من هم الكاكئيه اين منبعهم وامتدادهم الديني

قبل الخوض في الكتابة حول أهل الحق ومعتقداتهم، لابد للباحث أو الدارس التأكيد على بعض المسلمات الأساسية بخصوص هذه الطائفة الاصيلة. في البدء لابد من الاشارة الى انتمائهم القومي. ومما لاشك فيه أن هذه الطائفة العريقة تشكل مكوناً اساسياً من مكونات الشعب الكردي. ومن ثم يجب التأكيد على حقيقة ايمانهم الراسخ بالله الواحد الاحد ، شأنهم كشأن باقي بني البشر يوجهون وجهتهم نحو السماء. اهل الحق منتشرون في كثير من أجزاء كردستان. ففي بعض الأجزاء من كردستان ايران يطلق عليهم (يارسان) او (اهل الحق). وهناك مجاميع كبيرة منهم يقطنون في مدينة كركوك واطرافها في منطقة كرميان. ويتواجد قسم منهم ايضاً على اطراف مدينة الموصل. ويطلق عليهم في العراق تسمية (الكاكائية).. اجمالاً ليس من الجائز ان نطلق على هذه المجاميع تسمية (العشيرة).


لأن العشيرة ترمز الى مجموعة من القرى المتجاورة التي تتواجد في منطقة محصورة وفي رقعة جغرافية معينة. لكنه من المعلوم بأن طائفة أهل الحق او الكاكائية متناثرون في الكثير من البقاع في كردستان. كل من يعاشر الطائفة الكاكائية في مدينة كركوك واطرافها ، يتلمس مدى صدقهم وطيبة قلبهم. ومن جانب آخر يتصفون بكثير من النشاط والحيوية. وبرز العديد من الشعراء والفنانين من بينهم في مدينة كركوك واطرافها.
كانت مناطق تواجد هذه الطائفة الاثنية واسعة في الازمان السابقة، ابتداء من مناطق كركوك وكرميان والسليمانية، ومروراً بكردستان ايران وانتهاءاً بالمناطق الفارسية والاذرية في ايران، لكن بمرور الزمن تقلصت اماكن تواجدهم. ونحن الآن لسنا بصدد الخوض في تفاصيل تلك الظاهرة والاسباب الكامنة وراءها...
هناك فئة اخرى انشقت عن صفوف اهل الحق ، ويتواجدون الآن بكثافة في بعض مناطق كردستان ايران ويسمون ب(علي اللهية). هذه الفئة ظهرت وتبلورت ملامحها نتيجة لتأثيرات غلاة اهل التشيع في ايران على افكارهم وتوجهاتهم. خرجت تلك الجماعة عن المسار الحقيقي لأهل الحق وانحرفت عن المباديء الاساسية لمعتقداتهم. تدعي تلك الفئة بأن الامام علي بن ابي طالب (ع)لازال باقياً على قيد الحياة ويعيش داخل قرص الشمس(1).. يقول بعض الباحثين بأن اسس هذا المبدأ ترجع الى فترات عبادة الاله (ميهر) والتي كانت شائعة بين الاقوام الآرية. وكانوا يعتقدون بأن الأله (ميهر) أو (ميترا) الهندية تعيش داخل قرص الشمس(2)..
يتكلم اهل الحق او الكاكائية باللهجة الكورانية. هذه اللهجة شائعة في بعض مناطق كردستان ايران. وانها ايضاً شائعة في مناطق هورامان بطرفيها العراقي والايراني. واللهجة الزازائية المنتشرة في بعض مناطق كردستان تركيا وهي ايضاً تدخل ضمن اللهجة الكورانية. والكرد من الشبك في اطراف مدينة الموصل يتكلمون ايضاً بهذه اللهجة. وهناك بعض العشائر الكردية في مدينة كركوك واطرافها يتكلمون باللهجة الكورانية كعشائر الزنكنة وروزبياني والكاكائية وغيرهم. كانت اللهجة الكورانية اللهجة الرسمية لأمارة (اردلان) وكانت ايضاً اللهجة الرسمية لأمارة (بابان) في فترة معينة من تأريخ هذه الامارة الكردية.
كثير من مشاهير شعراء الكرد كتبوا قصائدهم الحية باللهجة الكورانية امثال: (خاناي قوبادي 1704 – 1778) و(مولوي 1806 – 1882) و(بيساراني 1643 – 1701) و(ولي ديوانه 1754 – 1801) وكتب الشاعر الكلاسيكي الكردي الشهير من اهل الحق (بابا طاهر الهمداني 937 – 1010)م قصائده باللهجتين اللرية والكورانية معاً.
في مدينة كركوك واطرافها برز العديد من الشعراء من الذين كتبوا قصائدهم باللهجة الكورانية امثال (رنجوري الكركوكي 1750 – 1810) و(ملا فتاح الجباري 1806 – 1876) و(فقي قادر الهموندي 1830 – 1890) و(ميرزا شفيع جامريزي 1776 – 1836) ومحاك ونوحي ورشيد آغا زنكنة وغيرهم(3)..
اما شعراء الكاكائية في مدينة كركوك واطرافها ، من الذين كتبوا قصائدهم باللهجة الكورانية ، فأعدادهم كثيرة ولايسعنا ألا أن نذكر أسماء بعضاً منهم امثال: (خليل منور) و(هجري دةدة) و(عباس حلمي كاكةيي) و(يوسو ساوك) و(سيد محمد بارام) وهناك العديد من الكتاب الكاكائية في الوقت الحاضر أمثال: (فلك الدين كاكةيي) و(هردويل كاكةيي) و(هاشم عاصي).. وغيرهم..
واهل الحق يطلقون احيانا على انفسهم (يارسان). هناك العديد من الاراء لتفسير هذه التسمية. هناك من يرى بأن تلك الكلمة مأخوذة من اسم (يار سولَتان) والذي يعتبر احد شخصياتهم التأريخية المقدسة. وهناك من يقول بأن كلمة (يارسان) تعني (يارستان) على وزن كلمة كردستان ، وتأتي بمعنى منطقة اهل المحبة والمودة.. وكلمة اهل الحق واضحة ولاتريد التوضيح.. وتسمية (الكاكائية) مأخوذة اصلاً من كلمة (كاكه) الكردية والتي تعني الاخ الكبير. وهذه الكلمة تمتد جذورها الى اعماق سحيقة من التأريخ. فأن عدداً من حكام كردستان القدماء تلقبوا بكنية كاكا او كيكا مثل كاكي حاكم خوبوشكيا خلال مطلع الالف الاول قبل الميلاد. الكاشيون الذين يعتبرون اجداد الكرد ، حكموا في منطقة لورستان الكردية الحالية. احد ملوكهم كان يسمى (اكوم كاك ريمي) الذي استطاع لأول مرة ان يحكم في بابل ، والذي انتهز فرصة الغزو الحيثي فأثبت حكمه هناك في حدود (1590) قبل الميلاد(4)..
الميديون القدماء (700 – 550) قبل الميلاد ، كانوا يصنعون كلمة (كةي) قبل الاسماء وبالاخص الطبقات الحاكمة منهم. وهذه الكلمة تعني (كيو) الكردية أي الجبل. ومن الناحية المجازية كانت تعني (الاخ). على سبيل المثال هناك (كيخسرو) أي (كاكه خسرو) و(كيكاوس) و(كيخودا)(5).
سنة (934) ميلادية اشار (المسعودي) في الجزء الرابع من كتابه (مروج الذهب) ، الى طائفة كردية كانت تقطن في الجبال بأسم (كاهكاهي)(6)..
الشعب الكردي بشكل عام مدينون من الناحية الادبية والثقافية الى الشاعر (بابا طاهر الهمداني 937 – 1010)م. لأن اشعاره وقصائده تشكل اولى المصادر الاساسية للادب الكردي المدون. كان الشاعر شخصية بارزة من شخصيات اهل الحق او (يارسان) في زمانه. بالرغم من انتماء الشاعر الى طائفة اهل الحق ، لكنه وقع بشكل جلي تحت تأثيرات المسار الصوفي للأسلام. كانت طائفة الشاعر تتكلم باللهجة الكورانية ، ألا أنه استخدم في ثنائياته الشعرية اللهجة الكورانية واللهجة اللرية في آن واحد. ونظراً لكون الشاعر بابا طاهر ذات منزلة عالية لدى اهل الحق واهل (يارسان) ، لذا وضعت ثنائياته الشعرية كتضمين من اجل التعظيم والتقديس في هوامش مسودات الكتاب المقدس (سرنجام) لدى طائفة (يارسان). يقول المستشرق المعروف (مينورسكي) بأنه وجد ثلاث عشرة من ثنائيات الشاعر بابا طاهر في ذلك الكتاب المقدس(7).
كلمة (باوه) او (بابا) تحمل معان سامية لدى اهل الحق. ليومنا هذا تتواجد الكثير من المدن والاماكن في كردستان تحمل هذه الكلمة مثل: (باوه محمود) و(طويز لي بابا) و(باوه نور) و(باوه شاسوار) و(باوه فتي) و(بابا طر طر) او (باوه طور طور). كل هذه الاماكن كانت في الازمنة الغابرة مناطق يارسان او اهل الحق.. المؤرخ الكردي (توفيق وهبي بك) يقول بأن البابانيين اصحاب امارة (بابان) الكردية ، يرجع مصدر اسمهم الى كلمة (بةبة) ومن ثم تحولت الى (باوه). وهذا يعني حسب رأيه بأن امراء بابان كانوا من الطائفة الكاكائية(8)..
يتناول الاستاذ توفيق وهبي في بحثه جبل (بيرةمطرون) والذي يستقر في قمته قبر بنفس الاسم. ويذهب في بحثه قائلاً بأن ذلك القبر في الاساس يعود لشخصية كاكائية بأسم (بير عةنبةر كدروون) ، لكن بمرور الزمن تحور الاسم الى (بيرةمطرون)(9)..
يمكن القول بأن لطائفة اهل الحق تأريخ عريق ، لكن مع تقادم الزمن طرأت تغييرات كثيرة على معتقداتهم. على سبيل المثال يمثل سلطان اسحاق (سان سهاك) شخصية بارزة ومشهورة لديهم. والآن يقع مرقده في قرية (شيخان) بالقرب من (نوسود)(10). يعتقد البعض من اهل الحق بأن الشخصية المعروفة (بابا علي الهمداني) القادم من مدينة همدان ووالد كل من (شيخ عيسى) و(شيخ موسى) ، قد انجب فيما بعد نجله شيخ عيسى ابناً بأسم (اسحاق). وحسب رأيهم الخاص فأن (سلطان سوهاك) هو نفس شخصية (اسحاق)... ويعتقد بعض من الباحثين بأن (سلطان سوهاك) ماهو الا (استياك) آخر ملوك الماد ويقع قبره الآن في قرية (شيخان)..
يقول الكاتب (ايوب رستم) في كتابه القيم (يارسان) حول معتقدات اهل الحق قائلاً: (احدى الاسس الرئيسية في دينهم هو الاحتفاظ بأسرارهم. وافشاء اقل الاسرار من شؤون دينهم يعتبرونه جريمة بشعة. وكل من يقوم بهذا العمل يعتبر خارجاً ومرتداً عن الدين ويوصف ذلك الشخص بالمكروه والمقزز..)(11).
تعتبر الطائفة الاثنية اهل الحق او يارسان او الكاكائية ، جزءاً اساسياً من كيان الشعب الكردي ويتميزون بحبهم لوطنهم وشعبهم ، وحافظوا على اصالتهم على مر الدهور والعصور. وهم اناس يتصفون بالصدق وصفاء النوايا ونقاء المزايا. وهم ايضاً موحدون ويؤمنون كباقي البشر بالله الواحد القهار ، لذلك يتطلب بذل المزيد من الجهد وايلاء الكثير من الاهمية لأجل الحصول على المعلومات حول معتقداتهم. وعلى الدارس او الكاتب ان يكون منصفاً واميناً عند دراسته لتأريخهم العريق. المحور الاساسي في دينهم هو التمسك بالحق وعدم الانحراف عن الحقيقة ، نتيجة لكل هذه الاسباب يسمون بأهل الحق.. كما هو معلوم بأن مناداة منصور الحلاج بعبارة (انا الحق) ادت الى مقتله. ومعاصروا تلك الشخصية الصوفية للأسف لم يدركوا ماكان يقصد بتلك العبارة.. وكلمة (الحق) كانت تشكل جزءاً اساسياً من مناجاة العلويين لربهم في حلقات الذكر.. وظهرت في النصف الاول من قرن العشرين حركة دينية بأسم (حقه) او (هقه) في كردستان العراق(12). ويعتقد البعض بأن تلك الحركة الدينية كانت لها علاقة فكرية وتأريخية مع طائفة اهل الحق.. الشيء المتعارف عن اهل الحق بأنهم يطلقون شواربهم ومحرم عليهم ان يقربوا آلة المقص من شواربهم. وتشاركهم في هذه الميزة الطائفة الدرزية في سوريا ولبنان. لربما هناك قواسم مشتركة لدى الطائفتين وهي بحاجة الى الكثير من البحث والدراسة والتوغل في اعماق التأريخ...
لدى دراستنا لمسارهم التأريخي ، نجد الكثير من شعرائهم قد تغنوا بحب الخالق ، وناشدوا العامة والخاصة بالتمسك بمبادئ الحق وعدم مجانبة الحقيقة. والآخذ بسبل ومسالك الحقيقة حسب اعتقادهم تشكل الضمانة الحقيقية للوصول الى الخلاص والنجاة. ضمن قصائدهم واناشيدهم ونصوصهم الروحية تطالعنا كثيراً كلمة الحق. ويتضح لنا بأن كلمة (يارسان) قد وردت قبل اكثر من اربعمائة سنة قبل ميلاد (سان سهاك). على سبيل المثال ضمن القصائد المثنوية للشاعر (شا خوشيني اللورستاني) نجد كلمتي (الحق) و(يارسان). ويقول الشاعر:
يارسان وةرا يارسان وةرا
راى هةق راسيةن براتان وةرا
باكيء راستيء نيكيء رةدا
قةدةم وةقةدةم تا وةمةنزلكا(13)
 

كول نار

G.M.K Team
رد: من هم الكاكئيه اين منبعهم وامتدادهم الديني

شكرا لالك على الطرح والتوضيح

 
رد: من هم الكاكئيه اين منبعهم وامتدادهم الديني

بسم الله الرحمن الرحيم
اولا انا كاكائي وديانتي الاسلام ومذهبي اهل السنة ولغتي اللغة الشبك و اصلي واصوم و سكني في موصل ناحية بعشيقة
وشكرا على معلوماتك اخي واحب اذكرك اخي با ان الطائفة الكاكائية قسم منهم سنة ومسلمين وشيعة ومسلمين وقسم الاخر مثل ما تفظلت في موظوعك القيم واما اللغات فمنهم يتكلم اللغة الكردية و الشبكة و مثل ما تفظلت انت اخي واشكرك جزيل الشكر على هذا المعلومات اخوك مدحت ابو عبدالله
 

كلبهار

مراقبة عامة
هور يانعه في بساتين المنتدى نجني ثمارها من خلال الطرح الرائع لمواضيع اروع
وجمالية لا يضاهيها سوى هذا النثر البهي
فمع نشيد الطيور
وتباشير فجر كل يوم
وتغريد كل عصفور
وتفتح الزهور
اشكرك من عميق القلب على هذا الطرح الجميل
بانتظار المزيد من الجمال والمواضيع الرائعه
 
أعلى