تفسير البقرة (35 )

G.M.K Team

G.M.K Team


251 – (وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ) أي لَمّا خرجوا لقتالهم ، وجالوت يسمّى بالعبريّة جليات وهو رئيس الفلسطينيّين وأشجعهم (قَالُواْ ) أصحاب طالوت (رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا ) على القتال (وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا ) بتقوية قلوبنا وإلقاء الرعب في قلوب أعدائنا (وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) قوم جالوت .

252 – (فَهَزَمُوهُم ) يعني أصحاب طالوت هزموا أصحاب جالوت (بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ ) يعني لداوود 1 ، فصار ملكاً على بني إسرائيل بعد طالوت "شاؤول" (وَالْحِكْمَةَ ) أي العلم والمعرفة فكان نبيّاً وملكاً وعالماً (وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء ) أن يعلّمه من العلم ومنطق الطير وصنعة الدروع (وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ ) أي لولا أنّ الله تعالى ينصر المسلمين على الكافرين لفسد أهل الأرض كلّهم وذلك بالكفر والمعاصي ، ولفسدت الأرض أيضاً عقوبةً لَهم وذلك بقلّة النبات والأثمار وكثرة الحشرات والميكروبات التي تسبّب الأمراض . وذلك كقوله تعالى في سورة الروم {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} ، (وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ) بإزالة أكثر الفساد عنهم .

-------------------------------------------

1[ذكرت التوراة أنّ داوود أخذ حصاة من الأرض فوضعها في صكبانه "مِعجاله" ورمى بِها جالوت فأصابت جبهته فسال الدم على وجهه وسقط على الأرض فهجم عليه داوود وقطع رأسه ، وهجم أصحابه على الفلسطينيّين فهزموهم –– المراجع ]



253 – (تِلْكَ ) إشارة إلى ما تقدّم من تمليك طالوت وهو رجل فقير ، وتمليك داوود وهو راعي غنم ، ونصرة داوود على جالوت وهو شاب صغير ، وإرجاع التابوت إلى بني إسرائيل وهو ذهب ثمين ، فتلك (آيَاتُ اللّهِ ) أي دلالات الله على قدرته (نَتْلُوهَا عَلَيْكَ ) يا محمّد ، أي نقرؤها عليك (بِالْحَقِّ ) أي بالصدق لا اختلاف فيها (وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ) إلى قومك كما أرسلنا أولائك إلى قومهم فبشّر وأنذر .

255 – (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ) بمحمّد (أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم ) في سبيل الله ولا تبخلوا بالمال (مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ ) أي يوم القيامة (لاَّ بَيْعٌ فِيهِ ) ولا شراء (وَلاَ خُلَّةٌ ) بين الكافرين ، أي لا محبّة بينهم ولا صداقة (وَلاَ شَفَاعَةٌ ) للجاحدين والمشركين (وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) لأنفسهم فإنّ الله لا يظلم الناس شيئاً .

260 – لّمّا ذكر الله تعالى في الآية السابقة مجادلة النمرود مع سيّدنا إبراهيم ذكر في هذه الآية مجادلة عزريا مع النبيّ إرميا فقال:

(أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ ) وهو عزريا بن هوشعيا [وهذا غير عزرا بن سرايا الذي كتب التوراة بعد تمزيقها] والقرية هي بيت المقدس (وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا ) أي متهدّمة لأنّ نبوخذنصر قد هدّمها ، فجاء عزريا مع جمع من اليهود من نواحي بيت المقدس ليذهبوا إلى مصر خوفاً من الكلدانيّين فمرّوا ببيت المقدس وهي متهدّمة ، فسألوا النبيّ إرميا قائلين أنذهب إلى مصر أم نقيم في بيت المقدس ، فقال لهم لا تذهبوا إلى مصر بل ابقوا هنا والله تعالى يجمعكم بعد التشتيت ويعمّر هذه القرية بعد خرابِها (قَالَ ) عزريا مستنكراً ذلك (أَنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ) أي كيف تعمر هذه القرية بعد الخراب ، وكيف تجتمع بنو إسرائيل بعد القتل والتشتيت فهذا لا يمكن ، فإنّنا لا نبقى هنا بل نذهب إلى مصر .

فلمّا ساروا تاه عزريا في الطريق فلجأ إلى كهف كان في طريقه فدخله هو وحماره ونام ليلته في الكهف فانحدرت صخرة من الجبل وسدّت باب الكهف فمات في مكانه ومات حماره أيضاً فتبدّدت أوصالهما وتناثر لحمهما داخل الكهف ، وبعد مائة سنة خلق الله تعالى جسم عزريا من تلك الرمم البالية وكذلك خلق جسم حماره في ذلك الكهف 1 ولكن تمّ خلق جسم عزريا قبل حماره فبعث الله فيه الروح فقام حياً ، وتفطّرت الصخرة وسقطت عن باب الكهف ، فبعث الله تعالى ملكاً على صورة إنسان يسأله فقال له : كم لبثت في هذا المكان ؟ قال عزريا : يوماً أو بعض يوم ، لأنّه ظنّ أنّه كان نائماً فانتبه من نومه ، فقال الملك : بل لبثت مائة عام ، فقال عزريا : ما الدليل على ذلك ؟ قال : أنظر إلى حمارك في دور التكوين بارزاً عن الأرض مخلوقاً من الطين وانظر إلى العظام كيف ننشزها عن الطين أي كيف نرفعها من التراب الرطب ونجعلها على هيئة حمار ثمّ نكسوها لحماً من ذلك الطين بالتدريج ثمّ نتمّم خلقه فيكون حماراً كاملاً .

فصار عزريا ينظر إلى حماره وهو ممدود في الطين في دور التكوين فلمّا تمّ خلقه نهض من الأرض وقام ، فحينئذٍ قال عزريا : أعلم أنّ الله على كلّ شيء قدير .

التفسير :

(فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ) في ذلك الكهف (ثُمَّ بَعَثَهُ ) والمعنى بعث روحه إلى جسمه ، أي أحياه بعد تلك المدة ، فبعث الله ملكاً يسأله (قَالَ ) الملَك لعزريا (كَمْ لَبِثْتَ ) في هذا الكهف (قَالَ ) عزريا (لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ ) الملَك (بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ ) لم ينتن (وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ) أي لم يتغيّر مع كثرة السنين (وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ ) في دور التكوين كيف يقوم من الطين الناشف (وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ ) ليستدلّوا على قدرة الله (وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ ) التي لحمارك المتكوّنة من تراب رطب (كَيْفَ نُنشِزُهَا ) أي كيف نرفعها من طين ناشف ونجعلها على هيئة حمار (ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ) بالتدريج من ذلك التراب الرطب (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ ) أي تبيّن لعزريا وشاهد بعينه إحياء حماره (قَالَ أَعْلَمُ ) أي أتيقّن (أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) . فلمّا رجع إلى بيت المقدس وجدها عامرة بالبناء وآهلة بالسكّان . فإن شئت زيادة إيضاح على خلق الأجسام من التراب فاقرأ كتابنا "الردّ على الملحدين" تحت موضوع "رأي العين" .

-------------------------------------------------

1يتمّ خلق الأجسام في الأرض من تراب رطب أو طين ناشف وذلك على ثلاث حالات : أوّلاً أن يكون ذلك التراب بقايا رمم بالية ، ثانياَ يكمل خلقه بمدّة أربعين يوماً ، ثالثاً أن يكون ذلك في مكان مظلم ، ولذلك قال الله تعالى في سورة الزمر {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ}.

منقول من كتاب المتشابه من القران
للمرحوم محمد علي حسن
 
أعلى