تاريخ كردستان

G.M.K Team

G.M.K Team
الدولة الميدية :

وكما تقدم فقد هاجرت قبائل من الرحل الهندو-أوربيون قبل الفي سنة من جنوبي روسيا وسكنت بلاد إيران وحيث يفترض أنها ذابت ضمن الشعوب القديمة من إيرانيين -وزاغروس وفي العام 1200ق.م قدم رحل جدد وهذه المرة عن طريق البلقان ومعهم أسلحة حربية متطورة كالحصان والعربة حاملين معهم ممتلكاتهم وأسرهم وأطفالهم ودوابهم وفي بداية الألف الأولى قبل الميلاد استقر البعض من هؤلاء البدو أو المهاجرين الجدد قرب جبال زاغروس واختلطوا مع الشعوب القديمة هناك وشيئاً فشيئاً تحولوا الى فلاحين وأصحاب أراضي ومزارع وخلال القرون الأربعة الأولى من الألف الأول قبل الميلاد كان الشرق القديم يشهد تغيرات سكانية واختلاط الشعوب ببعضها وأصبحت المنطقة تعج بمرآلز حضارية متقديمة ومن مصر وبلاد مابين النهرين انتقلت المدينة في سيرها شمالاً نحو بلاد إيران وجبال زاغروس وكردستان صاحبت ذلك حروب ومعارك شديدة بين شعوب المنطقة كالحرب التي اندلعت بين الآشوريين وأورارتو وقد انتصر فيها الأورارتيون على أعدائهم في كثير من المرات وتمكنوا من إنشاء دولة خاصة بهم وفي عام 842ق.م أتى الملك الآشوري (شالمنصر) على ذكر (بارسيوي) و(ماد) وظهر اسم ماد أيضاً في عام 836ق.م وكما يظهر من مخطوطات تعود الى عهد ملوك آشور القدماء فإن بلاد بارسيوي تقع في جنوب غرب بحيرة أورمية وتقع بلاد ماد قرب أكبتان(همدان) الحالية ويبدو أنهما اسمين جغرافيين وليسا تسميتين لشعبين كما قد يتبادر الى الذهن .وكان حاكم ماد يرسل الهدايا الى ملك آشور.

ويقول البروفسور سايز: أن ماد كانت مجموعة قبائل وعشائر كردية سكنت شرق بلاد آشور وامتد حكمها الى بحر قزوين ومن الناحية اللغوية تنتمي الغالبية من هؤلاء الماديين الى الهندو-أوربيين وكذلك من الناحية العرقية والسلالية هم آريون ويقول علماء لغات الشرق القديم الغربيون أن لغة ماد هي أساس اللغة الكردية الحالية ويذهب بعض الثقات الى القول بأنه بعد تدمير دولة ماد فإن القبائل والأسر المادية قد ذابت ضمن الشعبين الكردي والفارسي مثلما حدث للسيتين والمانيين الذين ذابوا أيضاً ضمن هذين الشعبين واليوم يشاهد السيتيون ضمن عشيرة (الأومريان)حيث بقيت قريتين من قراهم وهما (سيت)و(سيتول) ومن المحتمل جداً أن تكون عشيرة الأومريان نفسها من بقايا السيتيين ويقول المؤرخ اليوناني (هيرودوت) .أن أول ملك حكم الميديين يدعى (ديامو)أو ديوسيس ويسميه علماء تاريخ الشرق القديم الشرقيون ب(كي قوباد).

1- دياكو (ديوسيس) :

ويعتبر أول من أسس دولة في إيران ووحد شعوب زاغروس وإيران القديمة تحت راية واحدة وبين عامي 745-727ق.م توجه الملك الآشوري المشهور تيغلات بلايزر بجيوشه نحو بلاد ميديا بمساعدة من أورارتو والخالديين ويقول في ذلك (لقد طاردتهم حتى جبال ديماوند وتغلبت عليهم وأخضعتهم لحكمي وأجبرتهم على دفع الجزية وأرسلت خمس وستون منهم أسرى الى بلدي وأطلقت سراح الأسرى الآراميين ).ومرة أخرى تحالف بعض الحكام وانتفضوا ضد الآشوريين مثل (دايوكو) ملك ميديا و(روشا) ملك أورارتو وفي عهد (أسرحدون) ملك آشور بين عامي 681-669ق.م حاول بعض الشعوب مثل الميديين وعائلات وأسر متبقية من سيتيين ومانيين وكاساي حاولوا تدمير وإزالة دولة آشور من الوجود والإستلاء على بلادهم ولكن استطاع الملك الآشوري أن يعقد صداقة مع السيتن ويصد القوات المعادية عن بلاده وحالما أصبح (سركون الثاني) ملكاً داهم بجيشه بلاد السامرة ونقل ثلاثين ألفاً من سكانها الى ميديا وخالطهم مع الميديين ومنذ ذلك اليوم أصبح الميديون مختلطين مع مجموعة من الشعوب كاالأكراد القدماء والأكراد الجدد والساميين الجدد .ويتابع سركون كلامه ليقول : لقد أخضعت لحكمي أربع وعشرين حاكماً وأربع وعشرين آغا ورئيس عشيرة وأرغمتهم على دفع الجزية). وفي تطور لاحق تحالف دايوك ملك ميديا مرة أخرى مع روشا ملك أورارتو وهاجما معاً بلاد آشور ولكن تمكن سركون في سنة 615ق.م من إلحاق الهزيمة بأعدائه وأسر الملك دايوك وسجنه في قلعة حماه في سوريا وفي سنة 613ق.م هاجم سركون بلاد ميديا مرة أخرى وتمكن من إخضاع خمس وأربعون حاكماً من حكامها وامتدح نفسه كثيراً وافتخر بهذه الشجاعة التي أبداها تجاه أعدائه. استغل الميديون فرصة انشغال الجيش الآشوري في عهد سنحاريب في حروب دموية في سوريا وبابل وعيلام فأعلنوا الثورة على الآشوريين وحكمهم.

2- خوشترين فرا أورت(كي كاوس):

تولى خوشترين فرا أورت بن دايوك (كي قوباد) الحكم بعد اعتقال أبيه واستطاع توحيد الشعوب القديمة مثل الكميريين والإسكيزيين والمانيين تحت قيادته وأعلن قيام الدولة الميدية ثم أسس جيشاً كبيراً مدرباً وقوياً في مواجهة الآشوريين وأورارتو.

من هم الكميريون والإسكيزيون :

في القرن الثامن قبل الميلاد هاجرت هاتان العشيرتان مع عشائر أخرى عديدة من جنوب روسيا وانتشرت كالجراد في جنوبي المنطقة الشمالية الغربية من إيران وآسيا الصغرى وسوريا وفلسطين وكانوا في طريقهم ينهبون ويحرقون كل شيء يخلفون وراءهم حيثما مروا الدمار والخراب والنهب ويقول هيرودوت: يذكر الآشوريون هذه الحادثة في مخطوطاتهم القديمة ويذكرون الكميريين والإسكيزيين وقد ورد هذين الإسمين في التوراة أيضاً مقترنين بالسلب والنهب والتدمير على أنهما قدما من شبه جزيرة القرم ويتابع هيرودوت القول.بأن الكميريين هربوا فيما بعد من أقربائهم الإسكيزيين ولكن يصعب على الكثير من المؤرخين تصديق هذا القول لأن الطرفين بينهما صلة قربى ويتكلمان بنفس اللغة ولكن لايستبعد أن يكون مصيرهم مثل مصير التتر والغز الذين هربوا من السلجوقيين وكانوا جميعاً يشكلون بالأصل شعباً واحداً ويتكلمون لغة واحدة وفي عهد ساركون الثاني هاجمت هاتان العشيرتان بلاد أورارتو ولم تضع الحرب أوزارها إلا بعد أن انتحر ملك أورارتو ومنذ تلك الفترة انقسمتا على نفسهما فتوجه بعضهم نحو بلاد ميديا وخضعوا للملك (خوشترين فرا أورت) ووآخرون كانوا فرساناً وراكبوا خيول توجهوا نحو شمال بلاد آشور أي جبال كردستان ولكن بعدما وجدوا أنهم لايستطيعون الإستقرار هناك توجهوا نحة آسيا الصغرى وانتشروا نحو الغرب وأخيراً استقروا في جنوب البحر الأسود ومن هناك هاجموا الفيرجيين وانتصروا عليهم فانتحر ملكهم أي ملك الفيرجين المدعو(ميداس) ثم قتلوا ملك (كيغس) ولكن تمكن الملك الأشوري بانيبعل من التغلب عليهم وإبادتهم في كيليكيا وعاد الناجون منهم الى بلاد ميديا وسكنوا عند أولاد عمومتهم الإسكيزيون إلا أن الاسكيزيين هاجروا فيمابعد الى مكان آخر. ولجأ الملك الآشوري (أخادين)الى طرد الفرسان الكمبريين الذين أعلنوا ولاءهم للآشوريين من شمال همدان فذهبوا الى جنوب بحيرة أورمية واستقروا هناك وقبل مجيئهم كانت هذه المنطقة تدعى بلاد (ماني) هذا وقد سيطر الإسكيزيون أيام عزهم ومجدهم على جزء كبير من أذربيجان.وتزوج ملكهم (بارتانو) من ابنة ملك آشور وفي الحروب الميدية الآشورية كانوا حلفاء الميديين ولكنهم خانوا حلفائهم في اللحظة الأخيرة وقتلوا الملك الميدي (خوشترين فرا أورت) فأصبح ماديس بن بارتانو بعد وفاة أبيه ملكاً على الميديين والإسكيزيين معاً وفي سنة 653ق.م خضعت ميديا كلها للإسكيزيين ودام حكمهم ثمان وعشرون عاماً أما الفرسان الكميريون الذين فروا أمام الآشوريين من شمال همدان فقد استقروا عند الإسكيزيين وهاجموا آسيا الصغرى شمال سوريا وأغرقوا فينيقيا ودمشق وفلسطين بالدماء وقدورد ذكر هذه الحادثة المروعة في إرميا السفر الخامس .حيث يقول وصل الإسكيزيون الى حدودمصر وهناك أغراهم فرعون مصر ببعض الأموال وردهم عن بلاده.
 

G.M.K Team

G.M.K Team
3- كي خسرو (كياخسر) :

وهو ابن خوشترين فرا أورت بن دياكو(ديوسيس) .يقول هيرودوت:بعد مقتل أبيه أخضع كي خسو بلاد ميديا لحكمه ولكنه بقي مدة طويلة يقدم الولاء للإسكيزيين ولم يضيع هذا الملك وقته عبثاً فلجأ الى تنظيم جيشه وأحسن تدريبه وتجهيزه وخاض به عدة حروب كما طور بعض أساليب القتال ففصل الفرسان عن المشاة وجاء برماة السهام المهرة الى ميادين المعارك مقتبساً بعض الخطط الحربية من الإسكيزيين ويبدو أن هذا الملك كان مفتح الأعين على مايدور حوله ويواكب عصره وبقي يراقب الموقف منتظراً الفرصة المناسبة للإنقضاض على أعدائه . ويستطرد هيرودوت القول.انتصر كي خسرو على أعدائه الإسكيزيين الذين تركوا بلاد (مانا) لعدوهم ولايعرف أحد الى أين ذهب هؤلاء وبهذا الشكل أصبح كي خسرو ملكاً على إيران ومنطقة برسوبوليس (بارسوماش) وبلاد فارس.كما بنى مدينة (أكباتان) همدان الحالية وجعلها عاصمة له وتعني أكباتان(مركز التجمع) وقد اتبع خطى آبائه وأجداده وبدأ بالهجوم على بلاد آشور فاستولى على مناطق جبال زاغروس وزوج ابنته(آميتيس) من (بختنصر) ابن الملك البابلي وعقد معه معاهدة وهاجما معاً بلاد آشور.الجيش البابلي بقيادة (نيبو بولاصر) من الجنوب والجيش الميدي بقيادة الملك (كي خسرو)آخسار من الشمال وانتهت الحرب في سنة 612ق.م بتدمير دولة آشور تدميراً ساحقاً وإزالتها من الوجود ووقعت مدينة نينوى بيد الملك الميدي فهرب (آشور أوباليت الثالث)الى بلاد حران والرها حيث أنشأ هناك دولة آشورية جديدة ولكن استولى عليها كي خسرو أيضاً في سنة 609ق.م ومنذ ذلك اليوم وحتى الآن لم تقم قائمة للشعب الآشوري الشجاع الذي ماكاد ليخرج من معركة إلا ليدخل أخرى وببأس شديد .ثم توجه كي خسرو نحو بلاد أورارتو وأخضعها لحكمه وتابع سيره غرباً فاصطدم بالليديين مدة أربع سنوات وأخيراً تصالح الطرفان فزوج ملك ليديا ابنته من )استياغ) ابن الملك الميدي ثم عاد كي خسرو الى بلاده .ويرد ذكر هذه الحادثة لدى هيرودوت فيقول. انكسفت الشمس فمليء الطرفان رعباً ثم تصالحا خائفين من الموقف ومن المحتمل أن يكون الصلح قد تم بتدخل من بختنصر الملك البابلي هذا وامتد حدود دولة ميديا غرباً حتى نهر الهاليس (قيزيل يرمان)الذي يصب في البحر الأسود في تركية.

استياغ بن كي خسرو بن خوشترين فرا أوردت بن دياكو :

وكما تقدم فقد تزوج استياغ من ابنة ملك ليديا في عام 584ق.م وفي تلك الأثناء قسمت آسيا الى قسمين بلاد شمال آسيا وأصبحت تحت سيطرت الميديين وسوريا وعيلام أصبحتا تحت حكم الكلدانيين أي البابليون الجدد وفي الحروب التي دارت رحاها بين استياغ الميدي وقورش الفارسي وقف(نيبونيد) الملك البابلي(الكلداني) موقفاً معادياً من استياغ وانحاز الى قورش الفارسي حتى استطاعا تحطيم وانهاء دولة ميديا بعد ذلك هاجم قورش بلاد كلدان فاستسلمت له دون قتال وبذلك حطم الدولتين الكبيرتين ميديا وكلدان ولم يبق أمامه من منافس.

حضارة ميديا :

لم يخلف الميديون وراءهم حضارة تذكر ولكن استطاعوا تشكيل دولة من عدة شعوب قديمة من إيرانيين وزاغروس جمعةها معاً ووحدوا فيما بينها وقبل ذلك لم تكن إيران لتعرف ملكاً أو دولة ومرد ذلك الى سببين الأول يعود الى الأعداد الكبيرة من الشعوب التي كانت تقطن إيران والثاني وعورة المنطقة وكثرة جبالها ومياهها التي تعيق التوصل والإتحاد بين الشعوب أو الشعب الواحد وبالتالي تشكيل دولة واحدة .ولكن يمكنني القول بأن هذا الرأي حظه من الصحة قليل لأنه قبل ماد وفارس كان الكوتيون والكاشيون قد مارسوا الملكية والحكم مدة 800عام وكان هؤلاء من شعوب هذه البلاد الجبلية وفي عهدهم كانت هناك شعوب كثيرة تتخذ من إيران موطناً لها.كما كان الحوريون والميتانيون من سكان تلك الجبال الوعرة وقد امتد جكمهم حتى حدود مصر وهنا يتوجب علينا أن نشير الى شيء في غاية الأهمية ألا وهو الخلاف بين المؤرخين الغربيين والشرقيين حول سير هذه الأحداث وصحتها ويمتد الخلاف حتى حول أسماء ملوك ميديا والفرس ويعتقد مؤرخو الغرب بصحة أوردناه آنفاً وهم يستندون في حساباتهم على مايتناقله هيرودوت المؤرخ اليوناني ويؤيدون وجهة نظره كما تؤيد الحفريات والمكتشفات الأثرية صحة رأيهم وما يعتقدون به وترد عندهم أسماء هؤلاء الملوك كمايلي:

1- داياكو (ديوسيس)2- خوشترين فرا أورت 3- كي خسرو (آخسار)4- استياغ

بينما يذكر مؤرخو الشرق الأسماء الآتية:

1- كي قوباد2- كي كاوس3- سياه خوش4- كي خسرو5-لهراسب6- كوشتاسب 7- أزدشير بهمن 8-خماني 9- دارا 10-شهرزاد .

وهؤلاء المؤرخون الشرقيون يدمجون الميديين والأخمينيين في دولة واحدة ولكن مؤرخو الغرب يعتبرون الميديين أساس الشعب الكردي وأصحاب دولة مستقلة ويقولون أن الدولة الأخمينية فارسية تبدأ مع (قورش) وتنتهي بحكم دارا الثالث وبعد الاسكندر المكدوني ظهر حكم اسرة فارسية جديدة حكمت إيران وهنا يظهر الخلاف مرة أخرى بين الشرق والغرب حول هاتين الدولتين.حيث يعتقد علماء الغرب أن قورش هو ابن ابنة ملك ميديا بينما يدعي الشرقيون أن قورش هو ابن كي كاوس والفريقان يطمئنان الى ماترد حول هذه الحادثة من قصص . قصة الغرب يرويها هيرودوت ويقول : تنبأ أحد المنجمين للملك استياغ وقال له أن ابنتك هذه ستلد صبياً وسيضع هذا الصبي تاجك على رأسه وخوفاً من أن تصدق نبوءة المنجم فقد زوج استياغ ابنته من رجل فارسي وبعد مدة ولد لها قورش الذي لبس فيما بعد تاج جده وصدقت نبوءة المنجم أما الشرقيون فيرون قصتهم على الشكل التالي :تزوج كي كاوس من أمرأة شابة وهو متقدم في السن وفي أحد الأيام أرسل ابنه (سياه خوش) وكان من زوجة أخرى له أرسله الى بيته ليحضر له كيسه وقليونه وعند دخوله الدار مدت زوجة أبيه يدها الى ثيابه من الأمام وقالت له إن والدك جاء بي الى هنا لأكون زوجة لك ولكنه خانك ولم يزوجني منك واتخذني لنفسه فما كان سياه خوش إلا أن ضربها بدبوس كان في يده ورجع الى أبيه وعندما عاد الأب الى البيت وجد زوجته طريحة الفراش تئن من الألم فجثى قرب رأسها وقال لها ماذا دهاك أيتها الخاتون الجميلة وعندئذ بدأت الخاتون تتهم ابنه بسوء النية والمقصد تجاهها فغضب الملك وأراد قتل ابنه وعندما سمع أمراء إيران بما حدث طردوا سياه خوش فالتجأ الى ملك تركستان (أفراسياب) الذي زوجه ابنته فولدت له ابنة قورش ثم قتل الملك صهره أخيراً وتمكن (كوهدرز) من اختطاف قورش ووالدته الذي حل أخيراً محل جده وأصبح ملكاً على إيران.هذا ويقسم المؤرخون الشرقيون الإسرات التي حكمت إيران الى أربعة أسرات هي البشدادية والكيانية والإشكانية والساسانية ولكنهم يردونها جميعاً الى أصل واحد وفي الحقيقة فإن الأسرة الأولى البشدادية لايتصورها المرء إلا كقصص تروى ويعتبرون الكيانية والميدية دولة واحدة.كما أن هناك خلاف بين الشرقيين والغربيين حول سنوات وتاريخ هذه الشعوب وحكمهم وتعتمد النظرة الغربية أكثر على نقوش حجرية ومخطوطات قديمة وعلى أخبار هيرودوت اليوناني ويمكن أن نلفت الإنتباه الى أنه في القرن العشرين الحالي ينظر الى كل مايتعلق بأوروبا نظرة احترام وتقدير ونقصد بذلك في النواحي والمفاهيم العلمية والتاريخية.
 

G.M.K Team

G.M.K Team
فارس



إيران أو بلاد الفرس وحسب كتابات الدكتور عزيز عثمان يبدأ تاريخها منذ الألف الثالثة قبل الميلاد وقد ذكرت شعوب بلاد مابين النهرين في مخطوطاتها وكتاباتها الكثير من الأحداث التاريخية وكذلك العلاقات بين هذه الشعوب والحروب التي جرت بينها وبين الإيرانيين ومن الشعوب التي سكنت إيران القديمة العيلاميون والكوتيون واللولوبيون والكاشيون وكان يطلق على هؤلاء اسم الشعوب القوقازية-الآسيوية أو سكان جبال زاغروس القدماء كما كانت هناك شعوب أخرى تسكن شمال سوريا والجزيرة(ميزوبوتاميا) تطلق عليها أسماء السوباريين والحوريين والميتانيين أما السومريون فكانت سكناهم جنوبي بلاد مابين النهرين وهذه الشعوب جميعها وكما تقدم تعتبر شعوباً قوقازية-آسيوية وكانت لغتها واحدة أو قريبة من بعضها وبدون شك فإن هذه الأسماء هي تسميات لقبائل وعشائر كردية وكما يبدو فإن الأكراد والعرب أو الإيرانيين والقوقازيين - الآسيويين والساميين منذ العصور القديمة كانت تقع بينهم حروب كثيرة في بلاد مابين النهرين وينتزعون الملكية والحكم من بعضهم مراراً كما كانت إيران في الألف الثانية قبل الميلاد مسرحاً لتجوال الرحل من الآريين الجدد في هذه الفترة كانت هذه العشائر تهاجر من جنوبي روسيا محمية صوب آسيا الغربية وهناك اختلطت مع الشعوب والعشائر القديمة فاستطاع بعضها تشكيل دولاً كما نشبت صراعات جعلت الشرق تسبح في بحار من الدماء والفوضى. ويجمع المؤرخون على أن هذه القبائل البدوية الرحل لم تحل في هذه المواطن دفعة واحدة بل على الأرجح أنها جاءت على شكل هجرات متتابعة الى إيران وجبال زاغروس فتوجه بداة(النيز) نحو غرب أوربا كما اجتاز بعضها مضيق البوسفور واستقرت في آسيا الصغرى التي كانت قبل مجيء هذه الشعوب موطناً لشعب قديم يدعى(خاطي)(1) أو الحثيين وقد انصهر المهاجرون الجدد ضمن الحثيين وشكلوا جميعاً شعباً واحداً تحت اسم خاطي (الحثي)أما الشعوب التي أطلق عليها اسم الهندو-أوربيين أو الهندو -إيرانيين فكانت قد هاجرت أيضاً وكما أسلفنا من سهول جنوبي روسيا الواسعة وسكنت شرق بحر قزوين والمناطق المحيطة بهذا البحر وانقسم هؤلاء الى قسمين قسم سكن إيران القديمة وبلاد زاغروس واختلط مع الشعوب القديمة المستقرة هناك والقسم الآخر توجه نحو بلاد هندستان أو الهند وكانت لغتهم السنسكريتية وقد ألفوا بها كتاب (ويداس) أما الرحل الذين اختلطوا مع الشعوب القديمة لإيران-زاغروس فقد ذابوا ضمنها وأنشأوا دولاً شهيرة واسعة الأرجاء ويدعي البعض بأن البدو الذين سكنوا إيران كانوا قليلي العدد لأن القسم الأكبر منهم توجه نحو (بختيريا) والتي يقال لها اليوم أفغانستان .ومع أن الرحل الجدد انصهروا أيضاً ضمن تلك المجتمعات القديمة إلا أنهم أعطوا لغتهم الآرية لتلك الشعوب أو حدثت عملية تمازج واختلاط لهذه الشعوب وفي الألف الثانية قبل الميلاد وتحديداً في عام 1200 ق.م قدمت بضعة عشائر من البدو الرحل الهندو-أوربيين الى بلاد إيران وهذه المرة كانت عن طريق البلفن وفي سنة 842ق.م ذكر الملك الآشوري (شالمنصر الثالث) في كتاباته اسم (بارسيوي) و(ماد) في سنة 836ق.م ومن كتابات هذا الملك يظهر أن بلاد بارسيوي كانت تقع جنوب غربي بحيرة أورمية وتقع بلاد ماد قرب أكباتان (همدان الحالية) وكما يبدو فإن بارسيوي وماد لم يكونا اسم شعبين بل يعتقد أنهما اسمين جغرافيين كما مرمعنا سابقاً وقبل قليل أتينا على ذكر شيئاً عن تاريخ (ماد) ونريد الآن الإطلاع على تاريخ بارس (فارس) أيضاً.

دولة فارس :

1- إستقر الفرس في حوالي العام (700) ق.م في بلاد (سوماش) أوشمال بلاد عيلام التي تقع قرب جبال بختيار والى الشرق من مدينة شوشتر قرب نهر كارون ولم يستطع العيلاميون تحرير شمال بلادهم من سلطة الرحل الجدد وحسب رواية هيرودوت فإن أول ملكهم كان يدعى (أخمينس) وكان خاضعاً لحكم ملك عيلام وخلال الفترة من القرن الثاني عشر وحتى القرن الثامن قبل الميلاد ولم نسمع عن العيلاميين شيئاً ولم يرد لهم ذكر كما ليس بين أيدينا مايدل على هؤلاء سوى القول بأن العداوة قد استفحلت بين عيلام وآشور ويحتمل أن يكون قد استقر بينهم بعض الأغراب وعاشوا منعزلين وكان ملك عيلام (هوبامينا) يقف في كل مرة مع البابليين ضد الآشوريين كما كان يتطلع الى تدمير دولة آشور وسحقها وبين عامي 692-688ق.م هاجم بقوات كبيرة بلاد آشور وهنا يظهر للمرة الأولى الجيش الفارسي ضمن الجيش العيلامي وبعد معارك طاحنة انتصر الآشوريون على العيلاميين وأرغموا ملك عيلام على التراجع والعودة الى بلاده يجر أذيال الهزيمة كما تمكن (سنحاريب) من الإستلاء بالقوة على بلاد بابل وهاجم بلاد عيلام وأغرقها بالدماء وتركها أطلالاً ثم قسمها الى قسمين فاشتعلت نار العداوة بينهما وكما يبدو فإن الشعب الفارسي كان يجهز نفسه في هذه الفترة وبدأ يستولي على بلاد عيلام شيئاً فشيئاً.
 

G.M.K Team

G.M.K Team
2- نيسيبيس بن أخمينيس :

بين سنتي 675-640ق.م أصبح ملكاً على منطقة فارس وإنشان وفي عهده تحررت فارس من سلطة العيلاميين وأصبح ملكاً على دولة مستقلة ويقول هيرودوت. أن بلاد فارس خضعت للملك الميدي(خوشترين فرا أوردت) الذي بدأ يجمع حلفاءه لمهاجمة الآشوريين وخلال المعركة قتل الإسكيزيون الملك فرا أورت وأخضعوا بلاد ميديا لحكمهم مدة ثمان وعشرين عاماً وفي تلك الفترة بالذات تحررت فارس من حكم الميديين وأصبحت مستقلة وعلى مايبدو فإن العيلاميين قد أصابهم الوهن والضعف وذابوا ضمن المجتمع الفارسي ولذلك فقد سيطر الفرس على إنشان وبارسا وبارسوماش.

3- آريامنس بن نيسيبيس :

اصبح ملكاً بين سنتي 640-609ق.م ولقب نفسه ب(شاهن شاه)أي ملك الملوك أوالملك الكبير ومللك العالم وعين ابنه (كي خسرو) من قبله ملكاً على (سوماش) وفي تلك الفترة هاجم الجيش الآشوري بلاد عيلام واستولى على العاصمة (سوزا) كما تمكن (ناصربال)الآشوري أن يخضع في الشمال مدينة (ماداكاتو) وأعاد الملك العيلامي ( تامارينو)الى عرشه ثم عزله بعد فترة وجيزة وضم بلاده الى مملكته ثم توجه نحو الغرب ووصل حتى مدينة (بارسوماش) في جبل بختياري وأبقى ملك الفرس ابنه (أوروكو) رهينة ليده ثم أعلن ولاءه للآشوريين وبعد مدة خضعت بلاد آشور للملك الميدي (كي خسرو)أوكي أخسار كما سيطر الميديون على دولتي الفرس الصغيرتين.

4- أرسامس بن آريامنس بن نيسيبيس بن أخمينس :

في عهد هذا الملك خضعت دولة فارس بقسميها للملك الميدي ولم يمض وقت طويل حتى انتزع (قمبيز)الحكم من أرسامس وفي عهد كي خسرو كان ابنه (حشتاسف) حاكماً على مدينة (بارسا) من قبل أبيه.

5- قمبيز بن كي خسرو بن نيسيبيس بن أخمينس:

كان حاكماً على (بارسوماش) تحت حكم الميديين وقد سيطر فيما بعد على (إنشان) و(بارسا) وتزوج من ابنة الملك الميدي (استياغ) ومنذ ذلك اليوم علا شأنه وتبؤ مكانة عالية في المجتمع.

6- كي خسرو بن قمبيز الأول:

نقل كي خسرو عاصمته الى (ساساغارد) وبنى فيها العديد من المعابد والقصور كما سيطر على الكثير من البلاد المجاورة له ثم عقد معاهدة مع ملك بابل (نيبو نيد) وهاجما معاً بلاد جده (استياغ) وتمكن من أسر جده في الحرب فبذل له غاية الود والاحترام كما نقل عاصمته الى مدينة (أكباتان).عاصمة الميديين وضم ميديا الى بلاده وبذلك وحد الشعبين في دولة واحدة ومنذ ذلك اليوم حل اسم فارس محل اسم ايران وبهذا فقد خضعت بلاد ميديا كلها لحكم أبناء عمومتهم الفرس وفي عهد كي خسرو كان مضيق الدردنيل يشكل الحد الغربي لدولة إيران-فارس وعندما سيطر الإيرانيون على بلاد ميديا سيطروا أيضاً على بابل وشمال سورية وأطلقوا سراح الأسرى الإسرائيليين وفي سنة 530ق.م قتل كي خسرو بن قمبيز الأول.

7- قمبيز الثاني بن كي خسرو:

كان ملكاً في عهد أبيه على بابل ثم أصبح ملكاً على إيران بعد مقتل الأب وفي بداية حكمه ثار ضده أخوه (برديا) ولكن تمكن قمبيز من قتله على يد (جاوماتا)أحد حكام ايران ووصل الى مصر وفرض سيطرته عليها كما أرسل ثلاثة جيوش الى السودان والحبشة وقرطاجة ولكنه فقد معظم جنوده في عاصفة رملية ومات أغلبهم عطشاً وفي هذه الأثناء دخات بلاد إيران في دوامة من الفوضى والإضطراب ولهذا فقد رجع قمبيز مرغماً الى بلاده وفي طريق عودته مات في سوريا.

8- دارا الأول 525-486ق.م :

دارا بن حشتاسف بن آرياماس بن آريامنس بن نيسيبيس بن أخمينيس في عهده طالب جاوماتا الذي قتل برديا بالملكية باسم برديا أي ادعى أنه برديا نفسه واجتمع حوله ناس كثيرون وكان يعطف على الناس ويتصدق عليهم ويقول أنا برديا بن كي خسرو وتمكن جاوماتا هذا من أن يسيطر على الكثير من أجزاء بلاد إيران وأخيراً هاجمه دارا بقوات كبيرة وتمكن من قتله وأعلن نفسه ملكاً ولكنه لم يقبل بحكمه كل الناس فانتفض البعض ضده في ميديا وأرمينيا وعيلام وبابل ومصر ولكن تمكن دارا من تحطيم أعدائه والسيطرة على جميع أحاء البلاد كما لجأ الى قتل قائد جيشه (آريانر)الذي كان حاكماً على مصر واحترم المعابد والكهنة. وقد خلد هذه الحوادث الهامة فكتبها على صخرة عالية في (بهستون)على قمة جبل يشرف على طريق همدان-كرمنشاه وفيها تظهر صورته في ظل الإله (أهورا- مزدا) الذي يطل برأسه من فرص شمس لها قرون ناتئة وهناك شخصان يقفان خلف دارا وقد وضعا أرجلهما فوق جسد جاومانا(برديا) وخلفه حكام مقيدون بالسلاسل . كتبت هذه الحوادث بثلاث لغات هي الفارسية القديمة والبابلية والعيلامية تعرف منها المؤرخون على الحروف الميخية ويرد في هذه الكتابات مايلي ( دارا الملك الثامن من السلالة الأخمينية الذي أمسك أهورا-مزدا بيده ووضعه على عرش إيران كما أنجده في حروبه ضد أعدائه).

وبعدما تفرغ دارا من مشاكله توجه نحو الشرق الى بلاد كابول وبيشادر والسند وأخضعها جميعاً لحكمه كما اجتاح بلاد اسكيزي جنوب روسيا ومضيق البوسفور وفرض سيطرته عليها وكان معه (700)الفاً من الجنود يهاجم بهم البلاد والعباد وبعد أن أخضع (تراكيا) اجتاز نهر الدانوب (دونا) ومعه اسطول(فيلو) ضخم ولكنه واجه صعوبات كبيرة في طريقة أوت الى موت أكثر من ثمانين ألفاً من عساكره لأنهم لم يكونوا يعرفون الطريق ولأن اطعام مثل هذا العدد الهائل من الجنود في بلاد غريبة ومعادية صعب جداً كما عرقلت مسيرته المستنقعات والوحول والبحار فعاد أدراجه الى أثينا التي حاول سكانها التصالح معه ولكن حاربه الاسباطيون وفي وسط أثينا ثار الشعب ضد الديكتاتور (هيفاس) وتغلب عليه ثم تحالف الأثينيين مع الاسبارطيين وبعد معارك دموية عنيفة سيطر اليونانيون على مدينة (سارديس)التي استعادها منهم الجيش الإيراني مرة أخرى وتابع هذا الجيش تقدمه حتى فيرجي وسلاميس وكاربين كما استولى الاسطول الفارسي على بعض الجزر اليونانية ومنها أرسل الكثير من الأسرى والمعتقلين الى بلاد ايران والعاصمة (سوزا) وفي هذه الأثناء حاول الديموقراطيون اليونانيون التحالف مع دارا وعقدوا معه معاهدة وكان هؤلاء يبتغون السيطرة على بلاد اليونان كلها وعندما توجه الاسطول الفارسي الى أثينا لمساعدة الديموقراطيين هبت عليها عاصفة هوجاء أدت الى مقتل وفقدان عشرين ألفاً كما غرق نصف قطع الاسطول الفارسي .بعد ذلك أرسل دارا جيشاً بقيادة الملك الميدي (ذاتيس) لماعدة حلفائه فحاصر مدينة أثينا التي انقسم سكانها الى قسمين الرجعيون والديموقراطيون ولكنهم توحدوا جميعاً في وجه العدو المشترك وحاربوه بداً واحدة واخيراً تمكن ذاتيس من احتلال المدينة ولكنه ارتكب خطأ كبيراً عندما أقدم على حرقها مع ماتضم من معابد وأماكن مقدسة كما أخذ سكان المدينة أسرى وأرسلهم الى إيران عبيداً وأرقاء وهنا اهتزت مشاعر اليونانيين وقالوا(نحن أحد اثنين إما قتلى أو أرقاء) ذلك أمران لايمكن قبولهما فتعاهدوا على محاربة العدو بداً واحدة وحتى آخر رجل منهم فاستعدوا للحرب ودخلوا ساحات المعارك وهم أكثر عزماً وتصميماً على تحقيق النصر وفي(مارتون) فوجيء دارا بالجيش اليوناني يقف بشجاعة فائقة أمام جيشه وعندما بدأت الحرب الحق اليونانيون بجيشهم الصغير هزيمة شنعاء بالجيش الفارسي الجبار وأسروا سبع سفن فارسية وبما أن المصريين انتفضوا في هذه الأثناء في وجه دارا فقد عاد هذا مرغماً الى بلاده دون أن يتاح له الوقت مرة أخرى ليعود ثانية الى بلاد اليونان حيث توفي في سنة 485ق.م.

9- سرخس (أحشويرش) بن دارا الأول:

دام حكمه بين سنتي 485-464ق.م وكان ملكاً على بابل في عهد أبيه وقد حكمها اثنا عشرة عاماً ولكنه كان يتطلع دائماً الى الذهاب الى مصر لينتقم من أهلها وفي الحقيقة كان هذا الرجل يتصف بالقساوة والعنف وعندما لبس التاج توجه بجيشه نحو مصر ومارس الكثير من الظلم والإصطهاد بحق المصريين وسحق مناوئيه بدون رحمة كما استولى بالقوة على بابل وترك مدنها وراءه اطلالاً خربة كما أحرق إله البابليين بالنار وحرمهم من حمل اسمه وبهذا الشكل انهارت سمعتهم وأصبحوا كالمنبوذين بعد ذلك توجه بقوات كبيرة نحو بلاد اليونان حيث عين ثلاثين قائداً من المشاهير الإيرانيين رؤوساء لجنده وسار هو بنفسه على رأس هذا الجيش كقائد أعلى له فصنع له الفينيقيون جسراً من القوارب اجتاز عليه بجيشه الى مقدونيا (تتاليا) التي خضعت له دون قتال كما انتصر على الجيش اليوناني في (ترموبيل) واستولى عنوة على أثينا وأحرق (الأوكربول) ولكن الاسطول الفارسي تحطم مرة أخرى بفعل العواصف الشديدة وتناثرت قطعه في البحر وكان سرخس (سرخوش) يراقب المعركة بنفسه ويشاهد كيف يختفي عساكره في الماء وتتحطم سفنه وتغرق الى قاع البحر وكيف يطارد العدو قواته البائسة حيث باتت تلوح في الأفق بوادر النصر للعدو فغضب وهاج وماج وفي ذروة غذبه أقدم على اعدام قائد اسطوله الفينيقي عندئذ أبدى الفينيقيون والمصريون امتعاضهم مما حدث فتركوه قافلين الى بلادهم فسلم سرخس قيادة من تبقى من جنوده واسطوله الى (ماردوتيوس) وعاد الى بلاده وحاول هذا القائد التصالح مراراً مع أعدائه ولكنهم كانوا يرفضون محاولاته فكان لابد عندئذ للقائد الإيراني من مهاجمة (أثينا) مرة أخرى وتمكن من حرقها وسلبها ونهبها ولكن لم يستسلم اليونانيون له واستطاعوا في سنة 479ق.م من الحاق هزيمة منكرة بالجيش الفارسي خطأ قاتلاً مرة أخرى وذلك عندما نزل بنفسه الى ميدان المعركة حيث قتل وتشتت شمل عساكره كما اندحر اسطوله في منطقة (ساموس ساليا) وبهذا الشكل تم تحطيم الجيش الفارسي واستقل اليونانيون وتحررت البلدان الأوربية من سيطرة الفرس ولم يتسنى لملكهم التوجه نحو الغرب مطلقاً بعد تلك الأحداث الدامية. وفي سنة 465ق.م قتل هذا الملك في قصره في ظروف غامضة.

10- أزدشير الأول بن سرخس بن دارا الأول:

ذهب لمحاربة أخيه حاكم خراسان وبختيريا ثم لجأ الى قتل جميع اخوته وعندما انتفض المصريون ضده سارع الجيش اليوناني لنجدتهم ولكن استطاع الاسطول الفارسي احراق وتدمير الاسطول اليوناني والإستلاء على مصر بالقوة كما قضى على التمردات والثورات في سوريا وبابل ولكن تراجعت الحدود الغربية لإيران مرة أخرى الى نهر الهاليس ( قيزيل يرمان) وتوفي هذا الملك في سنة 424ق.م .

11- دارا الثاني بن أزدشير بن سرخس بن دارا الأول:

في عهد هذا الملك دبت الفوضى وانتشرت في كل مكان وفي هذه المرة كان لذهب إيران (فارس) الدور الأهم في مساعدة الملك دارا وإن كان الجيش الإيراني قد ذاق طعم الهزيمة عدة مرات ألا أن الذهب الإيراني لم ينهزم بل جعل عساكر العدو وجنوده يقاتلون بعضهم بعضاً حتى خضعت بلادهم أخيراً للسيطرة الفارسية (الإيرانية) فبالذهب وحده تم تدبير فتنة بين اسبارطة واليونان حيث أرسل دارا شخصاً يدعى( تيسافرن) الى بلاد اليونان فكان ذكياً ونشيطاً داهية حيث قام بنثر الذهب يميناً وشمالاً حتى تمكن من انشاء جيش من المرتزقة ومال إليه الاسبارطيون فعقد معهم دارا معاهدة وهاجموا معاً مدينة أثينا وبذلك تمكن هذا الملك أن يستولي مرة أخرى على بعض المدن اليونانية وأسكن فيها الجيش الفارسي واستحصل الجزية الباقية عليهم من السنين السابقة وبعد فترة عقد معاهدة أخرى مع الإسبارطيين الذين جعلهم أسياداً على بلاد اليونان بعدما أغراهم بالذهب الإيراني وبريقه وأصبح هؤلاء أصحاب دولة وسلطان وفي عهد هذا الملك قامت ثورة في ميديا كما أحرقت معابد يهودية في مصر وبعد سلسلة من المعارك العنيفة ألحقت الهزيمة بالاسطول الفارسي وجرى تحطيمه وفي تطور لاحق دخلت اليونان مرة أخرى تحت سيطرة الإيرانيين الفرس هذا وقد نصبت زوجة دارا ابنها كي خسرة ملكاً على ليديا وفيرجيا وكبادوكيا وأسندت إليه كذلك قيادة الجيوش الغربية وتوفي دارا الثاني في عام 404ق.م .
 

G.M.K Team

G.M.K Team
12- أزدشير الثاني بن دارا الثاني :

حكم بين عامي (404-359) ق.م وقد طعنه أخوه (كي خسرو) في معبد (باساغارد) ولا ندري كيف لم يدركه المنون ولكن حرر أزدشير أخاه وأطلق سراحه بناء على توسلات والدته وأرسله الى حيث كان في الغرب ومرة أخرى وقف هذا الأخ الغدار في وجه أخيه على الرغم من اليد البيضاء التي أسداها إليه فجاء على رأس جيش إيراني مع ثلاثة عشرة ألفاً من المرتزقة اليونانيين لمحاربة أخيه ولكنه قتل في ساحة المعركة في منطقة بابل واستسلم الجنود الإيرانيون لملكهم أزدشير وعاد الجيش اليوناني المرتزق الى بلاده عن طريق كردستان بقيادة كزينوفون نحو سواحل البحر الأسود وطرابزون وفي هذا الوقت كانت الامبراطورية الفارسية تعج بالمشاكل والإضطرابات فقد ثار اليونانيون وطالبوا باستقلال بلادهم كما انتفض الفينيقيون وحاولوا إخراج بلادهم من قبضة الإيرانيين وثار المصريون بدورهم وتمكنوا من تحرير بلادهم كما طالبت جزيرة فيرجي وسوريا بالتحرر والإستقلال وثار الحكام الخارجيون على الملك وطالب الحاكم الإيراني على مصر (داماتيس) بالملكية واجتاز الجيش المصري والإيرانيين المؤيدين له نهر الفرات متوجهين نحو بلاد إيران ولم يستطع ابن الملك الإيرانب قيادة جيشه على الوجه المطلوب فتولى الملكقيادة الجيش بنفسه وجاءت النتيجة لصالح أزدشير وحالفه الحظ ففي هذه الأثناء ثار الشعب المصري ضد فرعونه ووتنصل الثائر داماتيس من حلفائه وندم على فعلته فعفى عنه الملك وأطلق سراحه وأعاده الى منصبه كما تاب جميع ممن انتفضوا ضده وأعلنوا ولاءهم له ولكن بعد أن قتل الجنود والشعب الكثير منهم بدون أوامر الملك ولم يمض وقت طويل حتى قتل داماتيس في مجلس الملك الذي توفي هو الآخر في عام 359ق.م.

13- أزدشير الثالث بن أوخوس بن أزدشير الثاني :

كان شخصاً عنيفاً صعب الميراس ولكنه كان من دهاة الفرس ومن رجالات الدولة المحنكين وأحد أقطاب الامبراطورية الإيرانية الواسعة الأرجاء في بداية حكمه لجأ الى قتل جميع اخوته كما قضى على كل الثورات والتمردات التي كانت قائمة في عهد أبيه وتمكن من تحطيم كل من وقف في وجهه بدون رحمة كما سحب اليونانيون جنودهم الى الخلف وأعلنوا صداقتهم وولاءهم له ثم توجه نحو بلاد مصر وفي طريقه دخل مدينة صيدا وارتكب فيها الفظائع لأنها كانت قد اندلعت فيها ثورة عارمة ضده فاحرقها مع من فيها وهرب فرعون مصر الى (إثيوبيا) فأحرق الإيرانيون معابدهم وقاموا بنهبها وسلبها وقتلوا الكهنة جميعاً وبهذه الفظائع والأعمال الوحشية استطاعوا توسيع حدود إيران وتحطيم رؤوس أعدائهم فاستثارت الحادثة رجالات من الغرب ورفعوا أصواتهم عالياً أمثال (إيزوقراط) فنادوا (أيتها الشعوب المضطهدة اتحدوا وثوروا على الظالمين ومصاصي الدماء لكي تنتزعوا بلادكم من هؤلاء الأوغاد لصوص التاريخ ولننعم جميعاً بخيرات بلادنا ونعيش أعزاء مكرمين بعيدين عن الأوصياء والنهابين).وكان الشعب المكدوني لم يكونوا بونانيين بالأصل فقد اتخذوا اليونانية لغة لهم وأصبحت لغتهم الرسمية وكانوا من الشعوب المجاورة لليونانيين من الشمال وكان موطنهم يقع بين صربيا وبلغاريا وتركية الحالية وكان حاكمهم فيليب يريد إقامة امبراطورية واسعة الأرجاء لتحل محل الامبراطورية الفارسية ولكن كان (ديموشين) أحد حكماء اليونان في أثينا غير راض عن خروج أثينا من أيدي الفرس لتدخل في أيدي المكدونيين حيث أرسل ديموشين من قبله أشخاصاً الى سوزا وعقدوا معاهدة مع الملك الإيراني واما رأى فيليب أن اليونانيين لايرضخون لحكمه طواعية جرد عليهم جيشاً تمكن من إخضاعهم بالقوة في عام 338ق.م وفي هذه السنة بالذات قتل أزدشير بيد أحد قواد جيشه .



دارا الثالث- كوهدومان (الجبل ذو الضباب):

كانت بلاد إيران في عهد هذا الملك تخطوا سراعاً نحو الموت والإنهيار وسادت البلاد جو من الأنانية والمصلحة الضيقة بين الحكام وقادة الجيش وأفراد الطبقة الحاكمة التي أغرقت حتى أذنيها في المشاكل والمصالح الشخصية وكل واحد من هؤلاء يريد أن يصبح حاكماً على البلاد ففتحت الشعوب المستعبدة أعينها على الأوضاع وتطلعت نحو الحرية والإستقلال ولم يعد يعير إنتباهاً لقوانين ودساتير الدولة وانفلت زمام الأمور من أيدي الملك وعمت الفوضى البلاد كلها ورانت الشعوب ببصرها نحو الإنعتاق من سلطة الإمبراطورية الإيرانية وباختصار كانت الدولة تعيش أيامها الأخيرة واهتزت أركانها فلم تستطع الصمود أمام ماحل بها من دمار ومصائب في هذه الأثناء كانت تتشكل دولة فتية ذات طابع جبلي في مكدونيا تسير صاعدة نحو القوة والمج وفي خضم الصراعات التي استفحلت في هذه الدولة قتل ملكها (فيليب) بيد أحد مناوئيه فخافه ابنه الإسكندر الذي أدركته الشهرة في وقت مبكر من حياته وتطلع الى لبس التاج الإيراني وأراد الإنتقام لبلاده من الإيرانيين وفي قلب إيران قتل القائد الدموي(بغراس)الملك أزدشير الثالث بالسم وجعل أرسيبس بن أردشير أوخوس ملكاً مكانه وأخيراً قتله هو الآخر بعد ثلاث سنوات فأصبح مكانه (دارا كوهدومان) ملكاً وكان بفراس يرمي من وراء ذلك الى اإحتفاظ بالملكية لنفسه عندما تواتيه الظروف.ونذكر هنا بحقيقة ثابتة في التاريخ وهي عندما تحين نهاية عائلة حاكمة أو دولة فإنها تصبح كشجرة قديمة لاتعطي فروعاً ولاتثمر بما فيه الكفاية وأخيراً تصفر أوراقها وتذبل وتعصف بها الرياح وتخلخل الديدان جذوعها سائرة بخطوات رهيبة نحو الموت والفناء والشيء نفسه يحدث في حياة البشر كدستور وسنة من سنن الطبيعة والتاريخ . وقد تغنى الكثير من العائلات والدول على أيدي عبيدها أو قادتها وخدمها ويحل هؤلاء محل تلك العائلات الحاكمة أو يسلمون تلك الدول لأعدائها. هذا وكان دارا الثالث رجلاً بارعاً شجاعاً وذكياً يعرف كيف يضع الأمور في نصابها. ولكن لم يكن الحظ حليفه حيث جاء الى العرش في مثل هذه الفترة التي كان فيها عدوه اسكندر المكدوني في الغرب يتقدم بخطوات رضية نحو القوة والشهرة وفي وقت كانت بلاد إيران تسير نحو الهاوية والإضمحلال بدأ الاسكندر بوطنه فطهره من الأعداء الداخليين وقضى على التمردات والفوضى والصراعات كما ضم بلاد اليونان الى مملكته وأنشأ جيشاً ودربه وسلحه تسليحاً جيداً واستورد الأسلحة وآلات الحرب والحصار وطور بعضها ثم توجه نحو بلاد إيران بقلب من حديد.في تلك الفترة كان اليونانيون ينقسمون الى مجموعتين.الأولى تقول: رغم أن حكم مملكة مكدونيا على بلاد اليونان شيء صعب وثقيل ولكن مهما كان فنحن جميعاً من الشعوب الغربية ولنا حدود مشتركة وآمال وآلام واحدة ولغة واحدة بالإضافة الى أن مملكة إيران غريبة عنا وعدوة الشعوب طاغية ومتجبرة والقبول بحكمها بالنسبة لنا انتقاص لكرامتنا وقيمنا كشعب لايرضى بالظلم والضيم. أما المجموعة الثانية فتبدي رأيها كمايلي: نحن بفضل شاه إيران واتساع الإمبراطورية الإيرانية أصبحنا أغنياء ونتمتع بمكانة عالية واحترام كبير وسمعة طيبة بين الشعوب.وإقتصادنا متقدم وخيرات بلادنا تزداد يوماً بعد يوم أما مكدونيا فهي جارتنا الطامحة القوية والقريبة منا تستطيع ابتلاعنا في أية لحظة والقضاء على اسمنا وبلادنا وكل مكتسباتنا الحضارية وضمها إليها وبما أن فارس بعيدة عنا فهي لاتستطيع أن تفعل الشيء ذاته ولالسعة ذاتها. هذا وكان الإسكندر يريد الزعامة لشعبه وعائلته وبلاده كما كان الشعب والتجار اليونانيون والمكدونيون يريدون مدناً أكثر ودولة واسعة الأرجاء لتزداد فرص التعامل بين الشعوب وتزدهر التجارة وتتسع الأسواق فيزدادون غنى ورفاهية وتتكدس ثرواتهم ولهذا فعندما انتفض مدينة (الطيبة) اجناحها الاسكندر وأحرقها ودمرها عن بكرة أبيها وحول سكانها الى أرقاء باعهم في أسواق النخاسة ونادى باليونانيين من أراد أن يصبح مثل هؤلاء فليرفع لي رأسه ولكن لم تقدم له مملكة أثينا حليفته أثناء حروبه سوى ثمانية آلاف جندي وقسم من اسطول أثينا وكان الاسكندر يعتمد على الجيش المكدوني ويثق بقدراته فعبر به مضيق البوسفور على القوارب والسفن واستولى على طروادة ثم توجه نحو ساحات الحروب وهنا وقع دارا كوهدومان في خطأ كبير عندما اسقط من حساباته قوة جيش الإسكندر وكان يقول ويردد إن هذا الشخص طغى وتجبر وخرج عن طوره وفي أول لقاء مع الجيش الفارسي سيداس تحت حوافر الخيول واستهان به كثيراً حتى أنه أصدر مرسوماً ملكياً الى الشعب والجيش يطلب فيه إلقاء القبض على الإسكندر أينما وجدو توثيقه بالسلاسل والقيود وإرساله الى مدينة سوزا عاصمة إيران ثم بعث أربعين ألفاً من جنوده الى ساحة الحرب بقيادة(ممنون) حاكم (رودوس) ونظراً لخطورة الموقف فقد تولى الإسكندر قيادة الجيش بنفسه وتحت إمرته القائد (بارمينون) على ميسرة الجيش المكدوني الذي كان عدده ثلاثين ألفاً من المشاة وخمسة آلاف من الفرسان يحمل بعضهم رماحاً طولها سبعة أمتار كما كانوا مسلحين بالقامات أو السيوف القصيرة ويلبسون الخوذ والدروع الحديدية ومعهم آلات الحصار كالدبابات والمنجنيقات وبهذا العدد القليل من الجند هزم الجيش الإيراني في (كوتيكوس) للمرة الأولى واجتاز جيش الاسكندر الحواجز المائية حيث قتل أوفقد نصف الجيش الفارسي وفي أثناء اصتدام المعركة هاجم فارس إيراني الإسكندر وكاد أن يقتله لولا أن تصدى أحد فرسان الإسكندر له وصده عن ملكه بعدما جعل يده وسيفه يتطايران في الهواء وبذلك نجا الإسكندر من موت محقق وبدأ جيشه يواجه جيش دارا يوماً بعد يوم ووقع القتال الحاسم بين الطرفين في (كيليكيا) قرب مدينة (إيسوز) ولم يتسع سهل المدينة الضيق الجيش الملك دارا الذي بلغ تعداده ستمائة ألف مقاتل ولم يتح له المجال الكافي للمناورة والترك وكان أحد قادته قد نصحه مراراً بأن هذا السهل الضيق غير صالح بالنسبة لتحركات هذا العدد الهائل من الجنود لمحاربة عدو متمرس بفنون القتال.وان هذه المنطقة غير صالحة لسببين الأول إن عساكرنا لايسعه هذا السهل والثاني هو أن المكدونين جبليون وقدرتهم على المناورة في مثل هذه المناطق كبيرة وأكثر منا بكثير الى هنا انتهى كلام القائد ولكن دارا لم يأخذ برأيه وقال مغروراً لاأعتقد أن هناك جيشاً في العالم يستطيع أن يصمد أمام جيشي.ويبدو من كلامه أن دارا كان لايحسب حساباً لجيش الإسكندر ولايهابه لأنه هذا الجيش كان منهكاً ويسير لمسافات بعيدة كما أن عدوه قليل بالقياس الى جيش الطرف الآخر وعندما بدأت المعركة الفاصلة سنة 332ق.م في إيسوس لم يصمد الجيش الإيراني وولى الأدبار مسرعاً وتراجع دارا الى الخلف مرات عديدة وتعتبر هذه السنة من السنوات الهامة والمقدسة في تاريخ المكدونيين لأنهم استطاعوا بجيش صغير نسبياً تعداده أربعون ألفاً من الحاق هزيمة شنعاء بالجيش الإيراني الشديد الميراس الذي بلغ تعداده ستمائة ألف مقاتل.تابع جيش مكدونيا تقدمه بسرعة ودخل دمشق بقيادة(بارمينون) وعندما شاهد الإسكندر عرش دارا ومقنينات قصره وكلها مصنوعة ومزينة بالذهب الخاص صرخ بأعلى صوته قائلاً هكذا يجب أن تكون العروش والملكية وعامل نساء وأولاد دارا معاملة جيدة وأظهر لهم الود والإحترام وأسكنهم في قصر كبير وتزوج من ابنة دارا.هذا ولم يلق الإسكندر في طريقه مقاومة سوى من مدينة (صور) التي ألقى عليها الحصار وبعد ثمانية أشهر دخل المدينة عنوة فقام بزبح ثمانية آلاف شخص وباع ثمانين ألفاً منهم كأرقاء ثم دخل مدينة (غزة) فقتل جميع رجالها وسبى نسائها ولكن المصريين استسلموا له دون حرب وقبلوا بحكمه فعين عليهم كاهناً عجوزاً من قبله وبنى مدينة الإسكندرية محل قرية (راقورة) وخرج سنة 331ق.م من مصر متوجهاً نحو إيران ووصل عدد جيشه في هذه الأثناء الى خمسين ألفاً واستطاع دارا أن يحشد في وجهه مليون جندي بعضهم يمتطون عربات مسلحة واستعد للمعركة الفاصلة والأخيرة وقد خاف جيش الإسكندر وتملكه الرعب وكان هو نفسه يخشى من هذا الإتساع الهائل لمملكته وكان دارا قد عرض عليه عشرين مليون قطعة ذهبية يدفعها له سنوياً مقابل تراجعه عن بلاده ولكن لم يلق ذلك قبولاً لدى الإسكندر فشن هجوماً على بلاد إيران وفي أربيل الحق الهزيمة بجيش دارا ودخل بلاد بابل دون قتال ثم توجه نحو(برسوبوليس)عاصمة إيران فدخلها وأحرق قصر دارا ونهب المدينة واستباحها وداس المكدونيون كل شيء بأقدامهم وارتكبوا الفظائع وتركوا المدينة أطلالاً خاوية على عروشها. دامت هذه الحالة ثلاث سنوات في إيران حتى قتل دارا ويقال بأن دارا قتل على يد وزيره ويذهب آخرون الى أنه قتل بيد أثنين من حراسه في سنة 322ق.م وبذلك وقعت بلاد إيران تحت سيطرة المكدونيين بعد عشر سنوات من الحرب وقسم الإسكندر إيران بين قواده فأصبحت كردستان تحت سيطرة (بطليموس)(1) وكانت عاصمته مدينة بدليس.هذا ووصل الاسكندر بفتوحاته حتى جبال هيملايا واستولى على تلك البلاد والمناطق ثم عاد عن طريق سواحل المحيط الهندي الى مدينة سوزا عاصمة عيلام وفي طريق العودة مات حوالي العشرة آلاف من عساكره وفي سوزا تزوج من ابنة دارا واسمها (ستايترا)(1) بإحتفال مهيب ويقال بأنه توفي في عام 321أو 323ق.م وهو في ريعان شبابه فترك وراءه التاج والمال والملك والجاه وغاص تحت الثرى هامداً.

جكرخوين 13/3/1967م.
 

G.M.K Team

G.M.K Team
بداية الهجوم العربي الإسلامي على الكرد والفرس



في السنة الثامنة للهجرة أرسل نبي الإسلام محمد بن عبدالله كتاباً الى كسرى ملك الفرس مع عبدالله بن حذافة وعندما قرأها كسرى مزق الرسالة وقال (لو لم تكن النار مقدسة لألقيتها فيها ) ثم أرسل غاضباً الى عامله على اليمن والحجاز (بازان) قائلاً له:أرسل شخصين قاسيي القلب عديمي الرحمة الى هذا الرعي ومره أن يأتيني فأرسل بازان الى محمد رجلين أحدهما يدعى(بابو) والآخر (خرخسرة) وهما حليقا الذقن وذوا شاربين مفتولين تبعث ملامحهما على الرعب والخوف ومعهما رسالة الى محمد يقول فيها (أريك أن تذهب مع هذين الشخصين الى كسرى وأنا أشفع لك عنده وإذا لم تذهب فسيكون في ذلك هلاكك وهلاك قومك وعندما قرئت ارسالة على محمد قال لهما عودا إلي غداً وفي تلك الليلة جاءت البشرى الى محمد تخبره أن (شيرويه) قتل أباه كسرى وعندما عاد الرجلان إليه في الصباح سألهما محمد (ص) الى من سأذهب فقالا له ستذهب الى الملك كسرى (أبرويز) فأخبرهما رسول الله محمد (ص) بمقتل كسرى على يدي ابنه شيرويه فوجم الرجلان وقررا أن يجعلا هذا الكلام امتحاناً له وقالا:إذا كان ذلك حقيقة فسنعرف عندئذ أنك نبي مرسل وبعد قليل جاءهما الخبر اليقين فأسلما عندئذ أرسل محمد الى بازان يرغبه ويرهبه قائلاً له إذا أسلمت فسأبقيك في منصبك وسأسدي إليك ماترغب فيه فأسلم بازان ودخلت اليمن تحت حكم المسلمين دون قتال ووالى اليمنيون محمداً مع الجنود الإيرانيين الموجودين معهم وانضوا تحت لواء الدولة العربية الإسلامية وبقي بازان في الحكم حتى توفي فخلفه ابنه (شهر) كحاكم على صنعاء وقتل هذا الأخير على يد الأسود العنسي وتزوج الأسود امرأته(آزاد) ولكن تمكنت آزاد مع اثنين من اتباعها وهما فيروز ودازويه من قتل الأسود وتولى فيروز ودازويه قيادة جيش (ابنا) ثم قتل دازويه على يد قيس والتجأ فيروز الى الجبل وطرد المسلمون الأكراد والفرس والديلم من اليمن وكتب فيروز الى أبي بكر ليقول له إن أولئك الأطفال الذين هم من أمهات عربيات وآباء من الكرد والفرس والديلم أي من أم عربية واب أعجمي مد عاشوا سنوات طوال مواطنين دائمين وثابتين في اليمن فأين يطردون وفي السنة الثانية عشرة للهجرة أرسل الخليفة أبو بكر الصديق جيشاً كبيراً بقيادة خالد بن الوليد الى بلاد الفرس وكردستان ومنذ البداية دفعت مدن (بانقيا) و(إيليس) و(باروسما ) الجزية للدولة الإسلامية وانضوت تحت لوائها ثم أرسل أبو بكر جيشاً آخر بقيادة عياض بن غنم عن طريق (المسيخرة) لنجدة خالد ومن القادة العرب المشهورين الذين حاربوا الفرس القعقاع بن عمرو التميمي وعبيد بن أوس الحميدي والمثنى بن حارثة والمازور والسلمي وكان عدد جنود القائدين ثمانية عشرة ألفاً من الفرسان بالإضافة الى جنود ابن حاتم الذي رافق خالد بن الوليد وكان يقود جيش إيران -كردستان هرمز اسوار.أرسل هرمز هذا الى ملكه كسرى يخبره بقدوم الجيش العربي وتوجه هو لملاقاة هذا الجيش ودخل (الحفير) قبل وصول خالد كما عين ولدا أزدشير الكبير وهما (قوباد) و(أنوشجان) قائدين في مقدمة جيشه وأسرع خالد نحو الكاظمة فسبقه إليها هرمز أيضاً ولكن أمر خالد بالتعسكر ونصب الخيام للجيش وبدأت المناوشات الأولى فدخل كل من خالد وهرمز الى ميدان المعركة ونبارزا بشجاعة وفي هذه الأثناء هجم القعقاع على هرمز برمحه من الخلف فقتله(1) وعندئذ التحم الجيشان في معركة فاصلة والحق العرب بالفرس خسائر فادحة وقام القائدان قوباد وأنوشجان جيش المسلمين بضراوة وأخيراً انهزم الجيش الإيراني المنهك وقتل الآلاف من أفراده وسميت هذه المعركة ﺒ (ذات السلاسل) ذلك لأن قوباد وأنوشجان ربطا نفسيهما بالسلاسل لئلا يفرا من ميدان المعركة ولكن لم يكن ابداً من الهزيمة فوليا الأدبار وهما لا يلويان على شيء .

معركة المذار (2)

قتل في هذه المعركة قائد الجيش الإيراني (قارين) بيد(معقل بن الأعشى) كما قتل أنوشجان بيد عاصم وقتل قوباد بيد عدي بن حاتم وفقد في المعركة أو قتل ثلاثين ألفاً من الجنود الإيرانيين ولم يعرف عدد قتلى العرب .والمذار تقع على ضفاف قناة تصل دجلة بالفرات.

معركة الولجة :

أرسل ملك الفرس المدعو (أزدشير)اشهر قواده ويدعى (أندرزخر) لمحاربة خالد بن الوليد وأنجده بقوات إضافية كبيرة بقيادة(بهمن جادويه) وفي هذه المنطقة دارت رحى حرب طاحنة بين الطرفين فانهزم الجيش الإيراني ومات القائد أندر زخر عطشاً في القفار وأسر العرب الكثيرين من الفرس.

معركة أليس :

في هذه المعركة كان (جابان الكردي) قائداً للجيش الإيراني وفي خضم المعارك العنيفة قتل سبعون ألفاً من الجيش الإيراني-الكردستاني واسر الكثيرون حيث قتل العرب الأسرى وكان الجيش الإيراني يضم في صفوفه بعض العرب المتحالفين مع الإيرانيين بعد ذلك دخل العرب مدينة (مينيشيا) وأرسل خالد الى الخليفة يخبره بما تحقق من إنتصارات باهرة على مختلف الجبهات.

معركة بادقلي (3) :

خرج قائد الجيش الإيراني (مرزبان) من الحيرة لملاقاة خالد بن الوليد وعندما سمع بمقتل (أردشير)عاد أدراجه دون أن يدخل في إشتباك مع خصمه وفي هذه الأثناء قتل (ابن أزدابه)وسيط العرب على الحيرة في السنة الثانية عشرة للهجرة ودخل الجيش العربي الى الأنبار وعين التمر على نهر الفرات فهرب(شيرزاد) من الأنبار و(بهرم) من عين تمر والتجأ الأخير الى إيوان كسرى كما قتل القائدان (روزمهر) و(روزابه) وهنا يتوجب علينا أن نبين بإختصار أوضاع إيران -كردستان السياسية والعسكرية ففي تلك الفترة كانت هذه البلاد تعج بالصراعات والنزعات الداخلية التي تكاد لاتنقطع فتحرر قسم كبير من العراق من حكم الإيرانيين كما خرجت اليمن والبحرين من أيدي الجيش الإيراني -الكردي وفي هذه الأثناء تةفي (شهره برز) كما قتل (جادويه) وأصبحت (أرزميدوخت)ابنة كسرى أبرويز ملكة وزوجوها غصباً الى (فروخ زاد)حاكم خراسان فعتبرت الملكة تلك إهانة لها ومكنت المدعو (سياه خوش رازي) من قتل زوجها واستغلت بالملك مرة أخرى كما تمكنت من قتل الملك (سابور) وفي مقابل هذه المشاكل المستعصية التي كانت تعصف ببلاد إيران كان العرب في الجانب الآخر ينشطون تحت ظل الإسلام ويتقدمون بخطوات متسارعة نحو القوة والمجد تحت راية الدين الإسلامي الجديد وكان الناس من كل حدب وصوب يعتنقونه ويؤمنون به كما كانت الشعوب الإيرانية تؤمن سراً بالدين الحنيف وتريد الإفلات من قبضة ظلم الملك والأمراء والآغوات والخانات الإيرانيين الحديدية والإنطلاق نحو الحرية والخلاص التي نادى بها الإسلام والخروج من الظلمات الى النور الذي أضاء العالم وتوفي الخليفة أبو بكر في السنة الثانية عشرة للهجرة فخلفه عمربن الخطاب.

عمر بن الخطاب :

رجل جليل القدر وذكي ذائع الصيت وديموقراطي عادل.عزل هذا الخليفة بعض قادة الجند القدماء وأحل محلهم آخرون كانوا موضع ثقة ليده ثم أرسل عمر جيشاً كبيراً بقيادة (المثنى بن حارثة الشيباني) الى إيران -كردستان وكان من بين قادة الجيش أبو عبيد الثقفي والصليت بن قيس العنساري وهما من القادة المشهورين في التاريخ الإسلامي بالإضافة الى قادة عظام يقودون الجيش العربي الإسلامي وفي الفترة ذاتها تمكنت الملكة (أرزميدوخت) و(سياه خوش رازي) من قتل الملك (سابور) الذي كان ملكاً قبلها كما قتلت (فروخ زاد) حاكم خراسان ولم يمض وقت طويل حتى تمكن رستم بن فروخ زاد من دخول إيوان كسرى بجيش كبير وقتل سياه خوش رازي كما عمد الى سمل عيني الملكة وعين (بورانشاه) ابنة (أبرويز) وأخت أرزميدوخت ملكة على البلاد ولكن كان رستم يطمح أن يكون ملكاً وينتظر الفرصة المناسبة للوثوب الى الحكم وكان يعمل على إزاحة القادة والشخصيات القوية التي تشكل عقبة أمامه وبذلك لم يترك الفرصة لأحد يمكن أن يرفع السيف في وجهه ولهذا السبب أرسل القائد المشهور (جابان)الى ساحات القتال الذي أسر في إحدى المعارك كما قتل القائد المغوار (مردانشاه) وبذلك تم الحاق هزيمة ماحقة بالجيش الإيراني في (نمارق) وقتل الكثير من أفراده ومن بقي حياً التجأ الى ابن خالة الشاه المدعو(نرسي) وقد تجمع هؤلاء في (كسكر) وكان مع نرسي ولدا خال الشاه وهما (بندويه) و(تيرويه) وعندما سمعت (بورانشاه) ورستم أن جابان قد أسر وأن الجيش الإيراني حاقت به الهزيمة عندئذ أرسلا جيشاً كبيراً بقيادة العرب هذه المرة أيضاً الذين دخلوا مدن (زندرود) و(بارسومارش) و(زوابي) كما وقع الكثير من الجنود الإيرانيين في أسر العرب .
 
أعلى