هو من حوّل المأساة الى فرصة تحقيق النصر













انطلق منذ صباه وحيداً في البداية ليواجه نظاماً تمكن من السيطرة هكذا بدأ الفتى عبدالله أوجلان، ليصارع هذا النظام ويكافح معه معتمداً على قواه الذاتية مع مجموعة من رفاقه و ليؤسسوا ركائز تنظيمٍ يسعى لأن يمثّل آراء وأفكار تفنّد صحة إدعاءات هذا النظام، ونواة تنظيمٍ يتحرك بين صفوف شعبٍ اعتبرته القوى الاستعمارية بأنه بات في عداد الأموات.




حركةٌ بدأت به ومازالت تتطور يوماً بعد آخر على ضوءأفكاره وآراءه، و سيراً على الإرث النضالي الذي تركه القائد بعد أسره نتيجة مؤامرةدولية طالته في الخامس عشر من شباط 1999، و لتكشف تلك المؤامرة عن حقيقة الخوفوالذعر الذي كانت تعانيه كل من الولايات المتحدة الأمريكية واسرائيل وألمانيا واليونان –آنذاك- من هذا القائد؛ مما جعلها تستنفر كل قواها لتدعم تركيا في حربها ضدالشعب الكردي وتسليمها القائد، ليتم وضعه في حجرة انفرادية ضمن جزيرة إمرالي في بحرمرمرة. بدأت الخطوات العملية للمؤامرة تظهر للعيان بعد فشل الكثير من محاولاتالتأثير والتهديد لترغم هذا القائد على الرضوخ للتعاون ويصبح تابعا ذليلا لهم ويبقى ضمن دائرة النظام؛ كل ذلك مقابل إعانته في حصوله على بعض مما يدعونه بـ(الحقوقالقومية للشعب الكردي). القائد أوجلان، وكما بدأ مستقلاً وساعياً إلى بناء نظامهالخاص به، وغير راضٍ بالبقاء ضمن دائرة النظام، رفض الدخول والرضوخ لهم.





نتيجة ذلك بدأت تلك القوى بالتركيز في زيادة الضغط على الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد ليدفع القائد أوجلان إلى مغادرة الأراضي السورية و إلا ستكون الحرب هي الفاصل بينهم. عندها، ونظراً لقناعة القائد بضرورة حلّ القضية الكردية بالطرق السلمية وايمانه بالصداقة وعدم رغبته التسبب في إثارة المشاكل في المنطقة و زجِّ شعوبها في حرب متوقعة، و نتيجة نيته بمتابعة محاولاته السابقة منذ 1993 لأجل إحلال السلام؛ فقد عمد التوجه نحو أوربا مغادراً سوريا في التاسع من تشرين الأول عام 1998 متوجها نحو اليونان لتبدأ رحلته المأسوية بين روسيا وايطاليا واليونان ومتنقلاً في الأجواء الأوربية دون أن يجد موطأ قدم على القارة التي تتشدق بالحرية و حقوق الإنسان و إلى ما هنالك من شعارات برّاقة. وأخيراً، و في السفارة اليونانية في العاصمة الكينية نيروبي، التي كانت محطته الأخيرة و التي أنتهت بالاختطاف ليتم نقله إلى معتقله في إيمرالي.





لا أودُ الخوض في تفاصيل مسيرته بقدر ما أود هنا لفت الانتباه الى مربض الفرس في مجمل القضية، ألا وهي حجم وضخامة المؤامرة وتبعاتها، وما آلت إليه. فالكل كان مقتنعاً بأنه لو تم إلقاء القبض على القائد، عندها، ستكون ردة فعله مشحونة بمشاعرالإنتقام والأخذ بالثأر، ونسيان الهدف الذي خرج من أجله الى الساحة الأوربية. و كخطوة طبيعية متوقعة، سيقوم حزب العمال الكردستاني وعموم الشعب الكردي باتخاذ قرار الإنتقام وتحويل منطقة كردستان والشرق الأوسط الى ساحة صراع وحرب طاحنة بين الشعوب وتصبح كالعقدة الكأداء حسبما كانت القوى المتآمرة تحسب له. وبذلك سيكون النظام العالمي قد أصاب عدة عصافير بحجرٍ واحد. فمن جهة، تتخلص من خطر انتشار و زيادة تأثير أفكار القائد في إطار كردستان والمنطقة، ومن جهة أخرى، تؤكد للعالم أجمع بأنه لا أمل في النجاة لكل من يسعى للتحرك باستقلالية خارج إطار النظام المهيمن على العالم. بالإضافة إلى إحكام السيطرة على حزب العمال الكردستاني وزجه في حربٍ تتسبب في انهاء قوته من جهة، إلى جانب إضعاف تركيا نتيجة الضربات التي ستلحق بها وتجعلها في أشد الحاجة المستمرة لهم؛ باعتبارها ستعيش حالة إستنزاف دائم أوسع وأخطر مما كانت تعايشه سابقاً في حربها ضد الشعب الكردي. وبالطبع، في هكذا حالة لن يكون الوضع التنظيمي والنفسي للشعب الكردي أفضل حالاً، و سيكون فقد الأمل في الحرية ثانية، بعد أن كان القائد قد زرع فيه تلك الروح، وأنعش فيه آمال الانبعاث مجدداً، وأخرجه من سباته العميق. فهيهات بعدها لأن يعود الى وعيه إذ ما فقد الأمل ثانية.





أبعاد المؤامرة كانت عميقة وشاسعة و محسوبة بدقة متناهية. لذا، فقد كانت تصريحات القائد - من مغادرته لسوريا لغاية اعتقاله- كانت تركّز على وجود مؤامرة دولية تستهدف القضية الكردية، متمثلة في شخصه، وأنه وبحكم مسؤوليته التاريخية وتصميمه على حل القضية الكردية، والتركيز على تخليصها من حالة التعقيد المفروضة عليها، فهو لم يحيد عن السير حسب مخططه السابق الذي كان ينصب على اللجوء إلى الخيار السلمي والدعوة إلى بناء النظام الديمقراطي كسبيل حلٍ معقولٍ واساسي.




في الأول من شهر أيلول 1998 كان قد أعُلِن عن وقفٍ لإطلاق النار في محاولةٍ منه لإقناع الحكومة التركية والقوى العالمية لقبول الخيار السلمي في الحل. لذا، و حتى بعد اعتقاله، كررّ إصراره على متابعة ما كان يدعو له سابقاً، دون أن تتحكم به مشاعر الانتقام؛ داعياً الحزب والشعب الكردستاني إلى الإقدام على خطو الخطوات التي من شأنها أن تساعد على توطيد السلام بدلاً عن الحرب، بالإضافة إلى قيامه بمتابعة مسؤلياته وخصوصاً مهمة تجديد النهج الأيديولوجي والفلسفي للحركة بحيث تبقى محافظة على قوتها و وحدتها؛ إلى جانب اتخاذ التدابير تجاه خطر و عواقب المؤامرة المستمرة على جميع الأصعدة. حيث كان يؤكد لمحاميه أثناء لقائهم به دائما أنه لا بدّ من إفشال المؤامرة و عدم اعطاء الفرصة لنجاح مخططها المراد تطبيقه.





استغلّ القائد مأساة أعتقاله ليعكف على القراءة والمطالعة التي ساعدته على دراسة وتحليل تاريخ المجتمعات وكيفية ظهور السلطة والهيمنة وحقيقة كون المرأة أول مستعمرة في التاريخ، وعلى ضوئها راح يحلل كون الرأسمالية ليست وليدة أربعة قرون ماضية بقدر ما هي ممثلة ذهنية السلطة والهيمنة التي نشأت منذ آلاف السنين عندما بدأت عملية الهيمنة تنشأ في ذهنية وفكر الانسان.





كما تمكن القيام بمراجعة شاملة لنضاله وممارساته الفكرية السابقة، ويخلص شخصيته من تأثيرات القوالب الدوغمائية ويقدم نقده الذاتي من خلال قيامه بمحاسبة النظام والخروج من نطاقه وتأثيراته. فقد بات مقتنعاً بأن التخلص من نمط حياة وفكر ذلك النظام ليس بالأمر الهيّن؛ فالبحث عن الحقيقة والوصول الى الحرية لا يتحقق بمجرد الحصول على بعض الحقوق، أنما من الواجب تحليل المجتمعات الطبيعية وضرورة إعادة انشاء العصرانية الديمقراطية.




بتقديمه لأفكاره مرة تلو الأخرى، تمكن القائد من خلق الأرضية المناسبة لكوادر الحركة ومؤيديها وعموم الشعب الكردستاني من أجل التصرف بحكمة و رويّة وإفشال المؤامرة الدولية، وهكذا وبعد اثنى عشر عاماً، تمكن من الإثبات بأنها مازالت تمثل الطليعة الثورية الحرة لايصال القضية الكردية إلى النصر والنجاح، يمكننا التأكيد على أن المؤامرة قد فشلت وأن القائد أوجلان والشعب الكردي الآن أكثر التحاماً وقناعة وإيماناً بفلسفة الحرية التي تسير عليها الحركة، والتي جعلت الدولة التركية تعترف بعدم نجاح المؤامرة وفقدانها الأمل بالقضاء على الحركة؛ لذا لجأت إلى محاولات ترقيعية في بداية الأمر من خلال مشروع ما يسمى (بالإنفتاح الديمقراطي) الذي كان يعتمد على مبدأ حل القضية الكردية من دون محاورة طليعة وقيادة الحركة على أساس أن تقوم بفرض الحل الذي يناسبها هي؛ ولكنها اضطرت إلى تغيير مخططها بعد أن وجدت بأنها ومن دون محاورة الطرف الكردي لا يمكن لها النفاذ من الأزمة أو القضاء على الحركة، لجأت في الفترة الأخيرة لإرسال وفودها إلى جزيرة إيمرالي للقاء القائد ومحاورته بغية اجراء مباحثات قد تتطور الى اتفاقية سلام دائمة اذا ما كانت الدولة التركية صادقة في نواياها. هنا، لا بد للمجتمع رؤية الحقيقة التي لا مفرّ بعد الآن إنكارها، وهي أن المؤامرة فشلت، وأن القائد وبحنكته وأصراره ومقاومته وصبره وابدائه لقوة تحمّل ظروف إيمرالي التي لا يمكن لأحد تحملها، و قد تمكن من الحفاظ على وحدة وقوة الحركة إلى جانب تجنيبها احتمالات التصفية وافشال محاولات الزج بها في حروب وصراعات دامية، ومدها بفلسفة ونظرية جديدة تتخطى القوالب والأفكار القديمة و زرع وترسيخ الفكر الديمقراطي الطبيعي والدعوة الى النضال من أجل حرية المرأة مؤكداً على أنه لا مجتمع حر من دون إمرأة حرة، ولا ديمقراطية من دون توازن إيكولوجي بيئوي.





نعم، هو لم يقم بإفشال المؤامرة فقط؛ بل طوّر أفكاره وجددها وقدّم نقده الذاتي وطرح البديل المناسب لحل القضية الكردية، بحيث يحافظ على استقلالية الشخصية والفرد والمجتمع. وقد تمكن القائد خلال فترة تعمقه وبحثه من تناول علم الإجتماع ونقد ممارسات وتقربات العلوم التي يستولي عليها النظام تحت نفس الأسم مؤكداً على ضرورة أن يلتزم العلماء جميعاً ومن بينهم علماء الاجتماع بشكلٍ خاص بالمقاييس الأخلاقية وإعادة ربط علاقاتهم مع الماضي التاريخي للمجتمعات وميراثها، إلى جانب لفته الأنظار الى كيفية تمكن العلوم الوضعية من توجيه ضربة قوية لعلوم الاجتماع والمجتمعات برمتها. هذا، ولم يتردد القائد في إلقاء الضوء على الليبرالية التي هي إيديولوجية البرجوازية ضمن نظام الحداثة والتي شوهت وحرّفت ونسفت الحقائق وشتتّ المجتمع؛ بل حتى أنها جعلت الأفراد مفتقرين الى معاني الحياة وادراكها تحت




ستار الحرية والتطوير. وعكف على دراسة المجتمع الأخلاقي والسياسي، مؤكداً على أنه لا يمكن إزالته من الوجود بالرغم من ضآلة ظهوره في الميدان العملي بسبب سيطرة مفاهيم وأفكار النظام ومؤسساته.





تعمّق القائد في تفسير وتحليل معنى الوعي والادراك من خلال تحليل الحياة وأرتباطها مع ظاهرة الموت التي يتم ادراك الحياة من خلالها، وتركيزه على إنارة ما تعنيه المعرفة عبر تمثيلها للإدراكات المعنية بالحياة وارتباطها مع العشق بأسمى أشكاله، وقد عبّر في احدى مرافعاته عن ايمانه بأن التعرف يعني الإدراك، والإدراك بدوره يعني العيش بلا خوف، والدفاع القوي عن الذات ضمن الحياة بكل غناها.





وبهذا، وضع الشعب الكردي وطليعته وحركته أمام مهام تاريخية وقديرة من شأنها أن تفتح آفاقاً واسعة للوصول الى الحرية المتجسدة في البحث الدائم عن الحقيقة، ولا بدّ لشعوب الشرق الأوسط وبكل جلاء أن تفتخر بظهور شخصية كشخصية القائد أوجلان من ضمنها في مواجهة آلة تسلط وهيمنة النظام العالمي، شخصية قدمت وما زالت تتابع العطاء لخدمة الشعوب والمجتمعات لترسيخ السلام والديمقراطية وتحقيق الحرية المنشودة للجميع.





 

كول نار

G.M.K Team
رد: هو من حوّل المأساة الى فرصة تحقيق النصر

معلومات قيمة
كل الشكر لالك اخي على هذا التعريف الراقي
دمت بخير
 

كلبهار

مراقبة عامة
هور يانعه في بساتين المنتدى نجني ثمارها من خلال الطرح الرائع لمواضيع اروع
وجمالية لا يضاهيها سوى هذا النثر البهي
فمع نشيد الطيور
وتباشير فجر كل يوم
وتغريد كل عصفور
وتفتح الزهور
اشكرك من عميق القلب على هذا الطرح الجميل
بانتظار المزيد من الجمال والمواضيع الرائعه
 
أعلى