ملف عن مجزرة "ديرسيم" وإنعكاساتها على السياسة التركية الحالية

G.M.K Team

G.M.K Team
clear.gif


هل تتحول «درسيم» إلى فرصة للمصالحة بين تركيا وماضيها؟

سمير صالحه

صحيفة (الشرق الاوسط) اللندنية* 30/11/2011 :

فتيل التفجير أشعله الدبلوماسي المخضرم والنائب عن حزب الشعب الجمهوري المعارض أونور أويمان قبل أشهر حين برر الحملات العسكرية التي ينفذها الجيش في مناطق جنوب شرقي تركيا وشمال العراق ضد مواقع حزب العمال الكردستاني متسائلا: «ألم تبك الأمهات في (شنقلة) و(درسيم) أكثر من مرة.. هل لأنها ستبكي ستتراجع الدولة عن القيام بواجباتها لحماية هيبتها ونفوذها؟».

وعندها عادت الروح إلى جبهات درسيم مجددا وكأننا في أواخر الثلاثينات عندما تمرد رجال الإقطاع والعشائر في تلك المنطقة على السلطة ورفضوا دفع الجزية وهاجموا الأبنية والمؤسسات الرسمية وطردوا الجنود والموظفين معلنين العصيان على الدولة ومحاولات تتريكهم.

حكاية درسيم بدأت عام 1936 وانتهت عام 1938 في عهد أتاتورك وحزب الشعب الجمهوري الحاكم.. بدأت بتمرد غالبية الكرد العلويين المنتشرين في تلك المناطق، وانتهت بتعليق مشانق الزعامات وقتل أكثر من 14 ألفا بين رجل وامرأة وطفل، وتشريد ودمج آلاف الأسر في مناطق غرب تركيا، في حملة مدروسة كانت رسالة كافية لمن يفكر في الاعتراض أو التمرد أو التطاول على مشروع الجمهورية التركية الحديثة.

كان اسمها «درسيم» فتحول إلى «تونش إلي».. «اليد الفولاذية» تيمنا بالاسم الحركي للعملية التي توقفت بعض التقارير العسكرية عند نجاحها الكبير في سحق المتمردين وكسب الكثير من «الغنائم» وكأن الجنود حاربوا هناك جيشا أجنبيا كبدوه نكسة وهزيمة لا تنسى.

البعض في تركيا يتساءل: لو كانت أحداث درسيم هددت وحدة البلاد وأمنها واستقرارها واستدعت تصفية الآلاف، فلماذا علقت مشانق الزعامات وحدها في ثورة الشيخ سعيد في منتصف العشرينات وصدر العفو العام عن آلاف المنتفضين في مدن جنوب شرقي تركيا؟ البعض يريد أن يعرف اليوم لماذا تمت تصفية هؤلاء على هذا النحو؛ هل لأنهم تمردوا على الدولة الحديثة حقا؟ أم لأنهم علويون؟ أم علويون من أصل كردي؟

رجب طيب أردوغان كعادته فاجأ الجميع عند مسارعته للاعتذار باسم الدولة التركية على ما ارتكب من أعمال قتل ضد سكان تلك المناطق ومن حملات نفي وإبعاد، مذكرا بأن على الدولة أن تتحمل مسؤولية الإيجابيات والسلبيات في تاريخها، لكنه لم ينس دعوة حزب الشعب الجمهوري ورئيسه كمال كليشدار أوغلو للاعتذار هو الآخر كون حزبه هو الذي كان يقود البلاد في تلك الحقبة وهو الذي يتحمل مباشرة مسؤولية إصدار الأوامر لتنفيذ هذه العمليات. وهذا ما أغضب كليشدار أوغلو ابن درسيم نفسها ودفعه للرد على أردوغان قائلا إنه «لا خبز لك هناك» في تلك المنطقة التي تعطي غالبية أصواتها ومنذ عقود لليسار التركي، داعيا الحكومة لفتح الأرشيف الرسمي ووضعه في تصرف الجميع للاطلاع على تفاصيل ما جرى.

أردوغان أعطى كثيرين بمناورته السياسية هذه فرصة التحرك للمطالبة بالكشف عما تعرضوا له في التاريخ الحديث للجمهورية الأتاتوركية العلمانية؛ وفي مقدمتهم الأقلية الأرثوذكسية التي تطالب باسترداد دور عبادتها وفتح أبوابها، والأقلية اليهودية التي تعرضت في أواخر الأربعينات إلى قانون الضرائب المجحفة الذي عرضها للنفي والتشرد، وبعض السريان الأتراك الذين يرددون أنهم هم أيضا كانوا أمام حملة تصفيات ومحو، هذا إلى جانب كثير من الحوادث التي جرت في سيواس وقهرمان مرش وديار بكر قبل الانقلاب العسكري الذي قاده كنعان افرين عام 1980 وبعده وتحميله مسؤولية الآلاف من أعمال القتل والتصفيات والتعذيب في السجون والمعتقلات.

هل تمضي تركيا رجب طيب أردوغان في فتح الملفات والدفاتر القديمة التي تطاردها في أكثر من مكان بوصفها عبئا تاريخيا لا يسقط عن كاهلها؟ أم إن بعض القوى في دولة العمق ستدخل مرة أخرى على الخط لتذكر بخطوطها الحمراء التي لن يسمح لأحد بتجاوزها؛ وفي مقدمتها اسم وشخصية وسياسات المؤسس أتاتورك الذي حاول بعض السياسيين والإعلاميين التذكير بأن حادثة درسيم وقعت في عهده وأنه كان يعرف بجميع تفاصيلها فكيف يكون بعيدا عن مأساة من هذا النوع تقع ويتابع حتى النهاية تفاصيل مسألة لواء إسكندرون التي جرت في الفترة نفسها؟

أول بوادر المطالبة بتصفية الحسابات مع الجرح العميق الذي طمر بالتراب لكنه ما زال ينزف، كانت دعوة أحد نواب «العدالة والتنمية» وأقرب مستشاري أردوغان، محمد متينر لاستبدال اسم آخر باسم مطار «صبيحة غوكشان»، فهي رغم كونها أول سيدة تقود طائرة حربية في تركيا، فإنها حملت، برأيه، أيضا لقب أول سيدة شاركت في العمليات الجوية الهجومية التي استهدفت المدنيين الأبرياء في درسيم وقتها.

غول: أتجنب الدخول في نقاشات مجزرة ديرسيم

آكانيوز* 30/11/2011:

قال الرئيس التركي عبدالله جول اليوم الاربعاء، انه يتجنب ان يكون طرفا في النقاشات الدائرة في تركيا حول مجزرة ديرسيم، وفقا لما اوردته محطة خبرية تركية.

ونقلت الـ(CNN) عن جول في معرض رده على اسئلة الصحفيين في المطار للتوجه الى قيرغزستان المتعلقة بمجزرة ديرسيم القول انه رد على مثل هذه الاسئلة بلقاء في اليوتيوب وورلد فيو سينشر يوم غد.

وحول سؤال لاحد الصحفيين عن طلب حفيد السيد رضا النائب في البرلمان التركي عن محافظة تونجلي (ديرسيم) حسين آيغون اللقاء معه وعن تدخله في النقاشات الدائرة في البلاد قال غول "اذا ماكنت تتساءل ان كنت ساتدخل في هذه النقاشات فانني اتجنب الخوض في غمارها". وقال "لقد طلب مني موعدا للقاء قبل حدوث هذه النقاشات والتقي مع جميع اعضاء البرلمان".

دميرطاش: اعتذار اردوغان عن مجزرة درسيم ليس كافيا

من جهته اعتبر رئيس حزب السلام والديمقراطية الكردي صلاح الدين دميرطاش، اعتذار رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان عن مجزرة درسيم بانه مهم لكنه لايكفي، مطالبا بالكشف عن ارشيف الدولة المتعلق بالمجزرة.

وقال دميرطاش باجتماع لكتلة حزبه في البرلمان التركي الثلاثاء، ان "اعتذار اردوغان عن المجزرة امر ايجابي لكنه ليس بكاف"، مشددا على ضرورة "الكشف عن الحقائق المتعلقة بالمجزرة وارشيف الدولة".

وكشف رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان نهاية الاسبوع الماضي، عن الوثائق المتعلقة بمجزرة درسيم التي وقعت احداثها عامي 1937 و1938، داعيا حزب الشعب الجمهوري الذي جرت المجزرة في عهده الى الاعتذار، مضيفا في الوقت ذاته اذا ما اقتضت الحاجة الى اعتذار من الدولة فانني اعتذر باسمها.

وتابع دميرطاش قائلا انه "يتعين على البرلمان ان ينجز على مايترتب عليه عقب اعتذار رئيس الوزراء"، مشيرا الى ان "اعتذار اردوغان كان يجب ان يستند على قرار من البرلمان". وانتقد دميرطاش حملات الاعتقال التي تطال اعضاء وانصار حزبه وقال "اما يجب اطلاق سراح اصدقائنا المعتقلين او اعتقالنا جميعا".

وشهدت مدينة ديرسيم (تونجلي) والذي يشكل الكرد غالبيتها، حركة كردية ضد الحكومة التركية بين عامي 1937 و1938 في عهد نظام الحزب الواحد حزب الشعب الجمهوري في تلك الحقبة.

واستخدمت القوات التركية بقيادة الجنرال عبدالله الب دوغان شتى الاسلحة بما فيها الكيماوية الامر الذي ادى الى مقتل اكثر من 60 الف شخص حسب احصائيات غير رسمية لكن الارقام الرسمية تشير الى مقتل 13 الف و806 اشخاص وتم اخلاء المدينة من سكانها الذين رحلوا الى مناطق مختلفة من تركيا.

العصر الذهبي للعلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا

مراد يتكين:

صحيفة (حرييت ديلي نيوز)* 30/11/2011 :

وصف لي السفير الامريكي السابق في تركيا حالة العلاقات مؤخرا بين الرئيس باراك أوباما ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بأنها "أفضل مما كانت عليه بين جورج بوش (الأب)، وتورغوت اوزال" في أواخر الثمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي.

وقد تعرض الراحل اوزال الى الكثير من الانتقادات لأنه كان ينظر إليه على أنه كان أيضا مؤيدا للولايات المتحدة في ذلك الوقت.السفير السابق لم يود الكشف عن اسمه لكنه وافق على اعطاء لقبه بما انه كان هناك أكثر من سفير سابق للولايات المتحدة لدى أنقرة في اسطنبول الاسبوع الماضي لعدد من المؤتمرات وورش العمل بشأن مختلف مجالات العلاقات بين البلدين.كما انه ليس من ضمن هؤلاء؛ وزيرة الخارجية السابقة (مادلين اولبرايت)، ومستشار الأمن القومي السابق (ستيفن هادلي)، او أحد أعضاء مجلس الإدارة الحالي للمخابرات (تشاك هاغل)، فضلا على العديد من العلماء المفكرين في السياسة و الطاقة والأمن والمسائل الاجتماعية الذين كانوا في اسطنبول ايضا.وكان ذلك أيضا في الأسبوع الذي طبعت فيه مجلة تايم صورة اردوغان على غلافها مع وضع عنوان "الاخ الاكبر يراقبكم ".

وكانت الاتصالات مع الدبلوماسيين الاتراك، والأكاديميين والصحفيين ورجال الأعمال وأعضاء المجتمع المدني مثل محاولة التنقيب قبل زيارة نائب الرئيس جو بايدن الى تركيا في الايام الاولى من كانون الاول.يبدو أن هذه ستكون زيارة مهمة في وضع العلاقات على مسار جديد بينما نسمع الكثير عن "تركيا الجديدة" التي تصدرت عناوين صحف الرأي العام الامريكي في الأسبوع الماضي.غير أنه يجدر بنا أن نتساءل ما الذي تغير؟ هل هذه تركيا جديدة أم أن هناك توقعات جديدة أمريكية من تركيا؟ بعد الكثير من المحادثات مع مصادر أمريكية وتركية، ويمكنني القول بأن كلاهما صحيح.

أحد الدبلوماسيين الاتراك البارزين اعطى وجهة نظر مختلفة. فهو يقول انه حتى قبل بضع سنوات، كانت واحدة من الأنشطة الرئيسة لوزارة الخارجية التركية هو الاستعداد لاجراء محادثات سياسية سنوية رفيعة المستوى مع وزارة الخارجية الامريكية. "الآن هناك اتصالات يومية، وقد تم فتح جميع القنوات وأردوغان هو من بين أكثر القادة الذين يتصل بهم اوباما "، كما أكد.ويمكن تلخيص واحدة من التغييرات على الجانب الامريكى على حد قول مصدر امريكي عال الذي قال لمجموعة من أصحاب الرأي العام التركي الاسبوع الماضي ان العلاقات مع اسرائيل ليست المعلم الوحيد في العلاقات، التي تقودهم الى محاولة فهم " تركيا الجديدة".وقد لخصت التغيرات على الجانب التركي في ثلاث نقاط :

1 - التغير في الموقف التركي بشأن ليبيا.

2ـ موافقة تركيا لتضييف رادارات الدرع الصاروخي على أراضيها.

3ـ خطاب أردوغان في القاهرة.

ويعتقد الدبلوماسي الامريكي الذي قارن الامر بعهد اوزال أن "خطاب أردوغان في القاهرة كان أكثر أهمية من خطاب أوباما هناك."وكان أردوغان قد قال في مقابلة متلفزة في القاهرة بأن الإسلام والديمقراطية ليسا متناقضين، وأضاف أنه من الممكن أن يدير اسلامي بلداً علمانياً.ليست هناك حاجة لقول الكثير بشأن تغيير الحاجات الامريكية فعلا، فالدور التركي في القضية السورية، وفي صورة إيران كلها، وفي العراق وافغانستان وصراعات البلقان هو دور اخذ في الارتفاع.وهناك أوقات سيبدأ فيها الشعب التركي بالتساؤل، "لماذا؟" ونحن جميعا سوف نرى قريبا، ولكن دعونا ننتظر اولا زيارة بايدن.

*الترجمة: لمى الشمري/ صحيفة(الاتحاد) البغدادية
 
أعلى