حول بعض التأويلات الخاطئة لمصطلح الـ(كردولوجيا)

G.M.K Team

G.M.K Team
حول بعض التأويلات الخاطئة لمصطلح الـ(كردولوجيا)


جودت هوشيار*******
clear.gif



"الكردولوجيا " أو kurdology" " مصطلح فى اللغات الأوروبية يطلق على ذلك التيار الفكرى الذى يتمثل فى اجراء الدراسات المختلفة عن الكرد ووطنهم ولغتهم وتأريخهم و معتقداتهم الدينية و تراثهم الثقافى و كل ما يتصل بهم ، فى الماضى و الحاضر ، و يتكون من مقطعين : الأول " الكرد " و الثانى " لوجيا " المشتق من الكلمة اليونانية " logos " وتعنى " العلم " . أى ان الـ" كردولوجيا"* تعنى " العلم " الذى يتناول الكرد بالبحث والدراسة فى شتى جوانب حياتهم المادية والمعنوية, ويستخدم المستشرقون الروس مصطلحا أخر و هو " كردوفيدنيا " والمقطع الثانى من " فيدينيا " مطابق فى المعنى لكلمة " logos " .

لا شك ان " الكردولوجيا " فرع متخصص من فروع الأستشراق "Orientalism "

ويقول المستشرق الفرنسى مكسيم رودنسون "* " Maxime Rodinson ان مصطلح الأستشراق :

" ظهر لأول مرة فى اللغة الفرنسية عام 1799 بينما ظهر فى اللغة الأنجليزية عام 1838 ، وان الأستشراق أنما ظهر للحاجة الى ايجاد فرع متخصص من فروع المعرفة لدراسة الشرق و يضيف بأن الحاجة كانت ماسة لوجود متخصصين للقيام على انشاء المجلات و الجمعيات والأقسام العلمية " (1)

والمقصود بالأستشراق بطبيعة الحال هو كل ما صدر و يصدر عن الغربيين من انتاج فكرى عن الشرق . ونحن لا نقصد بالشرق هنا ، العالم العربى و الأسلامى فقط ، لأن الأستشراق يدرس ألشعوب الشرقية عموما و التى تشمل الشرق الأسلامى والهند وجنوب شرق آسيا والصين و اليابان و كوريا .

وعلى هذا النحو نرى بأن الكردولوجيا فرع من فروع الأستشراق يختص بالكرد وكردستان، والحق ان الـ" كردولوجيا " ليس علما واحدا و محددا ، بل مجموعة علوم أو أتجاهات . فحين تتناول الكردولوجيا ، اللغة الكردية بالبحث و الدراسة ، فأنها تستخدم مناهج علم اللغة . و حينما تتناول التأريخ الكردى ، تستخدم مناهج علم التأريخ وهكذا بالنسبة الى الجوانب الأخرى من حياة الكرد السياسية والأجتماعية و الأفتصادية و الثقافية عبر التـاريخ وصولا الى يومنا هذا .

ومنذ أواخر الستينات حاول بعض الدارسين الكرد ايجاد ترجمة لمصطلح " الكردولوجيا " وبخاصة اولئك الذين كتبوا باللغة العربية الى جانب اللغة الكردية لغرض تعريف القارىء العربى بالتراث الكردى ، واستخدموا مصطلح " الأستكراد " على وزن " الأستعراب " للدلالة على ما صدر عن الغربيين حول الكرد وكردستان.

ولفظة " الأستكراد " سوقية ومبتذلة يستعملها بعض ضعاف النفوس، الحاقدين على الكرد للنيل من الكرد و التقليل من شأنهم ويستعملها آخرون للدلالة على الخداع والتضليل وألأستغفال . لذا لا يمكن أستخدام هذه اللفظة الممجوجة فى مجال البحث العلمى و الدراسات الجادة بأى شكل من الأشكال . و غالب الظن أن أولئك الدارسين الكرد ، أستخدموا هذه اللفظة ترجمة لمصطلح " الكردلوجيا " عن حسن نية وتجاهلوا، ربما عن غير قصد، المعنى السوقى الشائع لها . وبينهم علماء و باحثون نجلهم و نقدر عاليا نتاجاتهم الفكرية ، و لكننا نختلف معهم فى تأويل مصطلح واضح الدلالة والمعنى، لا يقبل التأويلات والأجتهادات الخاطئة.

ويستخدم عدد كبير من " الأكاديميين " الكرد ، مصطلح " الدراسات الكردية " أو " دراسات كردية " ترجمة لمصطلح " الكردولوجيا" . و أقل ما يقال عن هذه الترجمة أنها غير موفقة ، ان لم تكن خاطئة أساسأ ، ذلك لأن مفهوم " الدراسات الكردية " أو " دراسات كردية " عند هؤلاء " الأكاديميين " ليس واحدا او متطابقا ، بل يضيق و يتسع حسب رؤية الباحث أوالدارس . فالبعض منهم يقول ان " الكردولوجيا " :

"هو كل ما يصدر فى العالم و بشتى اللغات من بحوث ودراسات و حتى مقالات او تقارير عن الكرد و كردستان ".

والبعض الآخر ، يقصد به " كل ما ينشر حول الكرد من قبل المستشرقين فى الغرب " .

وعند فريق ثالث هو" ما يكتبه الكرد أنفسهم حول شتى جوانب الثقافة الكردية . "

وعلى العموم ، فأننا نعتقد أن مصطلح " الدراسات الكردية " أو " دراسات كردية " غير موفق لسببين:

اولهما : ان من أستخدم مصطلح " الدراسات الكردية " أو " دراسات كردية " كمقابل لـ" الكردولوجيا " نحت هذا المصطلح على غرار " الدراسات العربية " أو " دراسات عربية " و هذا المصطلح الأخير ، كما هو واضح، يقصد به ، كل ما يكتبه العرب من دراسات و بحوث من وجهة نظر عربية ، و ليس ما يكتبه المستشرقون عن العرب " الأستعراب " .

و ثانيهما اذا توسعنا فى معنى مصطلح " الدراسات الكردية " او " دراسات كردية " ليشمل ايضا كل ما يكتبه الأجانب و الغربيون منهم على وجه الخصوص الى جانب ما يصدرعن الكرد -انفسهم نكون امام مصطلح فضفاض لا حدود واضحة له .

ولكن كل ذلك يهون امام اللبس و الغموض الذى وقع فيه اساتذة جامعيون ، عند قيامهم بتأليف كتاب جامعى يحمل عنوان " الكوردولوجيا " و هو مقرر دراسى للمراحل الأولى فى الكليات الأنسانية لجامعات أقليم كردستان و قد وقعت نسخة من الكتاب فى يدى بمحض الصدفة .و حاولت العثور فيه ، على تعريف جلى و دقيق لمصطلح "الكردولوجيا " ولكن خاب ظنى ، فقد عرف الأساتذة الكرام هذا المصطلح الواضح عدة تعريفات مختلفة فى ثنايا الكتاب ، ففى بداية الكتاب ، نجد ان ما يقصدون به ، هو " ما يكتبه المستشرقون حول الكرد و كردستان " و هو تعريف صحيح من دون شك ، و فى موضع آخر أعطوا معنى أوسع للمصطلح ليشمل ، المستشرقين الغربيين و المؤلفين و الكتاب الشرقيين و بخاصة المسيحيين منهم . و فى موضع ثالث ليشمل كل ما ينشر عن الكرد و التراث الكردى . و الغريب ان الكتاب أشبه بموسوعة مصغرة عن الكرد و كردستان و التراث الكردى ، أضافة الى موضوعات شتى لا يجمعها جامع . و لا تجد فى كتاب يحمل عنوان " الكوردولوجيا " الا شذرات هنا و هناك مما كتبه الغربيون عن الكرد وكردستان .

ان التعريف العلمى الدقيق لمصطلح " الأستشرق " هو اساسا كل ما يكتبه و ينشره المستشرقون الأجانب و الغربيون منهم على وجه الخصوص ، من علماء و دبلوماسيين و سياسيين و عسكريين و مبشرين و سائحين ، عن الشرق عموما و التى تشمل الشرق العربى و الأسلامى و الهند و جنوب شرق آسيا و و الصين و اليابان و كوريا . و فى ضؤ هذا المفهوم أصدر الراحل الكبير أدوارد سعيد كتابه الشهير عن الأستشراق .

إذن نحن امام مصطلح واضح و محدد لا يقبل التأويل و التشويه و التحريف ، و هو مصطلح "الكردولوجيا " الذى يدل على فرع متخصص من فروع المعرفة أو فرع متخصص من فروع الأستشراق الغربى يتناول بالبحث و الدراسة " الكرد و وطنهم و تأريخهم و لغتهم ومعتقداتهم الدينية و ثقافتهم و تراثهم الكلاسيكى و الشعبى و شتى جوانب الحياة الكردية فى الماضى و الحاضر .


***

(1 ) مكسيم رودنسون ." الصورة الغربية و الدراسات الغربية الأسلامية " فى تراث الأسلام ( القسم الأول ) ترجمة محمد زهير السمهورى ( الكويت : سلسلة عالم المعرفة ، أغسطس 1978 ) ص( 27- 101).
 
أعلى