بعض قصائد نزار قباني

الرسم بالكلمات


لا تطلبي مني حساب حياتي
ان الحديث يطول يا مولاتي!

كل العصور انا بها ... فكأنما
عمري ملايين من السنوات ...

تعبت من السفر الطويل حقائبي
وتعبت من خيلي ومن غزواتي ...

لم يبق نهد ... اسود او ابيض
الا زرعت بارضه راياتي ...

لم تبق زاوية بجسم جميله
الا ومرت فوقها عرباتي...

فصلت من جلد النساء عباءة
وبنيت اهراما من الحلمات ...

وكتبت شعرا .. لا يشايه سحره
الا كلام الله في التوراة...

...واليوم اجلس فوق سطح سفيني
كاللص .. ابحث عن طريق نجاه

وادير مفتاح الحريم ... فلا ارى
في الظل غير جماجم الاموات

اين السبايا ؟ .. اين ما ملكت يدي؟
اين البخور يضوع من حجراتي؟

اليوم تنتقم النهود لنفسها ..
وترد لي الطعنات بالطعنات ..

ماساة هارون الرشيد مريرة
لو تدركين مرارة الماساة

اني كمصباح الطريق .. صديقي
ابكي .. ولا احد يرى دمعاتي ..

الجنس كان مسكنا جربته
لم ينه احزاني ولاازماتي

والحب .. اصبح كله متشابها
كتشابه الاوراق في الغابات ..

انا عاجز عن عشق ايه نملة
او غيمة .. عن عشق اي حصاة

مارست الف عباده وعباده
فوجدت افضلها عبادة ذاتي

فمك المطيب .. لا يحل قضيتي
فقضيتي في دفتري وداواتي ..

كل الدروب امامنا مسدودة
وخلاصنا .. في الرسم بالكلمات ..
 
هل عندك شك


هل عندك شك أنك أحلى وأغلى امرأة في الدنيا
وأهم امرأة في دنيا
هل عندك شك أن دخولك في قلبي
هو أعظم يوم بالتاريخ وأجمل خبر في الدنيا
هل عندك شك أنك عمري وحياتي
وبأني من عينيك سرقت النار وقمت بأخطر ثوراتي
أيتها الوردة والريحانة والياقوتة
والسلطانة والشعبية والشرعية بين جميع الملكات
يا قمرًَا يطلع كل مساءٍ من نافذة الكلمات
يا آخر وطن أولد فيه وأدفن فيه وأنشر فيه كتاباتي
غاليتي أنتي غاليتي ..
لا أدري كيف رماني الموج على قدميكِ
لا أدري كيف مشيتي إلي وكيف مشيت إليك
دافئة أنتي كليلة حب
من يوم طرقت الباب علي ابتدأ العمر
كم صار رقيقًا قلبي حين تعلم بين يديك
كم كان كبيرًا حظي حين عثرت يا عمري عليك
يا نارًا تجتاح كياني .. يا فرحًا يطرد أحزاني
يا جسدا يقطع مثل السيف ويضرب مثل البركان
يا وجهًا يعبق مثل حقول الورد ويركض نحوي كحصان
قولي لي كيف سأنقذ نفسي من أشواقي وأحزاني
قولي لي ماذا أفعل فيكي أنا في حالة إدمان
قولي ما الحل فأشواقي وصلت لحدود الهذيان
قاتلتي ترقص حافية القدمين بمدخل شرياني
من أين أتيت وكيف أتيت وكيف عصفت بوجداني
 
حبيبي


لا تسـألوني... ما اسمهُ حبيبي
أخشى عليكمْ.. ضوعةَ الطيوبِ

زقُّ العـبيرِ.. إنْ حـطّمتموهُ
غـرقتُمُ بعاطـرٍ سـكيبِ

والله.. لو بُحـتُ بأيِّ حرفٍ
تكدَّسَ الليـلكُ في الدروبِ

لا تبحثوا عنهُ هُـنا بصدري
تركتُهُ يجـري مع الغـروبِ

ترونَهُ في ضـحكةِ السواقي
في رفَّةِ الفـراشةِ اللعوبِ

في البحرِ، في تنفّسِ المراعي
وفي غـناءِ كلِّ عندليـبِ

في أدمعِ الشتاءِ حينَ يبكي
وفي عطاءِ الديمةِ السكوبِ

لا تسألوا عن ثغرهِ.. فهلا
رأيتـمُ أناقةَ المغيـبِ

ومُـقلتاهُ شاطـئا نـقاءٍ
وخصرهُ تهزهزُ قـضيبِ

محاسنٌ.. لا ضمّها كتابٌ
ولا ادّعتها ريشةُ الأديبِ

وصدرهُ.. ونحرهُ.. كفاكمْ
فلن أبـوحَ باسمهِ حبيبي
حبر على ورق
 
الدخــــول الى البحــــر


حدثت تجربة الحب أخيرا . . .
ودخلنا جنة الله ، ككل الداخلين
وانزلقنا . .
تحت سطح الماء أسماكا . .
رأينا لؤلؤ البحر الحقيقي . .
وكنا ذاهلين . .

حدثت . . تجربة الحب أخيرا . .
حدثت من غير إرهاب ولا قسر . .
فأعطيت . . وأعطيت . .
وكنا عادلين . .
حدثت في منتهى اليسر كما
يكتب المرء بماء الياسمين. .

وكما ينفجر النبع من الأرض . .
فشكرا . .
لك يا سيدتي
ولرب العالمين . .
 
مخيـــــر


إياكِ أن تلقي عليَّ نشرةً
مسكونةً
بالبرقِ و الأمطار.

إياكِ ..
أن تستحضري الشتاءَ في قصيدتي
أو تُنزلي الصقيعَ بينَ النار.

لا تجلبي سيدتي لعنتهُ
مدينتي تمنعُ فعلَ الحبِّ و الأشعار.

حضارتي ممتدةٌ
سواحلي ممتدةٌ
وداخلي سيدتي ينكسرُ البَحّار.

ليسَ هناكَ مرفأٌ
أو نورسٌ
يرحمني من غضبِ الأمواجِ في عينيكِ
غيرَ المدِّ و الدوار.

فلتمنحيني فرصةً سيدتي
ثانيةً واحدةً
أَلُمُ فيها داخلي من مُدُن الدمار.

وأستعيدُ سلطتي
من سطوةِ اللؤلؤِ والمحار.

عيناكِ يا سيدتي جريمةٌ بحقنا
فلتغفري لي ..
إنْ رفعتُ دعوةً
مطالباً برأفةِ الحوار.

عيناكِ لمْ تُبقِِ ولمْ تذرْ
عيناكِ ..
ما يحملُ هذا اليتمَ للشجرْ
إياكِ أن تلقي عليَّ نظرةً سيدتي ..
ما أصعبَ القرار.

إياكِ أن يلمسَكِ العطرُ
وإياكِ ..
بأنْ يعجبَكِ الأقراطُ و السوار.

إياكِ من نفسكِ ؟!
يا أميرتي أغار.

لكنني من خجلي شرنقةٌ
يقتلها الحصار.

لأنكِ ناعمةٌ ناعمةٌ ناعمةْ
أصابعٌ من مخملٍ
ولمسةٍ حالمةْ
أخافُ أن تجرحَ كفي مخملَ الأزهار.

أخاف يا سيدتي ..
إذا اقتربتُ مرةً منكِ
بأنْ لا تُحصرَ الأضرار.

أخاف أنْ ..
يخذلني الكلامُ والألفاظُ والقرار.

أخافُ إنْ رأيتكِ
بداخلي تنكسرُ الأوتار.

أخافُ أنْ ..
أخافُ أنْ ..
أخافُ أنْ ..
يولدَ في قرارتي الإعصار.

وأسقطُ الشهيدةَ الوحيدةْ
في مُدُنِ القصيدةْ
شهيدةً يقتلها أبناؤها الثوّار.

ليسَ هناكَ غيرُ ما أحسهُ من وجعٍ
ليسَ هناكَ ..
غيرُ ما ترسمهُ الأقدار.

فلتمنحيني فرصةً أخيرةً
أكتبُ ما أريدُ ثمَّ بعدها يجرفني التيار.

***
سيدتي ..
إنَّ اشتعالَ وحدتي برودةً قضيةٌ
أعرفها ..
تسبقني لحالةِ الإقرار.

ليستْ هناكَ وجهةٌ أختارها
تمردٌ أقودهُ .. عصيانُ
أو إذعانُ
إلا شدني جنونكِ لآخرِ المشوار.

مُخيرٌ ؟!
إما بأنْ أختارَ أنْ أحبَّكِ
أو أنني أحبكِ أختار؟!.
 
أحبــــــــك وأقفل القــــوس


لا أستطيع أن أحبك أكثر . .
لقد كتبت بالخط الكوفي
على أسوار لاحمام
وأباريق النحاس الدمشقي
وقناديل السيدة زينب
وجوامع الآستانه
وقباب غرناطه
وعلى الصفحة الأولى من الانشاد .
وأقفلت القوس . . .

أنت عادة كتابية لا شفاء منها .
عادة احتلال ، وتملك ، واستيطان .
عادة فتح ، وفتك ، وبربرية .
أنت عادة مشرشة في لحم كلماتي .
فاما أن تسافري أنت . .
واما أن أسافر أنا . .
واما أن تسافر الكتابه . .

جمالك . .
يحرض ذاكرتي الثقافية .
ويكهرب لغتي . .
وأصابعي . .
وجسد الورقة البيضاء . .

جمالك . .
يشعل البروق في أثاث غرفتي
وشراشف سريري . .
ويربط أسلاك الرجوله
بيني وبين نون النسوه . .
وتاءات التأنيث . .
فكيف أتحاشاك يا امرأه . . .
حتى القبح اذا اقترب منك
يصبح جميلا . . .

أنت اللغة التي
يتغير عدد أحرفها ، كل يوم .
وتتغير جذورها . .
ومشتقاتها . .
وطريقة اعرابها . .
كل يوم . . .

أنت الكتابة السريه
التي لا يعرفها
الا الراسخون في العشق . .
أنت الكلام الذي يغير في كل لحظة
كلامه . . .

كل نهار ،
أتعلمك عن ظهر قلب .
أتعلم خرائط أنوثتك . .
وسيراميك خضرك . .
وموسيقى يديك . .
وجميع أسمائك الحسنى
عن ظهر قلب . . .

كل صباح أدرسك
كما أدرس تفاصيل الوردة..
ورقة.. ورقة..
تويجا.. تويجا..
وأذاكرك كما أذاكر
كونشيرتو البيانو لموزارت
أو قصيدة غزل
من العصر العباسي...


أيتها المرأة المعجونة بأنوثتها
كفطيرة العسل.
والمعجونة بدم قصائدي
ودم شهواتي.
يا امرأة الدهشة المستمرة
يا التي بداياتها تلغي نهاياتها
وأولها يلغي آخرها..
وشفتها السفلى..
تأكل شفتها العليا..

أيتها المرأة
التي تتركني معلقا
بين الهاوية و الهاوية..
أيتها المرأة – المأزق
أيتها المرأة – الدراما
أيتها المرأة – الجنون
أخاف أن أحبك..
 
أعلى