دمقرطة الأنظمة في الدول المحتلة لكوردستان لا تتم بين لحظة و ضحاها بمجرد تغيير أنظمة الحكم في هذه الدول، بل تستغرق زمناً طويلاً قد تصل الى 100 عام فيما لو توفرت الظروف الملائمة و المشجعة لتطور هذه الشعوب. بكلام آخر، على سكان الإقليم الغربي أن لا يعيشوا على الأوهام بأنه فيما لو أن المعارضة السورية قد إستلمت الحكم بعد بشار الأسد، ستبني نظاماً ديمقراطياً، يعترف بحقوق المواطنين الكوردستانيين في الإقليم من منطلق مبدئي و إنساني. يتم الإعتراف بحقوق مواطني الإقليم عندما تتوحد صفوفهم و يتكلمون بصوت واحد و ينظمون أنفسهم ليصبحوا قوة تفرض إرادتها و شروطها على حكام الدول المُغتصِبة لكوردستان و بسبب هذه القوة، تضطر الدول الكبرى الى الإعتراف بمواطني الإقليم كقوة رئيسة في التحالفات و التوازنات السورية و الإقليمية. لا تقتصر القوة على الجانب العسكري فقط، بل تشمل الجوانب السياسية و الإقتصادية و الثقافية و الإعلامية أيضاً. قيام مواطني الإقليم بالعمل على بناء أسس لنظام ديمقراطي، يتم تداول السلطة فيه بالإحتكام الى إرادة الشعب و يتم في ظله إحترام حرية الرأي و المعتقد و بناء البُنية التحتية لكوردستان و إنجاز شروط الأمن الوطني الكوردستاني و خلق مقومات الدولة الكوردستانية، كلها يضمن تحرر شعب كوردستان من الإحتلال و بناء دولته المستقلة.

2. طُغيان الفكر العنصري و الإستعلاء القومي في مجتمعات الدول المحتلة لكوردستان: إن العنصرية و الطائفية متجذرة في دواخل هذه الشعوب نتيجة تراكمات هذه الأفكار البدائية المتخلفة لأسباب تأريخية و دينية و سياسية و إقتصادية وأصبحت جزءً من ثقافة هذه الشعوب. عليه من السذاجة أن يتوهم المرء بأن شعوب هذه الدول ستعترف بحق تقرير مصير الشعب الكوردستاني، بمجرد تغيّر الأنظمة السياسية في هذه الدول. المسألة لا تتعلق برحيل بشار الأسد و مجئ شخص أو أشخاص آخرين، بل أنها تتعلق بعقلية و ثقافة المجتمعات السورية، حيث يتجذر الفكر الإقصائي و العنصري و ثقافة العنف في شخصية الشعوب المحتلة لكوردستان.

3. الموقع الجيوسياسي لكوردستان: كوردستان مطوقة من كل الجوانب من قِبل الدول المحتلة لها. لكوردستان موقع جيوسياسي مهم في منطقة الشرق الأوسط و أن معظم مصادر المياه للمنطقة تقع في كوردستان. كما أن باطن كوردستان يحتوي على كميات هائلة من البترول و الغاز، بالإضافة الى المعادن الأخرى. هذه الحقائق تعني بأن محتلي كوردستان ستقاتل بكل شراسة حتى النفس الأخير للإبقاء على إحتلالها لكوردستان و أن شروط نجاح الكوردستانيين في التحرر و الإستقلال تتطلب نضالاً جماهيرياً نوعياً قادراً على تحقيق النصر.

4. عصر تحرر الشعوب و القوميات و الأديان و المذاهب و المعتقدات المضطهَدة: العولمة و الثورة المعلوماتية و الإتصالية الكبرى التي حدثت على كوكبنا الأرضي، أزالت الحواجز الحدودية بين الدول و نشرت الأفكار الديمقراطية و التعددية و المساواة و زادت من وعي الشعوب و الأفراد و خلقت ظروفاً تأريخية لجميع الشعوب المضطهَدة لكسر قيود عبوديتها و النضال من أجل التمتع بحريتها و حقوقها في تقرير مصيرها بنفسها. عليه فأن شعب كوردستان يمر بمنعطف تأريخي حاسم و يتمتع بفرصة نادرة لتحقيق حريته و إستقلال بلاده و يجب إستثمار هذه الفرصة من خلال العمل الموحد الدؤوب للوصول الى الهدف. الجدير بالذكر أن دافيد بن غوريون، أوّل رئيس وزراء لدولة إسرائيل، دعا قبل أكثر من ستين عاماً، إلى تحالف الشعوب غير العربية في الشرق الأوسط و تمتعها بالإستقلال.

5. إستمرار عدم الإستقرار في دول منطقة الشرق الأوسط لفترة طويلة: نتيجة تخلف شعوب المنطقة و تجذّر ثقافة الإقصاء و العنف و الإكراه و سيادة الفكر الشمولي و عمق الخلافات الإثنية و الدينية و الطائفية في مجتمعات هذه المنطقة، فأن الفوضى ستستمر في دول المنطقة لفترة طويلة بعد إنهيار الحكومات الشمولية فيها. الإستراتيجية الكوردستانية يجب أن تُراعي هذا الأمر.
 
أعلى