الدولة وشروط قيامها

G.M.K Team

G.M.K Team
استنادا إلى نتائج مؤتمر وستفاليا (ألمانيا اليوم) للسلام عام 1648 بين الدول والكيانات والإمارات الأوروبية المتنازعة، تم الاتفاق على أن هناك ثلاثة شروط لقيام الدولة ذات السيادة وهي: وجود شعب بشكل دائم ومستمر، في رقعة جغرافية محددة ، وحكومة تمارس سيادة على الأرض والشعب. وقد أضيف شرط رابع عام 1933 في معاهدة مونتفيديو بالأوروغواي وهو إعتراف دولي بتلك الدولة بحيث تستطيع الدخول في معاهدات واتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف مع أية دولة تختار.
منذ تأسيس الأمم المتحدة عام 1945 تم الالتزام بالشروط الأربعة والعمل بها عند ضم أعضاء جدد للأمم المتحدة بشرط موافقة مجلس الأمن الذي يرفع توصية للجمعية العامة والتي بدورها تصوت على العضوية بأغلبية الثلثين. فمثلا تتوفر الشروط الثلاثة الأولى في "تايوان" لكنها ليست دولة معترفا بها بسبب وقوف الصين بالمرصاد لاستخدام الفيتو فيما لو تقدمت بطلب الإعتراف الدولي من مجلس الأمن. بورتو ريكو فيها حكومة منتخبة تمارس سيادة ناقصة على شعب في رقعة جغرافية محددة لأن السيادة العليا في يد الولايات المتحدة وهي لا تستطيع إقامة علاقات مستقلة دون رضى واشنطن ولذلك هي ليست دولة. حكومة إقليم كوردستان العراق تمارس سيادة في رقعة جغرافية محددة وعلى شعب متجانس ومستقر لكنها ليست دولة لأن المعادلة الإقليمية قادرة على منع الاعتراف الدولي بها حتى لو أعلنت عن قيامها. وجمهورية قبرص التركية تتوافر فيها الشروط الثلاثة إلا الاعتراف الدولي حتى لو اعترفت بها تركيا. وإقليم كوسوفو يعاني من نفس المأزق حتى لو اعترفت به معظم دول أوروبا والولايات المتحدة إلا أن الإقليم ما زال لا يتمتع بالاعتراف الدولي القانوني رغم تمتعه بما يسمى في القانون "الاعتراف بدولة الأمر الواقع" لأن الفيتو الروسي قادر على وأد المحاولة في المهد أو مقايضة الاعتراف بكوسوفو باعتراف دولي بجمهوريتي أبخازيا وأوسيتا الجنوبية في جمهورية جورجيا وهو أمر شبه مستحيل على الأقل الآن. أما أفغانستان تحت حكم حركة طالبان (1996-2001) فكانت دولة رغم أن هناك ثلاث دول فقط كانت تعترف بها هي السعودية والإمارات وباكستان. أما بقية دول المجموعة الدولية فكانت لا تعترف بحكومة أفغانستان لا بدولة أفغانستان. والعكس صحيح، فإن إعتراف عدد كبير بمنظمة التحرير الفلسطينية لا يعني إعترافا بدولة فلسطين لعدم توفر شرط قيام الدولة. فاعتراف الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ومجموعة دول عدم الانحياز لا بفلسطين كدولة بل بكيانية منظمة التحرير كممثل لشعب فلسطين الذي يناضل من أجل قيام الدولة. وللتذكير فقط فإن رسالة الاعتراف التي بعثها إسحاق رابين، رئيس وزراء إسرائيل آنذاك، لـ ياسر عرفات، رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، في 9 أيلول عام 1993 تمهيدا لاتفاقية أوسلو المشؤومة نصت بالحرف الواحد على إعتراف إسرائيل بمنظمة التحرير "بصفتها الممثل الشرعي (فقط دون كلمة وحيد) للشعب الفلسطيني"، بينما نصت رسالة ياسر عرفات "بالاعتراف بحق دولة إسرائيل في العيش بسلام وأمن" وشتان بين الاعترافين، فالأول اعترف بسلطة شرعية والثاني بدولة. إذن من المهم أن نفرق بين الاعتراف بالدولة والاعتراف بالحكومة وكذلك بين الإعتراف بدولة الأمر الواقع (تايوان) والدولة من الناحية القانونية (193 دولة من توفالو بآلافها العشرة إلى الصين الشعبية بملايينها الألف والثلاثمئة).
فالاعتراف الدولي بأية دولة شرط أساسي ويجب أن تقره الجمعية العامة بأغلبية الثلثين بناء على توصية من مجلس الأمن كما حدث مؤخرا مع جمهورية جنوب السودان. إسرائيل مثلا، إعطيت شرعية ضمن قرار التقسيم 181 الصادر عن الجمعية العامة بتاريخ 29 تشرين الثاني 1947 الذي منح نفس الشرعية لقيام دولة عربية وأعلن ديفد بن غوريون قيام الدولة عشية الرابع عشر من أيار 1948 لكن الإعتراف بها لم يتم إلا بعد قيام مجلس الأمن بالتصويت على قرار الإعتراف رقم 69 بتاريخ 4 آذار1949 الذي أوصى الجمعية العامة بالإعتراف بإسرائيل. بتاريخ 11 أيار 1949 اعتمدت الجمعية العامة القرار 273 والذي شرعن وجود دولة ذات سيادة اسمها إسرائيل وصفها بأنها "دولة محبة للسلام تقبل التزاماتها المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة وهي قادرة وراغبة في تنفيذ تلك الإلتزامات".
أما سحب الإعتراف بحكومة دولة ما فهو أمر جائز في القانون الدولي ونود هنا أن نذكر بأن الجمعية العامة طردت من عضويتها حكومة الفصل العنصري بجنوب إفريقيا عام 1974 لكن ذلك لا يعني سحب الاعتراف بالدولة بل سحب الإعتراف بالحكومة العنصرية وعندما انهارت الحكومة العنصرية عادت الحكومة المنتخبة لتملأ المقعد الخالي في قاعة الجمعية العامة في 23 حزيران 1994
عدنان بوزان
 
أعلى