الفنّاناتُ الكرديات شموعٌ احترقتْ لتنيرَ دروب الفنّ الكردي

جوان

مراقب و شيخ المراقبين
نارين عمر : الفنّاناتُ الكرديات شموعٌ احترقتْ لتنيرَ دروب الفنّ الكردي..الشّمعة الأولى: مريم خان/سيّدةُ الغناءِ الكرديّ/ 1904-1949م
مريم خان تلك المرأة الجبّارة التي تحدّتْ الأعرافَ والعادات والقوانين التي تكبّلُ كينونة المرأة وكيانها وشغافَ عواطفها ولدتْ في ( Dêregola Botanê, Bakurê Kurdistanê) في عام 1904 وقد أكّدَ الفنّان الكرديّ سعيد يوسف أنّها كانت جارية لدى عائلة ( علي رمو) رؤساء عشيرة (جيلكي علي رمو) و(عشائر هفيركا) ويأتي تأكيد الفنّان سعيد استناداً إلى ما أخبرته به السّيّدة والدته, ثمّ ونتيجة ظروفٍ قاسية اضطرت لمغادرةِ موطنها وتوجّهتْ نحو دمشق الشّام, وتؤكّد بعض المصادر ومن ضمنها ما بثته فضائية (Roj tv) في برنامجها ( أعلام الكرد) أنّها حين غادرت موطنها إلى دمشق, تعرّفتْ إلى أميرٍ بدرخاني ( لم يُذكر اسمه), ونشأتْ بينهما قصّة حبّ عميقة, تكلّلتْ بالزّواج أخيراً ما جعلها تشعرُ أنّها إحدى أسعد نساءِ الكون, ولكنّ قصّة حبّهما لم تدم إلا لأشهرٍ وانتهت بالطّلاق الذي سيغيّرُ مجرى حياتها تماماً نحو الأسوأ.

لكنّ الكاتبِ الكرديّ ( كونى ره ش) يشكّكُ في أمر هذا الزّواج, حين أكّدَ لي وهو المتخصّصُ بشؤون العائلة البدرخانية أنّه لم يسمع بهذه القصّة مطلقاً, ولم تخبره بها الأميرة ( روشن بدرخان).

ونتيجة ذلك تركتْ الشّام وتوجّهتْ نحو العراق, فسكنت العاصمة بغداد, وخلال تلك الفترةِ كان القسمُ الكرديّ في إذاعةِ بغداد قد افتتحَ, فشاركتْ فيه بجدّ ومثابرةٍ, حتى صارت فيما بعد رئيسة للقسم الكرديّ في الإذاعة, ونالتْ شهرةً واسعة فاقتْ كلّ التّوقّعاتِ وصار لها الرّأي السّديد والكلام المسموع.


حقّقتْ مريم خان خلال فترةِ عمرها القصير نجاحاً كبيراً وشهرة واسعة حتى صارتْ بحقّ وجدارةٍ سيّدة الغناءِ الكردي وما زالتْ, فلم تستطع حتى الآن أيّة مطربة كردية أن تفعل ما فعلته هي, ويُذكر أنّها أوّل امرأةٍ استطاعتْ أن تسجّل أغانيها على( Qewanan ê) باللهجةِ الكرمانجية.


النّاحية النّفسية لها:


إذا ما أخذنا بالرّأي القائلِ أنّها تزوّجتْ من أميرٍ بدرخاني, وانتهتْ مسيرة زواجهما القصيرة بالفشل والإخفاقِ, ثمّ هجْرتها وفرارها من موطنها إلى ديارِ الغربةِ وقساوةِ الظّروفِ وتقلّباتِ الزّمن والزّمان, إذا أخذنا بكلّ ذلك أدركنا مدى المعاناةِ التي كانت تطغى على هذه المرأة كإنسانٍ من لحمٍ ودمٍ, وكفنّانةٍ مفعمةٍ بالأحاسيسِ والمشاعرِ الصّادقة والرّقيقة.


أغاني مريم خان ذات طابعٍ قوميّ واجتماعي وفكري ووجدانيّ فغنّتْ للوطن والأرض والعشق وغنّتْ للمرأة ومن أجل المرأةِ لأنّها كانت تعرفُ أكثر من غيرها حجم المعاناة التي تحاصرُ كلّ امرأةٍ, وأرّخت في أغانيها لحروبٍ ومعارك بين الكردِ وأعدائهم وبين الكرد والكردِ أنفسهم بدافع العشيرة والقبيلة كما أرّخت لشخصياتٍ كردية ساهمتْ في صنع التّاريخ الكرديّ الحديث من رجال دين وقادة ووجهاء ورؤساء عشائر وفرسان وعشّاق ومغرمين .

ظلّ الحزنُ الذي رافقها كظلّها يطاردها باستمرارٍ في صحوتها ومنامها على الرّغم من كلّ ما كانت تبديه من قوّة وإرادةٍ صلبة, أهّلتها تنافسُ أمهرَ فنّاني الكردِ في ذلك الوقت فليسَ سهلاً على امرأةٍ عاشتْ أربعينياتِ القرنِ العشرين حيث المرأة كانت حبيسة الجدران الأربعة وحيث الرّجل يسيطرُ على كلّ ما هو داخلَ هذه الجدران وخارجها استطاعتْ أن تصبحَ رئيسة القسم الكردي في إذاعةِ بغداد وقبل ذلك تمارسَ الفنّ الذي لم تكن ممارسته حظراً على النّساءِ فقط بل حتى على الرّجال أيضاً, وبذلك تكون من النّساءِ الأوائل في العالم اللاتي تحدين المجتمعَ بكلّ قوانينه ومفاهيمه الصّارمة في العصر الحديث.

ولكن يبدو أنّ روحها المفعمة بالحبّ الصّادق والولع الشّديدِ للعشقِ والعشّاقِ وقلبها المغلّف بصدق المشاعرِ والأحاسيسِ الرّقيقةِ عجزا عن مقاومة الظّروفِ التي كانت أقوى وأكثر شراسة ما سمحتْ للمرض كي يتسلّلَ إليهما بشراسةٍ وعنفٍ ويعلن نهايتها المبكرة جدّاً ورحيل جسدها الطّري في عام 1949م ولكن دون أن يتمكن من التّسلّل إلى حنجرتها الذهبية التي ما زالتْ تصدحُ بأعذبِ الأنغام والألحان.


ويبقى السّؤالُ الذي لابدّ من أن نطرحه:

هناك إجحافٌ بحقّ هذه المبدعة ومثيلاتها اللواتي ضحينَ بشبابهنّ وسمعتهنّ وعلاقاتهنّ الاجتماعية لخدمةِ الفنّ الكردي وتطويره والحفاظِ عليه من الضّياعِ والتّشتّت, فعلى مَنْ تقعُ مسؤولية هذا الإجحاف؟ وما واجب الفنّانين والفنّاناتِ الكرد الشّباب تجاه أساتذتهم الكبار؟؟ والمؤسّساتُ والفرق الموسيقية والفنيّة الكردية ماذا عليها أن تفعل؟؟ والفضائياتُ الكردية التي يزداد عددها عاماً إثر عام ما عساها تفعلُ لهؤلاءِ العمالقة؟؟

نارين عمر : الفنّاناتُ الكرديات شموعٌ احترقتْ لتنيرَ دروب الفنّ الكردي..الشّمعة الثانية ..الفنّانة كلبهار (وردةٌ عطرة في حديقةٍ منسيّةٍ) 1932م



عاشت الفترة الذّهبية للغناءِ الكرديّ حيثُ العمالقة ( محمد عارف, عيسى برواري, نسرين شيروان, حسن زيرك, عيششان, محمد شيخو, تحسين طه, سعيد كاباري, شيرين ملا , سعيد يوسف...
وغيرهم), ولكنّها أثبتتْ جدارتها كمطربة وفنّانة متميّزة, تمكّنتْ من إثباتِ حضورها بجدارةٍ وأحقية, ولكنّها الآن تثيرُ في نفوسنا وقلوبنا الأسف والأسى على ما آلتْ إليه حالها حيثُ الوحدة والعزلة وهجران الأحبة والخلان دون أن يلتفتَ إليها أحدٌ باستثناءِ بعض الأهل والمعارف المقرّبين جدّاً, وهي التي أنعشتْ نفوسنا بصفاءِ صوتها وعذوبةِ أدائها لسنواتٍ طويلةٍ من خلال أغنياتها الكثيرة .


حياتها, نشأتها:


في الحقيقة تؤكّد العديد من المصادر*1 أنّ الغموضَ كان وما يزال يلّفّ حياتها الخاصّة وتؤكّد بعضها2 * أنّها ولدتْ في عام 1932في حضن تلك العائلة الآميدية التي هاجرتْ إلى قرية كوجانز في كردستان تركيا باسم ( فاطمة محمد) التي اختارت لنفسها فيما بعد اسم (كلبهار),وبعد عودتهم إلى كردستان العراق من جديدٍ توجّهتْ كلبهار إلى بغداد في عام 1949وكانت قد بلغتْ السّابعة عشرة من العمر وحتى الآن لم تفصح عن سببِ لجوئها إلى بغداد, وهناك التحقتْ بفرقة كورال الإذاعة العراقية كمطربة وفنّانة مسرحية بعدما التحقت بفرقة ( يحيى فائق) وقد كان عملها خلال هذه الفترة مدخلاً موفّقاً نحو الشّهرةِ والمجدِ بمشاركتها في أعمال تلفزيونيةٍ في تلفزيون بغداد وبانتسابها إلى فرقة 14 تمّوز الفنيّة , بالإضافة إلى تمثيلها في بعض الأفلام كفيلم ( الوردة الحمراء) وفيلم ( عروس الفرات) حتى الآن نتحدّثُ عن أعمالها الفنيّة التي أدّتها باللغةِ العربيةِ لأنّها وحتى بداية السّتينيات من القرن العشرين كانت تُعرَف كممثّلة ومطربة في الوسطِ العربيّ فقط ولكنّ بداية هذه الفترة كانت فأل خيرٍ وبشرٍ عليها حيثُ تعرّفتْ وبحكمِ تواجدها في الإذاعةِ والتّلفزيون كانت على الكثير من فنّاني الكرد الذين كانوا يتوافدون على إذاعةِ بغداد / قسم الّلغةِ الكرديةِ / لتسجيل أغانيهم وحين استمعوا إلى صوتها وأدائها انبهروا بها وشجّعوها على الغناءِ بلغتها الكردية فوافقت على الفورِ لأنّها وكما يقول الكاتب فريدون هرمزي*3:


(كانت تمني نفسها ايجاد فرصة للغناء بلغتهاالام وتحققت امنيتها تلك عام 1963 حيث سجلت اولى اغنياتها باللغة الكردية) لتدخلَ من خلالها إلى عالم الفنّ والغناءِ الكرديين بقوّةٍ ورصانةٍ , ولتقفزَ إلى الصّفّ الأوّل من صفوف الفنّانين والفنّاناتِ الكرد .



يقول الكاتب فريدون هرمزي* :



(....والشيء الجدير بالذكر عن كلبهار هي انها اول مطربة كردية تسافر الى العديد من دول العالم لتغني فيها للجالية الكردية المتواجدة هناك كذلك لاهل تلك البلدان لتعرفهم على فن شعبها، كانت اول رحلة لها الى لبنان حيث غنت على اكبر مسارحها وكان المطربين محمد عارف الجزيري وعيسى برواري رفيقي سفرتها تلك.. ثم اعادت الكرة مرة ثانية عام 1977-1978 حيث سافرت آنذاك الى بريطانيا والنمسا وفرنسا...الخ).



أغاني كلبهار:


يُقال إنّ كلبهار تعدّ رائدة الحداثة في الفنّ الكردي خلال تلك الفترة لأنّها كانت تؤدّي الأغاني الشّبابية ذات الإيقاع السّريعِ والخفيف والتّوزيع الحديث وأنّ أغنياتها تلك جعلتها تنالُ شهرةً منقطعة النّظير لدى أبناءِ وبناتِ شعبها الكرديّ ككلّ وما زالتْ تحتلّ في قلوبهم ونفوسهم مكانة خاصّة وما زالَ صوتها الرّنانُ يدغدغُ أسماع الكردِ بلطفٍ وعذوبةٍ .


طغتْ النّزعة الاجتماعية والوجدانية على أغانيها لأنّها تتمتّعُ برهافةِ الحسّ ورقةِ الفؤاد فغنّتْ للمرأةِ والطّفل والعشّاق والشّبابِ والأمّ وكغيرها من الفنّانين الكرد غنّتْ لطبيعةِ كردستان وفي حضنها, والمجال الذي يميّزها عن غيرها من الفنّانين هو اشتراكها مع فنّانين كردٍ رجال في ثنائياتٍ غنائيةٍ صادقة في الأداءِ والّلحنِ والكلمة, وما زال الكردُ يستمعون إليها / ‏ Zembîlfiroş/ / مع عيسى برواري, و/ /Ez keçim Keça Kurdanim مع سمير زاخوي, و/Xalxalokê/ مع تحسين طه, وما زال الفنّانون والفنّانات الكرد الشّباب يردّدونها بشوقٍ وشغفٍ إلى جانب أدائها للأغاني الفلكلورية .


تقول الفنّانة عن تجربتها الفنيّة ومعاناتها هي وجيلها من الفنّانين الكرد الذين تحدوا مجتمعهم وواقعهم المفروض وسلكوا سبيلَ الفنّ الذي كان مرفوضاً تماماً ممارسته لدى شرائح واسعة من المجتمع وتعاتب جيل الشّباب من الفنّانين والفنّاناتِ الكردِ قائلةً:



( في الحقيقة كنّا نعاني كثيراً في تسجيل نتاجنا الفنّي, ولكنّ جيل اليوم يهضمون حقنا حين يدعون أنّ ما يغنّونه هو من التّراث ولا يذكرون أنّها لنا...).



ويذكر أنّ الفنّانة فوزية محمد التي ذاع صيتها لفترةٍ طويلةٍ في عالم الغناء الكردي هي شقيقة كلبهار وفي ذلك يقول الكاتب فريدون هرمزي* :


(وهي ان الفنانة الراحلة فوزية محمد (التي ظهرت على الساحة الغنائية الكردية اواسط القرن الماضي مع عدد آخر من المطربات مثل نسرين شيروان وعائشة شان والماس) هي اخت كلبهار لكنها اعتزلت الغناء بعد زواجها وطواها النسيان حتى عندما توفيت عام 1992 لم يعرف بموتها احد خارج العائلة والاقرباء.. ولم تنشر وسائل الاعلام الى رحيل تلك الفنانة).



اعتزلتْ كلبهار الغناء في عام 1985م وكانت آخر أغنية أدتها قبل اعتزالها هي أغنية


( Dilo dilo te ez hêlam) وهي من كلماتِ الشّاعر الدّكتور بدرخان سندي , وقد بلغ عدد أغنياتها بحسب الكاتب فريدون / 270/ أغنية.


الإعلام الكردي المسموع والمقروء لا يولي اهتماماً كافياً بها, فمنذ سنواتٍ وعلى الرّغم من ظهور العديد من فضائياتنا الكردية لم أرى إلا فضائية واحدة تجري معها حواراً وكانت تمشي مثقلة الخطا تتكئ على عصاً والحزنُ والألمُ يطغيانِ على ملامحها على الرّغم من الابتسامة الخجولة التي لم تفارقها طيلة فترةِ الحوار , ولم أعثر وأنا أبحثُ عنها طويلاً إلا على مقالٍ بقلم الكاتب فريدون هرمز بالّلغةِ العربية ومقالٍ طويلٍ بالّلغةِ الكردية للكاتب كاكشار أوره مار لذلك نهيبُ بكلّ الأوساطِ الثّقافيةِ والفنيّةِ والمسؤولة وعلى رأسها وزارة الثّقافة في حكومة إقليم كردستان واتحاد فنّاني كردستان وغيرهم من الجهات أن ينظروا إلى كلبهار بعين الرّعايةِ والعطفِ ويتعاملوا معها كإنسانة رقيقة ومرهفة الحسّ وكفنّانة مخلصة ووفيّة للفنّ الكردي وأن يعرّفوا الأجيال الكردية بها وبعطائها وتفانيها في خدمةِ الفنّ الكردي ونداءٌ أخوي إلى المسؤولين في مؤسّسةِ سما للثّقافةِ والفنون أن يحضنوا هذه الفنّانة ويساهموا في إحياءِ أغنياتها إمّا بصوتها أو بصوتِ فنّانين وفنّاناتٍ شباب مع الانتباه إلى التّأكيد على أنّ هذه الأغاني لها أو لغيرها من الفنّانين والفنّانات.


بعد سنواتٍ طويلةٍ من الغربةِ والبعدِ عن كردستان عاشتها في العاصمة بغداد عادتْ إليها كلبهار بعدما دفعتها تيّاراتُ الشّوقِ والحنين إلى الأهل والأحبّةِ وإلى طبيعةِ كردستان التي كانت بمثابة الرّوح التي تغذي حنجرتها الصّافية وتهبها أجمل الأداءِ وأفضلَه, واختارت السّكن في دهوك , وهي وبحسب الكاتب فريدون* تعيشُ في شبه عزلة ومازالت تكتم على خصوصيات حياتها , بينما يؤّكد الكاتب الكردي ( كاك شار أوره مار)*4 على أنّها حين عادتْ لاقتْ ترحاباً كبيراً ولائقاً بها , وأقيمت لها مهرجانات وحفلات كبيرة , يليقُ بقدرها ومقامها.



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



*1- استعنتُ بمقالة للكاتب كاكشار اوره مار بالّلغة الكردية نشرت في موقع لالش.



*2- (كلبهار.. مثلت بلغة الضاد وغنت بلغتها الام) عنوان مقالة نشرها الكاتب فريدون هرمزي في الصّوت الآخر العدد 50 - 6/6/2005


*- ارتأيتُ أن أقتبسَ الشّواهد من مقالةِ الكاتب فريدون كما هي وذلك حفاظاً على أمانة الاقتباسِ والنّقلِ.


*4- هذه العبارات هي المقطع الأخير من المقالة التي نشرها الكاتب كاكشار في موقع لالش/ القسم الكرديّ/ عن الفنّانة كلبهار يصف فيها عودتها إلى كردستان.



( piştî salên dûr û dirêj ji Bexdayê vegerî Dihokê û ji aliyê neteweya xwe ve rastî qedir û siyaneteke mezin hat. Jê re festîvalên qedirgirtinê pêkanîn û jiyaneke nû jê re amade kirin. Ew jî bi hezare hêviyan li benda wê rojê ye ku keçên kurd zêdetir bikevin ser riya wan û ger dengê wan xwe‏ , xwe vene‏êrin. Herwiha her tim dibêje: “Ez niha dizanim ku kevir li cihê xwe giran e)


ملاحظة:


أتمنّى من كلّ القرّاء والقارئات الكرام لهذه الحلقات أن يزوّدوني بمعلوماتٍ عن الفنّانات الكرد إذا كانت متوافرة لديهم مع الشّكر سلفاً.



narinomer76@gmail.com
نارين عمر
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:

جوان

مراقب و شيخ المراقبين
رد: الفنّاناتُ الكرديات شموعٌ احترقتْ لتنيرَ دروب الفنّ الكردي

عمر : الفنّاناتُ الكرديات شموعٌ احترقتْ لتنيرَ دروب الفنّ الكردي الشّمعةُ الثّالثة عيششان الموعودة مع القدرِ


clear.gif



كنتُ نشرتُ مقالاً عن حياةِ عيششان بمناسبةِ ذكرى وفاتها في شهر شباط الماضي( 2008) واستقيتُ معلوماتي من بعض المواقع والمجلات الكردية وأودّ أن أنشر لكم مقتطفاتٍ ممّا كتبتُ وخاصة المتعلّقة بحياتها ( ولادتها, أسرتها, اسمها, والديها) ثمّ سأعلّق على ما كتبت:


(عيششان ومنذ اللّحظاتِ الأولى من تشّكلها كجنينٍ في رحمِ أمّها, تواعدت مع القدرِ الذي لازمها كطيفها, ولكنّه كان ظلاً ثقيلَ الظّل,بخيلَ العطاءِ,هوائيَ المزاج, لذلك تماوجت حياتها في شتى تيّاراتِ الألوان, ولكنّ الألوان المبهمة القاتمة ظلّت هي المسيطرة عليها منذ السّاعاتِ الأولى من ولادتها وحتى الثواني الأخيرة من تلك الحياة.


ولدت في ديار بكر في عام 1938 وكما أنّ ألوان حياتها قد تعدّدت وكثرت فكذلك ألقابها وأسماءها فكانت تسمّى:


عيشه شان, وعيشه خان, وعيشانا عثمان, وعيشانا علي وعيشانا كرد وعيشة, ولكن غلب عليها فيما بعد اسم (عيششان) واشتهرت به في الوسط الكردي ككلّ.
نشأت في أسرةٍ متديّنةٍ, محافظةٍ لذلك قوبلَتْ رغبتها في الغناءِ بالرّفض القاطع من جميع أفراد الأسرة على الرّغم من أن هذه الأسرة تعقدُ مجالسَ غناءٍ وإنشادٍ يجتمعُ فيها أشهرُ مطربي ومغنّي مدينتها والمدن والقرى المجاورةِ لها, وعلى الرّغم من امتلاكِ والدها لصوتٍ عذب ٍ وأدائه لمختلفِ أنواع الغناء...).


لكنّ الكاتب الكردي سيامند ابراهيم أرشدني إلى السّيّد ( ملا علي داري) الذي كان أحد رفاق طفولتها وبالفعل اتصلتُ به وسألته عن عيششان فأجابني برحابةِ صدرٍ أنّ :


اسمها الحقيقيّ هو ( نجمة) وأنّها ولدت في بلدة (داري) التّابعة لماردين وأنّ والدها هو محمد عليكو ,ولمّا سألته إن كان مغنيّاً أو كان يعقدُ مجالس الغناءِ في بيته أكّدَ لي أنّه لم يسمع أنّ والدها يغنّي أو يعقد مثل تلك المجالس , ولما سألته: ربّما كان يفعلُ ذلك فيما بعد؟! أجابَ: ربّما لأنّنا افترقنا عن بعضنا البعض فيما بعد. وأكّد ملا علي على أنّه وعيششان كانا يدرسان في مدرسةٍ واحدةٍ هي ( مكتبة داري) باللغةِ التّركيةِ السّنواتِ الثّلاثِ الأولى من دراستهما حوالي العام/1942-1943/ وحينما سألته عن عام ولادتها هل هو /1938/ قال ربّما يكون هذا العام صحيحاً لأنّني من مواليد 1930 وكنتُ أكبرها بعدّةِ سنواتٍ .


هذا كلّ ما استطاعَ أن يفيدني به العم العزيز ملا علي وبحثتُ عن مصادرَ أخرى لم أستطع الحصول إلا على ما كنتُ جمعته من معلومات سابقاً وكنتُ نشرتها في مقالةٍ سابقةٍ عنها بمناسبة حلول ذكرى رحيلها كما أسلفتُ قبل قليل واسمحوا أن أوردها من جديد:


عيششان كانت قد غنّت علناً لأوّل مرّةٍ في عام 1958
وكانت في العشرين من عمرها حينما تزوّجت من (شوكت توران) نزولاً عند رغبةِ والدها,ولكنّها لم تستطع الاستمرار معه فانفصلت عنه على الرّغم من إنجابها لابنتها شهناز التي لم تكن حينها قد تجاوزت الثّلاثة أشهرٍ, فاضطرت للذهابِ إلى عنتاب وبمساعدة شخصٍ كان يُدعى/نايل بايسو/ غنّت باللغةِ التّركيةِ في إذاعة المنطقة لمدةِ سنتين,ثمّ انتقلت إلى استانبول وفيها بدأت الغناء باللغةِ الكرديةِ إلى جانبِ التركية, فكان صوتها فألَ خيرٍ على منتجي ومصدّري وموزّعي أغانيها وأشرطتها الغنائية, وعلى الرّغم من كلّ ذلك فإنّهم كانوا ينكرون عليها حقها, ولا يمنحونها إلا ما يسدّ حاجتها اليومية لذلك عاشتِ الفقرَ والعوَزَ .
في عام 1972 هاجرت إلى ألمانيا لتعيشَ مع ابنتها /شهناز/ ولكنّ القدرَ الذي يلازمها حتى في أحلامها طعنها في الصّميم هذه المرّة, طعنها طعنة فتّاكة اخترقتِ القلبَ والرّوحَ معاً, حين قرّرَ أن يتسلّلَ إلى محرابِ حياةِ شهناز التي كانت تلهو مع أزاهيرها الرّبيعية , ويختلسَ منها الرّوح, ولتظلّ عيششان المفجعة بشبابها مفجوعة على شباب ابنتها,ولتعيش بجسدٍ فاقدٍ للرّوح, ولتقرّرَ الرّحيلَ عن ألمانيا, والعودة إلى ديارها.
في عام 1978 يسمحُ لها القدر بتحقيق حلمٍ كان قد ترعرعَ معها منذ طفولتها, لتزورَ كردستان العراق, وهناك تُستقبلُ من قِبل الجميع استقبالاً لائقاً بها,وتلتقي بكبار فنّاني الكرد هناك أمثال/محمد عارف, عيسى برواري, نسرين شيروان, كلبهار, تحسين طه... وغيرهم) ولتقيم فيها عدة حفلات لاقتِ الاستحسانَ والتّرحيب
كما سجّلت عدّة أغانٍ في إذاعةِ بغداد (القسم الكردي(
وقد أكدت لها هذه الزّيارة على أنّ تضحياتها في سبيل إعلاءِ شأن الغناء الكردي لم تذهب سُدى, وأنّها دخلت إلى قلوبِ جميع الكردِ بسلاسةٍ وعفويةٍ.
ومنذ ذلك التّاريخ وحتى بداية تسعينياتِ القرن العشرين بدت عيششان شبه معتزلةٍ للغناء, ومعتزلةٍ للحياة الاجتماعيةِ كذلك. ولكنّها ومنذ هذا التّاريخ بدأت بأداءِ أجمل الأغاني والأناشيد وخاصة القوميةِ منها,ولكنّ القدرَ لم يمهلها هذه المرّة, وأومأ إليها أن تعتزلَ الحياة الدّنيوية وإلى الأبد, وليكون يومَ الخامس من شباطِ عام/1997م/ شاهداً على رحيلٍ هادئٍ ويتيم وخانعٍٍ لفنّانةٍ كرديةٍ تحدّت المجتمع بكلّ أعرافه وعاداته وتقاليده الجبّارةِ .
أغاني عيشانا علي:
لعلّ ما يميّزُ هذه المطربة الفنّانة عن غيرها هو تنوّعها الغنائي الثّري بكلّ الألوان والمقاماتِ والمواضيع المختلفة. فكانت حنجرتها الملائكية تشدو بالغناءِ الفلكلوري الكردي بمختلفِ أغصانه وفروعه, وبالغناء الاجتماعي والوجداني والعاطفي والقوميّ.
غنّت عيششان لكلّ البشر وعلى مختلفِ شرائحهم وطبقاتهم, غنّت للمرأةِ وعن المرأة, ترجمت معاناتها خير ترجمةٍ, كشفتِ السّتارَ عن مكامنها الداخلية والسّرّيةِ كذلك, غنّت للقدرِ الذي كان ربيب صحوتها ومنامها, غنّت للرّجل الذي تخيّلت فيه الحبّ والدّفءَ والأمان,غنّت للعائلة ,لابن العمّ وللابنةِ وللأمّ التي بلغتْ في أدائها لها ذروة عاطفتها وهيجان وجدانها كيفَ لا وهي المفجوعة بأمّها التي حُرمتْ منها طوال عمرها. غنّت للوطن والأرض, تغزّلت بطبيعة كردستان التي كان لها الأثرُ الأكبرُ في إبداعها. غنّت للفقيرِ والرّاعي والفلاح, لتبدع مع الفنّان الكردي /بيتو جان/ ثنائياً غنائياً عن الرّاعي والحلابة (şivan û Bêrîvan). غنّت للغريبِ والحزين والبائس والعاشقِ والسّعيدِ. وأجمل ما أبدعت فيه هو أداؤها لأغاني التراث التي حفظتها حتى أتقنتها كلّ الإتقان من المغنّين الذين كانوا يجتمعون في مجلس والدها باستمرارٍ فكانت تستمع إليهم من وراءِ باب المجلس حتى السّاعاتِ الأولى من فجر اليوم التّالي.
تخيّلت نفسها غزالاً فغنّت للغزال , وكوجرية فغنّت للكوجر, وسهرت الليالي بطولها وعرضها وهي تتقمّصُ غنجَ /زيني/ ورقتها في محرابِ /مم/ فغنّت لهما بعشقٍ وصدق.
عيششان تحدّت زمنها وعصرها وناسها لتكون هي /القربان الوفيّ/ في سبيل فكّ الأغلال والقيود الداخلية المحاصرة للمرأةِ من كلّ الجهاتِ.
ضحّتْ بهدوئها الأسري والاجتماعي ليسيرَ الغناءُ الكردي في دروبِ الصّحةِ والسّلامةِ.


ولكنّها عاشتْ وحيدة,وماتت وحيدة.

الفنّاناتُ الكرديات شموعٌ احترقتْ لتنيرَ دروب الفنّ الكردي
الشّمعةالرّابعة شيرين برور1959..

clear.gif


تؤكّد الفنّانة شيرين في أحد لقاءاتها أنّها ليست أخت الفنّان شفان برور في إجابتها على سؤالٍ يوجّه إليها, لأنّ البعض يظنّ أنّ /برور /هي اسم كنيةٍ مشتركةٍ بينهما, بينما تعني الكلمة في الكردية( المخلص أوالمحبوب).


ولدتْ الفنّانة شيرين ملا في القامشلي عام 1959م. لم تكن قد أكملت عامها الثّالث حين هاجرتْ الأسرة إلى لبنان عام 1962 وسكنتْ بيروت, وهناك بدأت شيرين مراحل تعليمها الابتدائية والمتوسطة وبالّلغتين العربية والفرنسيّة, وفي عام 1978م هاجرتْ صوب أوروبا وسكنت ألمانيا وهناك أكملتْ دراستها الجامعية /قسم ثقافةِ الشّعوب/, وفي عام 1984 هاجرت إلى أمريكا وسكنتْ فيها.
تزوّجت في عام 1983 وهي أمّ لثلاثةِ أولاد هم (Gulanzêrîn, Lorîngermîn, Têrîjfirat)
تتقنُ عدّة لغاتٍ بالإضافة إلى لغتها الكردية كالعربية والانكليزية والفرنسية والألمانية .
شيرين بالإضافة إلى ولعها بالموسيقا والغناء, فهي فنّانة تشكيلية أيضاً ترسمُ الّلوحات الزّيتية والمائية ولوحاتٍ مرسومة بالباستيل, وتحاول في لوحاتها تجسيد قضايا المرأة والطّبيعة وفي ذلك تقول شيرين:
( على الرّغم من أنّي مطربة وأتجه للأغاني الوطنيةِ ولكنّ الفنّ التّشكيليّ هو جانبٌ من حياتي يكملُ شخصيتي الفنّية, فالأغاني التي لا أستطيعُ أن أغنيها, أرسمها بفرشاتي ...) وتقول في مناسبةٍ أخرى :
( أنا كشيرين برور لا أستطيعُ أن أفارقَ بين صوت الدّنيا التي أعيشها وصورتها.....).
تؤكدُ شيرين على أنّها من عائلةٍ وطنيةٍ صلبة, كانت تسكنُ جزيرة بوطان ولكنّها فرّت من بطشِ التّرك وسكنت القامشلي فيما بعد ,ولأنّ والدها كان من مناصري الحزبِ الدّيمقراطي الكردستاني/ العراق/ تقول شيرين:
(... ولذلك وجدتُ نفسي وأنا طفلة في الثانية عشرة من عمري في الفرق والجمعيات الفنّية والثقافيةِ والسّياسية....).
تؤكّد شيرين على أنّها فنّياً تأثرت بأمّها التي كانت تتمتّعُ بصوتٍ رقيقٍ عذبٍ, ولكنّها لم تمارس الغناء علناً لأنّها كانت من أسرةٍ متديّنةٍ محافظة, كما وتؤكّد على الدّور الأساسي لراديو كردستان / القسم الكرديّ/ في فنّها وانتشارها الواسع بين الأوساطِ الكردية, وتأثّرها الكبير بالمطربين الشّعبيين أمثال( هنغو , ومرادي كني, وخدر عمر...) وغيرهم من فنّاني تلك المرحلة المعروفين في الوسط الغنائي الكرديّ.
الشّيء المميّز في شيرين أنّها وعلى الرّغم من سكنها مع أهلها في بيروت لم تهمل لغتها الكردية , بل تعلّمتها من عائلتها ومن أساتذتها الدّكتور كاميران عالي بدرخان والسّيناتور زيا شرف خان, وترجعُ شيرين ذلك إلى الرّوح الوطنية والقومية التي كانت تسكنُ عائلتها وإخلاصها لقضيتها العادلة.*
عن ظهورها الفنّي الأوّل تقول شيرين إنّه كان في عام 1972م عندما أقامتْ عائلتها وبعض العائلاتِ الوطنيةِ الكردية احتفالية كبيرة بعيد نوروز, وتصفُ الّلحظاتِ الأولى من ظهورها أمام الجمهور بالحرجة والصّعبة لأنّها أحسّتْ بنبض قلبها يتسارع والهيجانات تحاصرها , ولكنّ تشجيع الجمهور وحماسهم لها دفعاها للاستمرار وإلى تلاشي الخوف والرّهبةِ الّلذين سيطرا عليها في الّلحظاتِ الأولى من ظهورها وتؤكّد أنّها ما زالت حتى اليوم تغنّي بالحماس نفسه.
عملتْ شيرين في فرقة صلاح الدّين الأيوبي في العاصمة الأردنية عمّان خلال عامي/1976-1977/
من إصداراتها الغنائيةِ :
أصدرتْ شيرين برور حتى الآن ستة كاسيتات غنائية, الكاسيت الأوّل صدر في عام 1972 في بيروت, تابعتْ إصداراتها الأخرى في أوروبا وأمريكا
شكّلتْ مع الفنّان سعيد يوسف ثنائياً غنائياً ناجحاً وخاصة أغنيتهما :
( Ax ji derdê bav û bira)التي كانت تطرحُ مشكلة المهر الذي يُعتبر العائق الأكبر في سبيل زواج العديد من الشّبان والشّابات.
وأصدرتْ شريطاً غنائياً مع الفنّان شفان برور, تضمّن العديد من الأغاني الوطنيّةِ والشّعبيةِ التّراثية.
تصرّ شيرين على أنّها مطربة الأغاني الوطنية, وتؤكّد أنّ بعدها عن الوطن وعن ديار الأهل والأحبّة, وعن أماكن طفولتها كانت الدّافع الأهمّ في توجّهها للفنّ, بالإضافة إلى الرّوح القومية والوطنية التي كانت ترفرف في خلايا وثنايا كلّ أفراد عائلتها بدءاً من جدّها ومروراً بوالديها وباقي أفرادِ أسرتها, وهي تعلن باستمرار أنّ بعدها وغربتها لم ينسياها عشقَ وطنها وشعبها وناسها لأنّها تحملُ هذا العشقَ معها أينما ذهبتْ وفي أيّ مكان حلّتْ, وأنّها لم تنسَ ولو لثانيةٍ واحدةٍ قضايا شعبها المصيرية.
إحساسها المرهف, وعشقها للحياةِ والنّاسِ والأرض, منحا أناملها السّحر والرّونق, حتى باتتْ الرّيشة تتراقصُ بين تلك الأنامل نشوة وابتهاجاً لتكون تلك الصّور التي تخلقها من رحم مشاعرها وأحاسيسها التّوءمَ الحقيقيّ لصوتها المولودِ من عطاءِ وعشقِ جزيرةِ بوطان, ولا ننسى الطّبيعة التي وجدتْ فيها شيرين غايتها القصوى ونشوتها اللامتناهية فلم تبخس عليها الطّبيعة بالعطاء بل بادلتها الحبّ بالحبّ والجودَ بالجودِ.
شيرين كغيرها من الفنّاناتِ الكردياتِ الّلواتي ظهرن في القرن العشرين, وتحدين مجتمعهنّ بكلّ تقاليده وعاداته, وتحدّين إرادة الأهل والواقع لا تلقى الآن الاهتمامَ الكافي بها حتى أنّ شريحة واسعة من جيلنا الحالي ربّما لم يسمع بها ولا يستمع إلى أغانيها.
بعد جولةٍ متنوّعةٍ وطويلةٍ بين أرجاء المعمورة لجأت شيرين برور إلى ربوع اقليم كردستان وارتمتْ في أحضان طبيعتها الخلاّبة, وما زالتْ تقيمُ في العاصمة هولير.

*- على الرّغم أنّ الفنّان سعيد يوسف يؤكّد أنّه هو مَنْ تبنّى شيرين وعلّمها الّلغة الكردية وكانت من أعضاءِ فرقته الفنّيةِ الموسيقيّة التي كان شكّلها في بيروت في سبعينياتِ القرن العشرين, وأنّه مَنْ جعلها تخطو طريقَ الفنّ والغناء, وهو مِنْ دفعها نحو الشّهرةِ والنّجوميةِ.


المصادر:
1-جريدة الاتحاد
-2موقع Pena kurd
3-موقع يوكيبيديا
4-موقع آفيستا كرد
5 موقع كميا كردا
6-موقع ولاتي مه
7- موقع عفرين نت




 

جوان

مراقب و شيخ المراقبين
رد: الفنّاناتُ الكرديات شموعٌ احترقتْ لتنيرَ دروب الفنّ الكردي

نارين عمر : الفنّاناتُ الكرديات شموعٌ احترقتْ لتنيرَ دروب الفنّ الكردي الشّمعة الخامسة :الفنّانة كلستان برور /1962../
clear.gif


سئلتْ الفنّانة كلستان برور يوماً في أحد لقاءاتها التّلفزيونية
clear.gif
...لو لم تهاجري إلى خارج الوطن, ولو لم تكوني سياسية ومطربة وفنّانة, كيف تتصوّرين حياتكِ, وكيف كنتِ ستعيشين )؟!


أجابتْ بعد أن أطلقتْ زفراتٍ مجبولة بآهاتٍ وحسراتٍ طويلة المدى:


" أتوقعُ أنّني لكنتُ الآن سيّدة بيتٍ, وأمّاً لأولادٍ, وزوجة مسؤولة عن عائلة, وربّما كنتُ أمارسُ السّياسة بشكلٍ أو بآخر, ولكنتُ أشعرُ بالاستقرار والأمان " .


ثمّ أضافتْ : "...ولكنّني لا أتوقعُ مطلقاً أنّني لكنتُ مطربة وفنّانة , لأنّني من أسرةٍ متديّنةٍ ومحافظةٍ .....).


ربّما نستشفّ من خلال هذه الإجابة مدى المعاناة التي كابدتها وتكابدها كلستان كامرأة فنّانة وسياسية ومثقفة , وما تكابده غيرها من النّساءِ اللاتي عملن ويعملن في المجالات المذكورة .


ولدتْ كلستان في عام /1962م/ في "رها" بكردستان تركيا, وعاشتْ فيها حتى السّادسة من عمرها, لتهاجرَ أسرتها فيما بعد إلى / ويران شهر / لتعيشَ فيها كلستان حتى السّادسة عشرة من عمرها, ولتغادرَ الوطن كلّه وتتوجّه إلى ديار الغربةِ والبعدِ والهجران, ولتبدأ مرحلة جديدة حاسمة من حياتها بدخولها عالم السّياسةِ والفنّ والثقافة.


اقترنت كلستان بالفنّان الكردي / شفان برور/ , وعملا معاً في مجالي السّياسة والفنّ لفترةٍ طويلة, وشكلا ثنائياً فنيّاً متميّزاً بإصدارهما لعدّةِ أشرطةٍ غنائيةٍ ولأغان فنيّة رائعة ما زال صدى نجاحهما وعطائهما يلقي بظلاله على مسامع الجماهير الكردية أنّى تواجدتْ , وأنجبا " سرخبون" الذي يعيشُ ربيع عمره اليانع الآن , ولكنّ ظروفاً خارجة عن إرادتهما أو كانت بمحض إرادتهما فرّقتْ بينهما كزوجين كانا قد أصبحا مثلين لرجال ونساءِ الكردِ عموماً , وزيّنتْ صورهما بيوت وأفئدة وعقولَ الكرد لفتراتٍ طويلة, ما شكّل صدمة كبيرة للجماهير الكردية التي تلقتْ النّبأ بحزن وألم عميقين, وما زالتْ هذه الجماهير تتساءلُ وتستفسرُ عن الأسبابِ التي حدتْ بهما إلى الانفصال, وما زالتْ تحاول إيجاد صيغ للتّفاهم بينهما ليعودا زوجين ناجحين متحابين, وكان من أبرز الذين حاولوا رأب الصّدع بينهما الرّئيس " مسعودِ البرزاني" لدى زيارة كلستان إلى كردستان العراق في فترةٍ سابقةٍ, وقد تفاءلتِ الجماهير الكردية خيراً بهذا الّلقاء ولكن حتى اليوم ما زالت بانتظار اليوم الذي سيشهدُ على شراكتهما الرّوحية والإنسانية من جديد.


وهي الآن تعيشُ في السّوي , وتؤكّد أنّها تعيشُ حياتها 100%100 / كأيّةِ امرأةٍ كردية , (...في داخل البيت أعيشُ حياة كردية, ولكن خارجَ البيتِ أعيشُ بحسبِ شروط وقيود أوروبا التي أعيشُ فيها حالياً, وأتقن بعض لغاتهم....).


تؤكّدُ كلستان في أحد حواراتها أنّها لم تلج عالم الفنّ والطّربِ كفنّانةٍ ومطربة, إنّما ولجتهما من خلال توجهاتها السّياسيّة التي دفعتها لتركِ أهلها وأحبتها ووطنها واختيارِ بلادِ الغربةِ والبعدِ كملاذٍ آمنٍ لممارسةِ توجهاتها السّياسيّة بحرّيةٍ وأمان, وفي ذلك تقولُ :


" ...لم أطأ أرض الموسيقا والفنّ كفنّانة ومطربة, لأنّه كان لي توجهاتٌ سياسيّة ....شعبنا الكرديّ كان يمرّ بظروفٍ صعبةٍ للغاية, وكنّا نودّ من خلال أغنياتنا وموسيقانا أن نظهرَ للشّعبِ الكرديّ أنّهم كردٌ, وعليهم أن يطالبوا بحقوقهم المشروعة, وبالنّسبةِ إليّ كان كلّ ما أقدّمه بمثابةِ انتفاضةٍ أو ثورة..." .


عملتْ كلستان كمذيعة ومقدّمة للبرامج في فضائية / Medya tv/ وفي فضائية / Roj tv / وشاركت وما زالت تشاركُ في العديد من الحفلات والمهرجاناتِ التي تقام في عموم أوروبا وفي أمريكا وغيرها من البلدان .


تفضّل كلستان الطّبلَ والمزمار والنّاي والعربانة في موسيقانا على الآلاتِ الحديثة, على الرّغم أنّها لا تمانعُ إدخال الآلاتِ الحديثة إلى الموسيقا الكردية, وتحبّ أداءِ الشّعبيّ والموروث من الغناءِ أيضاً, وفي ذلك تقولُ :


" ....أساسُ غنائي شعبيّ, وعملتُ موسيقا ثورية ولكن بموسيقا تراثية شعبية...ولكنّني على قناعةٍ تامّةٍ بأنّ النّضال الذي مارسته والذي أمارسه في مجال الموسيقا شعبيّ وتراثيّ , وأحاولُ أن تكونَ الموسيقا الشّعبية التي أقدّمها أكثرَ تطوّراً, وأتمنّى أن يظلّ الفنّ الكرديّ محافظاً على الّلحن كما هو حتى وإن أدّاها بآلاتٍ موسيقيةٍ حديثةٍ ..." .


عن علاقاتها الشّخصية والاجتماعية بالفنّان شفان تؤكّد كلستان أنّ علاقاتهما الشّخصية والاجتماعية ما زالت طيّبة على الرّغم من طلاقيهما, لأنّهما أصلاً أولاد عم , وحتى عائلتيهما لم تتأثّرا بهذا الطّلاق, وما زالت علاقاتُ العائلتين ببعضها متينة وقويّة لأنّها أدركت أنّ الطّلاقَ الذي حدثَ بيننا شأنٌ خاصّ يخصّ كلينا ولا علاقة لهما بنا, وتؤكّدُ أنّها تكنّ كلّ المودة والاحترام والتّقدير للفنّان شفا , ولكن للفنّان شفان قولاً مغايراً, حين قال وبحسب ما أورده موقع / عفرين نت/ في / 28-6-2006 : *


(أفاد الفنان الكردي المعروف شفان برور في بيان أنه من أجل ألاّ تفهم الأمور وتفسر بشكل خاطيء مجبر على توضيح بعض الامور، وهي أنه ومنذ أكثر من ثماني سنوات لا توجد اي علاقة او اتصال بينه وبين زوجته السابقة كلستان برور التي طلقها منذ ذلك الحين، وليس هناك حاجة للتواصل سواء لأمور فنية أو شخصية. وتابع برور في بيانه الذي ارسلت نسخة منه لعفرين – نت: الفنانة كلستان برور حرة في حياتها وعلاقاتها الشخصية وهي صاحبة القرار والمسؤولية في ذلك. وتمنى في ختام بيانه ان يطلع مستمعوه محبوه على الامر ) .


دخلتْ كلستان عالمَ السّينما من خلال فيلم سينمائيّ لعبتْ بطولته في عام / 1985/ ولكن وبحسبِ رأيها أنّ التّجربة لم تستمرّ وأنّ مشروعها وغيرها من الفنّانين الكرد في عالم السّينما لم يكتب له النّجاح على الرّغم من أنّهم حاولوا التّأسيس لعالم سينمائيّ كرديّ متميّز.


أكدتْ كلستان على تأثّرها بكبار الفنّاناتِ الكرديات / مريم خان, عيششان, نسرين شيروان , كلبهار ...وغيرهنّ / ودعت إلى إعادة موروثهنّ الغنائيّ ولكن شرط الحفاظِ عليه وذكر أسمائهنّ وتنسيبِ الأغاني إليهنّ, وقالت في الذكرى السّنوية لرحيل الخالد محمد شيخو:


" الحمدُ لله على أنّني عشتُ في العصر الذي ولدَ فيه محمد شيخو وعاشَ فيه وغنّى فيه , والحمدُ لله على أنّي استمعتُ إلى صوته الذي ما زال يطربني ويبعثُ النّشوة والأملَ إلى نفسي وروحي ", وفي رحيل الخالدة / مرزية فريقي / بكت كثيراً وأكدت أنّها فقدتْ صديقة عزيزة وأختاً وفيّة, وطالبت الأوساطِ الفنيّة والمسؤولة ( الكردية ) إلى احترام الفنّان وتقديره قبل رحيله لكي يشعرَ بالمسرّة التي ستنسيه ما عاناه وآلمه إثر ولوجه عالم الفنّ والموسيقا الصّعب والمرير.


تقول عن الهجرة أنّها تأخذ منّا كلّ شيءٍ ولا تمنحنا شيئاً .


تجيبُ عن سؤالٍ فيما إذا كان ابنها ( سرخبون) يستمعُ إلى صوتها وغنائها : نعم هو يستمعُ إلى صوتي وينتقدني ويقولُ رأيه فيما أغنّي, ولكنّه لا يعملُ لي موسيقا, وهو خريج الأكاديمية الموسيقية في لندن, ويحبّ الموسيقا الكردية كثيراً, ويهتم بالموسيقا الحديثة والغربية لأنّه يعيشُ في أوروبا ولكنّه يصغي إلى الموسيقا الكردية التّراثية والكلاسيكية أيضاً لأنّه عاشَ الحياة الكردية وفي بيئةٍ كرديةٍ خالصة . وعن وضعه العائلي بعد انفصالها وشفان تقول إنّه يعيشُ عندي أحياناً, وأحياناً أخرى عند والده, ولكنّه حتى الآن لم يتعوّد على فكرةِ انفصالنا بعد.


أصدرتْ كلستان حتى الآن أكثر من سبعة كاسيتاتٍ غنائية, بالإضافة إلى كاسيتين مع شفان برور .


المقرّبون منها يصفونها بالصّدق والاتزان وخفة الظّلّ والوداد والمرح, إلى جانب الشّخصيّة القويّة والإرادةِ الصّلبة والرّأي السّديد.

__________________


نارين عمر : الفنّاناتُ الكرديات شموعٌ احترقتْ لتنيرَ دروب الفنّ الكردي : الشّمعة السّادسة الفنّانة ألماس خان 1894-1974م*






clear.gif


كلّما نبشنا في تاريخ الفنّ الكرديّ أكثر تعرّفنا على المزيد من الفنّانين والفنّاناتِ الذين خدموا الفنّ الكرديّ وساهموا في إحياءِ التّراث الكرديّ من خلال تأسيسهم لفنّ كرديّ دخل كتابَ الدّيمومة بمدادِ الخلودِ والأبدية, ولكنّهم وللأسفِ الشّديد لم ينالوا جزاء جهودهم هذه إلا الإهمال واللامبالاة, وانتهوا نهاياتٍ أقلّ ما يُقال عنها إنّها تعيسة ومأساويّة, وعندَ معرفتنا بفنّانة هذه الحلقة سنشعر بأسفٍ وندم شديدين على ما تعرّض له هؤلاء الجنود المجهولون, وهي الفنّانة ألماس خان.

هي ألماس محمد, والدتها آسيا ولدت في عام 1894 في قرية خاركولي :Xargulê )

وعاشت أسرتها في (جزيرة بوطان) وهي ابنة عمّ الفنّانة مريم خان وكانت تكبرها بعشر سنوات.

في بدايةِ القرن العشرين وأثناءِ نشوب الحرب العالمية الأولى هاجرت أسرة ألماس خان إلى كردستان العراق, وسكنت في(زاخو).

ألماس خان كانت تملك صوتاً جميلاً لذلك قرّرت الدّخول إلى عالم الفنّ على الرّغم من القيود القاسية على المرأة حينذاك, فتوجّهتْ إلى مدينة الموصل وسجلّت أشرطة غنائية, ثمّ توجّهتْ إلى بغداد وهناك أسّستْ لمرحلةٍ جديدة من عمر الغناءِ الكرديّ ومرحلة جديدة لعمرها المديد .

تتعرّفُ في بغداد على دبلوماسيّ انكليزي فتنشأ بينهما علاقة حبّ تُكلّل بالزّواج ولكنّها تنتهي بالطّلاق بعدما ينهي زوجها مهمّته في العراق, ويقرّرُ العودة إلى وطنه بريطانيا وإلى أهله وأحبته, ويطلب من ألماس كي ترافقه إلى وطنه لكنّها ترفضُ بقوّة وترفضُ ترك وطنها وأهلها, وتطالبه بالطّلاق, فيحترمُ الزّوجُ قرارها ويتركُ لها كلّ ما يملكُ من ذهبٍ وفضّة وأموال ويعودُ إلى وطنه.

تشتري بهذه الأموال بيتاً كبيراً تحوّله إلى مركز ومحجّ يؤمه أهل الفنّ والغناءِ والثقافةِ والأدب من الرّجال والنّساء, حتى يعتادَ النّاسُ على ذلك المنزل فيلجونه وكأنّه بيتُ الفنانين والمثقفين, ومن أبرز الشّخصياتِ التي كانت تؤمه(طاهرتوفيق ومحمد عارف جزيري وحسن جزيري ومريم خان ونسرين شيروان, فوزية محمد,علي مردان, رسول كردي,جميل بشير ...) وغيرهم الكثير, لتفتحَ من خلال ذلك أبواباً واسعة أمامهم جميعاً, ليصبح كلّ منهم علماً من أعلام الكرد الخالدين.

خلال تلك الفترة وبعدها كان القسم الكردي في إذاعةِ بغداد يلعبُ دوراً كبيراً في جذبِ الفنّانين والشّعراءِ الكردِ إليها, وفي عام 1945 تقدّمُ برنامجاً خاصّاً بها في الإذاعة ما يشجّعُ الفنّانين على المجيء إليها وتسجيل أغانيهم في استوديوهاتها .

بعد طلاقها من زوجها الانكليزي بفترة يُقال إنّها تزوّجت برجل آخر اسمه(حاجي عبد اسماعيلي).

استفادت من ذاكرتها القوّية المحتفظة بعشراتِ الأغاني التّراثية والشّعبية ,وقدّمتها بسخاءٍ إلى هؤلاء الفنّانين والفنّانات ومن أبرز هذه الأغاني :

( Qumrîkê, Lê lê Êmo, Xeftano û Dotmamê, hey Nêrgiz, Rihana min, hatim Besta Belekê,Gulşênî û lê lê Kinê).

ويُقالُ إنّه يعودُ إليها الفضل الكبير في الحفاظِ على العديد من الأغاني والمقاماتِ الكردية الفلكلورية والشّعبية, وإليها يعودُ الفضل الأكبر في إظهار العشراتِ من المغنين والمغنيّاتِ الكرد الذين صدحوا بهذه الأغاني وبأسلوبٍ حديثٍ وعصريّ, وأذيعتْ من القسم الكردي في إذاعةِ بغداد وقتئذ .

اعتزلتْ ألماس خان الغناء في عام 1957م وكانت بلغتْ /63/عاماً من عمرها وعلى الرّغم من ذلك ظلّتْ وفيّة للفنّ الكرديّ ولكلّ الوافدين إلى حجرتها العامرة, تمدّ إليهم يد العون والمساعدة مع النّصح والإرشادِ ليجتازوا المرحلة الأولى من حياتهم الفنيّة.

ولكنّ نهايتها كانت مأساوية, فبعد أن شاختْ وحفرت السّنون أخاديدها في ملامحها الأنثوية الجميلة والباسمة أبداً هجرها الخلانُ والأصحابُ إلا قلّة قليلة منهم, وظلّتْ تعيشُ في هواجس الوحدةِ والعزلةِ وانعدامِ الوفاءِ والإخلاص من أولئك الذين أحسنتْ إليهم, وهي تنظرُ إلى منزلها الذي كان يعجّ حتى بالأمس القريب بعشراتِ المؤنسين والسّاهرين والهاوين.

توفيتْ ألماس في وحدتها والألمُ والحسرة يحاصرانها من كلّ الجهات في كانون الثّاني من عام/1974م, ودُفنتْ في بغداد .


*-اقتبستُ فقراتٍ من حياة ألماس خان من مقالة (في الفنّ الكرديّ هناك امرأة منسيّة) للكاتب( أنور كاراهان=Enwer Karahan) وهي منشورة بتاريخ 24-2-2008في موقع:

Nefel.com

ويؤكّد الكاتب على أنّ المقالة كتبها الكاتب (باكوري Bakurî)بالكردية السّورانية ثمّ ترجمها الكاتب (علي شير) إلى التّركية وهو بدوره ترجمها إلى الكردية اللاتينية




 

جوان

مراقب و شيخ المراقبين
رد: الفنّاناتُ الكرديات شموعٌ احترقتْ لتنيرَ دروب الفنّ الكردي

الفنّاناتُ الكرديات شموعٌ احترقتْ لتنيرَ دروب الفنّ الكردي-الشّمعة السّابعة-كولا كشه تقدمها الكاتبة : نارين عمر



(كولا أرمني: Gula Keşe, Gula Ermenî)

التّاريخُ الكرديّ برمته ما زال يخفي في أحشائه عشرات المبدعين والمتميّزين في كلّ حقول الحياةِ وحدائقها,وكون الفنّ جزءٌ هام من هذا التّاريخ فإنّه يفاجئنا بين الحين والحين بأسماءِ مغنين ومطربين كانوا يُعتبرون في العصور التي عاشوا فيها أساطين الغناءِ والفنّ الكرديين.
ولأنّ تاريخ كلّ الشّعوب ما يزالُ يظلمُ المرأة فإنّ تاريخ الفنّ الكردي ظلمها كثيراً إذ ما يزالُ يتسترُ على أسماءِ العديد منهنّ ممّن كانت تشكّلُ علامة بارزة في سماءِ الغناءِ الكرديّ, ومنهنّ (Gula Ermenî*)أو(Gula Keşe) التي كانت تُعتبر إحدى الفنّانات الكرديات المميّزات في تاريخ الفنّ الكرديّ في القرن التّاسع عشر الميلادي, وقد تأتتْ لها الشّهرة وحضنها المجدُ أنّها عاصرت شيخ الفنّانين الكرد( كما راقَ للبعض أن يسميه*) عفدالى زينكى ومن ثمّ اقترنت به جسدياً وروحياً وأصبحتْ زوجته.
يُقال إنّ عفدال ذهبَ إلى إحدى قرى الأرمن ليحيي فيها حفلة عرس,وبينما هو منسجم في غنائه لمحتْ عيناه فتاة جميلة تقودُ حلقة الدّبكة, فيقعُ في حبّها من النّظرةِ الأولى,وبعد الانتهاء من مراسم الحفلة,يذهبُ عفدال إلى صاحب الحفلة ويقول له:
جئتُ إليكم وأنا سليم معافى وبكلّ قواي العقلية, ولكنّني حين لمحتُ هذه الفتاة رحلتُ إلى عالم آخر, والله لن أرحل من هنا إلى بعد أن تطلبها لي من أهلها,ويُقال إنّ الرّجل يذهبُ إلى أهلها ولكنّهم لا يوافقون على طلبِ عفدال لأنّها كانت مخطوبة لرجل آخر,لكنّه لا ييأسُ من هذا الرّفض لأنّه على قناعةٍ تامة أنّه يستطيع بصوته الذي يهدّ الجبال أن يتسلّلَ إلى قلبها ويدغدغَ مشاعرها وأحاسيسها مهما طال الزّمن.
تحققتْ نبوءة عفدال ورقّ له قلبها في تلك الّليلة الحميمية التي أنشدَ فيها عفدال ما طاب له من أغاني العشق والهيام ومن ثمّ تشاركه Gulê الغناء والطّرب, فيلحظ على الفور أنّها وقعتْ في غرامه,ما يدعوه إلى خطبتها من جديد فتوافقُ على الفور ليقترنا كزوجين ,حبيبين,عاشقين.
عاشتْ فنّانتنا أيّاماً جميلة مع حبيبها وزوجها عفدال ويُقال إنّها أنجبت منه ولداً كان يسمّى (تمو), لكنّ الدّهرَ المتقلّبَ والغدّارَ أصدرَ فرمانه الظّالم عليهما, حين حرمهما من وليّ نعمتهما ( طاهر خان) الذي غضبَ عليه العثمانيون ونفوه مع عائلته إلى استنبول, ولكنّ المصيبة الأكبر عليهما كانت إصابة عفدال بالعمى,ثمّ تناوبت عليهما المحن والمصائب.
يقالُ إنّها كانت تمتلكُ صوتاً جميلاً ومقدرة كبيرة على الغناءِ لساعاتٍ طويلة دون أن تبديَ تعباً أو إرهاقاً, وكانت تجيدُ معظمَ أنواع الغناء الكرديّ,كما كانت تمتلكُ حضوراً متميّزاً من خلال شخصيتها القويّة والمرنةِ في الوقتِ نفسه, تتعاملُ مع المحيطين بها بلطفٍ وحكمةٍ لذلك حظيتْ مكانة متميّزة في عصرها.
على الرّغم من بحثي الحثيثِ عنها لم أتمكن إلا من جمع هذه المعلوماتِ المتواضعة عنها,ولكنّي لم أفلح في تحديدِ تاريخ ميلادها ووفاتها,ولكن وكونها كانت زوجة عفدال وعاصرته نستطيع أن نحدّدَ الفترة التي عاشتْ فيها بشكل تقريبيّ.
إذا كان عفدال وبحسبِ ما روي عنه واستناداً إلى ما قاله حفيده( عمر زينكى) كان ولد في بداية عام /1800/ ومات في عام /1913/ فيُفترض أن تكون هي كذلك ولدت في القرن التاسع عشر وربّما ماتت فيه أيضاً, لأنّ عفدال عاشَ عمراً مديداً ولم تذكر أيّة مصادر أنّها عاشت العمر المديد,ما يؤكّد ذلك ما أورده المبدع الخالد محمد أوزون في روايته عن أنّ عفدال حين التقى بـ(Gulê) كان قد تجاوز الثلاثين عاماً وهي كان عمرها بين/14-15/ عاماً, وكانت تعيشُ وبحسبِ المصدر السّابق في بلدة خامورى(Xamûrê)



*-ملاحظة1:
كلّ المصادر التي اطلعتُ عليها والتي تناولت حياة هذه الفنّانة كانت مقتبسة من رواية الكاتب الكرديّ الخالد محمد أوزون:
يومٌ من أيّام عفدالى زينكى: .(Rojek ji rojên Evdalê Zeynikê)
لذلك اكتفيتُ بذكر اسم المصدر الأوّل مع تقديم الشّكر لكلّ مَنْ تناولَ هذا الموضوع واهتم به وأفادني في جمع هذه المعلوماتِ عنها.

*-ملاحظة2:
المصادر التي اطلعتُ عليها تناولتْ بالإجماع حياة (عفدال), ولم أجد مصدراً واحداً مخصّصاً للحديث عن هذه الفنّانة التي سلبت بجمال شكلها وروحها وجمال صوتها عقل وقلب عفدال.



الفنّاناتُ الكرديات شموعٌ احترقتْ لتنيرَ دروب الفنّ الكردي … الشّمعة الثّامنة الفنّانة أصليكا قادر : تقدمها الكاتبة : نارين عمر




صورة قديمة للفنانة اصليكا قادر

( Eslîka Qadir ) 1946م .....


امرأةٌ أقلّ ما يمكن أن يُقال عنها إنّها امرأة جبّارة وقويّة على الرّغم من دفقات العاطفة الجيّاشة التي تلفّ كلّ خلاياها, لأنها بفضل صلابتها وإرادتها القويّة استطاعت أن تجابه الزّمن بكلّ تغيّراته والقدر بكلّ طقوسه وتقلّباته, وهي التي فقدتْ زوجها بعدما أوعز القدرُ إلى الموتِ كي يخطفه وهو يعانقُ نسائمَ الشّبابِ, وهي تداعبُ خصلاتِ الرّبيع وتقولُ لها: أنا أكثر تألقاً منك من دون أن تعرفَ أنّ ربيعها في آخر أوانه ويتهيّأ للرّحيل المفجع, ما حمّلها مسؤولية الأسرةِ كاملة, فتقومَ بدورِ الأب والأمّ معاً, هذا الدّورُ الذي يعدّ من أصعبِ الأدوارِ التي قد يلعبها الإنسانُ وخاصة المرأة الشّابة وفي ظلّ الوضع السّيءِ الذي تعيشه المرأة في مجتمعاتنا, فلعبتْ دورها بامتياز, وأدّتْ رسالتها بأمانةٍ ووفاءٍ وفي هدوءٍ وسكينة, ووفرتْ لأولادها حياة آمنة وهادئة.
على الرّغم من هذه الحياةِ الصّعبةِ التي عاشتها أصليكا فإنّها لم تهملْ موهبتها الفنّيّة, ولم ترضخ للظّروفِ التي حاولتْ النّيلَ منها, بل تابعت مسيرتها الفنيّة, وأصرّت على أن تساهمَ مع الفنّاناتِ الكرديات الأخريات في النّهوض بالفنّ الكرديّ الأصيل, وتساهمَ من خلاله أيضاً على تعريفِ الآخرين بقضيّةِ المرأة وما تعانيه في مجتمعنا الكرديّ والمجتمعاتِ الأخرى, بالإضافةِ إلى تغنيّها بالوطن والأرض والطّبيعةِ والإنسان والعالم الذي تحلمُ به, ويحلمُ به كلّ محبّ للحياةِ والمستقبل.
أصليكا قادر, فنّانة مثقفةٌ ومتكلّمة لبقة وسياسيّة متمكّنة, تملكُ القدرة الهائلة على التّحاورِ والمناقشةِ والإقناع (وقد لاحظنا عليها ذلك من خلال لقاءٍ تلفزيونيّ أجرته معها إحدى القنوات الفضائية الكردية), وتغنّي بصدقٍ وإحساسٍ حتى يخالُ إلينا أنّها والأغنية التي تؤديها يصبحان كلاً واحداً متماسكاً, وهذه الصّفة لايمتلكها إلا الفنّان الصّادق والمطربُ الحسّاس .
ولدتْ وبحسبِ معلوماتٍ غير دقيقة لديّ في منتصف أربعينياتِ القرن العشرين وظهرتْ كفنّانة وسياسيّة كردية في وقتٍ شهدَ على ظهور عمالقة الكرد في الفنّ والأدب والسّياسية في روسيا ( الاتحاد السّوفياتي سابقاً), وعلى الرّغم من ذلك فقد استطاعتْ أن تجلبَ إلى فنّها وصوتها وأدائها المتميّز الأنظار, وكان لإذاعة (يريفان) القسم الكرديّ فضلٌ على انتشارها في عالم الغناء الكرديّ إلى جانب عشرات الفنّانين والفنّانات الكرد الآخرين.
تؤكّدُ على أنّها أوّلُ مَنْ غنّتْ أغنية ( ولاتى مه كردستانه =e Welatê me Kurdistan ), هذه الأغنية التي أصبحتْ ومنذ ذلك الوقت بمثابة النّشيد القوميّ الثّاني للكردِ بعد نشيد ( أي رقيب =Ey Reqîb ), وما زالتْ الحناجرُ الكردية تردّدها حتى يومنا,وتتناقلها الأجيالُ جيلاً إثر جيلٍ , وهي بحسب المعلوماتِ المتوفرة لديّ من كلماتِ الشّاعر الكرديّ ( مجيد سليمان) من كرد كازخستان.
بستانُ فنّها مثمرٌ بمختلفِ أنواع الغناءِ فنجدُ إلى جانب الأغنية القوميّة, الأغنية الاجتماعية والعاطفية والرّومانسية, ولاتنسى الارتشافَ من منهل التّراثِ الكرديّ ليكونَ رافدها الخيّر إلى عالم الفنّ الكرديّ الأصيل, وهي تؤدي مختلف أنواع الغناءِ الكرديّ بجدارةٍ وتفوّقٍ مميّزين.
أصليكا قادر تؤكّدُ يوماً بعد يومٍ أنّها تزدادُ تألقاً وحيوية في عالم الفنّ الكرديّ, وأنّ اسمها سيُدوّن بأحرف الخلد في صفحاتِ تاريخ الفنّ الكرديّ لأنّها فنّانة ملتزمة في حياتها وفي فنّها وغنائها, ومفعمة بمشاعر العشق لكلّ المحيطين بها ولشعبها ولكلّ البشر, على الرّغم من أنّها لم تأخذ بعدُ نصيبها من الرّعايةِ في عالم الإعلام الكرديّ من صحافةٍ وإذاعة وتلفزيون, ولم تتلقى حتى الآن الاهتمام الإعلامي الكافي بها كفنّانة صادقة وملتزمة وكرائدة من رائدات الفنّ والغناءِ الكرديين منذ ستينياتِ القرن العشرين وحتى يومنا هذا, وما زلنا نتأمّل ونؤمّل أنفسنا وأسماعنا بأن تتنبّه وسائل إعلامنا إلى هؤلاء الفنّانين والفنّانات وتحضنهم بحبّ وعطفٍ ورعاية, ليردوا إليهم جزءاً من معروفهم وجميلهم.

Narinomer76@gmail.com
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:

جوان

مراقب و شيخ المراقبين
رد: الفنّاناتُ الكرديات شموعٌ احترقتْ لتنيرَ دروب الفنّ الكردي

الفنّاناتُ الكرديات شموعٌ احترقتْ لتنيرَ دروب الفنّ الكردي ...الشّمعة التّاسعة :الفنّانة مرزية فريقي...تقدمها الكاتبة : نارين عمر



الفنانة الراحلة مرزية فريقي




الفنّانة مرزية فريقي (تحيّة البيشمركه) /1958-2005/.

اسمها مرزية وهو مشتق من الأصل العربيّ (مرضية), وكما يقول العرب (اسم على مسمّى), كانت مرضية من قبل وطنها وشعبها وأسرتها وجمهورها الذي أحبّها بصدق وعشقَ صوتها.
عندما يكون الحديثُ عن فنّانةٍ بحسّ وفكر وعبق مرزية فريقي, يظلّ القلمُ والفكر والحسّ يعلنون تقصيرهم في التّعبير والفصاحة.

حياتها الاجتماعية :

ولدت الفنّانة مرزية في مدينة مريوان في كردستان ايران, وتنتمي أصول عائلتها إلى مدينة
(سنه). أنهتْ دراستها الابتدائية والمتوسّطة في مدينةِ مريوان, ثمّ توجّهتْ إلى مدينة سنه لإكمال دراستها هناك بعد أن انتسبت إلى دار المعلّماتِ فيها وأنهتها بتفوّقٍ, ثمّ عادت إلى مريوان وهناك عملتْ كمعلّمة في ابتدائية إحدى القرى التّابعة لمدينتها.
بدأت الغناء في التّاسعة من عمرها من خلال مشاركتها في الحفلاتِ الغنائية والموسيقيّة التي كانت تقيمها المدارس التي كانت تنتسبُ إليها, بالإضافة إلى المناسباتِ الاجتماعية التي كانت تشاركُ فيها للأهل والمعارفِ.
تزوّجت في عام 1978 من الفنّان الكرديّ ناصر رزازي, وأنجبا معاً ثلاثة أولاد ( ابنة وولدان).
في عام 1985 هاجرتْ مع زوجها وولديها إلى السّويد وهناك أنجبت ابنها الثّالث.
توفيت يوم 18/9/2005م في ستوكهولم عاصمة السّويد إثر تعرّضها لنزيفٍ دمويّ في الدّماغ.

حياتها السّياسيّة :

الميّزة الخاصة والبارزة لهذه الفنّانة العظيمة أنّها كانت معلّمة للمرحلة الابتدائية نتيجة دراستها لدار المعلّمات, ما يعني أنّها نشأتْ في بيئةٍ متعلّمةٍ ومثقفةٍ أجازت لها إتمامَ تعليمها واختيارها لهذه المهنة يدلّ بحدّ ذاته على سعةِ صدرها وعشقها للطّفولةِ والأطفال الذي مهّدَ لها طريق السّياسةِ والتّحزّب لتأتي الميّزة الأخرى في حياتها السّياسية وتجعلها امرأة سياسيّة بامتياز من خلال انتسابها إلى الحزبِ الشّيوعي الايراني (توده) في بدايةِ انطلاقتها.*ومن ثمّ انضمامها إلى حزب كادحي كردستان ايران*, أثناء التحاقها بصفوفِ البيشمركه ما يعني أيضاً أنّها كانت امرأة عاشقة لوطنها الذي سكن في كلّ خليةٍ من خلاياها وكلّ شريان دمٍ يروي جسدها وروحها فأسكنها الوطنُ بدوره في حضنه الذي لا حضن يشبهه في العطاءِ والودّ, وكانت عاشقة لشعبها ووفيّة لهم ولبيشمركةِ شعبها حتى انضمت إلى صفوفهم وهي امرأة (ونعرف كلّنا ما يعنيه انضمامُ امرأةٍ إلى صفوفهم).
تعرّضتْ مرزية للسّجن والتّعذيبِ والظّلم من قبل النّظام الايراني نتيجة مواقفها الشّجاعة التي كانت تبدي فيها رفضها الشّديد لممارساتِ النّظام ضدّ شعبها, ولمطالبتها بحلّ قضيةِ شعبها بطرقٍ سلميةٍ ونضالية سواء من خلال انضمامها للأحزابِ الكردية أو من خلال مشاركتها في المسيرات والمظاهرات الجماهيرية والسّياسيّة, والميّزة الثالثة في حياتها أنّها مناضلة صلبة وشجاعة في ساح الدّفاع عن المرأة وقضاياها, وكانت ناشطة فعّالة في الدّعوة لرفع الغبن والظّلم عن المرأة ومنحها الحقوقَ الثقافية والسّياسية وفكّ القيود والأغلال التي تكبّل حياتها تحت مسمّى العادات والتّقاليد والأعراف.
وفي نضالها يقول الكاتب الأستاذ فاروق حجي مصطفى:
(...عرفت في الأوساط الكردية والأوروبية بأنها مقدامة على الدفاع عن شعبها في سائر كردستان وكانت تشارك في كل المظاهرات للأكراد في اوروبا ولذلك كانت اغانيها سياسية وذات معنى وعمق وابعاد حيث بالإمكان رؤية مآسي الأكراد ومعاناتهم...).
بينما يقول الكاتب الأستاذ محسن جوامير:
(...كم كانت مزهوة وهي ترى جنوب كوردستان محررا وشعبها في هذا الجزء يتقدم نحو بناء مستقبله*، آملة أن تصل هذا الشعاع إلى عمق الأجزاء الأخرى..! لهذا لم يكد يستقر بها المقام في السويد، حتى كانت تفكر في أن تعود إليه* وتعيش فيه بقية حياتها، ففعلت..

ومازالت العينات من التراب الكوردستاني التي جمعتها في قنينة لتستأنس هي وزوجها الأستاذ ناصري رزازي بها في ديار الغربة، باقية في السويد وهي تبكي أمها : دايه* مرزيه*..!).

حياتها الفنيّة :

بدأت الغناء وهي في التّاسعة من العمر وربّما أقلّ, هذا يعني أنّ ملكة الغناءِ والفنّ ولدت مع ولادتها الأولى, وربّما تشكّلتْ معها منذ تشكّلها كجنينٍ في رحمِ أمّها, ويبدو أنّ ثقتها بنفسها وشخصيتها القويّة والمتزنة وعشقها للحياةِ والبشرِ ووعي وثقافة أسرتها قد اجتمعوا معاً ودفعوها إلى إظهارِ موهبتها الفنيّة في سنّ مبكّرةٍ جدّاً.
لكنّ المحطة الأبرز في حياتها الفنيّة كان زواجها من الفنّان ناصر رزازي الذي أحدثَ تغييراً كبيراً في فنّها وغنائها وخاصة بعدما شكّلا ثنائيّاً غنائيّاً وفنيّاً متميّزاً لما كان يتمتّعُ به كلّ منهما من الصّوتِ القويّ والمؤثر والاختيار الصّائب للكلماتِ والألحان والصّدق الفنّي النّابع أصلاً من صدق نفسيهما وروحيهما حتى تمكنّا من تحقيقِ حضور جماهيريّ متميّز.
لأنّها عشقت وطنها وشعبها وعشقت الإنسانية والبشرية من خلالهما فقد غنّت بعشق وصدق ومحبّة لهم جميعاً فبادلها هؤلاء المحبّة ذاتها والصّدق عينه, ولأنّ الغناء عندها كان تعبيراً صادقاً عن معاناةِ الشّعوب ومظالم الأوطان, وخير وسيلةٍ للانعتاق من كلّ أنواع المعاناة والانطلاق نحو عالمٍ أكثر رحابة وحرّيةً وسعادة, وفي ذلك يقول الأستاذ محسن جوامير:

(... إذا كانت الأغنية تعني عند البعض قضاء الوقت في فضاء الخيال وتحليقاته* الإبتذالية، فإنها كانت عند الفقيدة نشيد التحرير من نير الظلم والإنعتاق من العبودية التي طال أمدها على الكورد وجعلت منه* ضحية الإستبداد...).
لم يقتصر غناءُ مرزية على لهجةٍ كردية دون أخرى, بل كانت تغنّي بالّلهجاتِ المختلفة لأنّها كانت مؤمنة بوحدةِ شعبها ولغتها على الرّغم من تعدّد الّلهجات وهذا ما جعلها تسكنُ في قلوب ملايين الكرد وستظلّ ويقول الكاتب الأستاذ شمال عادل سليم بهذا الصّدد:
(...صوت الراحلة مرزية يمتاز بالأصاله الكوردية و القوة ودقة التعبير, وهي أول مغنية كوردية سجلت أغاني و أناشيد ثورية كوردية كما غنت بأربع لهجات كوردية كما كانت تجيد غناء الشعر الفصيح و الشعبي غنت للمرأة و للبيشمه ركة و لكوردستان و للأطفال و للحرية...).
نضالُ فنّانتنا وهي في ديار الغربةِ لم يقتصر على الغناء وإقامةِ الحفلاتِ الفنيّة فقط, بل ساهمتْ مع زوجها الفنّان ناصر في تأسيس العديد من النّوادي والمؤسّساتِ الثقافيّة التي كانت تخدمُ في النّهاية الحركة الفنيّة الكردية.
عندما هاجرت إلى السّويد انقطعت عن عالم الغناء لفترةٍ من الزّمن ولكنّها سرعان ما عادت إليه ترتمي في أحضانه بشوقٍ ووجدٍ, فيضمّها بحنانٍ ورفق, وبدأت تنقلُ فنّ شعبها إلى مختلف الدّول الأوربية والأمريكية لتعرّف شعوبها بفنّ وغناء شعبها, ولكي تغنّي للجالياتِ الكردية هناك وتدخلَ البهجة إلى نفوسهم الشّجية, وفي ذلك يقول الكاتب الأستاذ فريدون هرمزي:
(...انقطعت عن الغناء لعدة سنوات الى أن استأنفت نشاطها الفني مرة ثانية عام 1994 حيث سجلت انذاك البوماًُ غنائياً اصبح حديث الساحة الفنية لفترة من الزمن. لم تكتف مرزية بتسجيل الاغاني بل اخذت فنها الى دول اخرى عديدة مثل ايطاليا، المانيا، سويسرا، بلجيكا، الدانمارك، فنلندا، كندا، استراليا، الولايات المتحدة الامريكية وغنت للجاليات الكردية هنالك، وقد جاءت الى كردستان لأكثر من مرة حيث غنت في كل مرة تحية للبيشمركة...).
لم يقتصر غناؤها على عشق الوطن والشّعب والبشر فحسب بل غنّت لطبيعةِ كردستان الغنيّة بدفئها وسحرها وفتنتها التي كانت وما تزالُ ملهم الفنّانين والشّعراء والمغرمين والعشّاق, وملاذهم الآمن من قحطِ الواقع ومرارةِ العيش.
مرزية فريقي غنّتْ بصدقٍ وعشقتْ بصدقٍ, فأحببناها بصدق, وعشقنا صوتها حتى النّشوة.
مرزية فريقي كانت تحملُ في قلبها وروحها محبّة كلّ أبناءِ وبناتِ شعبها, فبادلها هؤلاء الوفاء والإخلاص.
عجزت الكلماتُ عن رثائها, صمتَ النّطقُ حداداً عليها, شلّ الفكرُ للحظاتٍ إثر سماعه نبأ رحيلها المفاجئ, ليتسلّل صوتها العذب إلى أسماعنا ونفوسنا من خلال النّسائم التي تهبّ من جهةِ روحها إلينا, فعلمنا وقتها أنّها رحلتْ جسداً فقط, وتركتْ روحها أمانة في أفنان قلوبنا وأرواحنا. روحها التي تسيرُ في شرايين وخلايا ابنيها وابنتها الرّقيقة دلنيا رزازي التي ورثت عذوبة الصّوتِ من والديها ومن الفنّانة المتألقة ليلى فريقي, فجعلتنا نرثيها كلّما استمعنا إلى أغنيتها المؤثّرة, ونبكيها بحرارة.


نارين عمر

الفنّاناتُ الكرديات شموعٌ احترقتْ لتنيرَ دروب الفنّ الكردي الشّمعة العاشرة :الفنّانة تارا جاف ...تقدمها الكاتبة : نارين عمر



الفنّانة تارا جاف وآلة القيثارة


(1958م....(Tara Caf).


(يرث الفنان فنه إما من محيطه أو من غريزته. الفنانة العراقية الكردية تارا جاف ورثت فنها من المنبعين)*(1)
أحببتُ أن أبدأ بهذه العبارة القيّمة للكاتب الأستاذ خالد القشطيني لتكون خير بدايةٍ للولوج معاً إلى عالم الفنّانة الكرديةِ الموهوبة تارا جاف, التي سلكتْ سبيل الفنّ والغناء بواسطةِ آلةٍ قلّما يعزفُ عليها الفنّان الرّجل, فكيف بامرأةٍ فنّانةٍ حملها والعزف على أوتارها؟!
ولدت الفنّانة تارا في مدينة بغداد عام 1958م, ولكنّ أصل عائلتها من مدينةِ حلبجة الشّهيدة, لذلك نما عشق هذه المدينة في حسّها وفكرها مع ولادتها الأولى ولم تستطع المسافات البعيدة التي تفصل بينها وبين منشأ ولادتها أن تنسّيها عشق حلبجة وأهل حلبجة, لذلك تتردّدُ إليها بين الحين والحين كلّما سنحت لها فرصة الّلقاء كما وغنّتْ لها بصوتها العذب وعلى أوتار قيثارتها أغنية مؤثّرة.
ولدتْ تارا لأبٍ كرديّ اسمه جلال جاف, وكان يلقّب بالباشا, وكان يعمل في السّلك الدّبلوماسيّ العراقيّ, ولأمّ تركمانية, لذلك كانت لغة التّخاطب فيما بين أفراد العائلة هي التّركمانية, فأمّها علّمتهم التّركمانية, ويُقال إنّ لغتها الكردية كانت ركيكة ولكنّها تحسّنت فيما بعد نتيجة رغبتها الكبيرة في تعلّم لغةِ أبيها, وعلى الرّغم من أنّها عراقية المنشأ كونها ولدت في بغداد إلا أنّ لغتها العربية كذلك كانت ركيكة.
هاجرتْ مع عائلتها إلى بريطانيا في عام 1976م وسكنوا لندن, ولا زالت حتى الآن تعيشُ في لندن على الرّغم من رحيل والديها عن هذه الدّنيا, وتقومُ بعملٍ إنسانيّ نبيلٍ من خلال عزفها على القيثارةِ للمرضى لتخفّفَ من وتيرة الضّغوط النّفسية والجسدية عليهم, وتؤكّدُ أنّها سعيدةٌ جدّاً بعملها النّبيل هذا.وهي أمّ لابن يعيشُ ربيعَ شبابه.
تارا جاف عازفة القيثارة (الهارب):

يقول الكاتب خالد القشطيني:
(... ما أن تخرجت من المدرسة الابتدائية حتى انضمت إلى مدرسة الموسيقا في بغداد, وبدأت مسيرتها التي نمت ونضجت بعد استقرارها في بريطانيا. وكما يحدث للكثير من المغتربين، بدأت في غربتها تستوحي تراثها الشعبي بما في ذلك الضرب على آلة الساز الكردية, وساعدها على ذلك اتصالها بالمهاجرين والمشردين الأكراد. ولكنها سرعان ما اهتدت في بلد الانجليز إلى آلة الهارب التقليدية التي شاعت بصورة خاصة في ويلز وايرلندا. افتتنت بها ووجدتها آلة اكثر جاذبية للمرأة وطواعية للغناء التراثي الفولكلوري، وهو ما شغفها في دنيا الموسيقى). * (2)
نشأت تارا في جوّ عائليّ مفعمٍ بحبّ الموسيقا والطّرب وخاصة الكلاسيكية منها, جوّ مليءٍ بالاسطوانات الغنائية التي تحتوي على أصوات الكثير من الفنّانين وعلى مقطوعاتٍ غنائية قديمةٍ وحديثة وعلى مقاماتٍ موسيقيةٍ وبلغاتٍ عديدة (الكردية, التّركمانية, العربية, الانكليزية...) ونشأت على همساتِ التشجيع من أبويها على الاستماع إلى الموسيقا والاستمتاع بها, وهكذا نمت هذه الابنة وكبرت, وفي ذلك تقول تارا

((اهتم أبي وأمي كثيراً بأختي الأكبر مني ، ولاحقاً درست أختي آلة ( البيانو) بشكل أكاديمي ، وتحولت فيما بعد إلى عازفة بيانو جيدة، بالرغم من أنها اليوم وبسبب زواجها واطفالها لم تعد كما في السابق...)) * (3) أمّا عن قصّتها مع هذه الآلة تقول تارا:
((في رحلة مدرسية الى المتحف العراقي، فجأة التصقت عيناي وتسمرت وانا صبية صغيرة، بالقيثارة إذ سحرتني واستولت على مخليتي. رحت ادور خلف قاعدة عرضها وكانني ادور في عوالم سحرية لم افهمها. كنت اعرف الموسيقى اذ تربيت على حب الموسيقى الكلاسيكية الغربية بحكم عمل ابي في الخارجية العراقية وتجواله بين عواصم موسيقية اوربية حيث الفن متاح ومباح واصرار امي وابي على ان نتعلم الموسيقى كجزء اساسي من ثقافتنا العامة. منذ تلك اللحظة ظلت القيثارة في اعماق قلبي مختزنة في كياني...))* (4), ثم تضيف قائلة:
((القيثارة ولدت من رحم آلة الحرب والقنص والصيد من القوس والنشاب. لنتصور ان انسانا مرهفا عاش تقاليد الصيد والقنص والحروب وفي اعماقه حبا للهرب من سفك الدماء والقتل، فلم يجد امامه وهو المحبط غير ان يشد ويرخي وتر القوس، وحينها ولدت نغمات ممزوجة بمتعة صوفية، وتكررت المحاولة لتشذيب وشد وارخاء الوتر، فخرجت نغمات انيقة لبقة تتحدث عن الهامات روحه))* (5),على الرّغم من أنّها حاولت تعلّم العزف على آلاتٍ وتريةٍ أخرى مثل والماندولين والجرانكو الشيلية والبزق الكردي إلا أنّ القيثارة (الهارب) استطاعت أن تستحوذ على جلّ حبّها وعطفها وولعها.
اتقانُ تارا لعدّةِ لغاتٍ –كما أسلفنا قبل قليل- كان له تأثيرٌ كبيرٌ على عزفها وغنائها:
((ان اتقانها للتركمانية(والتركية) لغة امها، والكردية لغة والدها، والعربية لغة بلادها، بالاضافة الى الانجليزية اللغة التي يتخاطب بها افراد العائلة في كثير من الاحيان بحكم اقامتهم في الخارج، كل ذلك هيأ لتارا الجاف جوا ثقافيا تتتزاوج فيه لغات و ثقافات حضارات متنوعة. كانت دائمة الاستماع الى موسيقى متعددة الاصول ومختلفة الايقاعات ولكنها تجزي الالهامات وتغذيها)). * (6)
الموسيقا بالنّسبة إليها هي الحياة ذاتها بكلّ أفراحها وأتراحها, بكلّ مباهجها ومفاتنها وأوجاعها ومساوئها, وآلة القيثارة هي الصّديقة الأكثر إخلاصاً ووفاء لها في خضّم كلّ الظّروف التي مرّتْ بها, وهي التي عايشت كلّ تقلّباتِ الحياةِ وتغيّراتها:
(( تتيقن تارا ان الموسيقى هي ما ترغبه حقا وما تسعى اليه، وعليها تذليل كل العقبات لتسمو بروحها في عوالم النغمات المبدعة. تبقى القيثارة السومرية في البال تتيه ضائعة بين الممكن والمتوفر)).* (7)
تارا جاف تركت الدّراسة الأكاديمية للموسيقا, وبدأت تعتمدُ على نفسها وعلى ملكاتها الذاتيّة في تعلّم الموسيقا وخصوصاً آلة القيثارة, وتؤكّدُ أنّ خالها تركَ تأثيراً كبيراً على عزفها وغنائها لنستمع إليها وهي تعبّر عن ذلك:*(8)
((بعد ان تخلصت من فكرة التعلم الاكاديمي ، كنا في عطل الصيف نذهب الى أقارب أمي في ( استنبول )،لأن أمي في الاصل من ( التتر) وأبي من عشيرة ( جاف ) من مدينة (حلبجة )... حيث كان يوجد هنالك خال لي اسمه ( نديم دميرلي) وكان يمتلك قاعة لتعليم الموسيقا ، وخالي يعيش في مدينة ( انتاليا ) الان . حينها كنت انظر الى أيادي اولئك الطلاب الذين كانوا يأتون لتعلم آلة ( الكيتار ) . ومرة قلت لخالي : أنا أيضاً أحب أن اتعلم العزف على آلة ( الكيتار ) .
فأجاب : لكن أنتِ هنا لفترة مؤقتة ، ويصعب عليكِ تعلم الموسيقا في هذه الفترة القصيرة ، لذلك ساعلمكِ طريقة تستطيعين من خلالها أن تعلمي نفسكِ بنفسكِ)) . علمني خالي استخدام اليد اليمنى في العزف بالاصابع وبدون استخدام ( الريشة ) ، والمعروف بأسلوب ( فلامينكو ).وفي هذا الاسلوب عليك استخدام اصابع يدك اليمنى جميعها ، وخالي بالأضافة الى الدروس الموسيقية كان يعزف مع الفنانين على آلة ( الكيتار).

بالنسبة لآلة ( القيثارة – الهارب ) التي يعزف عليها اليوم ، فهو لم يدرسها بشكل اكاديمي ، لكنه علم نفسهُ بنفسهُ . فقد حصل على ( 10 -15 ) درس على آلة (القيثارة ) ،والبقية نتيجة جهودهُ الشخصية )) .
((في اول الشباب تهجر تارا بلادها وبغدادها العزيزة، لترحل الى اوربا حيث التنوع الموسيقى وموسيقى الشباب. هناك تنغمر في الموجات الشبابية حيث تستمع الى بوب ديلون وغيره وتعزف مع فرق من حضارات متعددة. بجهد فردي تتابع تدريباتها الموسيقية على آلات جديدة لتزداد معرفتها الموسيقية غنا وتألقا)).*(9)
تارا تغنّي بالّلهجة الهورامية (الهورمانية) التي تعدّ إحدى الّلهجاتِ الكرديّة المحبّبة, وتؤكّدُ أنّ والدها هو مَنْ شجّعها على الغناء بهذه الّلهجة, حتى أتقنتها وأحبتها وتمكّنت من خلالها إبراز ذاتها كفنّانةٍ متميّزةٍ, وكعازفةٍ ماهرة على الرّغم من أنّ هذه الّلهجة حتى الآن يكادُ يقتصرُ الغناءُ بها على الرّجال فقط, وخاصة الفلاحين والمقاتلين الذين يؤدّونها بحناجرهم الخشنة ومن دون موسيقى, فاستطاعت أن تجعلها ترضخُ لحنجرتها الرّقيقة, على الرّغم من أنّنا كنّا نتمنّى أن تتعلّمَ الّلهجات الكردية الأخرى وخاصة الكرمانجية ِ منها لنستمتعَ بكلماتها الشّجية العذبة كعذوبةِ روحها ونقاءِ فكرها وصدق وجدانها, فكلّما كان الفنّانُ متقناً للهجاتِ الّلغة التي يغنّي بها, كان عدد المستمتعين بغنائه وعزفه أكبر, وكانت شهرته أكثر سعة وامتداداً.
حاولتْ تارا أن تختارَ لنفسها أسلوباً خاصّاً ومغايراً في الغناءِ والعزف, فنجحت في محاولتها نجاحاً كبيراً, وتمكّنت من تحقيق الكثير ممّا كانت تصبو إليه بفضل جهودها المضنية وسعيها المتواصل في ذلك.
حين تغنّي تارا جاف نحسّ صوتها وصوت القيثارةِ قد تحوّلا إلى معزوفةٍ واحدةٍ متجانسةٍ, معمّدةٍ في نبع الحبّ والتّآلف والوفاءِ المنبثقةِ من صدقِ المشاعر والأحاسيس.
تارا جاف فنّانة مخلصة لشعبها الكرديّ وللغتها الكردية وللتّراثِ الفنّيّ الكرديّ الشّعبي, ولقبائل هورمان حيثُ استوحتْ العديد من أغانيها ومعزوفاتها منهم, وآثرت الغناء بالكردية لأنّها ترى أنّ الشّعوب الأخرى لها مبدعوها وفنّانوها الذين يخدمونها. يقولُ الكاتب خالد القشطيني:*(10)
((لقد سمعت هذه الفنانة مرارا في الحفلات العامة. تغني أغاني الهورامان فقط. لماذا لا تضيفين اليها شيئا من اغاني عرب الجنوب لتجسمي في فنك وحدة العراق والتلاحم العربي ـ الكردي في وطننا؟ قالت الغناءالعربي شيء معروف. مهمتها تعريف العالم بالشعب الكردي وتراثه وفنونه، وهو الشيء الذي قمعته الأنظمة الشرق اوسطية.)). إذاً ترى تارا أنّ من واجبها وواجبِ كلّ فنّانٍ كرديّ أصيلٍ ومخلصٍ لحضارةِ شعبه وتراثه أن يخدمَ الفنّ الكرديّ بأمانةٍ, وأن يعرّفَ العالم أجمع من خلال صوته وعزفه وأدائه بشعبه وتراثه وفنونه.
أحلامُ وطموحاتُ تارا لا تنتهي, وكلّها صادقة لأنّها نابعة من عمق شغفها بالفنّ الكرديّ, وعمق رغبتها في ازدهاره وتطوّره لينالَ حظّه من الشّهرةِ والانتشار, ومن جملة تلك الأحلام والطّموحات أنّها وكما يقول الكاتب وريا أحمد:
((السيدة تارا تتمنى الجلوس مع أولئك النجارون الذين يصنعون اللآلات الموسيقية هنا في كردستان ،لكي تعلمهم اسرار صناعة آلة ( القيثارة ) ومرة أخرى اعادة احياء هذه الآلة الاصيلة)). *(11)
تارا جاف المغنيّة الصّادقة والعازفة المبدعة تحاول أن تعرّفَ العالم كلّه بفنّ وتراثِ ومهارةِ شعبها الكرديّ, لذلك تشاركُ في العديدِ من المهرجانات والحفلاتِ العالمية والمحلّية في مختلف الدّول الاوربية والأمريكية وغيرها من الدّول, ويُعتَبرُ فنّها من النّوع الرّاقي والملتزم.
أصدرت حتى الآن عدّة ألبوماتٍ وكاسيتاتٍ غنائيةٍ وموسيقية.
ما ذكرته هو غيضٌ من فيض عطاءِ وإبداع وإلهامِ تارا جاف, ولكنّ سؤالي الذي سيتكرّر على الدّوام, وأظنّ أنّ الكثير منكم يردّده وسيردّده هو:
لماذا هذا الإهمال الخارج عن طوره لهذه الفنّانة من قبل وسائل الإعلام والصّحافة والتلفزيونيات والإذاعات الكردية الفضائية والمحلّية؟! لماذا هذا التّجاهل لهذه الفنّانة وغيرها من الفنّانات الكرديات الّلواتي تحدّين العالم كلّه بدءاً من أفراد أسرهنّ ومروراً بمجتمعهنّ الغارق حتى العظم في مستنقعاتِ العاداتِ والتّقاليدِ البالية, رغبة منهنّ في خدمةِ الفنّ الكرديّ واستمراره, والذي يعدّ أحد الدّعائم والمقوّماتِ الأساسيّة في استمرار الكردِ كشعبٍ وكأمّة؟؟!!
تحيّة لهذه الفنّانة ولكلّ فنّانات الكرد في كلّ بقعةٍ من الأرض.
وإلى الّلقاءِ مع شمعةٍ أخرى مضيئة وحلقةٍ جديدة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:
المقاطع: (3- 8- 11) من مقالة مطوّلة للكاتب (وريا أحمد) ترجمها إلى العربية الكاتب (يوسف كوتى), تتضمّن حواراً معها أيضاً.
المقاطع: (1-2-10) من مقالة للكاتب خالد القشطيني بعنوان (تاراالكرديةتعيد للعراققيثارته).
المقاطع: (4-5-6-7-9) من مقالٍ منشورٍ في موقع:

__________________
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:

جوان

مراقب و شيخ المراقبين
رد: الفنّاناتُ الكرديات شموعٌ احترقتْ لتنيرَ دروب الفنّ الكردي

الفنّاناتُ الكرديات شموعٌ احترقتْ لتنيرَ دروب الفنّ الكرديّ …الشّمعة 13- الفنّانة الكردية فوزية محمد ؟.....1992م



كانتُ أشرتُ في الحلقة الخاصة بالفنّانة كلبهار إلى أنّ الفنّانة فوزية محمد التي ذاع صيتها لفترةٍ طويلةٍ في عالم الغناء الكردي هي شقيقة كلبهار استناداً إلى ما أورده الكاتب الأستاذ فريدون هرمزي* في إحدى مقالاته: (......وهي أنّ الفنّانة الرّاحلة فوزية محمد التي ظهرت على السّاحة الغنائية الكردية أواسط القرن الماضي مع عدد آخر من المطربات مثل نسرين شيروان وعائشة شان والماس هي أخت كلبهار, لكنّها اعتزلت الغناء بعد زواجها وطواها النّسيان حتى عندما توفيت عام 1992 لم يعرف بموتها أحد خارج العائلة والأقرباء.. ولم تشر وسائل الإعلام إلى رحيل تلك الفنّانة).
وبعد نشري لتلك الحلقة وردتني رسائل عدّة ولكنّ أبرزها كانت تلك التي وردتني من الأخ الأستاذ طارق الباشا عمادي المقيم في لندن حول هذه الفنّانة وأختها فوزية, وقد أحببتُ أن أستعينَ ببعض فقراتٍ وردت فيها لتكون خير شاهدٍ على الفنّانة فوزية وأختها كلبهار اللتين لقيتا مع أسرتهما الكثير, الكثير مع تقديم الشّكر والامتنان سلفاً إليه وإلى كلّ الأخوة والأخوات القرّاء والمهتمين الذين يرفدونني بكلّ ما يمتلكونه من معلوماتٍ حول فنّاناتنا الكرديات.
يقول الأستاذ طارق الباشا:
(......وهنا لابدّ أن أذكر لك بعض الجوانب من حياة كول بهار وذلك حسب معلومات سمعتها من أجيال أكبر منّي سنّاً, فهي وأختها فوزية محمد من عائلة مهاجرة من تركيا إلى ئاميدي في بداية القرن العشرين وسكنت ئاميدي التي كانت عاصمة إمارة بهدينان ( ئاميدي ), وهذه الهجرة زادت بعد سقوط الإمارة سنة 1843م, ولم تكن هناك أيّة سلطة في المنطقة, بل سلطة الأغوات وأصحاب الملكية الكبيرة التي كانت سائدة بأفكارها المتخلفة المتزمتة والمعرقلة لكلّ محاولةٍ نحو التّجديد والإبداع, وبرزت محاولات لكسر هذا الطّوق, ولربّما كول بهار وأختها فوزية كانتا الرّائدتان في هذا المجال حيث هويتا الغناء وكان لهما صوتٌ رخيم, فأرادتا أن يستغلانها في مجالس النّساء وفي الأعراس والمناسبات التي كان يحييها أهل المدينة, لكنّ بعض العقول المتخلّفة من المتنفذين من أهل المدينة، لم تسمح لهاتين الفتاتين من ممارسة هوايتهما وإدخال السّرور والفرحة إلى قلوب أهل المدينة وخاصة النّساء منهم وزاد الّلغط وأثيرت الشّائعات ما اضطر الأهل إلى إرجاع الفتاتين إلى مدينتهم في تركيا التي هاجروا منها أصلا , وهكذا حرمت المدينة من هاتين الفتاتين الرّائعتين, ولو كانتا لقيتا الرّعاية والتّشجيع من أهليهما أو من بعض أهل المدينة لأصبحتا نجمتين في سماء الغناء يكتب لهما بالبنان, ولكنّهما لم تتوقفا عند هذا الحدّ بل عاودتا الكرّة، لتهاجرا مرّة أخرى ولكن ليس إلى مدينتيهما ئاميدي بل إلى بغداد ولتحققا طموحهما في أرض غير أرضهما و بلغة غير لغتهما، ولربّما وجدتا بعضاً من الحرّية لتنطلقا نحو حياةٍ جديدةٍ, ولتحقّقا طموحهما في مجال هوايتهما المفضّلة وهي الفنّ بأشكاله المختلفة ومنها الغناء . بقيت عائلتهما في ئاميدىوبرز منها مناضلون في الحركة اليسارية في الخمسينات من القرن الماضي, وليتصدوا للأفكار البالية التي عانى منها عائلتهم وما حصل لها من تشتّت ودمار, إلى أن وافاهم الأّجل في السّنوات الأخيرة .
ثمّ يضيفُ الأستاذ طارق قائلاً:
(.....حيثُ يظهر أنّ الفنّانة وكثيرين مثلها لا يزالون تحت تأثير الأفكار والمفاهيم البالية, فهي لن تفصح عن نفسها ومعاناتها ولم تتكلّم عن تجربتها بسلبياتها وإيجابياتها للآخرين، ولا عن أهلها وبدايات حياتها حيث تحاول أن تتجاوزها وذلك لفقدان الجرأة و الصّراحة ومثلها مثل معظم أفراد مجتمعنا الذين لا يحاولون أن يجعلوا تجربتهم في متناول الآخرين ليستفيدوا منها نحو الأحسن وكما هو متبع في المجتمعات الأخرى والتي سبقتنا بخطوات في مضمار الحضارة والتّقدّم ......).
ممّا سبق نستطيعُ أن نؤكّد على أنّ الأستاذ طارق لخّص تجربة كلبهار وفوزية في معظم فنّاناتنا الرّائدات الّلواتي تحدّين المجتمع بكلّ أعرافه ومعتقداته (كما أشرنا في حلقاتٍ سابقة), ليساهمن في تغيير النّظرةِ الدّونيّة التي ينظرُ بها المجتمع الكرديّ بمختلفِ شرائحه وانتماءاته إلى المرأة عموماً والمرأة الفنّانة على وجه الخصوص, على الرّغم من بعض التّغييرات التي حدثت وتحدثُ في السّنوات الأخيرة نتيجة التّطوّرات والأحداثُ التي يشهدها العالمُ بكلّيته.
تنتمي فوزية محمد إلى الجيل الذي ظهرَ فيه عمالقة الغناء الكرديّ من الفنّاناتِ والفنّانين, ولامتلاكها ملكة الصّوت والأداء فقد برزت كإحدى أفضل فنّاناتِ جيلها, وأنعشَ صوتها الجماهير الكرديّة لسنواتٍ عديدة على الرّغم من أنّها اعتزلت الغناء نهائيّاً وابتعدت عن عالم الغناء والمغنين بعد أن تزوّجت وكوّنت عائلة, وهذا ما تؤكّده شقيقتها كلبهار في ردّها على سؤالٍ موجّهٍ إليها في حوارٍ أجري معها ونُشِرَ على موقع (آفستا كرد):
(ابتعدَت فوزية عن ساحةِ الغناء لأنّها تزوّجت من تاجرٍ عراقيّ, فاعتزلت الغناء بعد أن أن أصبحت مسؤولة عن بيتٍ وأولاد, ثمّ تضيفُ قائلة: إنّ ابنتها (غزوة الخالدي) تابعت مسيرة والدتها وأصبحت فنّانة...).
مهما يكن من أمر فإنّ الفنّانة فوزية محمد كغيرها من الفنّانات الكرديات الرّائدات عانت الكثير إلى أن تمكّنت من شقّ طريقٍ لها في عالم الغناءِ والفنّ, ولكنّها لم تلقَ الاهتمام الكافي بها وربّما لهذا السّبب ولغيره من الأسباب آثرت الاستقرار العائلي لتنأى بنفسها وعائلتها عن متاعب هذا الطّريق الشّاق وغير المستقرّ, ولكنّ السّؤال هو:
على الرّغم من اعتزالها الفنّ ومغادرتها عالم الفنّ والغناء, لماذا لم يهتمّ أحدٌ بها فيما بعد؟ ولماذا لم يعلم بأمر موتها إلا بعض الأهل والأقارب؟ ولماذا لم تشر وسائل الإعلام إليها ولو بعباراتٍ وجيزةٍ؟
أما آن الأوان للمؤسّسات والجهات والمنابر والفضائيات الكرديّة الرّسمية وغير الرّسمية للالتفات إلى هذه الفنّانات وتعريف الجماهير الكرديّة الفتيّة بهنّ من خلال ندواتٍ وبرامج ومهرجاناتٍ تخصّص لهنّ؟! ربّما نجدُ هذا الحلم يتحقّقُ في المستقبل القريب, وإن لم يكن فليتحقّق للأجيال التي ستخلفنا.
__________________



الفنّاناتُ الكرديات شموعٌ احترقتْ لتنيرَ دروب الفنّ الكرديّ …الشّمعة 14 - الفنّانة نسرين شيروان




(Nesrîn şerwan ) 1922م- 1990م
حياتها الاجتماعية:

ولدت نسرين عمر عثمان في مدينة زاخو (كردستان العراق) لأبوين قادمين من كردستان تركيا في عام 1922م, وفيما بعد اختارت لقب شيروان ليلازم اسمها في عالم الفنّ.
على الرّغم من عدم انتسابها لأيّةِ مدرسةٍ حكوميّةٍ أو خاصة, وعدم إتقانها للكتابة والقراءة إلا أنّ ذلك لم يدعها تعيشُ امرأة عادية, وربّة بيت كسائر نساء تلك الفترة, بل حاولت أن تسعى من خلال الموهبة التي ولدت معها أن تحدّد لها مصيراً خاصّاً بها, يجعلها في عداد الخالدات في تاريخ المرأة الكردية والعراقية, وذلك بالسّير في طريقٍ وعلى الرّغم من وعورته وعثراته يؤهّلها لتكون كما شاءت, والذي بات جواز سفرها إلى العالم المنشود.
جواز سفرها كان صوتها المتدفّق من نغماتِ شلالات المدينة التي ولدت فيها, ومن ذرا المدينة التي كانت منبت أسرتها الأوّل.

حياتها الفنيّة:

ظهرت نسرين شيروان كمغنيّة وكغيرها من فنّانات الكرد اللواتي ظهرن في خمسينيات وستينيّات القرن العشرين خلال العصر الذهبيّ للغناءِ الكرديّ, تلك الفترة التي أنشئ فيها القسم الكرديّ في إذاعة بغداد. ذلك القسم الذي جذب إليه معظم فنّانات وفنّاني هاتين الفترتين, لذلك أرادت نسرين أن تتوجّه إلى بغداد, لتنضمّ إلى أسرةِ الفنّ والغناء الكرديّين, وتحلّق في فضاءِ الغناء الكرديّ على جناحيّ صوتها العذب وأدائها المؤثّر برفقة الفنّان الكرديّ علي مردان في عام 1944م, وقد تمكّنت من الولوج إلى رحاب أسرة الفنّ الكرديّ باقتدار.
سجّلت في الإذاعة الكردية العديد من الأغاني, وأوّلها أغنية (ده لي..لي, De lê..lê) التي فتحت أمامها أبواب الولوج إلى قلوبِ ونفوس الكرد بسلاسةٍ وعفوية.
تعرّفت على معظم فنّاني وفنّانات تلك الفترة وغنّت معهم من خلال الحفلات الغنائية أو السّهرات الفنيّة المشتركة التي كانت تُقامُ لهم.
أدّت عشرات الأغنيات التي أنعشت من خلالها نفوس وأفئدة ملايين الكرد, وأضفت على عواطفهم الوجد والّلوعة, وقد ناهزت أغنياتها الأربعمئة أغنية.
غنّت من كلمات وألحان الكثير من الشّعراءِ والملحنين الكرد, وفي ذلك تقول الكاتبة (تارا محمد)*:
(....وسجلت خلالَ هذه الفترة المئات من الأغاني الكردية وكانت كلمات أغانيها لشعراء عظام مثل (جكه رخوين , حافظ المائي , شيخ سلام) وأغلب أغانيها من نغمات ( البياتي , والحسيني ) , ولها (420) أغنية ومقامات مسجلة).

نهاية نسرين شيروان:

مع الأسفِ الشّديد لم تكن نهاية نسرين شيروان مختلفة عن حياة معظم الفنّانات الرّاحلات الّلواتي تحدّثنا عنهنّ في الحلقاتِ السّابقة (مريم خان, ألماس خان, عيششان, فوزية محمد, ليلى بدرخان...), وحتى عن حياة الرّاحلة الباقية (كلبهار), فقد اعتزلت نسرين الغناء في منتصف سبعينيّاتِ القرن العشرين, ومع تقدّم العمر بها أضحت عرضة للعزلة والوحدةِ والغربةِ النّفسيّة والجسديّة إلى أن لبّت نداء الموت وتابعت رحلتها الأبدية عن هذا العالم الذي منحته كلّ ما تملك من نبضات الحسّ والوجدان والصّفاء, ولكنّه خذلها في نهايتها دون رحمةٍ وشفقة.
عن هذه النّهاية نعود مرّة أخرى إلى الكاتبة تارا محمد التي تقول:
(عاشت نسرين في أواخر حياتها مع الوحدة والغربة حتى انتقلت إلى رحمة الله في مدينة بغداد بتاريخ 10 / 10 / 1990 ودفنت في إحدى مقابر المدينة).
امرأة, تحدّت القدرَ فصنعت لنفسها مصيراً يجعلها مميّزة عن غيرها من النّساء الأخريات, وتحدّت المجتمع الذي كان ينعتُ المرأة الفنّانة بالفجور والفسقِ والمجون, وتحدّت الظّروف حيثُ صمّمت على ألا تظلّ موهبتها كمشاعرها ومشاعر نساء جيلها مكبوتة في طيّاتِ النّسيان. امرأة عاهدت نفسها على أن تنعشَ نفوس وأفئدة الجماهير الكرديّة بصوتها المجبول من طبيعةِ كردستان وشلالاتها المتدفّقة حبّاً وحناناً, وتكون نهايتها العزلة والوحدة والغربة النّفسيّة؟؟!!


ملاحظة:

*- الخبر مأخوذ من مقالة بعنوان (ذكرى مرور 17سنة على رحيل المغنية الكردية (نسرين شيروان) منشورة بتاريخ 12- 10- 2007 في موقع ((Gilgamêş

الفنّاناتُ الكرديّات شموعٌ احترقت لتنيرَ دروبَ الفنّ الكرديّ الشّمعة -15- الفنّانة الكرديّة سوسكا سمو





سوسكا سمو,تغنّي وعكيد جمو يعزفُ

(Sûsika Simo) 1925م-1977م
حياتها الاجتماعية:

ولدت سوسكا سمو لعائلةٍ كرديّةٍ من كرد قفقاسيا في عام 1925م, ولدت ضمن حدودٍ لا يجوز للنّساء تجاوزها لئلا تلحقها لعنة العادات والأعرافِ الكرديّة التي كانت متّبعة على المرأة حينذاك وما تزال, وكعادةِ بعض نساءِ تلك الفترةِ قرّرت سوسكا التّمرّد على هذه الحدود, وتجاوزها بجرأةٍ وصلابةٍ, واضعةٍ نصب عينيها سهام المجتمع الفتّاكة التي قد تفتكُ بها وبسمعتها كامرأة متمرّدة, خارجة عن الأعراف والعادات.
اختارت مجال الفنّ كمنطلقٍ ومنشأ يشهدُ على ولادتها الجديدة, الولادة التي اختارتها هي لنفسها وبنفسها, والتي أوصلتها إلى متاهاتٍ ومجاهل كادت تخيّمُ على حياتها باليأس والعزلةِ.
حين ولوجها إلى عالم الفنّ, تعرّفت إلى شابّ أرمنيّ, كان رياضيّاً, ربّاعاً , أدى إلى نشوء علاقة حبّ بينهما انتهت بالزّواج, فكان هذا الزّواج السّبب الرّئيس في تدنّي شعبيتها بين جماهيرها الكرديّة التي رفضت رفضاً قاطعاً زواجها من رجل من غير قوميتها وحتى دينها, فابتعدوا عنها, وخلقوا لها حياة صعبة وشاقة وصلت إلى حدّ العزلةِ والوحدة, فهي بنظرهم امرأة تجاوزت عادات وأعرافِ قومها ومجتمعها, وتمرّدت على شرائع دينها.
أظنّ أنّ ابتعادهم عنها, وإطلاقهم الإشاعات والشّائعات عليها لم يكن بسبب زواجها فقط, بل وقبل ذلك بسبب قرارها الدّخول إلى عالم الفنّ والغناء, وهو المجال الذي ما زال الدّخول إليه محظوراً على الفتاة لدى شرائح واسعة من المجتمع الكردي.

حياتها الفنيّة:

تعدّ سوسكا سمو أوّل فتاةٍ كرديّة تعتلي خشبة المسرح, وتغنّي بلغتها الكرديّة على مسارح جمهوريّاتِ الاتحادِ السّوفياتي السّابق. كان ذلك في عام 1946م حين اعتلت مسرح (فلارمونيا) في أرمينيا وأدّت عليها وضمن حفل فنّي العديد من الأغنيات الكرديّة, وهذا المسرح كان مخصّصاً للأقليّات في تلك الجمهوريات لكي يعرضوا فنونهم وتراثهم عليه, حيثُ كانت الحكومة المركزية ترفض أن تفعل الأقليّات ذلك قبل هذا التّاريخ (1946م), ولم يكن يحضر ذلك المسرح أبناء الأقليّات فقط, بل كان يتوافدُ إليه النّاسُ من روسيا وأرمينيا وجورجيا وجمهوريّاتٍ أخرى ليتعرّفوا على فلكلور وفنون الأقليّات.
بعد أن تعرّفت إلى الشّاب الأرمنيّ (كوليا نفتالينا) والذي أصبح فيما بعد زوجاً لها, صار يرافقها في كلّ حفلاتها الغنائيّة, ويعتلي معها خشبة المسرح حتى شكّلا ثنائياً غنائيّاً متميّزاً.
لم تقتصر شهرتها على ايريفان فحسب بل شملت كلّ جمهوريات الاتحاد, لذلك انهالت عليها الدّعوات من مختلفِ هذه الجمهوريات لتحيي حفلاتٍ فيها, زادت هذه الحفلات من شهرتها وجماهيريتها التي بلغت ذروتها في عام 1965م حين أحيت حفلاتٍ غنائيّةٍ في (السّاحة الحمراء) في أرمينيا, وكانت ساحة مشهورة جدّاً, يحيي فيها كبار الفنّانين حفلاتهم ويقدّمون عروضهم الفنيّة.
يُقالُ إنّ الشّهرة الواسعة التي حصدتها سوسكا سمو كان السّبب في قطع الجماهير الواسعة تذاكر حفلاتها قبل بدءِ الحفلة بعدّة أيّام, وكانت هذه الجماهير تنتظرُ طويلاً أمام شبّاك التّذاكر حتى تتمكّن من قطع تذاكر الحفل, وإن لم تتمكّن من ذلك كانت تكتفي بالاستماع إليها والاستمتاع بصوتها من الصّالون الملحق بخشبةِ المسرح.

أشهر أغنيات سوسكا سمو:

منذ بدايتها مع الغناء والفنّ قرّرت النّهل من التّراثِ الغنائيّ الكرديّ, الذي لم يبخل عليها بالعطاء بالإضافة إلى الأغاني الخاصّة بها, ولكنّ أشهر الأغاني التي كانت تردّدها في حفلاتها بالإضافة إلى أغنية (محو, Miho) التي اشتهرت بها وكانت مفتاح شهرتها الأوّل فإنّها كانت تؤدي أغنياتٍ أخرى منها:
(Devera berê, Lenîn rabû, Belengaz bû, ولكنّها وعلى الرّغم من كلّ هذه الأغاني التي قدّمتها في حفلاتها الكثيرة والنّاجحة, لم تتمكّن من إصدار أيّ كاسيتٍ غنائيّ في حياتها بسبب ظروفها المادية الضّعيفة, وضعف إمكاناتها.

أثر الآخرين على فنّها:

ذكرنا كيف أنّ وجود زوجها الأرمنيّ في حياتها أثّر إيجاباً على حياتها الفنيّة والغنائيّة, على الرّغم من تأثيره السّلبيّ على حياتها الاجتماعية, إلا أنّ وجود آخرين أيضاً كان لهم عميق الأثر في فنّها ومن أبرزهم أمير النّاي الكرديّ حينذاك (عكيد جمو, Egîdê Cimo), الذي كان يرافقها في غنائها ويضفي على صوتها وأدائها الرّونق والانسجام, وقد أوردت بعض المصادر هذا الخبر عنهما*:
(Carinan jî bi bilêvkirina Keremê Seyad ku li ser pêlên Radyoya Erîvanê digot; ‘Distre Susika Simo, lê dixe Egîdê Cimo!).
(بمعنى: تغنّي سوسكا سمو, ويعزفُ عكيد جمو).

قبساتٍ مضيئة في حياة سوسكا سمو:

نقاطٌ مضيئة تلمعُ في حياتها, فهي لم تكتفِ بالغناءِ بلغتها الكرديّة على الرّغم من تعرّضها إلى كافةِ أنواع القدح والذّمّ من شعبها وأبناءِ مجتمعها على زواجها من رجل غير كرديّ, إلا أنّها كانت اعتادت أن تلبس الثّياب الملوّنة بألوان العلمِ الكرديّ (الأخضر والأحمر والأصفر), وتزيّن رأسها بكوفيّةٍ كرديّةٍ زاهية الألوان كذلك, ما يدلّ على صدق مشاعرها وصفاءِ أحاسيسها تجاه قومها وشعبها ولغتها وقضيّتها, وقد أطلق عليها بحقّ (فنّانة المسرح).

نهايتها:

تأرجحت حياتها بين الفرح والسّرور اللذين كانا يأتينها من حبّ وعشقِ جمهورها لها, وبين الأسى والحزن الّلذين خيّما على حياتها بعد تعرّضها لمضايقاتٍ من شعبها ومجتمعها اللذين تخلّوا عنها, وعرّضوها للوحدةِ والعزلة.
رحلت عن عالمنا في عام 1977م وهي في عنفوان شبابها وعطائها لتكون شمعة مضيئة تضفي على عالم الفنّ والغناء الكرديّين الألق والضّياء إلى الأبد.



*- المصدر مأخوذ من مقالة وردت بالّلغة الكرديّة في موقع بتاريخ 23-8-2008م.

*- أوجّه شكري الخاصّ إلى المهندس العزيز (حسن شتو) على ترجمته مقاطع من حياة سوسكا سمو من مقاطع من مقالة بالّلغة التّركيّة.

t
narinomer76@gmail.com



سماكرد-مصدر الصورة : كتاب Kurdên Qersê باللغة الكردية للكاتب Rohat Alakom
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
أعلى