"الإنسان حيوان ناطق" سلوكيات تحمل المسؤولية

G.M.K Team

G.M.K Team
تحمل المسؤولية
الإنسان بحكم كونه عاقلا حرا فإنه يتحمل مسؤولية ما يختار، أفكارا وقرارات، أفعالا وسلوكيات. وهذا ما ذهب (أرسطو) إليه عندما عرّف الإنسان بتعريفات عدة أشهرها: "الإنسان حيوان ناطق" فهو شبيه بالحيوان في الجانب البيولوجي والفيسيولوجي، ويتميز بأنه عاقل حر. ولا ينطق سوى الانسان العاقل. فالمسؤولية ناشئة عن وجود:
1- العقل الذي يمكّن من الإدراك والتمييز.
2-الحرية والشعور بها، إذ توفر القدرة على الاختيار.
3- الإرادة التي توفر القدرة على الفعل والتنفيذ.
قوى متضافرة معا في سياق تناغم يحتاج تربية وتدريبا لبناء شخصية متوازنة.
فكل إنسان إذ تنضج جملته العصبية ويجتاز مرحلة المراهقة، يصبح قادرا على التفكير المنطقي، والبحث عن استكمال ذاته -إذا أراد وعمل بمقتضى إرادته. بملاحظة المرء لأصحابه، وأقرانه، وجيرانه، وزملاء الدراسة والعمل، وأبناء جيله، والأجيال السابقة، وتأمّل الحياة وما فيها من الموجودات وحركيتها، ونتائج التفاعل فيما بينها ... يوفر له بيئة تفكير متوازن وفاعل وقوة اختيار أفضل...فمثلا، كم من أمّيٍّ نجح في أن يكتسب وعيا وخبرة بالاحتكاك والتعلم الذاتي، ويكوّن حياة ناجحة اجتماعيا. عندما أحسن إدارة قواه النفسية بوعي وشعور بالمسؤولية. وبالمقابل، كم من متعلم لم يبلغ ما بلغه أميون، لأنه حصر نفسه في نهج التقليد والتبعية، وتنفيذ أوامر وتعليمات وايحاءات... بروح ببغائية في أي موقع او مكان، لاسيما في العمل السياسي.
يشير هذا إلى أن أسلوب استخدام الطاقات لدينا، يحدد درجة النجاح والفشل أساسا.
ويدخل ضمن ذلك، مستوى نضج العقل والتفكير، ومدى القدرة على التحرر من الأهواء، والرغبات، والشهوات، والميول التلقائية ... –أو التحكم بها-والتي تقلل من فعالية التفكير. ويدخل في ذلك مستوى الانتفاع من التجارب الخاصة، ومن خبرات الغير، ووعي الحقوق والواجبات ...الخ. وللتربية -كوظيفة اجتماعية-دور مهم في كل هذا.
فالإنسان يتحمل مسؤولية تعطيل القوى الفطرية الفاعلة التي وهبها الله له منذ خلقه كالعقل، والإرادة، والعادات الإيجابية الناشئة عن الاعتياد بوعي. وتغليب القوى التلقائية كالميول والأهواء والغرائز والشهوات ... مع إدراك ان الانسان لن يبلغ الكمال (وهذا مهم). لأن ذلك يحرر المرء من الشعور بانه على حق دائما، وبالتالي يوفر الاعتراف باحتمال خطئه من جهة، واعتراف بحق الآخرين في الخصوصية الفكرية والتعبير (توفر روح ثقافية ديمقراطية).
المرونة في السلوك، أفضل الخصال التي تنجي المرء من الوقوع المتكرر في الأخطاء.
إن مبدأ "حق تقرير المصير" مبدأ أقرته أمم العالم في أدبياتها، وفي وثائق هيئة الأمم المتحدة. مما يعني مسؤولية الانسان-كفرد وكشعب-عن اختياراته... فكيف يُحسن شعب اختيار ما ينفعه إذا كان معظم أبنائه ينقصهم الوعي والأهلية ؟!
انه سؤال يكشف عن ضرورة تحمل الإنسان الفرد مسؤوليته عن نفسه واختياراته ومصيره ... سواء لأنه عاقل، أم لأنه اجتماعي –وهذا يقتضي وعيا. أم لأنه أخلاقي –وهذا أيضا يقتضي عقلا يدرك العلاقات في تصنيفاتها، إضافة إلى خبرة وفرها العقل والعمل (التجربة) معا من خلال علاقة جدلية (تبادل التأثير).
ويبقى الانسان مسؤولا دوما عن انجرافه مه إغراءات وأفكار مزوّقة، أو صاعقة لوعْيه فتضلّله، ويتحمل النتائج عن ذلك. وعن تعطّيل فاعلية عقله المميّز.
فالأصل أن لا ينساق الإنسان لأهوائه، بل يحاول إدارتها بوعيه، و يفهم بعقله وما اكتسبه من التجربة (الخبرة) ويستعين بمن يثق بصدقهم في إرادة المصلحة له. وقد نبّه (ابن المقفع) منذ قرون إلى ذلك عندما قال ما معناه: إذا خيّرت فلا تختر ما هو قريب إلى هواك، فالهوى مضلّل. لذا ينبغي الانخراط في عمليات التفاعل الاجتماعي الجاد لاكتساب تعلم وخبرة تعين على تمييز الصواب عن الخطأ. وتنمية الشعور بالمسؤولية نحو الحياة في تعبيراتها الفكرية والسلوكية. يقول المثل الكوردي: Heger tû nezanî bi nêre li cîranî)))) وترجمته العربية هي:
إن لم تكن عارفا فاستشر الجيران(العارفين). والمهم أن يسعى المرء ما وسعه ذلك.
((وان ليس للإنسان إلا ما سعى)) الآية.
في التراث الكوردي أن (علو) تصغير اسم (علي). كان مستشار أمير جزيرة بوتان (جزيرة ابن عمرو). فقال له الأمير ذات مرة-يختبره-: ما هو الأطيب في لقمة واحدة؟ فقال: البيض المسلوق. وبعد سنة ناداه الأمير: مع ماذا؟ فقال: مع الملح.
حكايات التراث تمثل خلاصة تجارب نقية للشعوب، وتشير إلى نباهة بعضهم -كما كان علو-وتروى عنه حكايات كثيرة شبيهة. ونتساءل: كم مستشار كـ(علو) يحيطون بقيادات حزبية كوردية؟! وكم قائد حزبي يتمتع بمواصفات الأمير ونباهته وذكائه...؟!
محمد قاسم
 
أعلى