إذا أمكن لسيرة فرد أن تعكس بتكثيف شديد حياة شعب ما فإنّ في مقدورنا قراءة حياة الشعب الكردي في سيرة نور الدين زازا ، حياتي كرديّا ً التي وضعها في منفاه الاختياري ، سويسرا ، قبل وفاته بسنوات قليلة ، بعيدا ً عـن الأهل والأرض والناس الذين كان منهم وأحبّهم وكـرّس حياته كلّها للعمل من أجل تحسين ظروف عيشهم والارتقاء بشأنهم وتخليصهم مـن الغبن والإهانـة ومختلف صنوف الظلم .
ولد نور الدين زازا في عائلة كرديّة ثريّة " من باشاوات الأكراد " في كردستان تركيا وقضى طفولة جميلة , فـي حضن طبيعـة كردستان قبل أن يقوم كمال أتاتورك بإقامة الجمهوريّة التركية ويباشر الحملة الشعواء على الأكراد والقوميّة الكرديّة , وشاهد الطفل أباه وأخوته الكبار يساقون إلى السجن ويهانون ، ثمّ هبّت على الأكراد رياح عاتية ، فمنعت لغتهم من التداول وفرض عليهم الرضوخ لقوانين عنصريّة تعسفيّة ، وبدأت منذ تلك اللحظة فترة حالكة السواد في كردستان تركيا لمّا تنتهِ بعد .
يورد نور الدين زازا في سيرته وضع الشعب الكردي في تركيا في ظلّ الإمبراطوريّة العثمانيّة , ومن ثمّ تحت حكم مصطفى كمال أتاتورك حيث القمع والتنكيل . وكيف أضطر وأخوه ، نافذ ، إلى الهرب إلى سوريا التي كانت تحت الانتداب الفرنسي , هناك حيث يعيش الأكراد في المنطقة الكرديّة من سوريا وضعا ً لا يختلف كثيرا ً عن وضع أقرانهم في تركيا . ويبدأ مشوار زازا مـع العمـل السياسي ويخوض صراعا ً شاقا ً لرفع التمييز القومي بحقّ الأكراد . يدخل السجـون ، يختفي , يمارس أعمالاً شتّى ، يهرب إلـى لبنان حيث ينتسب إلى الجمعيّة اليسوعيّة ، ثمّ يعود ثانية إلى سوريا ومنها إلى العراق حيث يعتقل ويقضي سنة كاملة فـي سجـون الموصل وبغداد والعمارة .
ويعود إلى بيروت ليواصل دراسته ويفتح مدرسة ليليّة لتعليم الجالية الكرديّة في بيروت لغتها وتاريخها ، ويعود إلى سوريا أيام حكم عبد الناصر ويؤسس مع مجموعة مثقّفة من أكراد سوريا الحزب الديمقراطي الكردستاني " سوريا " ويعتقـل مـع قيادي الحزب و يقضي سنين في سجون حلب و دمشق و يتعرض إلى تعذيب شديد , ثم يطلق سراحه تحت ضغط جهات عالمية عديـدة . و بعـد انهيار وحدة سوريا و مصر يترشح للبرلمان السوري عن منطقة الجزيرة الكردية فيعتقل من جديد و يودع سجن المزة و بعد خروجه يهرب إلى لبنان و يمارس الصحافة و لكن الحكومة اللبنانية تبعده إلى الأردن و هذه تطرده إلى سوريا حيث يعتقل من جديد و يقضي سبعة أشهر في زنزانة منفردة و بعد خروجه ينفى إلى جبل الدروز ثم يهرب إلى الجزيرة و منها يتسلل سرّاً إلى كردستان – تركيا حيث يلتقي بالأهل بعد ثلاثين عاماً و تتمّ ملاحقته في تركيا فيهرب منها إلى سويسرا حيث يطلب اللجوء السياسي و يتزوج و يقضي ما تبقى من حياته هناك .
شخصٌ ( شعبٌ ) ولد حرّاً و لكنّه ما لبث أن أصبح مقموعاً , مطارداً محروماً من حقّ القول إنّه مجرد ....كرديّ . لم يستطع أن يعيش على شبر من وطنه الممزّق على أربع جهات , ظلّ محاصراً حتّى هرب إلى سويسرا التي رأى في نظامها الديمقراطي , الفيدرالي , حلماً تمنّى رؤيته محقّقاً في وطنه .