الكرامة فوق الحب

الكرامة فوق الحب
كانت الرسامة الفرنسية مدام "فيجيه لوبران " قد أحبت في صباها شابا رائع الجمال أشتهر بالتقلب والتلون والعبث بقلوب النساء .فلما حاول أن يغرر بها بعثت غليه بهذه الرسالة التحليلية الرائعة ".
لماذا تخونني يا حبيبي , وأنا مخلصة لك ؟لماذا تخدعني وتغرر بي وتسخر مني ,وأنا قد وهبتك ثقتي الكاملة وبادلتك الحب في براءة دونها براءة العذارى.
لقد لمحتك في الأمس في تلك الحفلة الساهرة تغازل سيدة وتداعبها وتلاطفها ,وتوشك أن تختلس منها قبلة وموعد غرام ..
أليس كذلك ؟لا تكذب..هذا غير خليق بك ,فقل لي ما سر نفسك وما حقيقة شخصيتك ,وكيف يمكن أن تكون مثال المحب الصادق الوفي وأنت معي ,مثال المحب الصادق أيضا وأنت في صحبة غيري؟!
هل أنت رجل أم ممثل ,هل أنت إنسان أم مهرج ,أجبني ؟
الحقيقة انك مخلوق صرف مغرور,يود أن يستميل جميع النساء ,ويستمتع بجميع النساء .ويشعر بلذة الزهو والخيلاء وهو يخضع لسلطانه جميع النساء .
أنت رجل لا قلب له ,ولا عاطفة له وأنت كالنحلة تلف على جميع الأزهار .وتستخلص العسل من هذه وتلك ,دون أن تستقر على زهرة ,ودون أن تعرف للراحة أو السكينة أية قيمة أو متعة.
والغريب انك لفرط غرورك تعتقد أن جميع النساء غبيات وأن ليس فيهن من تفهمك ,وأن أذكاهن وأقدرهن لا بد من تقع فريسة لإطرائك وملقك ومجاملاتك وسحر تصرفك ..
هو ذاك لا تغضب مني لأني أفهمك .فأنا لا أزعم أني خارقة الذكاء ,ولكني أصارح في غير خجل باني فهمتك حق الفهم لأني أحببتك .
نعم وا أسفاه .. لقد أحببتك حبا عميقا ,حبا جارفا ,ولم يكن في استطاعتي أن أفكر في أحد سواك,فلما احتل خيالك ذهني ,وملك طيفك أحلامي ,أمعنت النظر في كل لمحة من لمحات نفسك وكل نظرة من نظرات عينيك ,فأدركت آخر الأمر.أني لم أعشق أنسانا .. بل عشقت وحشا ضاريا يفترس للذة الافتراس ,ويعب في الدم كما أن يعب المدمن في نهر نم الخمر !
فيا أيها الوحش الجميل ,إن ضعفك كامن في أنك تنسى أنك وحش وتنسى أن العالم الذي تعيش فيه ليس هو عالم الغابة .وتنسى أن هناك نساء غير متأهبات لمنح قلوبهن لوحوش!
وأنا من هؤلاء النساء ..أنا لا أوكل ثم أرمى ..أنا لا أعتصر ثم أنبذ ..أنا لا أمتص ثم يلقى بي فجأة في عرض الطريق.
كلا يا صاحبي ..ولهذا السبب عذبتك ..لهذا السبب راوغتك ,لهذا السبب تمنعت عليك ,وأدميت قلبك ,وأبيت أن أكون زوجتك .
وكيف , وكيف تريد أن أمنحك نفسي وأنا لا فهمك ؟كيف تريد أن أستسلم لك وأنا أعرف غدرك ؟!لقد أردت إذلالك لتعرف نفسك ,وتعرف من أنا .. وتشعر ولو لأول مرة في حياتك بأنك اصطدمت بامرأة أقوى من سحرك وأقوى من ظرفك ,وأقوى من ألاعيبك وأقوى من غضبة الوحش المفترس الجاثم في عمق نفسك .
والحق أني ما عذبتك وتمنعت عليك إلا لتعرف معنى الألم فأنت لم تتألم أبدا ..لم تبك أبدا ,لم تنهزم أبدا ولكنك تألمت بسببي ,وبكيت من أجلي وهزمت شر هزيمة أمام إرادتي وجمالي وسحري !..لا تنكر ..لا تشمخ بأنفك علي !.. أنا القوية وأنت الضعيف , أنا الثابتة وأنت القلق ,أنا المطمئنة وأنت الحائر,فأبق هكذا وتألم ,ابق هكذا وتفطر ,وإذا شئت أن تنصرف عني فانصرف وأما إذا شئت أن تفوز بي وتظفر بحبي وفعليك أن تتحمل طويلا وتصبر طويلا ,وتكافح طويلا وتثبت لي بمرور الزمن أنك أصبحت رجلا وفيا صادقا أمينا ,يمكن أن يحب امرأة واحدة ويخلص لامرأة وحداة ,ويرى مفاتن النساء جميعا ممثلة في امرأة واحدة !..
هذا هو الحب ..وأنا لا أقنع بغيره افرض نفسك عليه أن استطعت أو فارحل ,ولكنك لو تمكنت من كبح غرائزك ,والتسلط على نزواتك وإخضاع ميولك وأهوائك لحكم الوفاء لا لحكم الشهوة الوضيعة الرخيصة المتقلبة الشائنة فعندئذ ,وعندئذ فقط يمكن أن أثق بك وأمنحك روحي وقلبي وجسمي إلى الأبد!
فالامتحان أمامك والثمرة في متناول يدك! .فإذا كنت حقا ,كنت حقا تحبني ,فخذ هذا الامتحان عن طواعية واختيار ,وإلا فأذهب .اخرج من هذا العالم المتمدن .. أخرج من المجتمع المتحضر ,انطلق إلى الغابة ثم ابحث لك هناك عن حيوانة خليقة بك وحيوانة لا امرأة تقنع منك بمجرد اللذة وتنشد بقربك مجرد المتعة ,ولا تعطيك من نفسها في لحظة عابرة أكثر مما تعطي الكلبة للكلب !.
هذه كلمتي الأخيرة أيها الوحش الجميل .. فأمعن النظر فيها ,واختر ,أختر بين الوفاء والقدر ,ثم أجبني بكلمة وبكلمة واحدة :إما وداعا وأما ملتقى ؟. ـ ولقد أثرت هذه الرسالة في نفس الشاب أول الأمر ,فأخلص للفنانة إخلاصا أوشك أن يودع في قلبها الثقة به ,ولكن طبعه كان أقوى منه ,فعاود سيرته الأولى فطردته شر طردة وظلت حريصة على نفسها حتى تزوجت!

علي سليفي

23/11/2009

علي ســـــليفي
 

كلبهار

مراقبة عامة
هور يانعه في بساتين المنتدى نجني ثمارها من خلال الطرح الرائع لمواضيع اروع
وجمالية لا يضاهيها سوى هذا النثر البهي
فمع نشيد الطيور
وتباشير فجر كل يوم
وتغريد كل عصفور
وتفتح الزهور
اشكرك من عميق القلب على هذا الطرح الجميل
بانتظار المزيد من الجمال والمواضيع الرائعه
 
أعلى