بعض قصائد نزار قباني

سؤال


تقولُ : حبيبتي إذا ما نموتُ
ويدرج في الأرض جثمانُنا
إلى أي شيء يصير هوانا
أيبلى كما هي أجسادُنا؟
أيتلفُ هذا البريقُ العجيب
كما سوف تتلف أعضاؤنا
إذا كان للحب هذا المصير
فقد ضيعتُ فيه أوقاتنُا
أجبتُ : ومن قال إنا نموتُ
وتنأى عن الأرض أشباحنا
ففي غرفُ الفجر يجري شذانا
وتكمنُ في الجو أطيابنُا
نفيق مع الورد صبُحاً وعند
العشيات تقُفلُ أجفاننُا
وإن تنفخ الريح طي الشقوق
ففيها صدانا وأصواتُنا
وإن طننت نحلةُ في الفراغ
تطن مع النحل قُبلاتُنا
نموتُ … أما أسف أن نموت ؟
وما يبست بعدُ أوراقُنا
يقولون : من نحن ؟ نحن الذين
حرام إذا مات أمثالنُا
ندوسُ … فتمشي الطريق غلالاً
وتُنمي الحشائش أقدامنُا
سيسألُ عنا الرعاة الشيوخُ
وتبكي العصافير … أصحابُنا
سيخسرنا الحرجُ والحاطبون
وتكسدُ في الأرض أخشابُنا
غداً … لن نمر عليهم مساءً
ولن تملأ … الغاب نيرانُنا
وزُرقُ الحساسين من بعدنا
سيطعمها وهي أولادنُا
وفرشنا كورنُا في الشتاء
بها اللفلفات … وألعابنُا
أنتركهُا … كيف نتركها ؟
وما أُرهقت بعدُ أعصابُنا
ومخأبُنا في السياج العتيق
تدور … تدور … حكاياتنُا
وأنتِ بقلبي ملصوقةُ
يطولُ على الأرض إغماؤنُا
سنبقى … وحين يعود الربيعُ
يعود شذانا … وأوراقنُا
إذا يُذكر الوردُ في مجلسٍ
مع الورد تسرد أخبارنُا
 
محاولات استراتيجية للارتكاز علي حدود امراة مبتغاة


احتاج انا لامرأة دف
تختصر الشقة بين الحب وبيني
امرأة تفصلني دوما عن حزني
احتاج انا لامرأة وعد
تفتح باب الشمس الي
وتأتي موكب سعدي
احتاج أنا لامراة قمة
سامقة نجمة
تذبحني شرف للكلمة
احتاج انا لامرأة قمة
سامقة نخلة
تعشقني صلبا سهلا
احتاج انا لأمرأة تتحدي حرف زماني
امرأة تهواني اجرا
احتاج انا لامرأة مبدأ
بالداخل تبقي لاتصدا
بركان حنين لايهدأ
احتاج انا لامرأة روعة
تفتح باب الشارع للاطقال وتمسح دمعة
تتجول في فيافي الحزن وتوقد شمعة
احتاج انا لامرأة طفرة
فالمرأة ندرة.
 
قطرة الندي



لم اعد داريا الي اين اذهب
كل يوم احس انك اقرب
كل يوم يصير وجهك جزءا مني
ويصير العمر اخصب
وتصير الاشكال اجمل شكلا
وقد تسربت في مسامات جلدي مثلما قطرة الندي
اعتيادى علي غيابك صعب
واعتيادي علي حضورك اصعب
كم انا وكم احبك حتي ان نفسي من نفسها تتعجب
يسكن الشعر في حدائق عينيك
فلولا عيناك لا شعر يكتب
منذ احببتك الشموس استدارت
والسموات صرن انقي وارحب
منذ احببتك البحار جميعا اصبحت من مياه عينيك تشرب
اتمني لو كنت بؤبؤ عيني
اتراني طلبت ماليس يطلب
انت احلي خرافة في حياتي
والذي يتبع الخرافات يتعب
 
لو كنت في مدريد


لو كنت في مدريد في رأس السنة
كنا سهرنا وحدنا
في حانة صغيرة
ليس بها سوانا
تبحث في ظلامها عن بعضها يدانا
كنا شربنا الخمر في اوعية الخشب
كنا اخترعنا ربما-جزيرة
أحجارها من الذهب
أشجارها من الذهب
تتوقين فيها اميرة
لو كنت في مدريد في رأس السنة
كنا راينا كيف في اسبانيا
أيتهاالصديقة الاثيرة
تشتعل الحرائق الكبيرة
في الاعين الكبيرة
كيف تنام الوردة الحمراء في الضفيرة
كنا عرفنا لذة الضياع في الشوارع
وجوهنا تحت المطر
ثيابنا تحت المطر
كنا رأينا في مغارات الغجر
كيف يكون الهمس بالاصابع
والبوح والعتاب بالمشاعر
وكيف للحب هنا طعم البهار اللاذع
لو كنت في مدريد في رأس السنة
كنا ذهبنا آخر الليل للكنيسة
كنا حملنا شمعنا وزيتنا
بيد السلام والمحبة
كنا شكونا حزننا اليه.
كنا ارحنا رأسنا لديه
لعله في السنة الجديدة
ايتها الحبيبة البعيدة
يجمعني اليك بعد غربة
في منزل جدرانه محبة
وخبزه محبة
لو كنت في مدريد في رأس السنة
كنا ملأنا المدخنة
عرائسا ملونة
لطفلة دافئة العيون
نعيش ياحبيبي بوهمها
من قبل ان تكون
نبحث ياحبيبتي عن اسمها
من قبل ان تكون
كنا صنعنا تختها الصغير من ظنون
تختا من الاحلام ..والقطيفة الملونة
تنام فيها ربما بعد سنة
لو كنت في مدريد في رأس السنة.
 
مكابرة


تراني أحبك لا أعلم
سؤال يحيط به المبهم
وإن كان حبي لك افتراضا.لماذا؟
إذا لحت طاش برأسي الدم
وحار الجواب بحنجرتي
وجف النداء ..ومات الفم
وفر وراء ردائك قلبي
ليلثم منك الذي يلثم
تراني أحبك؟لا لا محا ل
أنا لا أحب ولا أغرم
وفي الليل تبكي الوسادة تحتي
وتطفو على مضجعي الأنجم
وأسأل قلبي .أتعرفها؟
فيضحك مني ولا أفهم
تراني أحبك؟لا لا محا ل
أنا لا أحب ولا أغرم
وإن كنت لست أحب تراه
لمن كل هذا الذي أنظم؟
وتلك القصائد أشدو بها
أما خلفها امرأة تلهم؟
تراني أحبك؟لا لا محا ل
أنا لا أحب ولا أغرم
إلى أن يضيق فؤادي بسري
ألح وأرجو وأستفهم
فيهمس لي:أنت تعبدها
لماذا تكابر؟ أو تكتم ؟
 
حكاية انقلاب


أنا الذي أحرق ألف ليلة وليلة..
وأخلص النساء ..
من مخالب الأعراب..
أنا الذي حميت وردة الأنوثة
من هجمة الطاعون ...
والذباب..
أنا الذي جعلت من حبيبتي
مليكة تسير في ركابها..
الأشجار..
والنجوم ..
والسحاب..

أنا الذي هرب قد هرب السلاح..
في أرغفة الخبز..
وفي لفائف التبغ..
وفي بطانة الثياب..
أنا الذي ذبحت شهريار في سريره..
أنا الذي أنهيت عصر الوأد..
والزواج بالمتعة..
والإقطاع ..
والإرهاب...

... وحين قامت دولة النساء..
وارتفعت في الأفق البيارق...
توقف النضال بالبنادق..
وأبتدأ النضال
بالعيون ..والأهداب..
 
أعلى