عيششان الموعودة مع القدرِ

G.M.K Team

G.M.K Team
عيششان ومنذ اللّحظاتِ الأولى من تشّكلها آجنينٍ في رحمِ أمّها، تواعدت مع القدرِ الذي لازمها آطيفها،ولكنّه
آان ظلاً ثقيلَ الظّل،بخيلَ العطاءِ،هوائيَ المزاج
.لذلك تماوجت حياتها في شتى تيّاراتِ الألوان، ولكنّ الألوان
المبهمة القاتمة ظلّت هي المسيطرة عليها منذ السّاعاتِ الأولى من ولادتها وحتى الثواني الأخيرة من تلك الحياة
.

ولدت في ديار بكر في عام ١٩٣٨ وآما أنّ ألوان حياتها قد تعدّدت وآثرت فكذلك ألقابها وأسماءها فكانت
تسمّى
:

عيشه شان،وعيشه خان،وعيشانا عثمان،وعيشانا علي وعيشانا آرد، ولكن غلب عليها فيما بعد اسم
(عيششان)

واشتهرت به في الوسط الكردي آكلّ
.

نشأت في أسرةٍ متديّنةٍ،محافظةٍ لذلك قوبلَتْ رغبتها في الغناءِ بالرّفض القاطع من جميع أفراد الأسرة على الرّغم
من أن هذه الأسرة تعقدُ مجالسَ غناءٍ وإنشادٍ يجتمعُ فيها أشهرُ مطربي ومغنّي مدينتها والمدن والقرى
المجاورةِ لها،وعلى الرّغم من امتلاكِ والدها لصوتٍ عذب وأدائه لمختلفِ أنواع الغناء
. وآانت قد غنّت علناً

.
لأوّل مرّةٍ في عام ١٩٥٨
آانت في العشرين من عمرها حينما تزوّجت من
(شوآت توران) نزولاً عند رغبةِ والدها،ولكنّها لم تستطع
الاستمرار معه فانفصلت عنه على الرّغم من إنجابها لابنتها شهناز التي لم تكن حينها قد تجاوزت الثّلاثة
أشهرٍ،فاضطرت للذهابِ إلى عنتاب وبمساعدة شخصٍ آان يُدعى
/نايل بايسو/ غنّت باللغةِ التّرآيةِ في إذاعة
المنطقة لمدةِ سنتين
.ثمّ انتقلت إلى استانبول وفيها بدأت بالغناء باللغةِ الكرديةِ إلى جانبِ الترآية،فكان صوتها فألَ
خيرٍ على منتجي ومصدّري وموزّعي أغانيها وأشرطتها الغنائية،وعلى الرّغم من آلّ ذلك فإنّهم آانوا ينكرون
عليها حقها، ولا يمنحونها إلا ما يسدّ حاجتها اليومية ،لذلك عاشتِ الفقرَ والعوَزَ
.

في عام ١٩٧٢ هاجرت إلى ألمانيا لتعيشَ مع ابنتها
/شهناز/ولكنّ القدرَ الذي يلازمها حتى في أحلامها طعنها في
الصّميم هذه المرّة،طعنها طعنة فتّاآة اخترقتِ القلبَ والرّوحَ معاً،حين قرّرَ أن يتسلّلَ إلى محرابِ حياةِ شهناز
التي آانت تلهو مع أزاهيرها الرّبيعية ،ويختلسَ منها الرّوح،ولتظلّ عيششان المفجعة بشبابها مفجوعة على شباب
ابنتها،ولتعيش بجسدٍ فاقدٍ للرّوح،ولتقرّرَ الرّحيلَ عن ألمانيا، والعودة إلى ديارها
.

في عام ١٩٧٨ يسمحُ لها القدر بتحقيق حلمٍ آان قد ترعرعَ معها منذ طفولتها،لتزورَ آردستان العراق،وهناك
تُستقبلُ من قِبل الجميع استقبالاً لائقاً بها،وتلتقي بكبار فنّاني الكرد هناك أمثال
/محمد عارف،عيسى
برواري،نسرين شيروان،آلبهار،تحسين طه
...وغيرهم) ولتقيم فيها عدة حفلات لاقتِ الاستحسانَ والتّرحيب
آما سجّلت عدّة أغانٍ في إذاعةِ بغداد
(القسم الكرديّ).

وقد أآدت لها هذه الزّيارة على أنّ تضحياتها في سبيل إعلاءِ شأن الغناء الكردي لم تذهب سُدى،وأنّها دخلت إلى
قلوبِ جميع الكردِ بسلاسةٍ وعفويةٍ
.

ومنذ ذلك التّاريخ وحتى بداية تسعينياتِ القرن العشرين بدت عيششان شبه معتزلةٍ للغناء،ومعتزلةٍ للحياة
الاجتماعيةِ آذلك
.ولكنّها ومنذ هذا التّاريخ بدأت بأداءِ أجمل الأغاني والأناشيد وخاصة القوميةِ منها،ولكنّ القدرَ لم
يمهلها هذه المرّة ،وأومأ إليها أن تعتزلَ الحياة الدّنيوية وإلى الأبد،وليكون يومَ الخامس من شباطِ عام
/ ١٩٩٧ م/

شاهداً على رحيلٍ هادئٍ ويتيم وخانعٍ لفنّانةٍ آرديةٍ تحدّت المجتمع بكلّ أعرافه وعاداته وتقاليده الجبّارةِ
.

أغاني عيشانا علي
:

لعلّ ما يميّزُ هذه المطربة الفنّانة عن غيرها هو تنوّعها الغنائي الثّري بكلّ الألوان والمقاماتِ والمواضيع
المختلفة
.فكانت حنجرتها الملائكية تشدو بالغناءِ الفلكلوري الكردي بمختلفِ أغصانه وفروعه،وبالغناءالاجتماعي
والوجداني والعاطفي والقوميّ
.

غنّت عيششان لكلّ البشر وعلى مختلفِ شرائحهم وطبقاتهم،غنّت للمرأةِ وعن المرأة،ترجمت معاناتها خير
ترجمةٍ، آشفتِ السّتارَ عن مكامنها الداخلية
والسّرّيةِ آذلك،غنّت للقدرِ الذي آان ربيب صحوتها ومنامها،غنّت للرّجل الذي تخيّلت فيه الحبّ والدّفءَ
والأمان،غنّت للعائلة ،لابن العمّ وللابنةِ وللأمّ التي بلغتْ في أدائها لها ذروة عاطفتها وهيجان وجدانها
/آيفَ لا
وهي المفجوعة بأمّها التي حُرمتْ منها طوال عمرها
. غنّت للوطن والأرض،تغزّلت بطبيعة آردستان التي آان
لها الأثرُ الأآبرُ في إبداعها
.غنّت للفقيرِ والرّاعي والفلاح،لتبدع مع الفنّان الكردي /بيتو جان/ثنائياً غنائياً عن
غنّت للغريبِ والحزين والبائس والعاشقِ والسّعيدِ
. وأجمل ما أبدعت فيه .(şivan û Bêrîvan) الرّاعي والحلابة
هو أداؤها لأغاني التراث التي حفظتها حتى أتقنتها آلّ الإتقان من المغنّين الذين آانوا يجتمعون في مجلس والدها
باستمرارٍ فكانت تستمع إليهم من وراءِ باب المجلس حتى السّاعاتِ الأولى من فجر اليوم التّالي
.

تخيّلت نفسها غزالاً فغنّت للغزال ،وآوجرية فغنّت للكوجر،وسهرت الليالي بطولها وعرضها وهي تتقمّصُ غنجَ​
/
زيني/ ورقتها في محرابِ /مم/ فغنّت لهما بعشقٍ وصدق.

عيششان تحدّت زمنها وعصرها وناسها لتكون هي
/القربان الوفيّ/ في سبيل فكّ الأغلال والقيود الداخلية
المحاصرة للمرأةِ من آلّ الجهاتِ
.

ضحّتْ بهدوئها الأسري والاجتماعي ليسيرَالغناءُ الكردي في دروبِ الصّحةِ والسّلامةِ
.

ولكنّها عاشتْ وحيدة،وماتت وحيدة
.

نارين عمر​
 

كلبهار

مراقبة عامة
هور يانعه في بساتين المنتدى نجني ثمارها من خلال الطرح الرائع لمواضيع اروع
وجمالية لا يضاهيها سوى هذا النثر البهي
فمع نشيد الطيور
وتباشير فجر كل يوم
وتغريد كل عصفور
وتفتح الزهور
اشكرك من عميق القلب على هذا الطرح الجميل
بانتظار المزيد من الجمال والمواضيع الرائعه
 
أعلى